النص الثاني: هويّة الكنيسة المارونيّة ودعوتها ورسالتها

المجمع البطريركي الماروني 2003-2006


النص الثاني: هويّة الكنيسة المارونيّة ودعوتها ورسالتها


مقدّمة

  1. منذ أن باشرت كنيستنا الأنطاكيّة السريانيّة المارونيّة أعمال مجمعها البطريركيّ، أَولَت مسألة هويّتها ودعوتها ورسالتها اهتمامًا كبيرًا بحيث جعلتها في طليعة المواضيع المجمعيّة المطروحة للبحث. فالمشروع المجمعيّ الذي يدفع بالكنيسة المارونيّة اليوم إلى إعادة نظر شاملة في شؤونها الكنسيّة لا يبلغ مرتجاه إلاّ إذا كان منسجمًا مع العناصر الأساسيّة التي تُكوّن هويّتها والتي في ضوئها تنجلي دعوتُها وتتحدّد رسالتُها. ويتوخّى هذا النصّ إظهار تلك العناصر في ترابطها وتكاملها قبل أن تتناول النصوص المجمعيّة الأخرى منفردةً إبراز ميزات كلّ منها. وهذه العناصر تؤلّف مجتمعةً، التراث الحيّ الذي يُعطي الكنيسة المارونيّة خصوصيّتها ضمن الكنيسة الجامعة في عيش سرّ الخلاص بيسوع المسيح والشهادة له في النطاق الأنطاكيّ وبلدان الانتشار. وتسعى كنيستنا اليوم، كما سعت بالأمس، إلى ان تكون بخصوصيّتها هذه أمينةً لهذا السرّ الذي منه تنطلق، وعليه تُبنى كلّ هويّة مسيحيّة صحيحة. فبقدر ما ترتبط تلك العناصر بشخص يسوع المسيح الذي “هو هو بالأمس واليوم وللأبد” (عب 13/8)، تحتلّ مكانةَ القلب النابض في وجدان الموارنة.
  2. ولا يغيب عن بال أبناء الكنيسة المارونيّة، وهم يَسعَون إلى استجلاء عناصر هويّتهم، أنّ كنيستهم البطريركيّة هي قبل كلّ شيء تحقيق لسرّ الكنيسة الواحدة، الجامعة، المقدّسة، الرسوليّة، في البيئة الخاصّة التي دُعوا إلى ان يشهدوا فيها على إيمانهم الرسوليّ وقِيَمهم الإنجيلية. ولا يرضون بالتالي أن ينقادوا في مسعاهم هذا إلى اعتبارات ثقافيّة أو قوميّة أو سياسيّة بحتة. فالكنيسة هي، بالنسبة إليهم، عملُ الله الآب الخلاصيّ بواسطة ابنه يسوع المسيح وبفعل روحه القدّوس كما يُعلنون منشدين في صلاة يوم أحد تجديد البيعة وتقديسها: “المجد للآب الذي بنى البيعة منذ القديم؛ والسجود للابن الذي وضع فيها جسده لمسامحة الذنوب؛ والشكر للروح الذي ينـزل ويحلّ ويقدّسه؛ هو السرّ الخفيّ الذي لا يُستقصى؛ له المجد”[1].
  3. وفي سعينا إلى استجلاء عناصر هويّة الكنيسة المارونيّة، يتبيّن كم أنّ تلك العناصر هي في جوهرها مشترَكة بين الكنائس الأنطاكيّة والسريانيّة، وﺇنِ اتخذت بفعل الزمن طابعًا مارونيًّا مميّزًا، من دون ان يَحجُبَ ذلك أصلها الأنطاكيّ والسريانيّ. فالعودة إلى هذا التراث المشترك هو، بالنسبة إلى الكنيسة المارونيّة، التزام مسكونيّ يُسهم في استعادة كنائسنا الشركة التامّة بينها “وهي تعمل للحقّ بالمحبّة” (أف 4/15)، وذلك في سبيل تعزيز حضورها الانجيليّ في هذا الشرق وفي العالم، أمانةً لدعوة معلّمها.
  4. لا ريب في ان ظاهرة الهجرة المارونيّة الكثيفة من لبنان والدول المجاورة إلى بلدان العالم الأخرى، أسهمت، في جعل مسألة هويّة الكنيسة المارونيّة من الأوّلويات المجمعيّة. فكان لا بدّ لهذه الكنيسة، حيثما حلّ أبناؤها، من أن تُبرز العناصر الأساسيّة لهويّتها، أساس دعوتها ورسالتها، فتعمل على تأوينها لتتلاءم مع ثقافات الشعوب التي انتمى أبناؤها إليها، وذلك للحدّ من تشتّتهم أو ذوبانهم، وصونًا لوحدتهم، في سبيل تعزيز الرسالة المسيحيّة الخاصّة التي اؤتمنوا عليها.
  5. في ضوء ما تقدّم، يعرض النصّ العناصر الأساسيّة لهويّة الكنيسة المارونيّة، فيتبيّن أنّها، أوّلاً، كنيسة أنطاكيّة سريانيّة ذات تراث ليتورجيّ خاصّ؛ ثانيًا، كنيسة خلقيدونيّة؛ ثالثًا، كنيسة بطريركيّة ذات طابع نسكيّ ورهبانيّ؛ رابعًا، كنيسة في شركة تامّة مع الكرسيّ الرسوليّ الروماني؛ خامسًا، كنيسة متجسّدة في بيئتها اللبنانيّة والمشرقيّة، وفي بلدان الانتشار. وبما أنّ دعوة الكنيسة المارونيّة ورسالتها لا تنفصلان عن هويّتها، فاقتضى الأمر بإظهارهما تباعًا، إنطلاقًا من العناصر التي تكوّن هذه الهويّة.
  6. وقبل الشروع في تبيان تلك العناصر، لا يسعُنا إلاّ أن نذكّر بأنّ اسمَ الموارنة يرجع إلى اسم القدّيس مارون، المتوفَّى حوالي 410، وإلى الدير الذي بُنيَ على اسمه، بُعَيد مجمع خلقيدونيا (451)، في منطقة أفاميا الكائنة في سورية الثانية، وفق التنظيم الرومانيّ القائم آنذاك. ويُعتبر دير مار مارون بحقّ مهدَ الكنيسة الأنطاكيّة السريانيّة المارونيّة التي نشَأَت في كَنَفه وحولَه بطريركيّةً مستقلّةً في تاريخ غير محدّد، بين نهايات القرن السابع والنصف الأوّل من القرن الثامن (راجع الفصل الثالث من هذا النصّ). أما القدّيس مارون، شفيع كنيستنا التي تُعيِّد له في التاسع من شباط، فقد ابتكر طريقةً نسكيّةً فريدةً من نوعها على جبل قورش في سورية الأولى، قوامها العيش في العراء. وقد كتب سيرة حياته وحياة تلاميذه في النسك، تيودوريطُُس القورشي (459 +)، في كتابه الشهير عن رهبان سورية ونسّاكها، وذلك بين مطلع القرن الرابع ومنتصف القرن الخامس[2].

