زيارة غبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي الراعوية لبلدة الصفرا


زيارات رسولية

 

استهل غبطة البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الراعي زيارته الراعوية لبلدة الصفرا في ابرشية جونية المارونية بعد ظهر اليوم الإثنين 16 ايلول 2019، عشية عيد القديسة صوفيا شفيعة البلدة، بدعوة من النائب البطريركي العام على ابرشية جونية المارونية المطران انطوان نبيل العنداري، بتبريك كنيسة القديس جرجس حيث ازاح الستارة عن لوحة تذكارية على مدخل الكنيسة خلدت تاريخ الزيارة وذكرى المثلث الرحمات البطريرك يوحنا البواب الصفراوي والأب جورج الخوري اليسوعي مؤسس رابطة الأخويات في لبنان.

وكان غبطته قد وصل الى البلدة وسط استقبال شعبي لافت نظمته لجنة الوقف برئاسة كاهن الرعية الأب جوني التنوري وبلدية الصفرا ممثلة برئيسها سمير الهوا وشاركت فيه فعاليات البلدة والبلدات المجاورة وحشد كبير من المؤمنين، حيث رفع قوس نصر عملاق عند مدخل البلدة وعلقت اليافطات المرحبة بصاحب الغبطة والصور والأعلام اللبنانية والبطريركية. كما نثر سكان البلدة الزهور والأرز على الموكب مرحبين بغبطته وبالوفد المرافق الذي ضم المطرانين حنا علوان وانطوان شبير وأمين سر البطريرك الأب شربل عبيد.

واستقبل البطررك الراعي عند مدخل كنيسة مار جرجس النائب البطريركي العام عن ابرشية جونية المارونية المطران أنطوان نبيل العنداري، كاهن الرعية الأب جوني التنوري، عدد من الكهنة  ورئيس بلدية الصفرا سمير الهوا وأعضاء المجلس البلدي اضافة الى رئيس مجلس ادارة شركة الهوا جان الهوا ومختار البلدة جوزيف كيريللوس ورابطة الأخويات وطلائع وفرسان كما عزفت فرقة غزير الموسيقى الترحيبية.

بارك البطريرك الراعي المؤمنين ودخل الى كنيسة مار جريس التي تم ترميمها ورفع فيها صلاة التبريك. والقت زينة عويس كلمة  باسم المجلس الرعوي رحبت فيها بغبطته معربة عن “فرحة اهالي البلدة بهذه الزيارة التاريخية، التي شكلت فخرا واعتزازا لبلدة تتميز بالشراكة والمحبة وهو شعاركم يا صاحب الغبطة، فترى ابناءها يعملون جاهدين لتطبيق الشعار بمهمة خادمها الأب تنوري الذي جمعنا في مجلس راعوي آخذا بتوجيهاتكم.”

وختمت عويس متمنية “العمر المديد للبطريرك الراعي ليبقى الراعي السهران الذي يقود قطيعه الى بر الأمان.”

ثم قدم المجلس الراعوي كتابا يروي تاريخ الصفرا كهدية تذكارية لغبطته.

بعدها وجه غبطته تحية شكر وامتنان على حفاوة الاستقبال الذي جسد محبة ابناء الصفرا شاكرا للمطران عنداري دعوته لهذه الزيارة، ومعربا عن المحبة التي يكنها لهذه “البلدة وابنائها ولا سيما لكنيسة القديس جرجس التي لطالما زرناها وكانت لنا لقاءات مع ابنائها سواء في التنشئة المسيحية او في مناسبات اخرى. وهنا نذكر اليوم بصلاتنا المرحوم الخوري جريس كاهن الرعية يومها ونجدد تهانينا لكم بجمال هذا الثوب الجديد الذي ارتدته هذه الكنيسة والذي يعكس محبتكم وتكريمكم لها. فهنيئا لهذه الكنيسة برعية تعمل يدا واحدة بهدف نشر كلمة الله وتطبيقها.”  

