النص السادس عشر: الكنيسة المارونيّة والتربية: في التعليم العامّ والتّقنيّ

المجمع البطريركي الماروني 2003-2006


النص السادس عشر: الكنيسة المارونيّة والتربية: في التعليم العامّ والتّقنيّ


مقدّمة

  1. إنطلاقًا من أنّ رسالة الكنيسة، أمًّا ومعلّمة، لا تتوقّف عند تقاسم البشريّة آمالها وأمانيها، بل تتعدّاها إلى قيامها بدور الإنارة لطريق الإنسان وتوعيته إلى غايته السامية، فإنّ اهتمام هذا المجمع بالقضايا التربويّة يأتي من أنّ رسالته هي في الأساس رعويّة، وعليه أن يقوم بها تجاه أبناء الكنيسة المارونيّة، سواء أفي المدارس المارونيّة كانوا أم في غيرها من المدارس، وتجاه جميع المهتمّين بالشأن التربويّ كذلك[1]. وبما أنّ للمدرسة دورًا أوّليًّا في إيصال هذه الرسالة إلى غايتها، وبما أنّها الأداة الفاعلة اليوم لاتصال الكنيسة بأبنائها، وتوفير الثقافة العلميّة والأدبيّة والروحيّة والدينيّة لهم وللذين اختاروا أن يتلقَّوا التعليم في مدارسها أو أنهّم يتلقّون دراستهم في مدارس غير مرتبطة مباشرة بها، فإنّ المجمع ارتأى أن يتوجّه إلى المهتمّين بالحقل التربويّ، سواءٌ كانوا أهلين أم مديريّ مؤسّسات تربويّة أم مرّبين، لكي يتحمّل كلّ واحد قسطه في هذا المجال. ويتوزّع محتوى هذا البيان على المحاور الآتية:

ـ الكنيسة المارونيّة ومشروعها التربويّ من زمن مار مارون حتى منتصف القرن العشرين.

ـ تحدّيات الواقع الحاليّ على مستوى الخيارات التربويّة ونموّ المؤسّسات ومعضلة التعليم الرسميّ وتحقيق التعليم للجميع.

ـ خيارات الكنيسة وتطلّعاتها.

الفصل الأوّل: الكنيسة المارونيّة ومشروعها التربويّ من زمن مار مارون حتى منتصف القرن العشرين

أوّلاً: من زمن مار مارون وحتى القرن العاشر.

ثانيًا: من القرن العاشر وحتى تأسيس المدرسة المارونيّة في روما.

ثالثًا: المجمع اللبنانيّ (1736) ودوره الفاعل في تعزيز التعليم والتربية وتنظيمهما.

رابعًا: دور الإرساليّات ومبادرات الرهبانيّات المارونيّة في إنشاء المدارس.

خامسًا: إنشاء الأمانة العامّة للمدارس الكاثوليكيّة (1948).

أوّلاً: من زمن مار مارون وحتى القرن العاشر

إلى جانب هذا الإطار النُسكيّ الخاصّ، نجد حركة أنطاكيّة عامّة، عُرفت بالمدرسة الأنطاكيّة، نتج منها إلى جانب أعمال الترجمة والنقل، مؤلّفات جمّة في تفسير الكتاب المقدّس واللاهوت وفي إبراز ناسوت السيّد المسيح، ما أنعش الأجواء الثقافيّة والنشاطات العلميّة في أرجاء الشرق. وبالإضافة إلى المدرسة الأنطاكيّة، يذكّر المجمع اللبنانيّ، استنادًا إلى ابن العبريّ “أنّ السّريان عُنوا أوّلاً بدرس فلسفة (أرسطوطاليس) وتآليفه، وترجموها من اليونانيّة إلى السريانيّة، وعنهم أخذ العرب بعد القرن الثامن للمسيح، فاستعملوا الترجمات السريانيّة كما يظهر من تواريخ السريان والعرب”[3]. أمّا في ما يخصّ التعليم والتثقيف، فإنّ تنشئة الكهنة والمؤمنين كانت تتِمّ على يدّ تلامذة القديس مارون، الذين نشروا الإيمان من خلال أديارهم وتجوالهم في القرى والمدن. فشكّلت الأديار والكنائس مدارس للمؤمنين ومعاقل لنشاطهم الدينيّ والاجتماعيّ والثقافيّ والحرفيّ، فكانوا يتتلمذون على يدّ الكهنة والرهبان الذين كانوا يعلّمونهم أصول اللغة السريانيّة، لغة التراث الروحيّ والدينيّ، وبعض الموادّ العلميّة والفلسفيّة والرياضيّات.