الفصل الأوّل : كنيسة أنطاكيّة سريانيّة ذات تراث ليتورجيّ خاصّ

                                                 الفصل الثاني : كنيسة خلقيدونيّة

  1. في قولنا إنّ كنيستَنا المارونيّة هي خلقيدونيّة، نَعني أنّها تواصل الأمانة “لسرّ التدبير الخلاصيّ” كما اعترف به وشهد له رهبان دير مار مارون، مهد كنيستنا، تبعًا “لقانون الإيمان” الذي حدّده آباء المجمع المسكونيّ الرابع في خلقيدونيا سنة 451. ويعلّم هذا القانون أنّ المسيح هو في طبيعتَين كاملتَين، إلهيّة وإنسانيّة، متّحدتين بشخص سيّدنا يسوع المسيح، وأنّ تمايز الطبيعتين يظلّ قائمًا بعد تلك الوحدة. وبهذا تأكيد على إنسانيّة السيد المسيح وحقيقة التجسّد والخلاص[4].
  2. وقد استند آباء المجمع في تحديدهم هذا إلى الرسالة التي كان قد وجّهها البابا لاوون الكبير سنة 449 إلى فلافيانوس بطريرك القسطنطينية (446-449) وفيها يشجب قول الراهب أوطيخا بأن للمسيح طبيعة واحدة بعد التجسّد، بحيث يؤدّي ذلك إلى تلاشي الإنسانيّة في الألوهيّة وإلى إفراغ حدث التجسّد من معناه الخلاصيّ. واعتبر الآباء الرسالة البابويّة هذه “تتوافق واعتراف بطرس العظيم وتكوّن ركنًا مشتركًا مضادًا لذويّ الآراء الخاطئة”[5]. وممّا لا ريب فيه أن تمسّك دير مار مارون “بقانون الإيمان” الخلقيدوني، في سياق رسالة البابا لاوون، كان من العوامل الرئيسة والعريقة التي عزّزت لاحقًا شركة الكنيسة المارونيّة التامّة مع الكرسيّ الرسوليّ الرومانيّ (عدد 29). وتعبّر ليتورجيتُنا المارونيّة بشكل بليغ عن مفاعيل سرّ التجسّد في حياة الانسان حين نردّد كلّ يوم في القداس: “وحّدت يا ربّ لاهوتك بناسوتنا وناسوتنا بلاهوتك، حياتك بموتنا وموتنا بحياتك. أخذت ما لنا ووهبتنا ما لك لتحيينا وتُخلّصنا، لك المجد إلى الأبد”.
  3. غير أنّ “قانون الإيمان” الخلقيدوني لاقى منذ البداية، لأسباب لاهوتيّة وغير لاهوتيّة، معارضةً قويّةً بلغت حدّ الرفض لدى معظم المسيحيّين في شرقنا، وهم يكوّنون ما يُسمّى اليوم بعائلة الكنائس الأرثوذكسيّة الشرقيّة[6]. وتمحورت مواقفهم حول رفض التمايز بين الطبيعتين بعد التجسّد، منعًا لأيّ إنقسام بين لاهوت المسيح وناسوته، وبالتالي حرصًا منهم على الوحدة في شخص يسوع المسيح كما أقرّها آباء مجمع أفسس سنة 431. ولا بدّ لكنيستنا من أن تحمَد الله على النتائج الايجابيّة التي آلت إليها الحوارات اللاهوتيّة، الرسميّة وغير الرسميّة، في مسألة سرّ التجسّد، بين الكنيسة الكاثوليكيّة وعائلة الكنائس الأرثوذكسيّة الشرقيّة، إذ بيّنت هذه النتائج أنّ الإيمان بهذا السرّ هو واحد في جوهره ومتنوّع في تعابيره. فلا يعودُ هذا التنوّع، كما كان حتى الماضي القريب، شعار تفرقةٍ وتباعدٍ بين الكنائس، مع ما يستتبع ذلك من تراجعٍ في الشهادة المسيحيّة، بل إرثًا غنيًا ومشتركًا بحيث لا تقوى عبارة واحدة على ادراك هذا السرّ العظيم أو الإحاطة به بطريقة حصريّة ونهائيّة[7].
  4. في هذا السياق، وإن يكن هذا التنوّع يُصيب الألفاظ والتعابير من دون المساس بالجوهر، يمكننا القول بأنّه أَسهَم في بلورة أنماطِ حياةٍ كنسيّة مختلفة ومتكاملة أثّرت في روحانيّة كنائسنا ورسالتها في بيئتها. وهكذا تعي الكنيسة المارونيّة في ضوء تاريخها الطويل أنّ إيمانها بسرّ التجسّد، وفق الصيغة الخلقيدونيّة، أسهم في تكوين روحانيّة مارونيّة متجسّدة في بيئتها اللبنانيّة والمشرقيّة. وقد بدا ذلك في سعي أبنائها الدؤوب مع شركائهم في المصير، من مسلمين ومسيحيّين، إلى العمل معًا في شتّى المجالات الثقافيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة، من أجل ترقّي الانسان، كلّ إنسان، ليستعيد، بيسوع المسيح، كلمة الله المتجسّد، كرامته وصورة الله فيه (راجع الفصل الخامس).

