نشاط البطريرك الراعي – بكركي


نشاط البطريرك

 

قلد غبطة البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الراعي، قبل ظهر اليوم الثلاثاء 15 ايار 2018، في الصرح البطريركي في بكركي، الإعلامية الدكتورة مي شدياق وسام القديس غريغوريوس الكبير باسم قداسة البابا فرنسيس بحضور فعاليات رسمية وسياسية واعلامية واجتماعية.

والقى راعي ابرشية بيروت للموارنة المطران بولس مطر كلمة بالمناسبة قال فيها:” بِفرحٍ يملأُ القلبَ، واعتزازٍ يُلامِسُ سحرَ الوجودِ، نَجيءُ إليكم اليومَ يا صاحبَ الغبطةِ، ورفيقةُ الدَّربِ مُؤمنةٌ من أبرشيَّتِنَا البَيروتيَّةِ، قدَّمَت للعالَمِ مِثَالاً رائعًا بعشقِ الحرِّيَّةِ وبالرُّوحِ الوطنيَّةِ الصَّادقةِ صِدقِ الدِّماءِ وبالتَّمسُّكِ بالحقِّ المُمتشقِ لأَحلَى سيُوفِ النُّورِ والبَهاءِ. إنَّها الإعلاميَّةُ الدكتورة مي شدياق، المُعلِّمةُ والكاتبةُ الَّتي تَخطَّت حُدُودَ الوطنِ لِتُصبحَ عالميَّةَ القَدرِ والحضورِ، والَّتي تَربَّعت في لُبنانَ على عَرشِ المحبَّةِ لها والاحترامِ، إلى أن صارَت شبهَ أيقونةٍ للوطنِ الجميلِ الَّذي ما بَخلَت عليه بشيءٍ حتَّى لو كلَّفَها الأمرُ حياتَهَا. مَن لا يذكرُ هذا الوجهَ المُنيرَ الَّذي تَعوَّدَ النَّاسُ إطلالَتَهُ على الشَّاشاتِ ورأَوا فيه مَصدرَ عزَّةٍ وكرامةٍ لا يَنضبُ مُعِينُهُ وقوَّةَ صمودٍ في وجهِ الأعاصيرِ مهما كانت رياحُهَا عاتيةً ومهما اشتدَّتْ عليهم وَطأتُهَا والأَنواءُ.”

وتابع مطر:” لقد كانت وردةً في عزِّ الوردِ يومَ ضرَبَتْها يَدُ الظُّلمِ. والظلمُ، كما قِيلَ: «لهُ يدٌ وليس له فؤاد، يُدخلُ خنجرًا من خناجِرِهِ في قلبٍ من قلوبِ النَّاسِ فلا يَستشعرُ لذلكَ أَلَمًا». إنَّها الجريمةُ الكُبرَى والاعتداءُ المُطلَقُ. إرادةُ الموتِ تَتحدَّى إرادةَ الحياةِ، لكنَّ الَّذينَ يَقُومُونَ بمثلِ هذا الفعلِ غيرِ المَوصُوفِ في قامُوسِ الحضارةِ يُحاولُون عَبثًا بِفعلتِهِم أن يُجهِزُوا على النُّورِ بِالعَتمةِ وعلى الحبِّ بِسمُومِ البَغضاءِ دُونَ أن يُدرِكُوا أنَّ الحبَّ قد يُصلَبُ، ولكنَّهُ لا يُغلَبُ. عندما وَقعَت الواقعةُ وانتشرَ خَبرُهَا في أَرجاءِ الوطنِ وإلى آخرِ الأرضِ، أُعطِيَت عنها قراءاتٌ زمنيَّةٌ وبشريَّةٌ جُلَّى. وراحَتْ خيوطُ البطولةِ تَنتسجُ فوقَ رأسِهَا المكلَّلِ منذُ ذلك الحينِ بِنُورِ الشَّهادةِ. وكانت من جِراحِهَا المَفتُوحَةِ تُكملُ القراءةَ الَّتي يبدأُ الحديثُ عنها مع كلِّ زائرٍ لها جديدٍ. فكانت الصُّمودَ كلَّهُ، والذِّراعَ الَّتي لا تُلْوَى والأسطورةَ بينَ أَساطيرِ المجدِ الوطنيِّ الَّتي تَستقرُّ في البالِ إلى أن يَنتهِي الأَبطالُ، إذا انتَهَوا.”