ثانيًا: من القرن العاشر حتى تأسيس المدرسة المارونيّة في روما

وأوّل مثال ناجح لهذا السعي كان جبرائيل ابن القلاعيّ، الذي عاد إلى لبنان سنة 1493؛ وكان من أوائل الموارنة الذين قرأوا الكتب اللاتينيّة، واستهدفوا في مؤلّفاتهم الكثيرة، تعزيز التعاليم اللاهوتيّة الرومانيّة في الكنيسة المارونيّة، ما دفع بالبطريرك سمعان الحدثيّ إلى إرسال وفد جديد من الشبّان الموارنة إلى روما.

ويذكر البطريرك الدويهي أنّه “من أخبار الجيل الخامس عشر نستدلّ أنّه في دولة المقدّمين وأحكامهم العادلة، استراح أهل جبل لبنان وعمرت المدارس والكنائس”[9]. ومع استمرار الاتصالات بالغرب وانتعاش العلاقات بين الكرسيّ الرسوليّ الرومانيّ والموارنة، بواسطة الرهبان الفرنسيسكان، برزت صعوبة التواصل اللغويّ. فشعر البطاركة الموارنة بحاجة إلى أن يكون لهم في لبنان أساتذة يفقهون اللغات الأوروبيّة، وكهنة يتلقّون علومهم في الغرب ويعودون إلى بلادهم لخدمة المؤمنين. كانت هذه الأمور من أهمّ الأسباب التي دفعتهم إلى تأمين العلم لأبنائهم. فكانت تنقصهم مدرسة. فسعى البطريرك موسى سعاده العكاريّ إلى تأسيس مدرسة في جبل لبنان؛ ولكن لم يتمّ التوافق عليها مع الكرسيّ الرسوليّ، “بيد أنّ فكرة تأسيس مدرسة تابعت سيرها، إذ تقدّم البطريرك ميخائيل الرزّي بطلب جديد إلى البابا بيّوس الخامس سنة 1568 (طالبًا فيه) إيجاد مكان لفتيان الموارنة حيث تتمّ تربيتهم، وبدورهم يعلّمون الشعب”[10]. وقد أصدر البابا غريغوريوس الثالث عشر، فيما بعد، براءة يؤسّس فيها مدرسة الموارنة في روما سنة 1584، وطلب من الرهبان اليسوعيّين أن يقوموا بإدارتها، وذلك لإعداد جيل جديد من الإكليروس على قدرٍ واسع من الثقافة اللاهوتيّة والفلسفيّة والرعويّة لخدمة الكنيسة المارونيّة.

نبغ من هذه المدرسة عباقرة، كان كثيرون منهم يعودون إلى بلادهم لخدمة أبناء شعبهم ونشر العلم بينهم. وقد أتقن طلاّب هذه المدرسة، السُريانيّة والعربيّة وعددًا من اللغات الأوروبيّة واللّغات القديمة، وقاموا بترجمات متعدّدة، وبرعوا في العلوم والفلسفة واللاهوت والشعر والآداب والرياضيّات والتاريخ والفنّ والقانون. وقد أدّت هذه الخبرة إلى تبادل ثقافيّ بين الشرق والغرب، ما زالت نتائجه، في المجالين الروحيّ والزمنيّ، حاضرة وفاعلة لغاية يومنا هذا. وفي الحِقبة ذاتها، وإثر تأسيس مطبعة دير قزحيّا سنة 1585، أسّس البطريرك يوحنّا بن مخلوف أوّل معهد إكليريكيّ للموارنة في دير سيّدة حوقا سنة 1624.

