النص الحادي عشر: الشبيبة

المجمع البطريركي الماروني 2003-2006


النص الحادي عشر: الشبيبة


مقدّمة : نبويّة رساليّة في عمق الكنيسة

  1. تعتبر الكنيسة الجامعة “راعويّة الشبيبة” حقلاً رسوليًّا حيويًّا، وترى فيها أساسًا لإعلان البشارة الجديدة بالإنجيل في الألفيّة الثالثة. وقداسة البابا يوحنّا بولس الثاني عمل كثيرًا في هذه الراعويّة وأعطاها زخمًا وحيويّة جديدين في الربع الأخير من القرن الفائت، نشير هنا إلى أنّ بروزها كان مع الحركات الرسوليّة العلمانيّة في بداية القرن العشرين.
  2. بنى قداسته هذه الراعويّة الخاصّة، على الثقة المتبادلة بين الشبيبة والكنيسة، من خلال التحاور معهم، بشجاعة وشفافيّة. فهم رجاء الكنيسة، وهي “أمّهم ومعلّمتهم” وخادمة رسالتهم في عالم اليوم.

والأجيال الطالعة التي تبحث عن السعادة وعن معنى الوجود، وترغب في العلم والتربية والتنشئة، تتجاوب مع نداء الكنيسة بسخاء، حين تجد لديها همّ الأمومة الصادق والتعليم الأصيل. ويمتاز الشبيبة، بصدقهم وبصراحتهم وبميلهم إلى المثاليّة، ولهم بالتالي كلمة يقولونها للسلطة الكنسيّة و”ملاحظات قاسية”، أحيانًا، في شأنها على ما قاله البابا يوحنّا بولس الثاني للشبيبة المحتشدة في باحة القديس بطرس في ختام سنة الفداء 1984. ويصف قداسته العلاقة بين الشبيبة والكنيسة “بالدقيقة والصعبة”، ويضيف أنّه “ليس من السهل على الكبار أبناء الجيل السابق أن يتقبّلوها”. لكنّه يشدّد على “عدم التوّقف عن طرح التساؤلات والانتقادات، بل متابعة قول كلّ شيء بأمانة”.

الفصل الأوّل : الشبيبة في الكنيسة المارونيّة عبر التاريخ

وقد دعيت هذه المدارس إلى أن تتدبّر أمور تلامذتها “جسدانيًّا وروحانيًّا” عبر “تربيتهم بخوف الله والعبادة وحفظ طقوس رتبنا المارونيّة الأنطاكيّة المقدّسة منذ حداثة سنّهم… ليرتشدوا بالعلوم المقدّسة”[2].

أسهمت هذه الرعاية التربويّة في رفع مستوى ثقافة الشبيبة الموارنة، وانعكس ذلك لاحقًا، على الدور الرياديّ الذي لعبه هؤلاء على مستوى النهضة العربيّة الحديثة منذ منتصف القرن التاسع عشر.

وبعدما كان أعلام الكنيسة المارونيّة ومثقّفوها، حتى نهاية القرن الثامن عشر، إجمالاً من الإكليريكيين، خرّيجي المدرسة المارونيّة في روما، ظهرت في بداية القرن التاسع عشر نُخبٌ ثقافيّة جديدة من الشبيبة العلمانيين، دخلوا المعترك الثقافيّ والعلميّ والأدبيّ والاقتصاديّ والسياسيّ. فكان منهم الأدباء والصحافيون والشعراء والأطباء والمهندسون والمحامون ومؤسّسو الأحزاب السياسيّة والروابط الأدبيّة والجمعيّات الأهليّة، الذين تركوا أثرًا كبيرًا في تاريخ لبنان الحديث.

