النص الثالث والعشرون: الكنيسة المارونيّة والأرض

المجمع البطريركي الماروني 2003-2006


النص الثالث والعشرون: الكنيسة المارونيّة والأرض


مقدّمة

  1. إنّ المجمع المارونيّ، إذ يعالج موضوع الأرض، يتوخّى أن يلفت الانتباه إلى ما للأرض من قيمة، داعيًا الموارنة إلى أن يعوا بعمق تلك الحقيقة ويحبّوا الأرض التي عاش عليها الآباء والأجداد، وانتقلت إلينا إرثًا ماديًّا وروحيًّا. هذا الإرث الذي تكوّنت من خلاله وعليه الهويّة المارونيّة، معرّض اليوم إلى مزيد من الذوبان والتناقص بسبب عوامل عديدة. وهذا ما يعرّض الهويّة المارونيّة نفسها إلى الخلل وفقدان التمايز التاريخيّ والروحيّ. فإذا ربح المارونيّ العالم كلّه وخسر الأرض التي تكوّنت فيها هويّته التاريخيّة يكون قد خسر نفسه. والموارنة، وان انتشروا في جميع أصقاع العالم وحصلوا فيها على التقدّم والرقيّ والبحبوحة والحريّة، وأسهموا في نموّ الأرض التي يقيمون عليها، يبقون بحاجة إلى الأرض التي تجسّد هويّتهم الخاصّة والتي تربطهم بتاريخهم العريق، تاريخ قداسة وصراع من أجل البقاء والشهادة على الإيمان والقيم الإنسانيّة التي تكوّنت لديهم من خلال خبرة تاريخ طويل.
  2. لذا نتوقّف أوّلاً على الثوابت اللاهوتيّة والتاريخيّة التي تؤكّد العلاقة بالأرض وضرورة الحفاظ عليها، من أجل الحفاظ على المعطيات اللاهوتيّة والتاريخيّة الخاصّة بالهويّة المارونيّة. ثمّ نتناول ثانيًا الواقع الحاليّ وما يثير من قلق ومخاوف، ساعين إلى عرض إستراتيجيّة ممكنة للحفاظ على الأرض وحسن استثمارها. وننتهي ثالثًا إلى علاقة موارنة الانتشار بأرضهم الجديدة وأرض المنشأ لكي يسهموا هم أيضًا بالحفاظ على هذه الأرض فتبقى لهم مرجعًا أكيدًا لتمايزهم الحضاريّ والإنسانيّ والدينيّ.

الفصل الأوّل : الثوابت

أوّلاً: الثوابت الإيمانيّة واللاهوتيّة

والكتاب المقدّس يخبرنا بأنّ الله دعا إبراهيم للخروج من أرضه في بلاد الرافدين والمجيء إلى أرض كنعان، ودعاه إلى أن يرث هذه الأرض له ولبنيه ليعبدوه هو وحده من دون الأوثان. وبهذا المعنى يردّد الكتاب المقدّس مرارًا أنّ الله يدعو شعبه إلى أن يقدّسوه ويتقدّسوا في الأرض التي أورثهم إيّاها[2]. من هنا، فالبُعد الأوّل في علاقة الأفراد والشعوب بالأرض التي أوجدهم الله عليها هو بُعد القداسة، أيّ عبادة الله والنموّ الإيمانيّ والانسانيّ والتحرّر من كلّ وثنٍ وإشراك.

من ناحية ثانية، فإنّ الله قال لإبراهيم عندما دعاه: “إنّي أُباركك فتكون بركة لكلّ الشعوب”. أيّ أنّ البركة الإلهيّة وميراث الأرض الذي يناله إبراهيم ونسله لا يهدفان إلى قداستهم ونموّهم وحدهم، بل أيضًا إلى أن يتحوّلوا إلى بركة للآخرين الذين لم ينالوا هذه الدعوة ولم يقع عليهم هذا الاختيار. من هنا، فالبُعد الثاني لعلاقة الأفراد والشعوب بالأرض التي أعطاهم إيّاها الله، هو بُعد الرسالة والإنارة ومشاركة الآخرين بالبركة الإلهيّة التي حصلوا عليها، مع حقّ الشعوب الأخرى بهذه الأرض مثلها مثل شعب العهد القديم.