ولفت غبطته الى “المخاطر الكثيرة التي يتعرض لها شباب اليوم، فهم لا يعرفون سوى الأزمات وعلينا نحن ككنيسة وكأهل وكرعاة ان نتعاون سويا لإعطاء الأمل لشبابنا. ولنتذكر سويا  كم عانى شعبنا على مر التاريخ ولكنه بايمانه تجاوز كل المحن، و بقيت الكلمة الأخيرة ليوم الأحد اي يوم القيامة وليس ليوم الجمعة يوم الجلجلة والتي كان لا بد من ان يسير عليها الرب يسوع ليصل الى يوم القيامة. هكذا نحن علينا ان نتحمل مشقات وصعوبات ومشاكل ما نمر به متسلحين دائما بقوة ايماننا المسيحي التي لم تقهر لأننا واثقون من انننا سنصل الى يوم القيامة .”

بعدها توجه غبطته والوفد المرافق الى القصر البلدي في الصفرا حيث رفع الستارة عن لوحة تذكارية تخلد ذكرى الزيارة.

وألقى رئيس البلدية سمير الهوا  كلمة بالمناسبة رحب بها بغبطته شاكرا له لفتته الكريمة الى هذه البلدة وقال:”

إنها لمناسبةٌ عظيمةٌ، أن أتحدّثَ باسمِ أهلي وأبناء بلدتي في الصفرا في هذا الصرح البلدي الذي يعتز ويتبارك بقدومكم ودخولكم إليه يا صاحب الغبطة. يسعدُنا اليومَ، أن نحتفي بقدومِكم الميمونِ، في زيارةٍ رَعَوِيَّةٍ، أبوِيَّةٍ، لأبناءِ بلدتنا الصفرا عشيّة عيد القديسة صوفيا وبناتها الثلاث، إيمان، رجاء ومحبة.”

وتابع الهوا:” مِنَ القليلِ الّذي نعرفُه عنكَم، يا صاحبَ الغبطةِ والنيافة، أنَّكَم ما تكلَّمتَم إلاّ لتبشّروا وتُعلّموا وتُنيرواَ.

ما وَعَظْتم إلاّ لتُؤدِّبَوا وتُعطوا فضيلةَ الإرشادِ والتوجيه. ما درَّسْتَم الآدابَ والحقوقَ إلاّ لتُكَرِّسَوا مفهومَ المواطنيةِ وحقوقِ المواطَنَةِ في دولة لبنان الكبير في مئويته ألأولى لإستقلاله. ما أحبَبْتم إلاّ لأنَّكم تُؤمنُون بأنَّ المسيحيَّةَ شراكةٌ ومحبة. ما أقولُه ليس إطراءً وإنَّما تأكيدٌ على نهجٍ قويمً تؤمنُون به وتعملون من أجله، وهو الذي تعبِّرُون عنه في كلِّ المناسبات، لا سيّما في عظتكم التي تليتموها في قداس مئوية البطريرك الحويك ودولة لبنان الكبير بحيث أنكم وضعتم أركان جديدة على أثاث سلفكم المكرّم البطريرك الياس الحويك، لمستقبل جديد يعيش فيه أبناؤنا في الوطن بالشراكة والمواطنة والحرية وألإستقلال.”

وأضاف الهوا:” لقد شرَّفتم، اليومَ وصحبَكم، إلى ألصفرا، إلى أرضٍ ورثناها عن أجدادٍ حافظوا عليها بالدماءِ وعرقِ الجبين، وسنورِثُها للأجيالِ التاليةِ كحقٍّ من حقوقِهم علين إننا نستقبلُكم اليومَ، وفي قلوبِنا فرحٌ وحبورٌ، لوجودِكم بيننا، أودُّ أن أشكرَكم من صميم القلب يا صاحب الغبطة والنيافة على تلبيتكم دعوتنا وحضوركم بيننا إنها علامة رجاء لنا وفرح كبير، لقد نوّرتم بلدتنا الصفرا، ونوّرتم وباركتم قصر الدكتور جان الهوا البلدي، هذا الصرح الذي بناه وقدّمه شقيقي مع إصراره أن يكون بيتا بلديا لجميع أبناء بلدتنا الصفرا الذي نحبها ونعمل لأجلها. كما أودّ أن أشكر جميعَ المشاركينَ معنا في هذا اللقاءِ العائلي، وأخصُّ بالذكرِ المجلس البلديّ، المختار، لجنة الوقف وكل الذين عاونوننا في تحضير هذا ألإستقبال وأشكر الإعلاميينَ العاملينَ في العديدِ من وسائلِ الإعلامِ المسموعةِ والمكتوبةِ والمرئيةِ الذينَ حضروا اليومَ لمواكبةِ هذا الحدثِ التاريخيِّ، كما وأشكر القوى ألأمنية والعسكرية الذين يسهرون على حفظ ألأمن وسلامة المواطنين. ختاماً، سيدي صاحب الغبطة والنيافة زيارتكم، حملتْ في طيّاتِها الكثيرَ من المعاني الروحيةِ والرعويةِ وهذا دليلٌ على ما للصفرا ولنا جميعا من موقعٍ في اهتماماتِ غبطتِكم.                          