  1. في أواسط الأربعينات، من القرن العشرين وصلت تباعًا إلى لبنان حركات العمل الرسوليّ الكاثوليكيّ التي تأسّست في أوروبا فانتمت إليها أعداد كبيرة من الشبيبة الموارنة؛ وجسّد هذا الالتزام وعيًا عميقًا لدور شبابنا الرسوليّ وأرسى علاقة إيجابيّة بين الكنيسة المارونيّة وشبيبتها. وأخيرًا كانت الحرب اللبنانيّة وكان طبعًا للشبيبة الموارنة فيها أدوار بارزة منها الإيجابيّ والسلبيّ. يجدر بنا التوقّف عندها ودرسها بتمعّن.

الفصل الثاني : الشبيبة الموارنة والإيمان في عالم اليوم

1. دعوة الشبيبة لوعي مضامين إيمانهم المسيحيّ

  1. إنّ الشبيبة الموارنة هم ورثة إيمان راسخ وعميق، يتجلّى في تقاليد روحيّة تؤسّس لإيمانهم في عالم اليوم. هذا الإيمان المبنيّ أوّلاً على شخص يسوع المسيح، المائت والقائم من الموت، هو إيمان تعرضه الكنيسة اليوم وفي كلّ لحظة على ضميرهم، والكنيسة تبغي مساعدتهم على إكتشاف المسيح الفادي المعلّم الحقّ، والمرشد والصديق وبناء علاقة شخصيّة معه. فشبيبتنا الموارنة مدعوّة اليوم إلى حمل رسالة الكنيسة هذه في مسيرتها على دروب الحياة والحفاظ على هذا الإرث الإيمانيّ حيًّا وفاعلاً في حياتهم اليوميّة.
  2. إنّ العلاقة العميقة مع المسيح الشبيبة إلى البحث عن معنى الحياة، وإلى السعي لإكتشاف مخطّط الله عليهم، متيقنين أنّ حياتهم ليست ملكًا خاصًّا يتصرفون به كما يحلو لهم، بل هي عطيّة من الله، وملك للإنسانيّة والمجتمع حيث يعيشون. إنّ إيمانهم بالمسيح، واتباعهم له يؤديان بهم إلى وعي مضامين هذا الإيمان والإلتزام بإعلان كلمة الله بشجاعة، والعمل الدؤوب لتحويل العالم بروح الإنجيل. فيتحررون بذلك من التردّد والخوف ويندفعون إلى الساحات والطرقات، كالرسل الأوائل، للتبشير بالمسيح، وملاقاة الشبيبة غير الملتزمة رعويًّا باستنباط الوسائل الملائمة في حمل البشرى ونشرها في أوساطهم.

2. انتماء الشبيبة إلى الكنيسة

  1. يتوازى إكتشاف المسيح الحيّ مع إكتشاف الكنيسة. فلا كنيسة دون المسيح، لأنّها سرّه المعلن، ولا يمكن التعرّف حقًا إلى المسيح إلاّ فيها.

يتحقّق إنتماء الشبيبة إلى الكنيسة حين تتفّهم السلطات الكنسيّة توقهم إلى إثبات ذواتهم في محيطهم ومجتمعهم، فتحتضنهم بمحبّة ورجاء وثقة. هذا الإحتضان المجانيّ يسهّل الحوار الصادق بينهم وبينها، ويوضّح لهم تقدير الكنيسة وتثمينها لطاقات الخير والجمال التي يختزنونها في أعماقهم. “فعلى الكنيسة أنّ تشعر بأنّها ملتزمة بالشبيبة، بقلقهم وباهتماماتهم، بانفتاحهم وبآمالهم للإجابة على إنتظاراتهم من خلال القول لهم أنّ اليقين هو المسيح، أنّ الحقيقة هي المسيح وأنّ المحبّة هي المسيح”[10]. فتظهر حينها كخادمة للحقيقة التي يبحث عنها الشبيبة، وتعزّز ثقتهم فيها ويتحقّق إنتماؤهم إليها. إنّ الإنتماء إلى الكنيسة يترسّخ حين يشعر هؤلاء أنّهم أبناؤها، وخادمو رسالتها ودورهم فيها دور نبويّ؛ ذلك أنّ “الإنسانيّة بحاجة إلى اغتباط الشبيبة وحبّهم للحياة، وفرحهم الذي يردّد صدى فرح الله الأصيل حين خلق الإنسان”[11].