فالبُعد الأوّل هو إذًا الاختيار والميراث من أجل القداسة والنموّ؛ والبُعد الثاني هو الدعوة للقيام برسالة مشاركة البركة مع الآخرين.

بفضل التجسّد الإلهيّ أصبح للأرض قيمة خلاصيّة، لذا ينبغي العناية بها والمحافظة عليها واحترامها لأنّها لم تعد أرض الإنسان فحسب، بل أصبحت أرض التجسّد الإلهيّ. ومفهوم الأرض اللاهوتيّ هذا قد ترسّخ في أعماق النفس المارونيّة كما نتلمّسه في صلواتنا البيعيّة وفي كتابات آبائنا القدّيسين.

لذلك نريد أن نؤكّد هنا أنّ وجود الكنيسة في هذا الشرق ليس مصادفة بل بفعل عطيّة إلهيّة ثمينة جدًّا أعطاها الله للهدفين عينهما اللذين ذكرناهما سابقًا. فاعتبار الأرض، من قِبل الموارنة عطيّةً من الله، يجعلهم يحترمون هذه العطيّة شاكرين الربّ عليها. وتصبح في نظرهم مساحة للعيش الحرّ الكريم وتأدية الشهادة الصادقة للمسيح والتفاعل الإنسانيّ السليم مع سواهم من الناس.

ثانيًا: الثوابت الوجدانيّة والإنسانيّة

ثالثًا: ثوابت تاريخيّة

1. الأرض مكوّنة للهويّة: التاريخيّة والاجتماعيّة والسياسيّة

  1. إرتبط التاريخ المارونيّ بلبنان أرضًا ووطنًا، من دون أن يتنكّر الموارنة لجغرافيّة نشأتهم وانتشارهم القديم والحديث من قورش وأنطاكية وضفاف العاصي في شمال سورية إلى قبرص وفلسطين ومصر، وإلى أوروبا وأميركا وأفريقيا وأوستراليا في حقبات تاريخيّة متباعدة، ونتيجة ظروف دينيّة واقتصاديّة وسياسيّة صعبة وقاهرة[4].

لكنّ الهويّة التاريخيّة المارونيّة، التي لا يمكن التنكّر لها، قد تأصَّلت أوّلاً في الإطار الأنطاكيّ، بخاصةً في لبنان حيث نمت وتطوّرت وترسّخت الكنيسة المارونيّة. والمجتمع المارونيّ تأثّر بالبيئة وبالجغرافيا التي عاش فيها، وزرع وسقى أرضها من عرق جبينه، فأمّنت له الضروريَّ من أجل العيش الكريم واحتمى بها من صروف الدهر والإضّطهادات، فانطبع بها وطبعها بإيمانه وديناميّته الثقافيّة وانفتاحه على مختلف الحضارات.

2. الأرض وطن ورسالة

  1. الأرض هي الوطن والكيان، وقيمتها هي بما تجسّده من قيم وخبرة وبُعد حضاريّ ووجوديّ. فتوسُّع الموارنة إلى كلّ لبنان والتعايش مع غيرهم من الطوائف نابع من قيمهم الإيمانيّة والرسوليّة. ولم تكن الأرض لهم وحدهم، بل التقوا عليها كلّ تائق إلى الحريّة والعيش الكريم. وهكذا تكوّن جبل لبنان وبالتالي لبنان وارتبط اسمه بالموارنة جزءًا أساسيًّا من كيانه التاريخيّ والسياسيّ.

ولبنان – الأرض كان ولا يزال وطن التلاقي وقبول الآخر والانفتاح عليه وتبادل الخبرات الحياتيّة والحضاريّة معه، على تناقضها، ولو أدّى هذا التناقض إلى نزاع دمويّ وصراع من أجل البقاء أحيانًا.

وكلّ أرض سكنها الموارنة اعتبروها أرضهم وتفاعلوا معها، من دون أن ينسوا أرض المنشأ ولاسيّما أرض لبنان التي تبقى في وجدانهم أرض أجدادهم وقدّيسيهم ومرجعيّتهم البطريركيّة.