ثالثًا: المجمع اللبنانيّ (1736) ودوره الفاعل في تعزيز التعليم والتربية وتنظيمهما

وقد وضع هذا المجمع الأسس والبيانات الواجب على المعلّم اتّباعُها قائلاً: “نأمر هؤلاء المعلّمين… أن يرعوا النظام العامّ، فيعلّموا الأحداث في المدارس أوّلاً القراءة والكتابة في السُريانيّة والعربيّة، ثمّ المزامير، ثمّ كتاب خدمة القداس، والفرض اليوميّ، والعهد الجديد. ثمّ إذا توسّموا في بعضهم فريد الأهليّة لتحصيل العلوم، فليعلّموهم قواعد الصّرف والنحو في السُريانيّة والعربيّة، ثمّ علم اللحن والحساب البيعيّ، ثمّ يرقّوهم إلى درس العلوم العالية أيّ الفصاحة والنظم والفلسفة والمساحة، والحساب وعلم الفلك، وما أشبه ذلك من الرياضيّات، ثمّ مبادئ الحقّ القانونيّ، وتفسير الكتاب المقدّس، واللاهوت الإعتقاديّ والأدبيّ، ولاسيّما ما يرونه مناسبًا لقبول الأسرار وتوزيعها ولمعرفة طرق الطقوس والاحتفالات”[12].

رابعًا: مدرسة عين ورقة، حجر الأساس

مع هذا التوجّه نحو العلم والمعرفة، بادر أبناء القرى إلى تأسيس ما عرف بمدرسة تحت السنديانة، إلى جانب المدارس التي انتشرت في كلّ أنحاء الجبل اللبنانيّ. وكان من أهمّ العاملين في هذا الاتجاه البطريرك يوسف أسطفان الذي حوَّل، سنة 1789، دير عين ورقة إلى مدرسة إكليريكيّة عامّة، كان لها التأثير الكبير في المجالات الدينيّة والوطنيّة والثقافيّة، والدور الرياديّ في إنعاش النهضة العربيّة في أرجاء الشرق. وقد تخرَّج منها كثيرون من رجالات الكنيسة وأهل القلم والسياسة والعلم، أمثال بشاره الخوري ورشيد الدحداح وفارس الشدياق وبطرس البستاني ونعوم مكرزل وغيرهم. ولا بدّ من الإشارة في هذا المجال إلى ما قام به كثير من البطاركة من دور رياديّ في تأسيس المدارس ونشر العلم، تحقيقًا لتوجّهات المجمع اللبنانيّ.

وفي سنة، 1812 حوَّل البطريرك يوحنّا الحلو دير مار يوحنّا-مارون في كفرحيّ إلى مدرسة إكليريكيّة، ثمّ في سنة 1817 دير الروميّة إلى مدرسة أخرى. واقتدى به خلفه، البطريرك يوسف حبيش، فحوَّل ثلاثة أديرة أخرى إلى معاهد: الأوّل في صربا سنة 1827، والثاني في دير مار عبدا – هرهريّا سنة 1830، والثالث في دير مار يوسف – ريفون سنة 1832. وما عزّز حركة فتح هذه المدارس التأثير الذي تركته، إلى جانب مدرسة روما، مدرسة “نشر الإيمان”. أضف إلى ذلك تكثيف علاقة الموارنة بأوروبا بشكل عامّ، وإيطاليا وفرنسا بشكلٍ خاصّ، وما كانت أحدثت الثورة الصناعيّة من تأثير آنذاك.

خامسًا: دور الإرساليّات ومبادرات الرهبانيّات المارونيّة في إنشاء المدارس

إنّ إنشاء كلّ هذه المدارس في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، يبيِّن النهضة العلميّة لدى الموارنة، ولاسيّما أنّ أكثريّة التلاميذ في المدارس التي كان يديرها الآباء اليسوعيّون واللعازاريّون وإخوة المدارس المسيحيّة وغيرهم، هم من شبّان الموارنة. وقد وفد إلى لبنان في أثناء القرن التاسع عشر إرساليّات متعدّدة، عُنيت كلّها بإنشاء المدارس في مختلف أرجاء الوطن، ومنها مدارس: راهبات القديس يوسف القادمات من مرسيليا سنة 1846، وراهبات الناصرة الوافدات من ليون، ثمّ راهبات العائلة المقدّسة، فراهبات الراعي الصالح. وكانت قد تأسّست في بكفيا، سنة 1853، على يد الأب يوسف الجميّل، رهبنة محليّة عُرفت بجمعيّة المريميّات وأصبحت تعرف لاحقًا براهبات القلبين الأقدسين، أنشأت حوالى ثلاثين مدرسة في مختلف المناطق. وهكذا، أكسب العلم الموارنة نفوذًا كبيرًا، وأفضل وصف لدورهم، جاء على لسان المستشرق الإيطاليّ كبرياليّ إذ قال، شاملاً اللبنانيّين عامّة: “هم تراجمة البشريّة. هضموا الحضارة الإغريقورومانيّة من جهة، والحضارة السريانوعربيّة من جهة ثانية. فكانوا سفراء البلدان الأوروبيّة في الشرق، ومعلّمي اللغات الشرقيّة في الغرب. وكانوا الخطّ الواصل بين الشرق والغرب”[17].