وقدم رئيس البلدية مفتاح البلدة الى غبطته الذي عبر عن تقديره للاستقبال المميز مشيرا الى ان “مفتاح البلدة الذهبي يشير الى “قلوب ابناء البلدة الذهبية.”

واعتبر غبطته ان “رحلتنا تنتهي على هذه الأرض ولكن اعمالنا تبقى وما هذا القصر البلدي سوى خير دليل على العطاءات التي قدمها ابناء الهوا لبلدتهم الصفرا فهم الاخوة الذين يعملون معا يدا واحدة وقلبا واحداً في سبيل الخير. ونحن نرفع اليوم صلاتنا على نيتهم ونية كل فاعلي الخير ليبارك الرب أعمالهم ويبقيها بركة يجد فيها المحتاج خدمة يريدها ومن يعطي يعطى له ويزاد.”

ثم توجه غبطته الى كنيسة القديسة صوفيا للاحتفال بالذبيحة الإلهية في يوم عيدها. وعلى وقع عزف فرقة قوى الأمن الداخلي للموسيقى الترحيبية والترانيم الدينية بارك غبطته المؤمنين الذين احتشدوا في ساحة الكنيسة يتقدمهم عدد من نواب المنطقة وفعالياتها الرسمية السياسية والإجتماعية والثقافية ولفيف من الأساقفة والكهنة والرهبان والراهبات وسط استقبال لافت شاركت فيه الحركات الكشفية والرسولية، الكشافة الطلائع والفرسان، المجلس الرعوي،  الأخويات، رؤساء بلديات وأعضاء مجالس بلدية ومخاتير من البلدات المجاورة.

قبيل القداس القى المطران العنداري كلمة قال فيها:”  صاحِبَ الغِبطَةِ وَالنِيَافَة، يُشَرِّفُنَا أَن نُرَحِبَّ بِكُم ونَستَقبِلَكُم في دَارِكُم، مُتَحَلِّقينَ حَولَكُم حَلَقَةَ الأَبناءِ يَغتَبِطونَ بِأَبيهِم صَاحِبَ الغِبطَةِ وَالنِيَافَة، في هذهِ الزِيَارَة المُبَارَكَة عَشِيَّةَ عيدِ القِدِّيسَة صُوفِيَّا الشَهيدَة وَبَنَاتِهَا الثَلاثَة واستقبالِ ذَخائرِهَا. ويَقِينُنَا أَنَّ رَعِيَّةَ الصَفرا وَرَعايا الأَبرَشِيَّة حَاضِرَةٌ في قَلبِكُم الكَبير.”