وتابع مطر:” لكنِّي شخصيًّا كنتُ أتابعُ مي في رحلتِهَا بينَ الموتِ والقيامةِ، كان لنا بعضُ اليَأْسِ والكثيرُ من الرَّجاءِ المُحيِي الَّذي يضعُهُ الإيمانُ في القلوبِ الخَاشِعَةِ. وقد كانَ الشَّبهُ بينها وبينَ صليبِ يسوعَ في البالِ ولا يُغادرُ. فهي مع المسيحِ مظلُومَةٌ بَينَ المَظلُومينَ، ومع المسيحِ مُسلِّمةٌ أَمرَهَا للآبِ السَّماويِّ، ومع المسيحِ مُصمِّمةٌ على عُبُورِ المحنةِ نَحوَ القيامةِ. وكانت تُردِّدُ في قَلبِهَا، «أنِّي سأعودُ إلى الشَّاشةِ ولن يَأخذُوا منِّي آمالِي وعَزمِي على الحياةِ». وكان حُضُورُ الأَهلِ والأصحابِ مِن حَولِهَا كافيًا حتَّى دُونَ الكلامِ، لأنَّ الفعلَ كان هُو الكلامُ والتَّضامنَ كان خَيرَ تعبيرٍ عن المحبَّةِ.زرتُها في فرنسا أيَّامَ هذا الصُّمودِ العجيبِ ولَمَستُ إِيمانَهَا بالرَّبِّ كمْ كانَ عظيمًا فشكرتُ اللهَ على هذه النِّعمةِ الَّتي سُكبَتْ عليها والَّتي لَولاهَا لَمَا كانَتْ لها القيامةُ. وعندما عادَتْ إِلى ساحةِ الحياةِ وإلى العملِ في سبيلِ لُبنانَ وفي سبيلِ الحقِّ وَرَفعِ المَظالمِ، وعندما كتبَتْ ما كتبَتْ حَولَ اختبارِهَا العظيمِ لِلألمِ وَلِنعمةِ الفِداءِ، راحَتْ تَنهالُ عليها مشاعرُ التَّقديرِ من كلِّ زَوَايَا الأرضِ، دُوَلاً وحكوماتٍ وأفرادًا، لِمَا كانت تُوحِيِهِ من انتصارٍ يَومَ كان الانتصارُ لأمثالِهَا حُلمًا غيرَ قابلٍ للتَّحقيقِ. فقلتُ في نفسي عن ابنةِ الكنيسةِ هذه، تلك الَّتي رَبيَتْ في جِوارِ المطرانيَّةِ في منطقةِ الرميل والَّتي صلَّتْ أمُّها لها كلَّ صلواتِ قَلبِهَا، أنَّها لَجَديرةٌ بتقديرِ الكنيسةِ لها وبالإعرابِ لها عن مَكانةٍ احتلَّتْهَا في قلُوبِ المؤمنينَ على ما يُشبهُ القِمَمَ الوَاصِلةَ بينَ مجدِ الأرضِ ومجدِ السَّماءِ. فطلبتُ لها من الكرسيِّ الرَّسوليِّ وِسَامًا رفيعًا يكونُ علامةَ محبَّةٍ واحترامٍ لهذه الشَّخصيَّةِ المُميَّزةِ في تاريخِ لُبنانَ والَّتي صارَتْ رَمزًا من رُمُوزِ إرادةِ التَّحدِّي فيهِ، وطيرًا من طُيُورِ الفينيق الَّتي إذا مَا هَبَطَت أَرضًا فإنَّها ستعُودُ إلى التَّحليقِ بما يُشبهُ الأعجوبةَ ويَفُوقُ. ولقد لَبَّى الكرسيُّ الرَّسوليُّ أُمنِيَتِي لِمَي فجاءَ مَوقفُ البابا فرنسيس عن حياةِ مَي شدياق وعن كلِّ ما تَعرَّضَتْ لهُ من أَلمٍ وعن تَخطِّيها كلِّ عقباتِ اليَأسِ نَحوَ الرَّجاءِ الشَّافِي، بركةً فَوقَ بركةٍ ونعمةً فَوقَ نعمةٍ. إنَّها شهادةُ السَّماءِ لها بعد أن مُنحَتْ كلَّ شهاداتِ الأرضِ. وإنَّكِ أيَّتُها المُشعَّةُ لأنوارِ المسيحِ المنتصِرِ بِالحبِّ على كلِّ ما عَدَاهُ لَتَستَأهلِينَ كلَّ تقديرٍ وكلَّ محبَّةٍ وكلَّ احترامٍ.”