الفصل الثالث : كنيسة بطريركيّة ذات طابع نسكيّ ورهبانيّ

  1. نشأت البطريركيّة الأنطاكيّة السريانيّة المارونيّة في كَنَف دير مار مارون في تاريخ غير محدّد، بين نهايات القرن السابع والنصف الأوّل من القرن الثامن، ضمن ظروف دينيّة وثقافيّة وسياسيّة واجتماعيّة لم تتّضح بعد كلّ معالمها، وقد أدّت مجتمعةً إلى انقسام الكرسيّ الملكيّ الأنطاكيّ بين “الموارنة” و”الروم”. ويُعوِّل مجمعُنا على أصحاب الاختصاص في التاريخ الكنسيّ أمرَ توضيح تاريخ الكنيسة المارونيّة في هذه المرحلة الدقيقة منه، بحيث يكون مقدّمة لكتابةٍ مشتركة و”مسكونيّة” لتاريخ الكرسيّ الأنطاكيّ، متذكّرين قول بولس الرسول: “وإذا عَمِلنا للحقّ بالمحبّة نمَونا وتقدّمنا في جميع الوجوه نحو ذاك الذي هو الرأس، نحو المسيح” (أف 4/15). فمنذ القرن الثامن، برز “الموارنة” جماعةً كنسيّة مستقلّةً ضمن الكرسيّ الأنطاكيّ إلى جانب كنيسةِ السريان الأرثوذكس من جهة[8]، وكنيسة الروم الأرثوذكس لاحقًا من جهة ثانية[9]. فكان لهذا الحدث المؤسِّس أثرٌ كبير دَمغ الكنيسة المارونيّة، إكليروسًا وعلمانيّين، بطابعٍ نسكيّ ورهبانيّ مميّز أثّر في روحانيّتها وتنظيمها الكنسيّ. وها هي اليوم تبحث من خلال مجمعها البطريركيّ عن سبل تأوين هذا الطابع من أجل أداء رسالتها الانجيليّة في محيطها وفقًا لموهبتها الخاصّة.
  2. إنّ أساس البطريركيّة المارونيّة النُسكيَّ والرُهبانيَّ لا يعني أن كنيستنا هي نتيجة حركة رهبانيّة مستقلّة ضمن الكرسي الأنطاكيّ. فدير مار مارون كان في الهيكليّة الكنسيّة الأنطاكيّة منذ نشأته عقب المجمع الخلقيدوني (451) حتى بروز البطريركيّة المارونيّة في كَنَفه. ويؤكّد ذلك وجود رهبان – أساقفة، على الأقلّ في القرن الثامن، تسلّموا رئاسة هذا الدير، جريًا على تقليد كنسيّ قديم في كنائسنا الشرقيّة. إنّ هذا التوافق الرهبانيّ – الأسقفيّ يدلّ على أن دير مار مارون ورهبانه، كما الأديار والجماعات المسيحيّة التي تحلّقت حوله، كانت في الهيكليّة الأنطاكيّة من خلال اسقف هذا الدير وأساقفة الأديرة المجاورة. يتبيّن من هذا كلّه أنّ دير مار مارون كان في تواصل مع الدور الكنسيّ الذي أُسند إليه من قِبَل الكنيسة الأنطاكيّة في القرن السادس لما عُيّن رئيس “دير الطوباوي مارون” “إكسَرْخُسًا” (exarque) لأديار سورية الثانية أيّ رقيبًا عليها ووسيطًا بينها وبين البطريرك الأنطاكيّ من جهة والأمبراطور من جهة ثانية[10].
  3. في هذا السياق، وبالاستناد إلى تقليد قديم نقله الينا الطيّب الذكر البطريرك اسطفانوس الدويهي (1670-1704)، تعتبر كنيستنا القدّيس يوحنّا-مارون الذي كان راهبًا في دير مار مارون ومن ثمّ رئيسًا عليه، أوّل بطريرك أنطاكيّ على الموارنة، وهي تعيّد له في الثاني من شهر آذار[11]. وقد افتَتَح يوحنا- مارون سلسلةً من البطاركة – الرهبان استمرّت من دون انقطاع حتى القرن السابع عشر بحيث كانت الحالةُ الرهبانيّة ملازمةً للخدمة الأسقفية أو البطريركيّة في كنيستنا. فالرهبان، بعد سيامتهم الأسقفيّة، كانوا يستمرّون في الحالة الرهبانيّة التي اعتنقوها. وهذا يعني أنّ الحالة الرهبانيّة هي راعويّة بقدر ما هي إنجيليّة في منطلقاتها وأهدافها[12].
  4. غير أنّ هذا الرابط الوثيق بين الحالة الرهبانيّة والأسقفيّة بدأ بالتحوّل منذ أن درجت العادة عندنا، بتأثيرٍ من الكنيسة الرومانيّة عبر المدرسة المارونيّة في روما (1584)، على أن تُسنَد خدمة الأسقفيّة أو البطريركيّة، كما في الغرب، إلى من هم في حالة البتوليّة، بقطع النظر عن وضعهم الإكليريكيّ أو الرهبانيّ. وبالرغم من هذا التحوّل، أبقت “الشرطونيّة” المارونيّة، أيّ كتاب السيامات، إلى يومنا، على هذا الرابط التقليديّ إذ يتّشحُ المختار للأسقفيّة بالإسكيم الرهبانيّ (القلنسوة) إذا لم يكن من صفوف الرهبان.