  اضاف العنداري:” تُطِلّونَ عَلَينَا إِطلالَةَ الأَبِ بِجَميلِ الرِعايَة وَكَريمِ العَاطِفَة، وتَعرِفُونَ ما في هذهِ البَلدَة مِن مُختَزَناتِ السِنينَ الخَوالي تُراثَاً وَتَاريخَاً. وَنُكبِرُ مَعَكُم في أَبناءِ وبَناتِ الصَفرا وَعائلاتِهَا: إِيمانَهُم بِأَرضِهِم، جِدَّهُم وكَدَّهُم في العِصَامِيَّة، وَوَفاءَهم لِلوَطَنِ والبَطرِيَركِيَّة المَارونِيَّة. كَيفَ لا؟ وقَد أَنبَتَت الصَفرا- بَلدَةُ الشَاطِيءِ والسَاحِلِ- البَطريرك يُوحَنَّا البَواب الصَفراوي، وهُوَ البَطريرك الخامِس والخَمسين في سِلسِلَةِ البَطارِكَة المَوارِنَة الذي تَبَوَّأَ السُدَّةَ البَطرِيَركِيَّة في مُنتَصَفِ القَرنِ السابِع عَشَر بَينَ سَنَة 1648 و 1656 ، والثَاني عَشَر مِنَ البَطارِكَة الذينَ أَقامُوا في دَيرِ قَنّوبين، في الوادي المُقَدَّس. وقَد كَتَبتُم عَنهُ، يا صاحِبَ الغِبطَةِ وَالنِيَافَة، في سِلسِلَةِ التَنشِئَة المَسيحِيَّة سَنَة 2008، وَاستِنَادَاً إِلى المُثَلَّثِ الرَحمَة قُدس الآباتي بُطرُس فَهد، بِأَنَّهُ كانَ بَطرِيَركَاً مَشهُوراً بِالتَقوى وَالذَكاء، ولَهُ الكَثيرُ مِنَ الإنجازاتِ الروحِيَّة وَالوَطَنِيَة، ومِنهَا طَلَبُ الحِمَايَةِ الفَرَنسِيَّة أَيامَ الأَحكامِ العُثمَانِيَّة.”

 وتابع:”وَتُواصِلونَ، يَا صَاحِبَ الغِبطَة، مَسيرَةَ أَسلافِكُم لِنَحتَفِلَ بِالمِئَوِيَّةِ الأُولى لإِعلانِ دَولَةِ لُبنَانَ الكَبير، مُستَذكِرينَ المُكَرَّم البَطريرك الياس الحويك ودَورَهُ الوَطَني، وأنتُم بِدَورِكُم تَهُزّونَ الضَمير مِن أَجلِ أَن تَلتَقيَ آمالُ الشَعبِ وَأَمانيه. ومَن كانَ مَشدوداً إلى الكِنيسَةِ والوَطَن لا حُدود لَهُ في الخِدمَةِ والعَطاء. فَرَحُنَا، في هذا الذَبيحَة الإلَهِيَّة، أَنَّكُم تَحمِلونَا في صَلاتِكُم، وتُزَوِّدونَا بَرَكَتَكُم، وتُعرِبُونَ عَن عَواطِفِكُم الأَبَوِيَّة نَحوَ هذهِ البَلدَة وفَعالِيَّاتِهَا وعائلاتِهَا وَكُلِّ الحاضِرينَ مَعَنأ. أَلا أَلبَسَكُم اللّهُ ثَوبَ العَافِيَة، وَدُمتَم لَنا خَيرَ راعٍ لِلقَطيع. “

 

ثم ترأس البطريرك الراعي الذبيحة الإلهية بمناسبة عيد القديسة صوفيا التي عرضت ذخائرها على مذبح الكنيسة بعد ان استقدمت من شمالي ايطاليا، عاونه المطارنة حنا علوان، حنا رحمة، أنطوان نبيل العنداري، وأنطوان شبير، وكاهن الرعية الأب جوني التنوري بحضور السفير البابوي جوزيف سبيتيري، المطران سمعان عطالله،  وعدد من نواب المنطقة منهم شامل روكز، شوقي الدكاش، فريد هيكل الخازن وروجيه عازار وفعاليات قضائية وعسكرية وسياسية اضافة الى المؤمنين من ابناء البلدة و المنطقة.

وخدمت القداس انشادا جوقة الرعية وعزفا فرقة موسيقى قوى الأمن الداخلي.

بعد الإنجيل ألقى غبطته عظة جاء فيها: “يشبه ملكوت السّماوات حبّة خردل تُزرع فترتفع وتصير أكبر المزروعات (مر4: 31-32)