3. الأرض إرث وطنيّ وجماعيّ: الحفاظ عليها يحفظ الوطن والأقليّات التي تكوّنه

  1. الأرض قيمة إيمانيّة عند المسيحيّين عامّة وعند الموارنة خاصّة، نابعة من إيمانهم بالتجسّد. وذاكرتهم الجماعيّة تدرك أهميّة التراكم الحضاريّ والتاريخيّ على أرضهم. فالأرض، في نظرهم، إرث وليست رزقًا للتجارة به أو ملكًا للتصّرف فيه بهوى. من هنا كان همّهم تسليم الأرض – الأمانة كاملةً إلى الأجيال الآتية بعدهم من دون تبديد أو استبدال: “معاذ الله أن أبيعك ميراث آبائي”[5]. من هنا مبدأ “وقفيّات” العائلات عند الموارنة وما يعرف بالوقف الذُرّي. فالحفاظ على الأرض هو حفاظ على الهويّة، والحفاظ على الهويّة حفاظ على الكيان والديمومة.

4. الكنيسة المارونيّة والأرض أمس واليوم

  1. الموارنة قدّسوا الأرض وتقدّسوا بها. إستعاروا منها التشابيه وأدخلوها في صلواتهم[6]، كما وضعوا أعيادًا “زراعيّة” مثل عيد سيّدة الزروع وعيد سيّدة الحصاد. كان كلّ الموارنة يعملون في الأرض من بطاركة وأساقفة ورهبان وعلمانيّين. فالأرض، في ما يختصّ بهم، مدرسة حياة وروحانيّةٍ، كانوا ينشّئون الشباب المارونيّ عليها. وقد عمدت الكنيسة المارونيّة، ومن بعدها باقي رجالات الإقطاع في لبنان، إلى نظام الشراكة من أجل استثمار أراضيها ومن أجل حثّ الموارنة الذين لا يملكون أرضًا على العمل في الأرض. هذه الشراكة أدّت تاريخيًّا إلى تأسيس قرى جديدة حول الأديار.
  2. إنّ تحوّل المجتمع المارونيّ من مجتمع ريفيّ زراعيّ إلى مجتمع مدينيّ تجاريّ، وصناعيّ وخدماتيّ، بما له من حسنات، قد حمل معه بعض التأثيرات السلبيّة في أخلاقيّة الموارنة وروحانيّتهم وتقاليدهم. وتبدّلت همومهم من تأمين الحاجات (فلاح مكفيّ سلطان مخفيّ) إلى التفتيش عن الكماليّات ورغد العيش، ولو على حساب ضميرهم وكرامتهم ومبادئهم الإنسانيّة والمسيحيّة أحيانًا.

فالعمل في الأرض، قبل أن يكون بهدف نفعيّ أو رياضيّ، هو قيمة مسيحيّة وروحيّة. من هنا كان المبدأ الرهبانيّ “صلّ واعمل”.

والتاريخ يشهد بأنّ جميع الأديار القديمة وكذلك أيضًا مقارّ الأساقفة وكنائس الرعايا، كانت كلّها تملك أوقافًا وأملاكًا[7] يدأب فيها الرهبان الموارنة والأساقفة أحيانًا كثيرة مع المؤمنين الشركاء على العمل. وقد عمدت الرهبانيّات بعد إعادة تنظيم الحياة الرهبانيّة في أواخر القرن السابع عشر إلى الإهتمام بالأرض، وأصبح الرهبان رائديّ الزراعة فاستعان بهم الأمراء لتعليم رعاياهم الكتابة والقراءة والعناية بالأرض.

  1. هذه الشراكة بالعمل في الأرض، ما بين الرهبان والخوارنة والأساقفة أحيانًا من جهة، والمؤمنين من جهة أخرى، جعلت حياة المؤمنين مطبوعة بالأبعاد الروحيّة التي كان أكليروسهم ورهبانهم يعيشونها ببساطة وعفويّة. وكما كانت الشركة في العمل، كذلك كانت في الصلاة الخورسيّة والإفخارستيّا والعبادات. لذلك لا بدّ من عودة إلى الأرض وإلى روح الشراكة والوحدة بين الإكليروس والرهبان والمؤمنين بأساليب حديثة ومتطوّرة، مع المحافظة على ما اكتسبناه من قيمٍ جديدة ناتجة من الانفتاح المدينيّ ومواكبة ركب الترقّي العالميّ.