  5. لا ريبَ في أنّ أساس البطريركيّة المارونيّة النُسكيّ والرُهبانيّ جعل من الكنيسة المارونيّة عبرَ تاريخها الطويل، جماعةً ديريّة كبيرة هي “رعيّة البطريرك”، رعيةٌ تمحورت حول دير الكرسيّ البطريركيّ، ورأت في الجالس على هذا الكرسيّ “الأبَ والرئيس” والحافظ لوحدتها. وكان لهذا الأساس أثرٌ كبيرٌ في التنظيم الكنسيّ المارونيّ، وقد استمرّ حيًّا حتى المجمع اللبنانيّ الذي انعقد سنة 1736. فكوَّن هؤلاء طوال تلك الفترة رعيّةً واحدةً يسهر البطريرك على شؤونها من دون منازع، وإن شاركه في تدبير الأمور الزمنيّة بعض الأعيان، وفي الأمور الراعويّة عددٌ من الأساقفة المعاونين الذين كانوا يسكنون معه في الدير البطريركيّ أو في الأديار المجاورة، وينتدبهم للقيام باسمه بزيارات راعويّة. وبالرغم من الاعتراضات التي أصابت سلطة البطريرك المطلقة بين الحين والآخر ، يبقى أنّ هذا التنظيم كان في مجمله شاهدًا حيًّا على مجمعيّة أسقفيّة متواصلة تركّزت على شركة الحياة الديريّة الثابتة، وهي شركة قوامُها الصلاة الخورسيّة والتأمّل في الكتاب المقدّس والعمل اليدويّ وممارسة الأصوام.
  6. وقد تبدّلت طرق ممارسة المجمعيّة الأسقفيّة تلك منذ أن أصدر آباء المجمع اللبنانيّ (1736) قانون توزيع الأبرشيّات وأوصى الأساقفة بالإقامة في أبرشيّاتهم[13]. وبالرغم من الحاجة الراعويّة الملحّة إلى هذا الإصلاح الأبرشيّ، تبيّن أنه قوبِل طويلاً بالحذر أو الرفض من جانب بعض الفئات، ربّما من باب الحفاظ على وحدة هذه “الجماعة الديريّة” الكبيرة حول راعيها. أمّا اليوم، وبعد مضيّ حوالي ثلاثة قرون على المجمع اللبنانيّ، فإنّ خبرة المجمعيّة الأسقفيّة وفقَ “النمط الديري” لا تزال عالقةً في الذاكرة المارونيّة، وبخاصة إبّان الملمّات، لما تمثّل من شركةٍ كنسيّة فعليّة بين البطريرك والأساقفة من شأنها أن تُلهم ممارسة المجمعيّة الأسقفيّة في أيّامنا وتعزّزها.
  7. وبالتزامن مع التحوّل الذي لم تَعُد فيه الحالة الرهبانيّة ملازمةً للأسقفيّة، حدث تحوّل آخر أصاب وضع الحياة الرهبانيّة القانونيّ في كنيستنا البطريركيّة. فمنذ نهاية القرن السابع عشر، شَهِدَت كنيستُنا إصلاحًا رهبانيًّا واسع النطاق حاول روّاده التوفيقَ بين أصالة الروحانيّة الشرقيّة والتنظيم الغربيّ، فكانت نشأة الرهبانيّات في شكلها القائم حتى الآن. واللافت في هذا الإصلاح على الصعيدين الكنسيّ والقانونيّ هو تثبيت قوانين تلك الرهبانيّات على يد الكرسيّ الرسوليّ الرومانيّ بعد أن كان تثبيتها قد تمّ في صيغتها الأولى من جانب الكرسيّ البطريركيّ في قنّوبين؛ وقد استتبع ذلك “حقًّا حبريًّا” ما زالت تلك الرهبانيّات تنعم به حتى اليوم واستقلاليّة قانونيّة عن الهيكليّة البطريركيّة[14].
  8. وقد حَظِي هذا التحوّل في حينه برضى البطريركيّة المارونيّة. وتفسير ذلك يعود إلى وعي أبناء الكنيسة المارونيّة المتزايد، إكليروسًا وعلمانيين، أن كنيستهم البطريركيّة هي جزء لا يتجزّأ من الكنيسة الكاثوليكيّة التي يرعاها أسقف روما، خليفة بطرس، والذي يحظى – بموجب مبادئ “اللاهوت الكنسيّ الكاثوليكي” (ecclésiologie catholique) – بأوّليّة فعليّة على الكنيسة جمعاء، هي استمراريّةٌ لأوّليّة بطرس على الرسل والكنيسة الأولى، وضمانةٌ لوحدة كنيسة المسيح المنظورة ونموّ رسالتها في العالم. أمّا اليوم، وفي ضوء مفهوم الكنيسة-الشركة على الصعيدين المحلّي والجامع وفق تعليم المجمع الفاتيكانيّ الثاني، فيجدر بكنيستنا البطريركيّة “ذات الحق الخاص” أن تولي هذا المفهوم الاهتمام اللاهوتي الكافي فتسعى إلى بلورة السبل العمليّة الكفيلة بتعزيز روح الشركة بين أبنائها وعلى جميع المستويات. ويتمّ ذلك على صعيد الهيكليّات من خلال تعميق ممارسة المجمعيّة الأسقفيّة بين البطريرك والأساقفة من جهة، وتفعيل العلاقات المُتبادلة بين الرَّهبانيات “ذات الحقّ الحبريّ” والبطريركيّة من جهة ثانية، فتغدو الهيكليّة البطريركيّة، مع الزمن، واسطة الشركة الكنسيّة بين الكنيسة المارونيّة، إكليروسًا ورهبانًا وراهبات وعلمانيّين، والكرسيّ الرسوليّ الرومانيّ.