3. شبيبة موارنة ملتزمون في كنيسة اليوم

  1. بعد الأحداث التي عصفت بلبنان في العام 1975، وبعد تزايد أعمال العنف والدمار والتهجير والقتل، اندفع عدد كبير من الشبيبة إلى الصلاة، والتعمّق في الكتاب المقدّس وتعاليم الكنيسة، في محاولة لإعادة النظر في معنى حياتهم، وفي دورهم الرسوليّ، وفي الحياة والآخرة. فعلى الرغم من قساوة المحن وحدّة التجارب، “يمتاز عدد كبير من الشبيبة بالصراحة والجرأة والالتزام”[12]. فهم بغالبيتهم ينشأون في بنى عائليّة ومدرسيّة ورعويّة توفّر لهم بعضًا من الطمأنينة والاستقرار. ومنهم من ينتسبون إلى حركات رسوليّة، محليّة وعالميّة.
  2. تتنوّع الحركات الرسوليّة في لبنان وتتعدّد، إن من حيث نشأتها، وإن من حيث أهدافها، لكنّها تعمل، وبأساليب مختلفة، على تعميق الحياة الروحيّة لدى الشبيبة، وفق برامج تربويّة عدّة، وتحضّهم على الالتزام بإيمانهم وتمرّسهم على الحياة الرسوليّة. إنّ هؤلاء الشبيبة الملتزمين، هم أمل الكنيسة ورجاؤها بحق. وفي العام 1977 أنشأ مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان اللجنة الأسقفيّة لرسالة العلمانيّين وأوكلت إليها راعويّة الشبيبة فتأسّست اللجنة الوطنيّة للشباب التي واكبت منذ العام 1984 مسيرة البابا يوحنّا بولس الثاني مع الشبيبة. وأسهم عمل هذه اللجنة في تأسيس لجان الشبيبة في الأبرشيّات المارونيّة، إبتداءً من العام 1991، فأصبحت اليوم إحدى مؤسّسات تنظيم العمل الرعويّ مع الشبيبة على مستوى الكنيسة المارونيّة في لبنان. من جهة أخرى، لاحظت الكنيسة غياب المرافقة الروحيّة للشبيبة في الجامعات فأنشأت في العام 1979 العمل الرعويّ الجامعيّ الذي أمّن ولا يزال يؤمّن لهم مساحة روحيّة. وإنّ عيش الشبيبة الملتزمين أجواء روحيّة في الجامعة وخارجها من خلال نشاطات العمل الرعويّ الجامعيّ، أسهم في جعلهم رسلاً في مجتمعهم وشهودًا للمسيح.