رابعًا: ثوابت بيئيّة

1. من الناحية الوجدانيّة والروحيّة

  1. لقد أحبّ المارونيّ الأرض التي أُخذ منها، فسقاها من دمه وعرقه دفاعًا عنها واعتناءً بها. أكرمها فأكرمته وأشبعته من خيراتها. كما كان له بها وجدانيّة فتغنّى بها[8] وحافظ عليها، لأنّها أوّلاً من أعمال الله الحسنة، وثانيًا لكي تحافظ عليه وتغذّيه وتحميه. فالأرض هي أمّ كلّ حيّ: “أنت من التراب وإلى التراب تعود” (تك 3/19) وهي مقدّسة لأنّها تضّم رفات الآباء والأجداد والقدّيسين.

2. من الناحية الطبيعيّة والبيئيّة

  1. البيئة هي الإطار الذي عاش ويعيش فيه الإنسان ماضيًا وحاضرًا ومستقبلاً. فقديمًا عرف المارونيّ كيف يحافظ على البيئة الطبيعيّة من دون أيّ تشويه. إستعمل عناصر الطبيعة في عمله وبناء منزله وطريقة عيشه وأكله. أمّا مارونيّ اليوم، شأنه شأن المجتمع الإستهلاكيّ، فهو معرّض لإهمال الطبيعة وهدر الثروات والتعاطي معها بطريقة أنانيّة، مفكّرًا فقط بمنفعته الآنيّة.

من ناحية أخرى، إنّ موجة التصحّر الناتجة عن قطع الأشجار من دون زرع مكانها، قد أفقدت لبنان والموارنة تراثًا طبيعيًّا نادرًا. يكفي أن نتأمّل كم شجرة أرز بقي عندنا من أرز لبنان الذي يتغنّى به الكتاب المقدّس ويمتدحه، وأن نرى ما قضت عليه الحروب والحرائق المفتعلة وغير المفتعلة من ثروات حرجيّة، وما يُقتلع يوميًّا من أشجار، لكي ندرك حجم الكارثة التي وصلنا إليها.

بالإضافة إلى ذلك، إنّ الاستمرار في استعمال المواد المصنّعة التي لا تتحلّل في الطبيعة، ناهيك عن رمي النفايات بطريقة عشوائيّة، يؤدّي إلى تشويه الطبيعة لمدى طويل، لاسيّما أنّه ليس عندنا توجيه وتربية بيئيّة لا في العائلات ولا في المدارس. بيئتنا في الأساس غنيّة وصالحة، لذا ينبغي المحافظة عليها وعدم إفسادها. وكنيستنا المارونيّة تتضامن تلقائيًّا مع العديد من المنظّمات البيئيّة الدوليّة والجمعيّات الوطنيّة والمحليّة، وتشجِّع أبناءها على الانخراط فيها والتعاون معها من أجل الحفاظ على بيئةٍ سليمة.

3. من الناحية الصحيّة

  1. إذا كان الإنسان ابن بيئته، فالبيئة تؤثّر سلبًا أو إيجابًا في صحّة الإنسان. وليس أفضل من احترام الطبيعة للحفاظ على الصحّة. وما من شكٍّ في أنّ نوعية عيش المارونيّ في الماضي كانت أسلم من طريقة عيش مارونيّ اليوم. وإن التلوّث الناتج عن الحضارة المُمَكْنَنَة والمصنّعة ينعكس سلبًا على صحّة الإنسان الذي لم يعِ بعد، كما ينبغي، الأخطار البيئيّة التي تتهدّده حاضرًا ومستقبلاً نتيجة إهماله أو أنانيّته في سبيل كسبٍ ماديّ سريع.

4. من الناحية الجماليّة والسياحيّة

  1. إنّ طبيعة الأرض التي عاش عليها الموارنة كانت جميلة بتنوّعها. كثيرًا ما وصفها وأعجب بها الرحّالة والمستشرقون. ويكفي بالتالي عدم تشويه جمالها (مثلاً: قطع الأشجار أو رمي النفايات فيها) لكي تبقى إطارًا حياتيًّا سليمًا يحمي الإنسان ويفتنه ويجتذب السيّاح إليه. ورغم الإهمال البيئيّ الذي تعرّضت له هذه الأرض، فهي لا تزال مركزًا مهمًّا للسياحة البيئيّة التي نشطت حديثًا.