  9. لا رَيبَ في أنّ هذه التحوّلات بدّلت مع الزمن الطابع الرهبانيّ التقليديّ الذي تميّزت به كنيستنا البطريركيّة. ويَعي مجمعنا أن استعادة هذا الطابع لن تتمّ بمجرّد العودة إلى المرحلة التي سَبقَتْ تلك التحوّلات. لذا لا بدّ من أن نبحث بروحٍ كنسيّة عن السبل الكفيلة باستعادة روح هذا الإرث. وقد لا يكون مناسبًا، على الأقلّ في المدى القريب، طرح هذه المسألة من الزاوية القانونيّة. فمجموعة قوانين الكنائس الشرقيّة تحدّد بالكثير من الدّقة مكانة الرهبانيّات ذات “الحقّ الحبريّ” في الكنيسة البطريركيّة ذات “الحقّ الخاصّ” من جهة، وعلاقة كلّ من الكنيسة البطريركيّة والرهبانيّات بالكرسيّ الرسوليّ الرومانيّ من جهة أخرى[15]. ما يُمكن فعلُه في هذا المجال بالذات، ومن دون إبطاءٍ، هو متابعة عمل الدائرة البطريركيّة للتنسيق بين الأساقفة والرهبانيّات، وذلك تعزيزًا لرسالة كنيستنا ولروح الشركة بين أبنائها.
  10. ويُدرك مجمعنا البطريركيّ أنّ همّ استعادة الطابع النُسكيّ والرهبانيّ في كنيستنا لا يتوقّف عند هذا الحدّ من التنسيق بين الأساقفة والرهبانيّات. فإذا كانت الحياة الرهبانيّة هي “روح الكنائس الشرقيّة”، حسب قول قداسة البابا يوحنّا بولس الثاني (نور الشرق، 9)، فهي بالنسبة الينا بمثابة موهبة (“كاريسما”) إنجيليّة مُؤسِّسة كوّنت كنيستنا الأنطاكيّة وطَبعتها عبر تاريخها الطويل. وهذا يدعونا بإلحاح، إكليروسًا ورهبانًا وعلمانيّين، إلى استجلاء معنى هذه الموهبة المؤسِّسة ومقتضياتها. فهذه كانت ولم تزل أنجيليّةً بامتياز في كونها تدفع بالمؤمنين إلى أن يأخذوا على مَحمَل الجدّ كلّ متطلّبات السير وراء المسيح كما هي واردةٌ في الإنجيل: “وقال للناس أجمعين: من أراد أن يتبعني، فليزهَد بنفسه ويحمِلْ صليبه كلّ يوم ويتبعني” (لو 9/23). وتتجسّد تلك الموهبة بالصلاة المستمرّة والهذيذ بكلمةِ الله، وبالتوبة الصادقة من أجل الملكوت، وببساطة العيش والتعاضد الأخويّ شهادة على المحبّة. وأبهى ما في هذه الموهبة هو التشديد على حالة السهر، بقوّة الرجاء الذي لا يُخيّب (روم 5/5) ورهبةِ الدينونة لانتظار السيّد المسيح عند مجيئه الثاني ليدينَ الأحياءَ والأموات (قانون الإيمان النيقاوي – القسطنطيني)، ويرفَعَ الكلّ إلى أبيه “ليكون اللهُ كلَّ شيء في كلِّ شيء” (1 قور 15/28). فالمؤمنون بالمسيح يشهدون على القيم الانجيليّة في ضوء “سرّ التدبير الخلاصي” بكل أبعاده وهو سرّ يجدُ كمالَه في حدث المجيء الثاني. وأبناء كنيستنا المارونيّة “يتذكّرون” هذا المجيء وكأنه قد تمّ، أيّ يجعلونه حاضرًا، وذلك في احتفالهم الإفخارستيّ عندما يُعلن المحتفل في نافور مار مرقس قائلاً: “فيما نذكرُ، يا ربّنا يسوع المسيح، كلّ تدبيرك الخلاصيّ من أجلنا: الحبل بك، وميلادك، وعمادك، وآلامك الخلاصيّة، وموتََك المحيي، ودفنك الثلاثيّ الأيّام، وقيامتك المجيدة، وصعودك إلى السماء، وجلوسك عن يمين الله الآب، ومجيئك السيّديّ، الذي تدين فيه جميع أبناء البشر…”[16].
  11. في هذا السياق، يتبيّن أنّ همّ استعادة الطابع النسكيّ والرهبانيّ في الكنيسة المارونيّة يعني جميع أبنائها وبناتها في تنوّع مواهبهم وأنماط حياتهم. فبقدر ما يعبّر هذا الهمّ عن خيار انجيليّ ملازم لنشأتهم، يترتّب عليهم أن ينطلقوا “انطلاقة جديدة من المسيح”[17] تجعل منهم “جماعة مكرّسة” للرب وعلامة لملكوته. ويعي مجمعنا البطريركيّ أهميّة تلك الانطلاقة الجديدة من المسيح لتحقيق التجدّد الراعويّ والروحيّ المنشود في كنيستنا، وهو عنوان الملف الثاني، لاسيّما منه ما يتعلّق بتجدّد الأشخاص: البطريرك والأساقفة والكهنة والرهبان والعلمانيّين والعائلة والشبيبة (نصوص 6-11).