4. آفات تهدّد شبيبتنا في إيمانهم وقيمهم

  1. إذا كانت الحرب قد دفعت قسمًا من الشبيبة الموارنة إلى إعادة النظر في معنى حياتهم وإيمانهم، يؤلم أعضاء المجمع رؤية البعض الآخر قد أدّت الحال بهم إلى خصام مع الله والقيم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. فابتعدوا عن الكنيسة بسبب الجهل أو خوفًا من الالتزام، أو لسبب النقص في الرعاية الروحيّة. ونتج عن ذلك اهتزاز في العلاقات بين فئات العائلة الواحدة فانقطع الحوار البنّاء بين الأهل وأبنائهم وبخاصّة الشبيبة منهم وتنازل الأهل عن واجب الرعاية السليمة ومرافقة أولادهم على دروب الحياة. فلجأ قسم من هؤلاء إلى تيّارات وبدع اعتقدوا أنّها تعوّض عليهم خسارة احتضان العائلة ودفئها وتعطيهم فرصة التعبير عن الذات وتحقيقها في مناخات تحرّر وهميّة أفضت بهم إلى عبوديات قاتلة. فراحوا ينجرفون على المستوى العاطفيّ وراء الأحاسيس الرخيصة والتفلّت الجنسيّ بالبحث عن اللّذة وإشباع الرغبات وبالجنوح إلى المساكنة، وفقدت العلاقات العاطفيّة بين الجنسين شفافيتها وصدقها وخضعت للمزاجيّة والتردّد وعدم الثبات والخيانة. واستتبع هذه الفوضى العاطفيّة عدم توازن داخليّ أغرق بعضهم في سلوكيّات سيئة أدّت بهم إلى تعاطي المخدرات والإرتهان إلى مروّجيها.
  2. ولقد تنامت هذه الآفات، بنوع خاص، لدى بعض الفئات الاجتماعيّة التي تدّعي تمايزًا طبقيًّا عن غيرها وتسود فيها حياة الرخاء والسهولة، المفضيّة في غالب الأحيان إلى التراخيّ الخلقيّ والتفلّت من الروابط القيميّة التي نعمت بها مجتمعاتنا. وليس غريبًا في أجواء كهذه، أن يعيش الشبيبة أزمات الهويّة ومأساة الضياع وحالات عزلة عن واقعهم وغربة عن قيمهم تؤدّي ببعضهم إلى اليأس فالإنتحار.
  3. وما يزيد الحال سوءًا ظهور تيّارات الإلحاد المقنّع التي تندسّ في عالم الشبيبة وتتخذ أشكالاً متنوّعة وتروّج لها، بقصد أو بغير قصد، وسائل الإعلام العالميّة والمحليّة على أنواعها. فتعزّز في أوساط شبيبتنا مذاهب الماديّة المفرطة والإنحلاليّة، وتبني في وعيهم صورة خاطئة عن الله وتحجب عنهم معرفة الحقيقة وإعتناقها. وتخضع الشبيبة لجملة مؤثّرات تروّج لها الشاشات وشبكات الإتصال الإلكترونيّ وهي تؤسّس لحبّ الظهور الفارغ والسطحيّة والتصنّع وآفة التكاذب المشترك وعدم الشفافيّة وتطاول هذه المؤشّرات عالم الموسيقى والثقافة وتفقدها الجماليّة والإبداع وتغلب في أوساط الشبيبة الإبتزال على الرقيّ في النفوس، لا سيّما الشابة منها.
  4. وما يساق من التشكّي على المستوى العائليّ والتربويّ والإجتماعيّ، يساق كذلك على المستوى العمليّ. فالإقتصاد الليبيراليّ الذي يسود المجتمعات ويغلب منطق الإمتلاك العلميّ والماليّ على المنطق الإنسانيّ والقيميّ، يؤثّر بطريقة حاسمة على عالم العمل. والشبيبة أبرز ضحايا هذا التيّار الجارف. فبعد تحصيلهم العلميّ وإستعدادهم لمعترك الحياة العمليّة، يواجهون مشكلة التوظيف والعمل. إنّ ضآلة فرص العمل وزيادة البطالة تؤدّيان بهم إلى حالات يأس وألم يعبّرون عنها بأشكال شتّى. فينحرف بعضهم إلى منطق ماديّ بحت في سبيل كسب لقمة العيش، أو يتملّك بعضهم الآخر منطق الربح السريع والنجاح المبكّر فيسعون إلى تحقيق هذا أو ذاك بأيّ ثمن ولو على حساب قيمهم ومبادئهم. فيدخلون بذلك عالم المصالح من بابه السيّء الذي يسلبهم حريّتهم وفاعليتهم كروّاد تغيير وبناة مستقبل أفضل.
  5. وما يُقال عن بعض شبيبة لبنان ومعاناتهم الاجتماعيّة يتطابق أيضًا ببعض الشبه على شبيبة النطاق البطريركيّ. فهم ينتظرون لمشاكلهم الحلول القادمة من الخارج، ويسعون إلى الإستهلاك والماديّة، وكأنّهما هدف للحياة. أمّا على الصعيد الدينيّ، فأخطر ما يواجههم هو إزدياد الأصوليّة، وهمّهم الدائم قلق مستقبل العيش في بلدان الشرق.