5. من الناحية العمرانيّة والتراثيّة

الفصل الثاني : الأرض واقع ومرتجى

أوّلاً: الواقع الراهن

ثانيًا: استراتيجيّة تنمويّة شاملة للحفاظ على الأرض

وبدون تدخّل من هذا النوع، ستبقى الأراضي معرّضة للبيع وستفقد الكنيسة المارونيّة، مع مرور الوقت، قسمًا كبيرًا مما تبقّى لها من مقوّمات بقاء.

الفصل الثالث : الأرض وموارنة الانتشار

ولعلّ المارونيّ، بفضل انتشاره في أكثر أطراف العالم، يختبر واقع الشموليّة هذا بطريقة بديهيّة، ربمّا أكثر من الشعوب الأخرى. ولكنّ الإنسان المعاصر بدأ يشعر أيضًا بأهميّة الانتماء الحضاريّ التاريخيّ، وبأنّ عالم اليوم هو وريث هذا التراكم الذي خلّفته الأجيال السابقة. لذا لا يمكن اقتلاع الإنسان من جذوره التاريخيّة، لا بل ينبغي المحافظة على هذه الجذور وترسيخ العلاقة بها، ليبقى الحاضر على إتصال بالماضي فيتغذّى من غناه، وينمو بالحفاظ على أصالته وتمايزه. إنطلاقًا من هنا يتوجّه المجمع المارونيّ إلى موارنة الانتشار ليذكّرهم بأنّهم حاملو رسالة فريدة نابعة من علاقتهم بأرضهم الجديدة وعلاقتهم بأرض المنشأ.

أولاً: علاقة موارنة الانتشار بأرضهم الجديدة

ثانيًا: علاقة موارنة الانتشار بأرض المنشأ

1. الواقع

2. الخطة المرجوّة

أمّا في ما يختصّ بالأرض، فهناك مجال واسع لمساهمة المنتشرين في الحفاظ عليها واستغلالها. فيصار مثلاً إلى إقامة توأمة بين المنتشرين وقراهم أو مدنهم الأصليّة. فيتمّ على أساسها إنشاء مشاريع تنمية، يكون فيها للمنتشرين إمكانيّة المساهمة واستملاك أراض أو بيوت لهم. كما يمكن تشجيع المنتشرين، وبنوع خاصّ الشبيبة، على القدوم إلى أوطان المنشأ وتمضية الفرص الطويلة فيها، مع برامج مدروسة لإشراكهم في مواسم زراعيّة ممكنة، كالقطاف مثلاً، وإطْلاعهم على تراثهم الفكريّ والفولكلوريّ والطقسيّ، وعلى الإمكانيّات المتوافرة حاليًّا في الجامعات المارونيّة وما يمكن أن يستفيدوا منها أو يفيدوا. ويمكن أن يكون ذلك ضمن مخيّمات صيفيّة مشتركة مع الشبيبة المقيمة، أو في ندوات تدرس إمكانيّة التواصل بين المقيمين والمنتشرين.

إن أعمالاً كهذه تؤدّي حتمًا إلى تشجيع المقيمين وإلى ترسيخ التراث الحضاريّ لدى المنتشرين، فلا تبقى العلاقة بأوطان المنشأ مستندة إلى الحنين والذكريات فحسب، بل تكتسب بعدًا آنيًّا وتعمّق عرى القربى والصداقة مع أوطانهم الأصليّة وأهلهم المقيمين فيها.

ومن الطبيعيّ أن تُسهم المؤسّسات الكنسيّة والرهبانيّات والجمعيّات الأهليّة والنوادي الاجتماعيّة في تنظيم سياحة ثقافيّة للمنتشرين، تُطلعهم من خلالها على عراقة التراث وجمال الطبيعة وتنوّعها، كما على الأماكن الأثريّة والتاريخيّة الهامّة الخاصّة بالموارنة.