الفصل الرابع : كنيسة في شركة تامّة مع الكرسيّ الرسوليّ الرومانيّ

الفصل الخامس : كنيسةٌ متجسّدة في بيئتها اللبنانيّة والمشرقيّة وفي بلاد الانتشار

الخاتمة

توصيات النصّ وآليات العمل

الموضوعالتوصيةالآليّة
1- إحياء التراث الأنطاكيّ والسريانيّ.  1- ينتمي الموارنة إلى التراث الأنطاكيّ والسريانيّ، الذي تشترك فيه سائر الكنائس الأنطاكيّة وعائلة الكنائس السريانيّة والذي هو إرث للكنيسة الجامعة. لذلك يدعو المجمع إلى متابعة الإهتمام بإحياء هذا التراث في أبعاده اللاهوتيّة والروحيّة والليتورجيّة وتقديمه في حلّة جديدة تكون بمتناول الموارنة حيثما حلّوا.  1- أ: على الجامعات المارونيّة، وبخاصّة كلّيات اللاهوت فيها، تحتضن هذا المشروع تماشيًا مع توصيات الإرشاد الرسوليّ “رجاء جديد للبنان” (عدد 42، 77، 86). وبالتعاون مع الجامعات الأخرى ومع أصحاب الإختصاص في الكنائس الأنطاكيّة الأخرى، في لبنان وبلاد الانتشار، ويتمّ ذلك: أوّلاً، من خلال تحقيق علميّ لهذا التراث ونشره وترجمته؛ ثانيًا، من خلال إدراج هذا التراث في المناهج التعليميّة لكلّيات اللاهوت. 1-ب: تسعى الرهبانيّات والأبرشيّات المارونيّة أن إلى تكريس من تتوسّم فيهم الكفاءة العلميّة للتخصّص في هذا المجال.
2- إعداد كتاب تاريخ الموارنة.  2- لمّا كانت معرفة التاريخ الكنسيّ بشكلٍ علميّ هي من أسس التجدّد الراعوي الأصيل، ولما كانت كنيستنا المارونيّة تفتقر حتى الآن إلى كتاب تاريخ لها تُعرض فيه الأحداث والثوابت الأساسيّة بشكلٍ يتوافق عليها الموارنة، يُوصي المجمع بالعمل الجاد على إعداد هذا الكتاب بشكلٍ علميّ ومبسّط وجذّاب يكون في متناول الموارنة في النطاق البطريركيّ ودنيا الانتشار. ويكون ذلك مقدمة لكتابة مشتركة و”مسكونيّة”، مع سائر الأنطاكيّين، لتاريخ الكرسيّ الأنطاكيّ.2- تبادر البطريركيّة، بالتعاون مع الجامعات المارونيّة في لبنان ومع أبرشيات الانتشار، إلى تعيين لجنة من أهل الإختصاص في التاريخ الكنسيّ بعامّة، والمارونيّ بخاصّة، مهمّتها كتابة تاريخ الموارنة ونشره في لغات عديدة.  
3- تعزيز الشراكة في الكنيسة البطريركيّة.  3- في ضوء مفهوم الشراكة ولاهوت الكنيسة البطريركيّة، يدعو المجمع إلى تعزيز ممارسة المجمعيّة الأسقفيّة بين البطريرك والأساقفة من جهة، وتفعيل العلاقات المتبادلة بين الرهبانيّات المارونيّة والكرسيّ البطريركيّ والأبرشيّات من جهة أخرى.  3- إقامة ندوات علميّة حول لاهوت الكنيسة البطريركيّة. بالنسبة إلى المجمعيّة الأسقفيّة (راجع نصّ5). – بالنسبة إلى العلاقات بين الرهبانيّات المارونيّة والكرسيّ البطريركيّ والأبرشيّات، لا بدّ من تعزيز عمل الدائرة البطريركيّة للتنسيق بين الأساقفة والرهبانيّات (راجع أيضًا نصّ 8).
4- الإلتزام المسكونيّ.    4- نظرًا إلى أهميّة الإلتزام المسكونيّ في تعزيز الحضور المسيحيّ في لبنان والشرق الأوسط بروح الإنجيل وخدمة الإنسان، ونظرًا إلى فرادة موقع الكنيسة المارونيّة في العائلة الأنطاكيّة وفي شركتها التامّة مع الكرسيّ الرسوليّ الرومانيّ، يوصي المجمع بتعزيز هذا الإلتزام على المستويات الروحيّة واللاهوتيّة والراعويّة والاجتماعيّة كافة.  4- يتجلّى هذا الإلتزام من خلال: 4-أ: العمل بتوجيهات المجلس الحبريّ لتعزيز الوحدة بين المسيحيّين (روما)، وتفعيل دور اللجان الأسقفيّة للعلاقات المسكونيّة. 4-ب: المشاركة الفعّالة في أعمال مجلس كنائس الشرق الأوسط ونشاطاته، ورابطة كلّيات ومعاهد اللاهوت في الشرق الأوسط. 4-ج: الإسهام مع ذويّ الاختصاص في متابعة إعداد كتب التعليم المسيحيّ المسكونيّ ونشرها حيث تدعو الحاجة. 4-د: العمل مع الكنائس الأخرى على بلورة راعويّة مشتركة ولا سيّما في مجال الزيجات المختلطة بين المسيحيّين، في ضوء إتفاق الشرفة (1996)، بحيث لا يتعارض ذلك مع المبادئ الكاثوليكيّة للعمل المسكونيّ. 4-هـ: إقامة حلقات روحيّة وبيبليّة مشتركة في الرعايا وفي المنظّمات الرسوليّة. 4-و: التعاون على صعيد الشهادة الاجتماعيّة.
5- الإلتزام الرساليّ.  5- لما كان البعد الرساليّ من مكوّنات إيماننا المسيحيّ، والانفتاح على الرسالة من عوامل التجدّد الكنسيّ المحليّ، يدعو المجمع إلى تعزيز المبادرات التي تقوم بها بعض الأبرشيّات والرهبانيّات والحركات الرساليّة العلمانيّة وذلك بإرسال كهنة ورهبان وراهبات وعلمانيّين إلى بعض دول أفريقيا وآسيا والمنطقة العربيّة وغيرها في سبيل التعاون الرساليّ مع الكنائس الخاصّة القائمة فيها.5-أ: التنسيق في هذا المجال مع “اللّجنة الأسقفيّة للتعاون الرساليّ بين الكنائس”، التابعة لمجلس البطاركة والاساقفة الكاثوليك في لبنان. 5-ب: إدخال مادة اللاهوت الرساليّ في مناهج كلّيات اللاهوت. 5-ج: تنشئة الكهنة والرهبان والراهبات والعلمانيّين على البعد الرساليّ في الكنيسة.  