1.   ملكوت الله بمفهومه العامّ، هو الكون الذي خلقه الله وهو سيّدُه. أمّا بمفهومه الدّقيق والواقعيّ فهو الكنيسة المؤسّسَة على المسيح التي، مثل حبّة الخردل، تبدأ صغيرةً ثمّ تكبر وتتّسع لتشمل الكون كلّه. في الواقع، وُلدت الكنيسة من موت المسيح وقيامته، وبدأت مع جماعةٍ صغيرةٍ محدودة العدد، وراحت تنمو وتتكاثر بعد حلول الرّوح القدس يوم العنصرة. وها هي الآن تتواجد على كامل سطح الكرة الأرضيّة. الكنيسة عبر التّاريخ هي في طور تحقيق ملكوت الله، إلى أن يكتمل في السّماء بعد نهاية الحياة البشريّة على الأرض.على صورة الكنيسة تنمو حياة كلّ مؤمنٍ ومؤمنةٍ. فإنّها تبدأ صغيرةً لكنّها مدعوّةٌ لتكبر روحيًّا وماديًّا وتنمويًّا، على مستوى الشّخص والعائلة والمجتمع والدّولة. هكذا نمت القدّيسة الشّهيدة صوفيا وبناتها الثّلاث في الحياة الرّوحيّة، وبشهادة الدمّ أنمَينَ الكنيسةَ على ما قال أحد آباء الكنيسة القدّيسين: “دم الشّهداء بذار المسيحيّين”.

2.يسعدني وسيادة أخينا المطران أنطوان- نبيل العنداري، النّائب البطريركيّ العامّ في منطقة جونيه واخواني السادة المطارنة، بحضور سيادة السفير البابوي ، أن نحتفل معكم بهذه اللّيتورجيّا الإلهيّة، ونحيي عيد شفيعة هذه الكنيسة وبلدة الصّفرا العزيزة، القدّيسة الشّهيدة صوفيا وبناتها الثّلاث الشّهيدات: إيمان ورجاء ومحبّة. فيطيب لنا أن نهنّئكم بالعيد، راجين أن يكون غنيًّا بالنّعم والبركات السّماويّة.

وإنّا، إذ نحيّيكم جميعًا، نوجّه تحيّةً خاصّةً إلى كاهن الرّعيّة الخوري جوني التنّوري ولجنة إدارة الوقف والجوقة والأخويّات والمنظّمات الرّسوليّة. كما نحيّي رئيس المجلس البلديّ والأعضاء والمختار، شاكرين على الدّعوة إلى هذا الاحتفال، وعلى تنظيمه. إنّنا نرجو لكم خير المكافأة، بشفاعة القدّيسة الشّهيدة صوفيا وبناتها، ونوجّه أيضًا تحيّة تقديرٍ لموسيقى قوى الأمن الدّاخليّ التي تشارك الجوقة في هذا الاحتفال.

3. لا يسعني في هذه الزّيارة كبطريرك إلى بلدة الصّفرا العزيزة، إلاّ أن أهنّئ بلدتكم التي أعطت بطريركًا تميَّزَ بالقداسة الظّاهرة وبأعماله الكبيرة، هو البطريرك يوحنا البوّاب، الذي دامت بطريركيّته ثماني سنواتٍ من سنة 1648 إلى سنة 1656 في زمن العثمانيّين الصّعب، وعاش في قعر وادي قنّوبين. يُجمِع المؤرّخون بأنّه” بطريرك الزّهد والقداسة”. فقد تميّز بروح الصّلاة والتّضحية المتفانية ورقّة العاطفة والطّيبة والبشاشة، وسواها من الصّفات الأخلاقيّة والإنسانيّة. فكان بها قريبًا من شعبه ومحبوبًا. أمّا العلامات الخارجيّة لقداسته فكان النّور السّاطع من وجهه كاللّهيب، مرّة فيما كان ملقىً على الأرض يصلّي، ومرّةً عند وفاته ليلة عيد الميلاد. من أهمّ إنجازاته تجديد حماية فرنسا للموارنة برقيمٍ من الملك لويس الرّابع عشر في 28 نيسان 1649، وإصلاح رتبة القدّاس المارونيّ والأعياد، ونشاطه المسكونيّ في عودة عدد من الكنائس الشّرقيّة الى الاتحاد بروما. بفضل قداسته وأعماله نمت الكنسية المارونيّة وتشدّدت سلسلة بطاركتها. فتحقّقت فيه صورة حبّة الخردل.