وأضاف مطر:” لقد قرَّرنا معًا يا صاحبَ الغبطةِ أن نَلتمسَ من مَقامِكُم السَّامِي أن تُعلِّقُوا لِمَي هذا الوِسامَ بِيَدِكُم المُباركةِ وبِوَصفِكُم قائدًا لِسفينةِ الكنيسةِ في لُبنانَ وسائرِ المَشرقِ وَمُلهِمًا لكلِّ تضحيةٍ في سبيلِ الوطنِ ولكلِّ عملٍ إنقاذيٍّ من أَجلِهِ. فَنشعرَ بالمجدِ الإلهيِّ ينزلُ مُضاعَفًا على اللَّحظةِ، ونعودَ لِنُطلقَ مع مي شدياق آياتِ الشُّكرِ للآبِ والابنِ والرُّوحِ القدسِ على إِعلانِها رَسميًّا سيِّدةً في عَددِ حامِلِي وِسامَ القدِّيسِ غريغوريوس الكبيرِ.   مَبروكٌ لكِ يا مَي هذا التَّقديرُ الباباويُّ الرَّفيعُ. ومبروكٌ لكِ أن يُسلِّمكِ إيَّاهُ صاحبُ الغبطةِ مار بشاره بطرس الكلِّيُّ الطُوبى. فقلُوبُنا معهُ في هذا العطاءِ وفي كلِّ ما يَمنَحُهُ من قلبِهِ الكبيرِ للكنيسةِ والوطنِ ولِمُحبِّي الإنسانيَّةَ والأخوَّةَ والسَّلامَ.”

 

بعدها كانت كلمة لشدياق شكرت فيها غبطة البطريرك والحضور معربة عن فرحها بهذا التكريم ومؤكدة ان نضالها كان “من اجل الله ومن اجل الوطن، فلهذا السبب تعرضت لمحاولة اغتيال، وتحدّيت القدر، وها انا اليوم هنا في صرح القداسة الذي له أُعطِيَ مجدُ لبنان”.

 

ولفتت شدياق الى ان عملها  الإستثنائي الذي استحقت لأجله هذا التقدير كان “إعطاء المثال الأفضل في خدمة المجتمع وإعلاء شأن المرأة والشهادة لله وللوطن في كل الظروف والأحوال، والمثال الذي قدمته للمجتمع كان الالتزام والشهادة للحق، وقالت:” هذه هي الرسالة المسيحية في العالم. رسالة المحبة وحرية وكرامة الإنسان. وهذا هو لبنان الرسالة التي كرّسها البابا القديس يوحنا بولس الثاني يوم زارنا عام 1997، وكان الزمن زمن اضطهاد. هذا البابا الرؤيوي الممتلئ بالروح القدس، كلّمنا بالمحبة وبالانفتاح وناشدنا أن نُوجِّه أبصارَنا نحو الشرق ونتكلّم بلسانه كأنه يقول لنا: هذه رسالتُكم. إنه قدرُنا ان نَثْبُتَ في هذا الشرق ونشهدَ للحق.

واليوم نحن نحصدُ ثمارَ هذا الزرع تعزيزاً للحضور المسيحي في مختلف الدولِ العربية عبر افتتاحِ الكنائس، وكان آخرَها وضعُ حجر الأساس لأولِّ كنيسةٍ مارونية في الخليج. سبقتها الزيارةُ التاريخية التي قامَ بها غبطة البطريرك الى المملكة العربية السعودية تلبيةُ لدعوةٍ رسمية من خادم الحرمين الشريفين والتي نتوسّمُ خيراً بنتائجها.”

