عظة البطريرك الرَّاعي في قدّاس افتتاح السنة الجامعيّة 2022-2023
عظاتالأحد الرابع من زمن الصليب: مثل العبد الأمين الحكيم
“أنتم ستحزنون، ولكنّ حزنكم يؤول بكم إلى الفرح” ( يو 16: 20).
1. أنبأ الربّ يسوع تلاميذه بأنّهم سيحزنون بسبب موته العتيد على الصليب، وبأنّ حزنهم سيؤول بهم إلى الفرح، لأنّه في اليوم الثالث سيقوم. فبات كلّ إنسان يعيش هاتين الحالتين: الحزن والفرح، وفقًا لظروف حياته على أنواعها. بآلامنا نشارك في آلام المسيح الخلاصيّة، بل “نكمّل ما نقص من آلامه” على ما يقول بولس الرسول (راجع كولوسي 1: 24). فيعطيها الربّ قيمة خلاصيّة ويقدّسنا بها. “ولأنّنا نشاركه في آلامه، فهو يُشركنا في مجد قيامته”، على ما يقول القدّيس بولس الرسول أيضًا” (روما 8/ 17).
2. كلّ الشعب اللبنانيّ يحزن في هذه السنوات الأخيرة من رؤية بلادنا تنهار، وتتفكّك مؤسّساتها، ويُهدم إقتصادها، وتُبدّد ماليّتها، وتُفرغ خزينتها. ويحزن على الأخصّ شبابنا بسبب الأفق المسدود أمام وجوههم، وبسبب توقهم المتعثّر إلى العلم العالي كثروتهم الطبيعيّة، سواء في الجامعات الخاصّة أم في الجامعة اللبنانيّة، بداعي حالة الفقر والحاجة إلى مال، والحاجة بخاصة الى استقرار.
3. لكنّ الأمل وطيد بأنّ هذا الليل الطويل ستزول ظلمته مع إطلالة فجر جديد، نترقّبه بانتخاب رئيس جديد للجمهوريّة قبل الحادي والثلاثين من تشرين الأوّل الجاري، وبتشكيل حكومة قادرة ومميّزة بكفاءات وزرائها، تحترم مبدأ تقاسم السلطة وتنبذ المحاصصة.
4. يسعدني أن أحتفل معكم بهذه الليتورجيا الإلهيّة التي نفتتح بها العام الدراسيّ الجامعيّ في جامعة سيّدة اللويزة 2022-2023. فأحيّي رئيسها وسائر القيّمين عليها في مختلف فروعها. كما أحيّي أمّنا الرهبانيّة المارونيّة المريميّة بشخص رئيسها العام الأباتي بيار نجم الذي تولّى رئاسة هذه الجامعة. الرهبانيّة حريصة عليها وحارستها. إنّ جامعة NDU العزيزة على قلبي توفّر لكم ما تستطيعون به أيّها الشباب صدَّ كلّ محاولة لهدم وطنكم وعرقلة مستقبلكم بالصمود والوعي والإنكباب على دروسكم. فهذه جميعها تفوق كلّ إعتبار.
جامعتكم NDU نشأت وقامت وكَبُرَتْ لتصدِّرَ طاقاتٍ وخاماتٍ أوّلاً الى الوطن ولتعزّز الاكتفاء الذاتيّ بالقدراتِ، ثمّ تصدّر إلى الخارج بما يفيض. انّ تاريخَ جامعة سيدة اللويزة يشهدُ بما حقّقت وبوقتٍ قياسي، صُنّفت بمصافِ الجامعات العالميّة، بالإضافة إلى اعتماد مُجمَل الاختصاصات ومنها الهندسة والعلوم الاقصاديّة والماليّة والتكولوجيا.
نريد أن تبقى هذه الجامعةُ مصنعاً للقادةِ نساءً ورجالاً؛ نريدُها أن تبقى قِبلةَ أنظار؛ نريدُها بوتقةً تتحقّق فيها تعدّدية الطاقات في الوحدة لتُخرجَ خططاً مستقبليّةً رائدةً؛ نريدُها جامعةً تحتوي على مركز أبحاثٍ يَشكّلُ مرجعاً وعقلًا للكنيسةِ وللدولة.
5. لبنان بحاجة إلى سواعدكم من أجل إعادة بنائه، وهو مثخن بالجراح، عاجز عن تأمين أبسط مستلزمات الحياة الأساسيّة، بعدما كان بين الأربعة بلدان الأكثر إزدهارًا في العالم سنة 1961. فليعرف الذين يطمحون إلى العمل السياسيّ، أن لبنان بحاجة إلى رجال دولة، لا إلى رجال سياسة. والفرق كبير بينهما رجل الدولة يفكّر دائمًا بالأجيال القادمة، وهمّه الأساسي الإنسان وطموحاته المحقّة وسعادته. يدخل إلى الحكم عاديًّا ويخرج فقيرًا. أمّا رجل السياسة، الغارق في أنانيّته القاتلة، وعشقه المريض للسلطة والتسلّط، فلا يفكّر إلّا بالإنتخابات القادمة، وهمه الاساس ذاته، وليس بالأجيال الآتية، كمطيّة لإبراز سموّ الأنا وإستغلال بساطة الناخبين وتوظيفهم في خدمة جنون العظمة. يدخل فقيرًا أو عاديًّا ويخرج واحدًا من الأثرياء. البرهان على إفتقارنا إلى رجال دولة، وعلى فشل رجال السياسة هو أنّ هؤلاء يتكلّمون عن الفراغ الرئاسيّ لا عن انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة جدير.
أيّها الشباب إعملوا، من أجل إيصال النخب إلى مراكز القرار، ومن أجل خلق رجال دولة. هذا هو الباب الى خلاص لبنان.
6. لبنان، في محيطه العربيّ، قيمة ثمينة ينبغي إكتشافها والدفاع عنها.
أ. لبنان يوزع السلطة على مكوّنات المجتمع ولا يحصرُها في يد أيّ شخص أو فريق أو حزب.
ب. لبنان يحقِّقُ تناوبا سلميا في مواقع السلطة، بعيدا من الانقلابات العسكرية.
ج. لبنان ينفّذ الفقرة 18 من شرعة حقوق الانسان بكامل مندرجاتها والتي تتناول جميع أنواع الحرّيات، وخاصة حرّيةَ الضمير وتغييرَ المعتقد.
د. لبنان وبالتالي لا يلتزم بدين رسمي معين للدّولة.
ه. لبنان لا يلتزم بمصدر ماورائي للتشريع.
و. لبنان يحترمُ في المقابل جميعَ المعتقدات الدينية.
لبنان هذا يوجد في منطقة تحكمها التيوقراطياتُ أو الإيديولوجيات الشمولية أو الحزبُ الواحد أو العائلةُ الواحدة هذا هو لبناننا هذه قيمته الحضارية الثمينة، هذه رسالته التي تحدث عنها القديس البابا يوحنا بولس الثاني، هذه هي مثاليتها في هذه البيئة من العالم.
7. إنّنا بالرجاء نفتتح هذه السنة الجامعيّة، ونضعها تحت أنوار الروح القدس وحماية أمّنا مريم العذراء سيّدة اللويزة، شفيعتها. فنصلّي إلى الله كي يجعلها سنة خير ونجاح للجميع. له المجد والشكر إلى الأبد، آمين.
* * *