4. ولا بدّ أيضًا من أن أستذكر معكم، يا أبناء الصّفرا الأعزّاء، وجهًا كنسيًّا آخر عالقًا في الذّاكرة والأذهان، هو المرحوم الأب جورج خوري اليسوعيّ، مؤسّس رابطة الأخويّات في لبنان، ومرشدها العامّ. إنّه ماثلٌ أمامنا في تفانيه، وتنقّلاته سيرًا على الأقدام في جميع المناطق اللّبنانيّة، ولقاءاته مع الأخويّات في مختلف أقاليمها. ونعني أخويّات الكبار والشّباب والطّلائع والفرسان. إنّ له الفضل الأساس في نموّ هذه الأخويّات، التي زرعها كحبّة خردل، ونمت وانتشرت في جميع الرّعايا والأبرشيّات اللّبنانيّة.

5. هاتان الشّهادتان من بلدتكم، إلى جانب ما أعطت من عائلاتٍ مسيحيّةٍ مؤمنة، ووجوهٍ مدنيّةٍ وثقافيّةٍ متنوّعةٍ، لخير دليلٍ على أنّ ملكوت الله مرسّخٌ فيها، بفضل إيمانكم وتكريمكم للقدّيسة الشّهيدة صوفيا وبناتها الثلاث عبر الأجيال. من عهد البيزنطيّين الذي فيه تمّ بناء كنيستها القديمة الأثريّة على أنقاض معابد وثنيّةٍ. ثمّ كان مشروع بناء الكنيسة الجديدة هذه التي بدأتموها سنة 1994، وشئتموها على طرازٍ بيزنطيّ يقينًا منكم أنّ القدّيسة صوفيا هي إيّاها شفيعة آيا صوفيا في اسطنبول. ثمّ عدتم في سنة 2017 تجدّدون العمل فيها من الدّاخل، لنحتفل معكم اليوم بيوبيلها الفضّي، شاكرين الله والقدّيسة صوفيا على يدها الخفيّة البنّاءة معكم.

كما أنّ إيمانكم المتجذّر تاريخيًّا وأثريًّا، ظاهرٌ في تكريمكم للقدّيس جرجس، وقد شيّد أجدادُكم سنة 1914 كنيسةً رعائيّةً جديدةً، مكان الكنيسة القديمة. وأنتم أعدتم ترميمها في العام الماضي مع ما حولها من مجمّعاتٍ تربويّةٍ وصحيّةٍ وراعويّةٍ ورياضيّةٍ. كلّ هذه الأمور تظهر صورة حبّة الخردل. ينبغي ان ندرك نحن أيضا ان الحياة يجب ان تعطي ثمارا وثمارا كثيرة بمقدار ما يعطى كل واحد وواحدة منا من مواهب وامكانيات روحية ومعنوية ومادية. لا احد يعطى شيئا لذاته بل يعطى لكي يعطي. فالانانية تخالف تماما كلمات الرب يسوع في إنجيل اليوم. .

6. يبقى أن نلقي نظرةً إلى واقع وطننا لبنان، ونحن في بداية الإحتفال بالمئويّة الأولى لإعلانه دولةً مستقلّةً في أوّل أيلول 2020. بعد مسارٍ تاريخيٍّ طويلٍ لعب فيه البطاركة الموارنة الدّور القياديّ منذ أواخر القرن السّابع مع البطريرك الأوّل القدّيس يوحنّا مارون، وصولاً إلى المكرَّم البطريرك الياس الحويّك الذي ترأّس الوفد اللّبنانيّ الرّسميّ إلى مؤتمر الصّلح في فرساي بفرنسا في سنة 1919، بعد انهيار السّلطنة العثمانيّة. فقد وضع الحويّك في مذكّرته الرّسميّة لمؤتمر الصّلح مطالب اللّبنانيّين، وهي:

1- إعلان لبنان دولةً مستقلّة، مع إعادته إلى حدوده التّاريخيّة والطّبيعيّة، بإرجاع الأجزاء المقتطعة منه على يد العثمانيّين.

2- التّعويضات من المتسبّبين بالقتل والتّجويع وارتكاب الفظائع.

3- تكليف فرنسا بفترة الانتداب، من دون أن ينال من السّيادة المطلقة للبنان.