1. راجع “البيت غازو المارونيّ“(1263م) 14.701 Add، الجزء الأول، قدّم له وترجمه الأباتي يوحنّا تابت، منشورات معهد الليتورجيا في جامعة الروح القدس، سلسلة “المصادر الليتورجيّة المارونيّة”، عدد 1، الكسليك – لبنان، 2000، ص 47.

2. راجع حياة مار مارون في كتاب تيودوريطُُس أسقف قورش، تاريخ أصفياء الله، ترجمه عن أصله اليوناني الأرشمندريت أدريانوس شكور، المطبعة البولسيّة 1987، ص 145-146. يرى بعض الباحثين في الآثار أن قلعة كالوتا في جبل سمعان التي هي على مسافة 30 كلم من مدينة حلب، من المرجّح أن تكون المكان حيث تنسّك مار مارون. ويرى هؤلاء أيضًا أنّ جثمانه وُضع في مدينة براد القريبة منها.

3. راجع رسائل رعويّة، القرن الثاني، ترجمها وقدّم لها جورج صابر، سلسلة “الأصول المسيحيّة الشرقيّة”، 1، بيروت 1972، صفحة 129.

4. نورد مقتطفات من قانون الايمان الخلقيدوني: “نعلّم بالاجماع، متّبعين الآباء القدّيسين، إننا نعترف بأنّ ربّنا يسوع المسيح هو ذات الابن الواحد، هو ذاته كامل في اللاهوت وهو ذاته كامل في الناسوت… ذات المسيح الواحد، ابن، رب، وحيد، معروف في طبيعتين، بلا اختلاط، ولا تحوّل، بلا انقسام ولا انفصال، بدون أيّ إلغاءٍ لاختلاف الطبيعتين بسبب الاتحاد…”؛ الكنيسة الكاثوليكية في وثائقها، دنتسنغر – هونرمان، الجزء الأوّل، سلسلة “الفكر المسيحيّ بين الأمس واليوم”، عدد 27، منشورات المكتبة البولسيّة، جونيه، 2001، ص 104-105.

5. المرجع ذاته، ص 104.

6. تضمّ هذه العائلة الأقباط، والسريان، والأرمن، والأحباش، والإريتريين، والملنكار الأرثوذكس.

7. قامت هذه الحوارات بشكل أساسيّ برعاية مجلس الكنائس العالميّ (جنيف) والمؤسّسة النمساويّة الكاثوليكيّة “من أجل الشرق” (Pro Oriente)، والمركز الحبريّ لتعزيز الوحدة بين المسيحيّين (روما). توجد نبذة مختصرة عن هذه الحوارات والبيانات المشتركة في رسالة البابا يوحنا بولس الثاني، ليكونوا واحدًا (1995)، عدد 62-63.

9. عُرف السريان الأرثوذكس سابقًا باليعاقبة نسبة الى الأسقف يعقوب البرادعي (578+)، منظّم هذه الكنيسة الأنطاكيّة المناهضة لمجمع خلقيدونيا.

10. عَرَفَت هاتان الكنيستان في القرن الثامن عشر، بفعل حركة الاتحاد الناشطة مع روما، إنقسامًا داخليًا أدّى تباعًا الى نشوء كنيستي الروم الملكيين الكاثوليك (1724) والسريان الكاثوليك (1783).

11. تظهر مهمّة الاكسرخوس في القرن السادس من خلال القانون 133 للأمبراطور يوستينيانوس (527-565) والمتعلّق بحياة الرهبان والراهبات.

12. راجع حياة يوحنّا مارون في كتاب الشرح المختصر في أصل الموارنة… للبطريرك الدويهي، نشره الأب أنطوان ضو تحت عنوان أصل الموارنة، إهدن 1973.

13. هؤلاء الرهبان-الأساقفة هم في تواصلٍ مع ما كتَبَهُ تيودوريطُس القورشيّ في مطلع حياة ابراهيم الناسك، تلميذ القديس مارون، بعد ان أصبح أسقف حرّان: “وانه لا يجوز أن نهمل ذكر ابرهيم العجيب بحجّة أنّه، بعد حياته النسكيّة، جمّل الكرسيّ الأسقفيّ. بل بلا شك ولـهذا السبب نفسه يتوجّب علينا أن نذكره أكثر بكثير من غيره، لأنّه مع اضطراره الى تغيير وظيفته، لم يغيّر نمط حياته، بل حمل معه مستلزمات الحياة النسكيّة الشاقة، فجمع بين أعمال الحياة النسكيّة ومهام الأسقفيّة، فقضى حياته كلّها بالأتعاب”؛ راجع تيودوريطُس أسقف قورش، تاريخ أصفياء الله، مرجع سابق، ص 149. وفي ختام حياة إبراهيم الأسقف الناسك، يردّد أسقف قورش باختصار ما قاله في البداية (ص 152).

14. في شأن تقسيم الأبرشيات، راجع المجمع اللبنانيّ (1736)، “ذيل المجمع اللبنانيّ”، الفصل 41، “في تعيين كراسي مطارنة الموارنة وأساقفتهم وتخومها”، ترجمة المطران يوسف نجم، مطبعة الأرز – جونيه 1900، ص 180-182. راجع أيضًا ما قاله آباء المجمع عن البطريركيّة الأنطاكيّة في القسم الثالث، الفصل الرابع، العدد 8، صفحة 350-361.

15. راجع رسالة البابا اكليمنضُس الثاني عشر في تثبيت قانون الرهبان السريان الموارنة المعروفين برهبان القديس انطونيوس الكبير اللبنانيين(1732)، في ذيل المجمع اللبناني، الفصل 16، ص 44-49.

16. في ما يتعلّق بالكنائس البطريركيّة، راجع مجموعة قوانين الكنائس الشرقيّة، الباب الرابع، قانون 55- 150؛ في ما يختص بالرهبان، راجع الباب الثاني عشر، قانون 410 – 572 (ق. 412 عن الرهبانيّات الحبريّة).