خاتمة

كما أنّ للوجود المارونيّ في سورية وفلسطين وبلدان الشرق الأخرى أهميّة كبيرة. وعلينا أن نسعى مع الكنائس الأخرى، وكذلك مع المنتمين إلى الديانات غير المسيحيّة، لاسيّما المسلمين منهم، إلى توطيد علاقات المواطنيّة من أجل الحفاظ على التراث المشترك وتفعيله، خدمةً للحوار والتقارب بين الأديان والحضارات.

توصيات النصّ وآليات العمل

الموضوع التوصية الآليّة
1- التنشئة على قيمة الأرض والتوعيّة عليها.1- يوصي المجمع بإعادة إكتشاف أهميّة الأرض وبلورة القيم المتعلقة بها والحفاظ عليها.1-أ: تعريف الأجيال الجديدة إلى أهميّة الأرض وغناها من خلال برامج وندوات تنشئة وتوعية. 1-ب: إحياء المهرجانات والأعياد الزراعيّة وحثّ الشبيبة على المشاركة فيها. 1-ج: تنظيم مواسم القطاف والغلّة. 1-د: تشجيع المنتشرين الموارنة على شراء الأراضي والبيوت. 1-هـ: إقامة توأمة بين المنتشرين وقراهم الأصليّة.   1-و: العمل على تشجيع المنتشرين على القدوم إلى أوطان المنشأ ضمن برامج مدروسة، كمثل المخيّمات الصيفيّة والسياحة الدينيّة.
2- استراتيجيّة تنمويّة شاملة للحفاظ على الأرض والمياه.  2- يوصي المجمع بتضافر قوى الدولة والكنيسة والمؤسّسات من أجل استراتيجيّة تنمويّة شاملة للحفاظ على الأرض والمياه.  2-أ: تسهر الدولة على تطبيق قانون تملّك الأجانب.   2-ب: تحمي الدولة الإنتاج الزراعيّ المحليّ من المضاربة الخارجيّة وتؤمن إمكانيّة تصدير الفائض منه إلى الأسواق الخارجيّة. 2-ج: تُقام تعاونيّات زراعيّة من أجل تشجيع المزارعين على العودة إلى الريف وإستثمار أرضهم بطريقة جديدة ومجدية، وإرشادهم إلى الزراعات البديلة القابلة للتصدير والتصنيع. 2-د: تُنشَأ مصانع صغيرة ومحترفات مهنيّة من أجل توفير مجالات العمل تحول دون إفراغ الريف من أهله.
3- الشراكة بين أبناء الكنيسة.  3- يوصي المجمع بتطوير فكرة الشراكة التي قامت قديمًا بين الأبرشيّات والرهبانيّات من جهة والعلمانيّين من جهة أخرى.  3-أ: تسعى الكنيسة مع مؤسّسات أجنبيّة، كالسوق الأوروبيّة المشتركة ومنظّمة التغذية العالميّة، إلى الإستفادة من الخبرات العالميّة لإستثمار الأراضي بحسب تنوّع المناخ والبيئة والحاجات الجديدة. 3-ب: يقوم بتعاون مع الهيئة الاقتصاديّة العُليا التابعة للبطريركيّة المارونيّة من أجل تقديم الأفكار وبلورة المبادرات. 3-ج: يتم التنسيق مع كليّة الزراعة في جامعة الروح القدس – الكسليك.
4- صون البيئة.4- يوصي المجمع الأبرشيّات والرهبانيّات بصون البيئة في أملاكها والأوقاف التابعة لها وإطلاق حملة تثقيف بيئي.                             4- تخصيص أشخاص في هذا الميدان، وإنشاء لجان على صعيد الأبرشيات تتابع الموضوع وتطلق حملة تثقيف بيئيّ في المدارس والمعاهد والرعايا.  
5- تحريج المناطق اللبنانيّة.  5- يوصي المجمع المسؤولين في الكنيسة باتخاذ مبادرات من أجل تحريج المناطق اللبنانيّة.5-أ: العمل على إقامة محميّات جديدة وعلى حماية الموجود منها. 5-ب: زرع غابات وأحراج على اسم جمعيّات ومنظمات ونواد محليّة، وعلى اسم جاليات الانتشار المارونيّ.  
6- المياه.6- تشكّل المياه ثروة طبيعيّة يجب الحافظ عليها  عبر منع هدرها وتلويثها، واستثمارها استثمارًا علميًّا، وتوزيعها توزيعًا عادلاً.6- يطلب إلى الأهل وإدارات المدارس والجامعات نشر التوعية الضروريّة على أهميّة المياه وطرق استعمالها حفاظًا على بيئة سليمة في خدمة كلّ إنسان.  
7- البحر.7- البحر بمياهه وشواطئه وبما يحتويه من ثروات هو من عطايا الله البيئيّة. لذا ينبغي المحافظة عليه واستثماره ليكون في خدمة الجميع.7-أ: تضع الدولة البرامج لحماية الشواطئ من التلوث والتعدّيات، فتسهم مع القطاع الخاصّ على تعزيز التوظيف في استثمار الثروة السمكيّة من أجل إيجاد المزيد من فرص العمل وتوفير ما تحتاج إليه السوق اللبنانيّة من منتوجات البحر. 7-ب: إنشاء “كلّية علوم البحار”.