فكان “إعلان دولة لبنان الكبير” في أوّل أيلول 1920 في قصر الصّنوبر ببيروت بحضور ممثّل الدّولة الفرنسيّة الجنرال غورو الذي تلا قرار الإعلان الدّوليّ، بحضور البطريرك الحويّك.

6. لقد وضع البطريرك الحويّك وخلفُه المباشر البطريرك أنطون عريضه ملامح وجه لبنان الظّاهرة في دستوره الأوّل سنة 1926، وفي الميثاق الوطنيّ سنة 1943، وقد تجدّدا في مضمونهما الأساسيّ بوثيقة الوفاق الوطنيّ سنة 1989 في مؤتمر الطّائف. أمّا وجه لبنان الذي يميّزه عن مختلف بلدان المنطقة فهو إحلال المواطنة المدنيّة مكان المواطنة الدّينيّة، واعتماد النّظام الدّيموقراطيّ اللّيبراليّ، وإقرار التّعدّديّة دينًا وثقافةً بدلاً من الأحاديّة، وجعل العيش المشترك بين المسيحيّين والمسلمين بالمساواة وروح التّعامل والتّكامل أساسًا شرعيًّا للسّلطة السّياسيّة، والاعتراف بالإعلان العالميّ لحقوق الإنسان مع كامل الحريّات العامّة، وفي مقدّمتها حريّة المعتقد.

7. إننا نتطلّع إلى الجماعة السّياسيّة في لبنان، بمناسبة هذه المئويّة، وانطلاقًا من حالة اللّاإستقرار السّياسيّ والاقتصاديّ والمعيشيّ والاجتماعيّ، ونناشدهم بأمرين: الأوّل، اعتماد نهج حبّة الخردل أعني القيام بعمليّة النّهوض بلبنان من الحالة التي ذكرت، بتجرّدهم من مكاسبهم الخاصّة وحساباتهم الضيّقة، لكي يتمكّن لبنان من النّموّ بفضل قدراته وقدرات شعبه وشبابه؛ الثاني، العودة إلى خصوصيّات لبنان التي تميّزه عن غيره، وعدم تشويه ملامح وجهه التي جعلت منه رسالةً ونموذجًا على المستويَين العربيّ والدّوليّ.

هذه المناشدة المزدوجة نرفعها صلاةً إلى الله، بشفاعة القدّيسة الشّهيدة صوفيا وبناتها الشّهيدات الثّلاث، راجين قبولها مع نشيد المجد والتّسبيح للثّالوث القدّوس، الآب والابن والرّوح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.

وفي ختام القداس القى كاهن الرعية الأب جوني التنوري كلمة قال فيها:” ” يا أورشليم، أيتها المدينة المقدسة! أشكري الله على نعمته وباركي ملك الدهور ليعود فيبني مسكنه فيك”( طوبيا 13، 11). الشكر لملك الدهور والحمد لإبنه والتسبيح لروحه القدوس على كنيسته ورعاتها. نصلي: قدّس يا رب كنيستك ورعاتها لكي يحملوا بإسمك إلى كل إنسان، موكول إلى عنايتهم، النعمة والسلام، ويرفعوا مع أبنائهم عبادة الشكر للثالوث القدوس إلى ألأبد.”

وتابع التنوري:” بتهاليل الفرح نرحّب بقدومكم يا صاحب الغبطة والنيافة الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الكلي الطوبى مع السادة ألأساقفة والكهنة ألأجلاء، فقد بوركت رعية الصفرا مسقط رأس سلفكم البطريرك يوحنا البواب الصفراوي، بحلولكم في رحابها أنتم ألأب والراعي، أنتم بطريرك الشركة والمحبة، بطريرك السلام الذي أعطي مجد لبنان، بشموخكم كأرزة من أرزاته الخالدة التي لا تستكين ولا تتعب مهما عصفت بها الرياح واشتدت عليها المحن. زرتمونا فانتشت خوابي البركة في ديارنا، وعمّ الفرح مزهوًّا في قلوبنا، وانثنت المشاعر مطمئنة في اشرئباب زرع صالح، يرنو إلى نعمة السّماء.”