الفصل الثالث : تحدّيات الشبيبة في عالم اليوم

أوّلاً: في الكنيسة

ينتظر الشبيبة الموارنة من المسؤولين في كنيستهم أن توفّر لهم فرصة لقاء شخصيّ مع المسيح، وفهمًا أعمق لسرّ الكنيسة. وعندما تغيب هذه الفرصة يختزل هؤلاء الكنيسة في مؤسّساتها التي تبدو عرضة لأنواع شتّى من التشكيك والتشكّي. وتتجسّد هنا إشكاليّة الإنتماء الكنسيّ فتفهم الكنيسة فقط في شكلها المؤسّساتيّ لا في مفهومها اللاهوتيّ السريّ والأسراريّ، كما تطغى صورة الكنيسة-المؤسّسة أحيانًا على صورة الكنيسة- الجماعة المصليّة الحاملة لسرّ المسيح الخلاصيّ.

1. مبادرات وأمنيات

2. الشبيبة تقدِّر الشهادة الأصيلة للحياة المسيحيّة

3. توق الشبيبة إلى الوحدة

لهذا الواقع إيجابيّاته وسلبيّاته. فالإيجابيات تكمن في أنّ الإنتماء الطائفيّ مرفوض في صفوف الشبيبة وأنّهم متحمّسون للإنتماء إلى إطار مسيحيّ أوسع من حدود كنيستهم. أمّا السلبيات فتتجسّد في أنهم في غالبيتهم لا يرون في كنيستهم إلاّ وجهها الطائفيّ، وهذا أمر خطير إذ إنّ الفرق بين الطائفة والكنيسة كبير؛ “فالطائفة لا تنظر إلاّ إلى مصالح أعضائها، في حين أنّ الكنيسة لا تحقّق دعوتها إلاّ في خدمة المسيح”[15]. ويعود هذا إلى طغيان الممارسات الطائفيّة على الشهادة المسيحيّة.

ثانيًا: العولمة وأثرها على حياة الشبيبة

1. الشبيبة والسياسة

ولقد برز دورهم خاصّة عندما شاركوا بكثافة في تظاهرات الإستقلال وارتضوا التضحية براحتهم وجامعاتهم معتصمين من أجل الحريّة والسيادة، فأسهموا فعلاً في رفع الهيمنة الأجنبيّة عن بلادهم. كما تميّزوا بحماس في ممارسة حقهم في الإنتخابات التي جرت فيما بعد. غير أنّهم مدعوّون باستمرار إلى وعي دورهم الوطنيّ حتى لا يتقوقعوا في إطار الطوائف والمناطق الضيق، وذلك حفاظًا على رسالة لبنان.

2. الأزمة الاقتصادية وأثرها على حياة الشبيبة

وسط هذا الواقع الأليم تأتي مبادرات المؤسّسات الاجتماعيّة والأبرشيّات والرهبانيّات المارونيّة، بالنّسبة للشبيبة سواء على المستوى السكنيّ، أو المستوى التنمويّ والاجتماعيّ، علامة رجاء. ومع أنهم يدركون أنَّ كنيستهم لا يمكنها أن تقوم مقام الدولة، فإنهم يُثمّنون رعايتها لهم ولعائلاتهم ماديًّا ومعنويًّا.

3. الشبيبة والهويّة الثقافيّة

كما يعايش الشبيبة الموارنة في لبنان “ثلاثة مجالات ثقافيّة ـ لغويّة هي: العربيّة والفرنسيّة والإنكليزيّة”[18]. وإذا كانت هذه المجالات تغني ثقافة بعضهم فإنّها قد تؤدّي ببعضهم الآخر إلى الإبتعاد عن ثقافته اللبنانيّة والتنكّر لها، “في غياب ثقافة لبنانيّة موُحِّدة”[19]، ممّا يشكّل الخطوة الأولى في رحلة التغرّب والهجرة.