وشددت شدياق على انها ستظل “صوتا صارخاً بوجه الظلمِ والباطل، مشيرة الى انه يوم تعرضها لمحاولة الاغتيال سمعت صوت مار شربل يدعوها للنهوض، ” فلملمت نفسي وتابعت الطريق بعزم اكبر. واليوم ايضا اراد ربنا من خلال هذه الميدالية دعوتي لأشهد للحق وساتابع المسيرة مع مار شربل شفيعي الدائم ومع شفيعي الجديد القديس غريغوار الذي سأستلهم منه روح الاصلاح والخدمة والدفاع عن المظلومين.”

 

بدوره وبعد تقليدها الوسام البابوي ألقى البطريرك الراعي كلمة هنأ في خلالها المحتفى بها وقال:” انك تستحقين هذا الوسام. مبروك عليك الوسامين الإلهي الذي نجاك بأعجوبة من الموت واليوم وسام قداسة البابا. هذا الوسام اعطي لكل الشعب اللبناني الأبي الصامد الذي سيواصل مسيرته على الرغم من كل شيئ والذي قيل عنه انه شعب لا يريد ان يموت. انه وسام لكل الشهداء الذين رحلوا والذين لا يزالون احياء وما اكثرهم اليوم وانت تمثلينهم جميعا. لقد علمتنا ان نكون دائما اكبر من مصيبتنا ومشكلتنا وعلمتنا الا ننهزم امام الصعاب ولسان حالك يقول قطعوا يدي ورجلي ولكنهم لم يقطعوا عقلي وقلبي. كلنا نعرفك قبل وبعد وانت اليوم اقوى بكثير واكثر عطاء. عقلك ولسانك لا يقولان الا الحقيقة ولا تزالين صامدة في الحقيقة، وارادتك مصممة دائما على الخير وكما يقول القديس بولس دائما الى الأمام، انسى ما ورائي وانبسط الى ما هو امامي، لا اتوقف امام جروحاتي هذه هي الإرادة التي لا تقهر والقلب القادر على العطاء اكثر واكثر لأنه يحب. هذا هو الإنسان عقل وارادة وقلب اما الباقي فهو مجرد اكسسوار.”

وتابع غبطته:” لقد خرجت اقوى بكثير ولسانك لا يقول الا الحق. لقد اخترت هذا الصرح البطريركي للإحتفال بهذا التكريم لأن لهذا الأمر معاني كبيرة بالنسبة لك. لقد احببت بكركي لأنه المكان الذي نقول فيه الحقيقة ونحب كل الناس. واليوم بالمناسبة هو عيد ميلاد صاحب الغبطة البطريرك صفير الذي زرعته سيدة الزروع يوم عيدها، في 15 ايار 1920 في ارض ريفون ولكنه اليوم اصبح في قلب الكنيسة بأكملها ونتمنى له العمر المديد مع دخوله عامه ال99. هو الذي طالما قال “لن اكون الحلقة التي تنكسر، فبكركي حلقة لا تنكسر وانت حلقة لا تنكسر لذلك اخترت ان يكون الإحتفال في بكركي لتقولي للجميع اننا لن نكون حلقة تنكسر وعلينا متابعة رسالتنا.”

وختم البطريرك الراعي لافتا الى ان “السبب الثاني الذي لأجله ارادت شدياق ان تكرم في الصرح البطريركي في بكركي هو انه قبيل عملية اغتيالها وعلى اثر مقابلة تلفزيونية اجرتها معي يوم كنت راعيا لأبرشية جبيل المارونية وتخللها حديث قوي وحوار صاخب، تلقت اتصال تهديد لذلك ارادت ان تقول لي اليوم اننا سنتابع على الدوام، فهذه هي بكركي. لن نتراجع عن قول الحق او عن الشجاعة فنحن نقول الحقيقة ونحب كل الناس.”

هذا وكان غبطته قد استقبل قبل ظهر اليوم كل من النائب المنتخب جان عبيد وسفيرة التشيلي مارتا شلهوب وقائمقام جبيل نتالي خوري.