المجمع البطريركي الماروني 2003-2006
تقديم
نحمد الله على أن هذا المجمع المارونيّ قد بلغ نهاياته، ونُشرت ملفّاته الثلاثة بالطبع. وهي الآن بين أيدي المؤمنين، لتسهم في توطيدهم في ايمانهم بالله وبكنيسته المقدّسة، وهو ايمان الموارنة بالربّ يسوع، ابن الله الذي تجسّد، وأقام بين الناس، وصعد إلى السماء ليقيم مدى الأبديّة عن يمين أبيه السماوي.
الكنيسة المارونيّة متمسكّة بايمانها، منذ نشأتها في أواخر القرن السابع، مع أوّل بطريرك لها هو القدّيس يوحنّا مارون، حتّى اليوم. وعلى الرغم ما تخلّل تاريخ هذه الكنيسة من مصائب ونكبات، وانتشار أبنائها تحت كلّ سماء، فالموارنة، على وجه الاجمال، لا يزالون متمسكين بايمان آبائهم وأجدادهم، وهم فخورون بانتقاله إليهم، وبنقله بدورهم إلى أبنائهم وأحفادهم، يقينا منهم أن الايمان الراسخ بالله، هو مصدر طمأنينة وسعادة في الدارين.
وتشتمل هذه الملفّات الثلاثة على ثلاثة وعشرين نصًّا بحثت في مختلف شؤون الكنيسة المارونيّة، وخاصّة في لبنان، والمهاجر. ودار الحديث فيها على هويّة الكنيسة المارونيّة، ثمّ على الهيكليّات أي: البطريركيّة، والأبرشيّة، والرعيّة، ثم تناولت الأشخاص أي: البطريرك والأساقفة، والكهنة والشمامسة، والحياة الرهبانيّة والعلمانيّة، والعائلة والشبيبة، ثم انتقل البحث إلى الطقس المارونيّ، والعمل الراعوي، والتعليم المسيحيّ، وتنشئة الراشدين المسيحيّة المستمرّة. وانتهى البحث إلى التربية بما فيها التعليم التقنيّ، والتعليم العاليّ، والثقافة، والسياسة، والشأنين الاجتماعيّ والاقتصاديّ، والاعلام، والأرض.
وكان قد بدأ التفكير بعقد بهذا المجمع منذ نهاية المجمع المسكونيّ الفاتيكانيّ الثاني. وأعدّت بعض ملفّات، لكنّها بقيت دون المطلوب. وجاءت سنو الحرب الثلاثون المشؤومة، فحالت دون التفكير بمواصلة الجهد لأعداد لعقد هذا المجمع. ولكن الفكرة بقيت حيّة، وفاعلة، وبعد الصلاة والتفكير مليًّا باستئناف العمل على عقد هذا المجمع، وفّقنا الله إلى تعيين المسؤولين عن سير العمل فيه، وفي مقدّمهم سيادة أخينا المطران يوسف بشاره، مطران أنطلياس السامي الاحترام، فوضع التصميم العامّ، بعد أن تشاورنا جميعًا في الأمر، نحن وأصحاب السيادة المطارنة السامي احترامهم، ووزّعت مهامّ وضع الدراسات على مختلف رجال الفكر والقلم من أكليروس وعلمانيّين، في لبنان والمهاجر، وعُقدت جلسات عامّة في مطلع كلّ صيف على مدى ثلاث سنوات، تدارس المجتمعون فيها النصوص المعدّة، وهناك نصوص تليت، ثمّ أعيدت صياغتها غير مرّة لتوضيح الفكرة وتضمين النصّ ما يغنيه ليكون أوفى بالمقصود.
وستترجم هذه النصوص إلى الفرنسيّة والانكليزيّة لتكون بين أيدي الموارنة وغيرهم ممّن تهمّهم الشؤون الدينيّة، والكنسيّة في لبنان وخارجه.
ولكن المجمع لم ينته بانتهاء بلورة النصوص ونشرها. وما كانت هذه كتابات ميتة، بلّ يجب أن تكون حيّة فاعلة، ولا تكون كذلك –وهذا ما تريدها الكنيسة أن تكون- إلاّ إذا تدارسها المؤمنون وتشبّعوا من روحها، ووضوعوها موضع العمل في حياتهم اليوميّة، حتى ليمكن القول: اليوم بدأ المجمع.
وانا نجدّد شكرنا لجميع الذين ساهموا في وضع نصوص هذا المجمع، أو إعادة النظر فيها من مطارنة، وكهنة ورهبان، وراهبات، وعلمانيّين. ونخص من بينهم سيادة المطران يوسف بشاره، مطران أنطلياس السامي الاحترام، المشرف العام على أعمال هذا المجمع، والأب ريشارد أبي صالح، أمين عام مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك المحترم، الذي خلف في أمانة سرّ هذا المجلس، الأب خليل علوان، الأب العام لجمعيّة المرسلين اللبنانيّين الموارنة، الجزيل الاحترام. ولا يمكننا أن ننسى العديد من المؤمنين الذين ساهموا عن سخاء في تمويل هذا المجمع، الذي لولا سخاؤهم، لكان ربّما تعذّر عليه أن يبصر النور بمثل هذه السرعة.
وعلى أمل أن يؤتي هذا المجمع ثماره المرتجاة في النفوس، فتتجدّد بنفحة من الروح القدس، الذي نسأل الله الآب أن يرسله إلينا، فيتجدّد وجه الأرض.
وفيما نحمد الله معكم جميعًا على جوده علينا بنعمة هذا المجمع، الذي نأمل أنّه سيسهم في جمع الصفوف والقلوب على مخافة الله، ووضع قوله تعالى: “أحبّوا بعضكم بعضًا، كما أنا أحببتكم” (يو 34:13)، موضع العمل، نمنحكم جميعًا من صميم القلب البركة الرسوليّة.
صدر عن كرسينا البطريركيّ في بكركي في العاشر من أيّار سنة 2006.
الكردينال نصرالله بطرس صفير
بطريرك أنطاكية وسائر المشرق