من جهة أخرى، إذا كانت “الثقافة تؤسّس للسياسة وللإقتصاد”، فإنّ الوضع السياسيّ والأزمة الاقتصادية يؤثّران سلبًا في ثقافة الشبيبة. ولعلّ أدهى ما يواجه الشباب، على هذا الصعيد، هو الخلط بين العلم والثقافة، بحيث يكثر عدد المتعلمين، ويقلّ عدد المثقفين. فمعظمهم يرتادون الجامعات ويكتسبون تعليمًا عاليًا، لكنّ ثقافتهم لا تتناسب مع عملهم، فيقعون في فراغ ثقافيّ يسعون إلى سدّه عن طريق الإعلام الذي يقدّم ثقافة ضحلة وسطحيّة على وجه العموم.

4. الشابات المارونيّات

5. الشبيبة والعيش المشترك وهويّة لبنان وعروبته

الفصل الرابع : الكنيسة والشبيبة على دروب الحياة

أوّلاً: تنشئة الشبيبة الروحيّة والإنسانيّة ومرافقتها

1. الكنيسة معلّمة الشبيبة وخادمتهم

3. الشبيبة وبناء حضارة المشاركة

أ. في سبيل علاقة أعمق بين الشبيبة والرعاة

ب. في سبيل التضامن الإجتماعيّ

ج. تعميق العلاقة بين الشبيبة الموارنة المقيمين والمنتشرين

د. في سبيل إنفتاح الشبيبة الموارنة على العمل المسكونيّ

4. الشبيبة وبناء حضارة السلام والحقّ

وتساعد الكنيسة في بناء حضارة السلام والحقّ من خلال:

أ. في تنقية الذاكرة وصفاء القلوب

وتساعد الكنيسة في تنقية الذاكرة وصفاء الضمير من خلال:

ب. في إلتزام الشبيبة بالحوار المسيحيّ – الإسلاميّ

ج. في انخراط الشبيبة في العمل الوطنيّ والسياسيّ

د. في انخراط الشبيبة في محيطهم

وهنا تظهر أهمّيّة دور الكنيسة وحضورها إلى جانب هؤلاء، إذ تساعدهم على الحفاظ على روحانيّتهم، موثقة الإرتباط بجذورهم، فينخرطون في مجتمعهم الجديد من دون أن يذوبوا فيه، وذلك عبر رعيّة ناشطة، تجتذبهم وتخلق لهم مجالات مشاركة في حياتها.

5. الشبيبة والبنيان الثقافيّ الدينيّ

ثانيًا: الشبيبة، أبناء وبنات، شهودٌ وبناة الكنيسة

ومَن مثل الشبيبة يستطيع أن يؤثّر في أترابه؟ فهم شهود البشارة في عالم اليوم، والكنيسة هي خاصتهم.

خاتمة

إذا كان الشبيبة من بناة الكنيسة فهم أيضًا من أنبيائها:

أصحاب رؤية، يرون الحقيقة في عالم الباطل،

أصحاب مواقف، ينطقون بالحقّ في عالمٍ يسكت عنه،

أصحاب جرأةٍ يدافعون عن كلّ مظلوم وفقير في عالمٍ يهضم حقوق الضعفاء،

أصحاب مشاركة في عالمٍ إستهلاكيّ،

يختارون الجوهر في عالمٍ يساوم،

يعيشون الرجاء في عالمٍ يستسلم لليأس،

أناس صلاة يخلقون من حولهم واحات قداسة وتوبة،

الشبيبة الموارنة، المقيمون كما المنتشرون، هم أيضًا رسل المارونيّة اليوم في العالم الواسع، يحملون مشعل التراث المارونيّ الغنيّ ويرفعونه عاليًا.