1. راجع: الفصول الثلاثة الأوّل من سفر التكوين.

2. راجع على سبيل المثال: تك 12/1-6 و تث 6/1-2 .

3. راجع: رجاء جديد للبنان، عدد 93.

4. لقد شهد التاريخ المارونيّ موجات هجرة عديدة، حفاظًا على حريّة الإيمان وسعيًا للعيش بحريّة وكرامة واستقلال (راجع: نصّ الانتشار المارونيّ).

5. قول نابوت اليزراعيليّ لآحاب الملك (1 مل 21/3).

6. نذكر على سبيل المثال أنّ الصلوات البيعيّة تسمّي المسيح “الفلاّح الصالح الذي أتى ليقتلع الزؤان الذي زرعه إبليس في حقل بني آدم” (راجع: صلاة مساء الأحد من الزمن العاديّ، اللحن الثاني، المقطع الثاني)؛ كما أنّ يسوع نفسه هو “حبّة الحنطة التي قبلتها أحشاء مريم كأرض طيّبة” (راجع: نشيد زيّاح القرابين في القدّاس الإلهيّ)؛ كذلك الصدقات وأعمال الرحمة تُشبّه بالزرع الذي يحمله الزارع وينطلق ليزرعه في الحقول التي هي الفقراء والمعوزون. فكما أنّ الزارع يحمل الزرع ويذهب ليزرعه ولا ينتظر الحقول أن تأتي إليه، كذلك المؤمن مدعوّ لأن يذهب هو الى المحتاجين ولا يتنظرهم ليأتوا إليه (راجع: باعوت مساء الخميس في زمن الصوم).

7. لقد تنبّهت الكنيسة المارونيّة منذ القدم إلى أهميّة الوقفيّات في ما يتعلّق بالأديار والرعايا والمؤسّسات التربويّة والاجتماعيّة، فكانت، مع إنشائها، تقيم لها الوقفيّات لتؤمّن لها ديمومة الحياة، كما حصل مثلاً لمدرسة عين ورقة.

8. من اللافت في فولكلورنا كثرة التغنّي بالأرض والطبيعة والغلال ومواسم القطاف على أنواعه.

9. نلاحظ أنّ الوجود المارونيّ في لبنان يؤلّف عنصر دمج وتعايش مع الطوائف الأخرى وبخاصّة الطوائف غير المسيحيّة. فالمارونيّ يختلط بسهولة مع الدرزيّ والشيعيّ والسنيّ، ويسهّل بالتالي إمكانيّة عيش هذه الطوائف بعضها مع بعض.

10. بعد مداخلات عديدة للمؤتمر الدائم للرؤساء العامّين في لبنان استجابت الدولة اللبنانيّة لطلب تعديل المرسوم الذي كان قد صدر العام 1959 بخصوص تملّك الأجانب، والذي أُثبت في قانون العام 1964. وقد نجح الرؤساء العامّون بمداخلاتهم في الحدِّ من المساحات التي يقدر الأجنبيّ أن يتملّكها ووضع شروط أخرى على ملكيّة الأجانب، وصدر ذلك بمرسوم حكوميّ العام 1969.