واضاف التنوري:” هذا الزّرع يا صاحب الغبطة ينقّي جذور إيمانه، ويشذّب أغصان تحدّياته، ويغذّيه بسماد الكلمة، بشكل واضح ومستمرّ، راعينا الجليل سيادة المطران أنطوان نبيل العنداري الجزيل الاحترام نائبكم العام على منطقة جونية، ونلتمس من خلال توجيهاته، ومن رؤاكم يا صاحب الغبطة والنيافة الّتي تثبّت الصّواري في ظلّ اشتداد موج هذا الزّمن العاتي، أن لنا رسالة في الشّرق ولبنان وهذه المنطقة من ساحل فتوح كسروان، 

لأنّنا فيه وجدنا، وفيه قدّمنا الشّهادة، فيه ولدنا، وفيه جدّدنا الولادة، صيّرنا أرضه سماءنا، ورحابه رجاءنا، ومستمرّون لنبقى ونعيش كما عاش آباؤنا وأجدادنا وكما عاش سلفكم البطريرك يوحنا البواب الصفراوي إبن هذه الأرض وألأب المتواضع جورج خوري اليسوعي مؤسس رابطة ألأخويات في لبنان.”

وقال التنوري:” صاحب الغبطة والنيافة، سعادة السفير البابوي ممثلا قداسة البابا فرنسيس، أصحاب السيادة السامي إحترامهم، حضرة ألآباء ألأجلاء ، أصحاب المقامات، أيها ألإخوة ألأحباء، فكرت طويلا، ماذا يكتب كاهن في قرية متواضعة، تحمل صلوات شعب متواضع، أو ماذا يكتب شعب عن بطريرك عظيم وكبير، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق، بطريرك يحمل مشعل مئوية إستقلال لبنان الكبير محافظا على كيانه صارخا في برية هذا العالم بقوة وصوت يوحنا وعظمة وقدرة الحويك. لم يتبادر الى ذهني الا تلك العروسة النقية القديسة الشهيدة صوفيا التي تضم اولادها تحت جناحيها حتى في شهادتهم وإستشهادهم، فانتابني شعور بالاعتزاز بكم صاحب الغبطة، يا حامل دماء الشهداء على كتفيك ، دماء نقية سالت على مذبح هذا الوطن والكنيسة لتسقوا بها مئوية جديدة للبنان الغد، تزرعون بها أرزة جديدة شامخة لكنيستنا ووطننا فيرتفع عليها شهود ومنائر لحب المسيح من خلال عيشهم وصية السيد المسح: “كونوا قديسين”، في هذا الشرق وعائلة لبنانية متماسكة ومتضامنة في أغصانها المتنوعة من أجل سيادة ووحدة وإستقلال لبنان يا جامعا ومعززا لوحدتنا، ومن هنا نعلن عهدا ابديا قاطعا يتجلى في عيشنا معا، و نؤكد عهدنا لكم ولبطريركيتنا ألأنطاكية المارونية صرح الكلمة الحرة والمحررة، صرح الشركة والمحبة. فبقلوب تفيض برحيق المحبة وأفئدة تنبض بالموده وكلمات مفعمة بروح البنوة، نحييكم يا صاحب الغبطة والنيافة، أهلاً بكم، بعدد ما نثرت من حروف.”

وختم التنوري:” نورنا ضئيل يا صاحب الغبطة يتبدد مع نوركم الساطع. قلمنا ضعيف يتهاوى أمام قلمكم ، وإن كتبنا مواضيع عبر كلمات وسطور فإنكم كتبتم لحن كلماتكم في قلوبنا وعقولنا لتتجول بين أرجاء أفكارنا وضمائرنا لغة حب ورجاء وشركة أبناء متجذرة في طاعتها وإخلاصها لكم يا أرزة من أرز لبنان فأهلاً وسهلا بكم بعدد ما أنزلته السماء من قطرات. وتقبل خالص محبتنا القلبية.”

وفي ختام القداس قدم الأب تنوري باسم لجنة الوقف هدية تذكارية لغبطته كناية عن مجسم برونزي جسد كنيستي مار جريس والقديسة صوفيا، كما قدم المجلس الرعوي والحركات الكشفية والرسولية

منحوتة بتوقيع حنا ابوسجعان تجسد صاحب الغبطة.

 

LINK TO GALLERY: www.media.bkerki.org



PHOTO ALBUM: Safra Visit_16.9.2019