توصيات النصّ وآليات العمل

الموضوعالتوصيةالآليّة
1– تنشئة الشبيبة الروحيّة والإنسانيّة ومرافقتهم.1-أ: يوصي المجمع بإعداد مرشدين قادرين على مواكبة الشبيبة وتنشئتهم في المحبّة والحقيقة، فيكونون لكلّ منهم بمثابة الأب الروحيّ الذي يرافقهم في الرعيّة والمدرسة والجامعة والحركات الرسوليّة. 1-ب: إقامة مناسبات إحتفاليّة خاصّة بالشبيبة يتلون فيها صلوات تنبع من اختباراتهم وتطلّعاتهم.1-أ: إختيار بعض الكهنة والرهبان والراهبات والعلمانيّين من ذويّ الأهليّة للتخصّص في راعويّة الشبيبة، مع واجب تعرّف الإكليريكيّين إلى حاجات الشبيبة وعالمهم.   1-ب: الاستعانة باللجنة الليتورجيّة ولجنة الشبيبة.
2- الشبيبة وبناء حضارة المشاركة.  2-أ: تعميق العلاقة بين الشبيبة والرعاة.       2-ب: تشجيع الشبيبة الموارنة على البقاء في وطنهم.       2-ج: تشجيع عودة الشبيبة المنتشرين ومساعدتهم على الانخراط في العمل والمجتمع عبر مساهمة الكنيسة المحليّة. 2-د: تشجيع روح المشاركة والتضامن لدى الشبيبة.2-أ: تنظيم اللقاءات الأبرشيّة السنويّة للشبيبة برعاية الأساقفة وحضورهم من اجل التعـارف المثمر وإنماء الثقة بين الراعي وأبناء الرعيّة. 2-ب: التعاون مع المؤسّسة الاجتماعيّة المارونيّة ومؤسّسات مماثلة تشجّع المشاريع والمبادرات الفرديّة من أجل تمويل مشاريع إنمائيّة صغيرة برأسمال محدود غايتها ترسيخ الشبيبة في أرضهم، وتجنيبهم الوقوع في تجارب اليأس. 2-ج: حملة إعلاميّة لحضّ الشبيبة على العمل التطوعيّ داخل المنظمات والجمعيّات والحركات الرسوليّة.
3– في سبيل تعميق العلاقة بين الشبيبة المارونيّة المقيمين والمنتشرين.  3-أ: تنظيم الأيّام المارونيّة العالميّة للشبيبة التي يدعو كلّ خمس سنوات ويشارك فيها الشبيبة الموارنة من لبنان ومن النطاق البطريركيّ ومن بلدان الانتشار. 3-ب: تشجيع الموارنة المنتشرين وشبيبتهم على الحجّ إلى لبنان وإلى النشأة المارونيّة في النطاق البطريركيّ، وتحضيرهم لذلك (راجع النصّين 4 و8).3: يوجه البطريرك المارونيّ الى الشبيبة رسالة تخاطبهم بلغتهم، وتوحّد الرؤية بينهم، وفي الوقت عينه تذكرهم بقدراتهم وطاقاتهم ومسؤوليّاتهم. 3-ب: إنشاء المؤسّسة المارونيّة للحجّ.  
4– في سبيل إلتزام الشبيبة المارونيّة بالعمل المسكونيّ وبالحوار مع الأديان.  4- يوصي المجمع بتشجيع إلتزام الشبيبة المارونيّة بالمبادرات المسكونيّة والحواريّة مع الأديان الأخرى.4-أ: للمبادرات المسكونيّة (راجع النصّ 2). 4-ب: تقديم الدعم لكلّ خطوةٍ في هذا المجال، كالتبادل الذي يتمّ بين بعض المدارس، والخطوات التي تقوم بها بعض الحركات الرسوليّة، والمخيّمات التي تشجّع حوار الحياة، كمخيّم “شباب لبنان الواحد”، ومخيّم اليونيسيف تحت شعار “التربية على السلام”، “وانتظارات الشباب”، ومخيمات “فرح العطاء”. (راجع النصّ 3).

