عظة البطريرك الراعي في قداس الشكر لأعمال كريتاس في كسروان
أخبار عظات
مطرانيّة عشقوت – الجمعة 3 تشرين الأول 2025
قدّاس الشكر لأعمال رابطة كاريتاس في كسروان وتكريس تمثال سيدة الكروم، وشكر السيّد أنطوان سيف
“تعالوا إليَّ أيّها المتعَبون والثّقيلو الأحمال، وأنا اريحكم ” (متّى 11: 21).
سيادة النّائب البطريركي العام،
أصحاب السيادة والآباء،
أيّها الإخوة والأخوات الأحبّاء،
1. هذه العبارة المعزّية والمشجّعة من كلمات الرب يسوع: “تعالوا إليَّ أيّها المتعَبون والثّقيلو الأحمال، وأنا اريحكم ” (متّى 11: 21) تفيض حنانًا وتعزية، فهي موجّهة إلى كل إنسان يرهقه التعب، وتثقله هموم الحياة، وتثقل قلبه صعوبات هذا العالم. الرب لا يَعِد بحياة خالية من الأعباء، بل يَعِد بمرافقة إلهية تجعل الحمل أخف، والهمّ أهون، والطريق أسهل.
ثلاث مناسبات تجمعنا اليوم في المقرّ الأسقفي لنيابة صربا البطريركية في بلدة عشقوت العزيزة: تكريس تمثال سيدة الكروم، قداس الشكر لكاريتاس كسروان 2، ولقاء عرفان جميل للسيد أنطوان سيف.
نلتقي اليوم حول تمثال سيدة الكروم الذي نكرّسه، وهي العذراء تحمل هموم أبنائها لتضعها في قلب ابنها يسوع. فهي أم الكرم كلّه، وأم الأغصان أي نحن، الذين ننغرس في الكرمة الحقيقية التي هي المسيح. في تكريس هذا التمثال اليوم، نحن نكرّس قلوبنا معها، لنصبح أغصانًا حيّة مثمرة في الكرمة الإلهية، ونجعل من هذا المكان بيت صلاة وعطاء متجدد. هذا التمثال وُضع على قاعدته في عيد مولد العذراء مريم، أم يسوع وأمّنا، بمبادرة سخيّة من السيد أنطوان سيف وعائلته. فالتمثال وقاعدته من عمل الفنانَين الأخوَين شوقي وإيلي عقيقي من عجلتون، مشكورين.
2. نقدّم قداس الشكر لكاريتاس لبنان إقليم كسروان 2، الذي جسّد خلال هذه السنة وجه الكنيسة الرحوم في خدمة المحتاجين وأبناء الأبرشية، وبذل الكثير من الجهد والعطاء ليبقى وجه المسيح حاضرًا في قلب كل إنسان ضعيف ومجروح.
3. ونقدّم كلمة امتنان إلى السيد أنطوان سيف، رئيس كاريتاس كسروان 2، الذي قدّم هذا التمثال المبارك، عربون إيمان ووفاء للعذراء مريم، فصار اليوم علامة تُزين هذا المكان وتذكّر كل زائر برسالة مريم الأم الحاضنة والمرافقة لأبنائها، ولكاريتاس في عملها بخدمة المحبّة، وللسيد أنطوان سيف في عطائه.
وهنا نذكر أيضًا أن العطاء جميل لمن يُعطى له، لكنه أجمل لمن يعطي، لأن من يعطي هو نفسه يُعطى. فالعطاء في الكنيسة ليس تبادلًا ماديًا، بل فعل محبة متبادلة: من القلب إلى القلب، ومن الإيمان إلى العمل.
4. الليتورجيا التي نحتفل بها اليوم تذكّرنا أن الكنيسة ليست فقط جماعة مؤمنة تلتقي لتصلي، بل هي جماعة تعيش حضور الله في وسطها، على ما يقول الرب يسوع: «احملوا نيري وتعلّموا مني، لأني وديع ومتواضع القلب، فتجدوا راحة لنفوسكم». هنا نفهم أن التكريس ليس مجرد حدث خارجي، بل فعل إيمان داخلي: نحن نكرّس ذواتنا مع مريم لنحمل نير المسيح بوداعة وتواضع.