17. راجع كتاب القدّاس بحسب طقس الكنيسة الأنطاكيّة السريانيّة المارونيّة، بكركي 2005، ص 826؛ راجع أيضًا نافور مار يعقوب، ص 779.

18. العبارة الموضوعة بين مزدوجين هي عنوان التعليم الصادر عن “مجمع مؤسّسات الحياة المكرّسة وجمعيات الحياة الرسوليّة” (19 أيّار 2002)، ويتعلّق بالالتزام المتجدّد في الحياة المكرّسة في الألف الثالث.

19. في شأن المدرسة المارونيّة في روما راجع كتاب:

Nasser GEMAYEL, Les échanges culturels entre les Maronites et l’Europe,2tomes, Beyrouth, 1984.

20. في شأن المجامع المارونيّة، راجع كتاب:

Joseph FEGHALI, Histoire du droit de l’Eglise maronite, t. 1, Ed. Letouzey et Ané, Paris, 1962.

21. في شأن المجمع اللبنانيّ، راجع كتاب:

Elias ATALLAH, Le synode libanais de 1736, 2 tomes, co-Ed. CERO–Letouzey et Ané, Antélias (Liban) – Paris, 2001.

22. راجع رسالة البطريرك مار نصرالله بطرس صفير، في المجمع البطريركيّ المارونيّ، 2003، ص 11.

23. راجع في هذا المجال نص الوثيقة باللغة الفرنسيّة التي وقّعها بطاركة الشرق الكاثوليك السبعة، وأرسلوها إلى المراجع الرومانيّة، وهي بعنوان: “العلاقات بين الكنائس البطريركيّة الكاثوليكيّة والكرسي الرسولي الروماني”، في كتاب الأب إيلي حدّاد، المجمعيّة الأسقفيّة في الكنائس الشرقيّة (خبرة كنيسة الروم الملكيّين الكاثوليك)، منشورات المعهد العالي للعلوم الدينيّة، جامعة القديس يوسف، بيروت 2003، ص 257-273.

24. راجع خطاب البابا يوحنّا بولس الثاني في : La documentation catholique, n° 2192 (1998), p. 951-953

25. في شأن انتقال البطريركيّة إلى لبنان، راجع اسطفانس الدويهي، تاريخ الأزمنة، تحقيق الأباتي بطرس فهد، سلسلة “الخزانة التاريخيّة”، 3، منشورات لحد خاطر، بيروت، ص 50-51 (من دون تاريخ). في قولنا هذا لا نعني أن حضور الموارنة في لبنان يعود حصرًا إلى هذا التاريخ. فلبنان الساحليّ، أو ما كان يُعرف بفينيقيا الساحليّة، دَخَلَت المسيحيّة إليه منذ العصر الرسولي، في حين اهتدى أهل جبل لبنان من الوثنيّة إلى المسيحيّة في القرنين الرابع والخامس، على ما يبدو، بفعل حملات تبشيريّة بتدبير وتوجيه ابراهيم القُورشي (وهو من تلاميذ القديس مارون)، والقديسَين يوحنّا الذهبيّ الفم (407+) وسمعان العموديّ (457+). ومن الطبيعيّ أن يكون المسيحيّون في ساحل لبنان وجبله قد انقسموا كغيرهم من المسيحيّين في النطاق الأنطاكيّ بين “يعاقبة” (سريان أرثوذكس) و”ملكيين” (روم أرثوذكس) وموارنة، بفعل النِزَاعات اللاهوتيّة والتجاذبات الكنسيّة بين القرنين الخامس والثامن.

26. راجع البابا يوحنّا بولس الثاني، رسالة رسوليّة إلى جميع أساقفة الكنيسة الكاثوليكيّة حول الوضع في لبنان (1989)، عدد 6.

27. لمواكبة هذا العمل التبشيريّ، راجع كتاب:

Youhanna SADER, Croix et symboles dans l’art maronite antique, coll. “Héritage et patrimoine”, n. 1, Ed. Dar Sader, Beyrouth, Liban, 1989, p. 235-253 (conversion des libanais par l’intercession de St Syméon le Stylite) ; p. 261-265 (Jean Chrysostome et la mission de Phénicie).

28. للمزيد من المعلومات عن تاريخ الانقسامات، يُمكن مراجعة الرسالة الراعويّة الخامسة: ليكونوا واحدًا، لمجلس البطاركة الكاثوليك (فصح 1999)، الفصل الأوّل: “غنى التنوّع في تراثاتنا ومأساة انقساماتنا”، عدد 7-22؛ خاصة عدد 9-16.

29. نشأت “الحركة المسكونيّة” في شكلها المعاصر وسط بعض الإرساليّات البروتستانتيّة في أفريقيا وآسيا، بين نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. وتركّزت تلك الحركة في بداياتها على حلّ النزاعات اللاهوتيّة وغير اللاهوتيّة القائمة بين تلك الإرساليّات والتي كانت حجر عثرةٍ للكثيرين من المهتدين الجدد في تلك الأصقاع، وكأن المسيح قد تجزّأ (1 قور 1/10-17). وبهذا تأكيد الترابط الوثيق بين الرسالة المسيحيّة والوحدة الكنسيّة.

30. في شأن التنشئة المسكونيّة، راجع: المجلس الحبريّ لتعزيز الوحدة بين المسيحيّين، دليل لتطبيق مبادئ الحركة المسكونيّة وقواعدها (1993)، القسم الثالث، عدد 55-91.

31. العبارة التي هي بين مزدوجين مأخوذة من الرسالة الراعويّة المشتركة التي أصدرها مجلس بطاركة الشرق الكاثوليك تحت عنوان: الحضور المسيحيّ في الشرق، شهادةٌ ورسالة (1992)، عدد 39؛ راجع أيضًا القسم الخامس من هذه الرسالة: “حضورٌ مسكونيّ”، عدد 39-44.