1. المجمع الإقليميّ سنة 1736، مطبعة الأرز، جونيه سنة 1900.

2. حجّة تأسيس مدرسة عين ورقة، أرشيف بكركي.

3. الخوري منير خير الله، المجمع اللبنانيّ والمجامع اللبنانيّة التي عقدت لتحضيره ولتطبيقه، لقاء الشبيبة الرابع في أبرشيّة جونيه المارونيّة، 1998.

4. Coniard, Père Jean-Baptiste, Brève description du Mont-Liban sacré et de ses habitants maronites, Paris, 1671.

5. المرجع ذاته.

6. المرجع ذاته.

7. Di Aranda, Père Antonio, Informations vraies sur la Terre Sainte, le Mont-Liban et la nation des Maronites qui l’habitent, 1563.

8. الدكتور عصام خليفة، أبحاث في تاريخ لبنان المعاصر، دار الجبل، بيروت: حلقات المجمع المارونيّ:

9. الخوري منير خير الله، المجمع اللبنانيّ والمجامع المارونيّة التي عُقدت لتحضيره ولتطبيقه، لقاء الشبيبة الرابع في أبرشيّة جونية المارونيّة 1998.

10. يوحنّا بولس الثاني 20\12\85.

11. يوحنّا بولس الثاني، العبور إلى الرجاء.

12. المطران جورج اسكندر، المؤتمر الأوّل للبطاركة والأساقفة الكاثوليك في الشرق الأوسط 1999.

13. الخوري يواكيم مبارك، المسيرة المجمعيّة المارونيّة في نطاقيّ المشرق الأنطاكيّ والانتشار المسكونيّ، مجلة المنارة، العدد الأوّل 1987.

14. البيان الختاميّ لمؤتمر الشبيبة الطالبة المسيحيّة المنعقد في 29-31/12/1968 في دير يسوع الملك.

15. الخوري يواكيم مبارك، المسيرة المجمعيّة المارونيّة في نطاقي المشرق الأنطاكيّ والانتشار المسكونيّ، مجلة المنارة، العدد الأوّل، 1987.

16. المرجع ذاته.

17. البيان الختامي للمؤتمر الأوّل للشباب الكاثوليكيّ في الشرق الأوسط، المنعقد بدعوة من مجلس بطاركة الشرق الكاثوليك، من 21 إلى 24 أيلول 2001.

18. المطران أنطوان حميد موراني، مسيرتي الذاتيّة في اتّصالها بالعالم العربيّ، محاضرة ألقيت في 18/10/2001 في إطار سلسلة الرابطة المارونيّة.

19. المرجع ذاته.

20. سلسلة التفاعل الإسلاميّ المسيحيّ، تحدّيات التفاهم المتبادل، طلاّب مسيحيّون ومسلمون وجهًا لوجه، دار المشرق ـ 2001.

21. إنتظارات الشبيبة ببادرة من مركز الدراسات والأبحاث المشرقيّة – الرهبنة الأنطونيّة، وحلقات الحوار الإسلاميّ المسيحيّ في مركز الدراسات الإسلاميّة المسيحيّة في جامعة القديس يوسف، وورشة الحوار الإسلاميّ المسيحيّ في المجلس الرسوليّ العلمانيّ في لبنان، وورشة الحوار بين الأديان التي ترعاها جمعيّة التسلّح الخلقيّ.

22. بعض مما جاء في توصيات وبيانات إنتظارات الشبيبة.

23. الصليبي، البطريركيّة المارونيّة في تاريخ الشرق العربيّ، مجلة نور وحياة، 1975، صفحة 45.

24. المطران أنطوان حميد موراني، مسيرتي الذاتيّة في اتصالها بالعالم العربيّ، محاضرة ألقيت في 18/10/2001 في إطار سلسلة محاضرات الرابطة المارونيّة.