إنَّ تمثال سيدة الكروم الذي نكرّسه اليوم هو علامة ملموسة لهذه الحقيقة. مريم هي سيدة الكرم لأنها أعطت للعالم ثمرة الحياة – يسوع المسيح – وهي التي تسهر على أغصان هذا الكرم، أي علينا نحن، لكي نثمر محبة وخيرًا وقداسة. ومن خلال هذا التمثال، يذكّرنا الرب أن نكون بدورنا شهودًا للكرمة الحقيقية، في كل بيت، وكل عائلة، وكل خدمة.
5. من عمق إنجيل اليوم ومن حضرة مريم سيدة الكروم، نرفع فكرنا أيضًا إلى الشأن الوطني. فكما تحتاج الكرمة إلى فلاّحين يعتنون بها، هكذا يحتاج وطننا إلى رجال ونساء أمناء يحرصون عليه، يسهرون على وحدته، ويثابرون في بنائه. إن العذراء التي نكرّس لها هذا التمثال هي صورة عن لبنان نفسه: أرض خصبة، مليئة بالغنى الروحي والثقافي، لكنها تحتاج إلى من يحافظ عليها، ويمنع عنها الجفاف والانقسام.
من هنا، نقول بوضوح إن وطننا لا يمكن أن يُبنى إلا على ثمار العدل، واحترام القيم، وخدمة الخير العام. لا خلاص للبنان إن بقي مثقلاً بأحمال الفساد والانقسام والتهميش. المسيح يقول: «تعالوا إليّ يا جميع المتعبين»، ونحن نقول كلبنانيين: فلنأتِ جميعًا إلى مائدة الوحدة والشراكة، لأن خلاص الوطن لا يقوم إلا بوحدة أبنائه وتكاتفهم.
سيدة الكروم تذكّرنا أن كل غصن لا يثمر يُقطع ويُلقى في النار. أما الغصن الذي يثمر فيُنقّى ليعطي أكثر. هكذا هو لبنان: إن أهملناه ييبس، وإن رعَيناه يزهر ويعطي الحياة. إن مسؤوليتنا اليوم أن نحافظ على هذه الأرض، فلا تباع ولا تهمل ولا يُهجَّر أهلها، بل تبقى مزروعة بالأمل، ومثمرة بالشراكة، وحصينة بالسيادة.
6. لبنان اليوم مثقل بالأحمال: أعباء اقتصادية، اجتماعية، سياسية، وقلق على المصير. لكن كلمات المسيح: «تعالوا إليّ… وأنا أريحكم»، هي نداء لكل مسؤول ولكل مواطن، لكل سياسي ولكل عامل، لكل شاب وشابة: لا خلاص فرديًا، بل الخلاص في العودة إلى الله والالتفاف حول قيم الحق والعدالة والشراكة.
علينا أن نؤمن أن الوطن ليس ملكًا لأحد بل هو كرم جماعي. كلنا غرسنا فيه، وكلنا مسؤولون عن سقيه. إذا أهملناه ييبس ويضيع، وإذا عملنا معًا يزهر من جديد. مسؤوليتنا الوطنية اليوم أن نحافظ على أرضنا، فلا تباع، ولا تُهمل، ولا يهاجر أبناؤها، بل تبقى مزروعة بالأمل، محصّنة بالسيادة، مثمرة بالكرامة.
7. نرفع صلاتنا اليوم لمريم العذراء، سيدة الكروم، كي تحمي هذا الوطن وأبناءه. نصلي لأجل كل المتعبين والثقيلي الأحمال ليجدوا في المسيح راحتهم، ولأجل القيمين على خدمة الكنيسة ليظلوا شهودًا أحياء للمحبة.
كما نخصّ صلاتنا من أجل المبادرات الخيّرة، مثل عمل كاريتاس الذي يعكس قلب الكنيسة الرحوم، وعطاء المؤمنين أمثال السيد أنطوان سيف، لكي تبقى هذه الأمثلة حيّة وملهمة في وسط مجتمعنا، فتغرس فينا الرجاء وتدعونا جميعًا إلى مشاركة حقيقية في بناء الوطن والكنيسة. آمين.










البطريركية المارونية