  1. وقد سعت الرهبانيّات المارونيّة على تنوّعها، منذ منتصف القرن التاسع عشر، إلى تأسيس عشرات المدارس في مختلف المناطق اللبنانيّة والأرجاء السوريّة، وفي بلاد الانتشار أيضًا؛ ومنها الرهبانيّة اللبنانيّة المارونيّة، والرهبانيّة الأنطونيّة المارونيّة، وجمعيّة راهبات العائلة المقدّسة المارونيّات، والراهبات الأنطونيّات، والرهبانيّة المارونيّة المريميّة، وجمعيّة المرسلين اللبنانيّين، وجمعيّة راهبات القربان الأقدس المرسلات، وراهبات مار يوحنّا المعمدان-حراش.

ومن أبرز إنجازات الكنيسة في هذا الصدد، التزامها تأسيس المدارس، لا في المناطق المسيحيّة فحسب، بل في المناطق الإسلاميّة والدّرزيّة أيضًا، إيمانًا منها بنشر العلم والثقافة لدى أبناء الوطن من دون تمييز بينهم. أوّل من علّم أولاد الأمراء اللمعيّين الدروز هم الرهبان الأنطونيّون. حيث إنّه لم يكن ليتمّ هذا لولا طلب الأمراء مباشرة وتأمين الغطاءين السياسيّ والأمنيّ لهذا العمل.

وفي بلاد الانتشار، هناك عدد من المدارس المارونيّة: في مصر، والسنغال، والولايات المتحدة الأميركيّة، والأرجنتين، وكندا، وأستراليا. فمن خلال هذه المدارس، التي ما زالت تتكاثر في لبنان والأقطار العربيّة، استطاعت الكنيسة المارونيّة أن تغذّي أبناء مجتمعاتها بالقيم الإنسانيّة والمسيحيّة، مشجّعة على الانفتاح العلميّ والثقافيّ، منمّية طاقات تلامذتها الإبداعيّة، بهدف تهيئتهم للالتزام الكنسيّ والمجتمعيّ، في إطار الخير والحقّ والحريّة والمحبّة.

سادسًا: إنشاء الأمانة العامّة للمدارس الكاثوليكيّة

  1. إنّ سنوات منتصف القرن العشرين شهدت حدثًا مهمًّا في الحياة الكنسيّة في لبنان، ألقى بثقله على واقع المدارس الكاثوليكيّة وبالتالي المارونيّة، إذ إنّ السلطات الكاثوليكيّة تنادت، بتشجيع من الكرسيّ الرسوليّ، إلى إنشاء هيئة مشتركة للطوائف الكاثوليكيّة في لبنان تحت اسم مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، وذلك لدراسة مختلف القضايا المشتركة التي تهمّ الطوائف الكاثوليكيّة مجتمعة، ومنها موضوع واقع المدرسة الكاثوليكيّة ومصيرها.
  2. فبعد أن تأسّس مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان في العام 1968، وكان للسلطة الكنسيّة المارونيّة دور كبير في إنشائه، انكبّ هذا المجمع على دراسة المواضيع والقضايا التي كانت موضوع نقاش، مثل توحيد المحاكم الكنسيّة والأحوال الشخصيّة والإعلام والحركات الكاثوليكيّة وكذلك موضوع المدارس الكاثوليكيّة. والواقع أنّ الهاجس الأوّل “عند السلطة الكنسيّة الكاثوليكيّة كان توحيد المؤسّسات الكنسيّة، مثل المدارس الكاثوليكيّة والتعليم الدينيّ”[18]. ففي العام 1948، “قرّرت الهيئة العامّة للمجمع إنشاء لجنة أسقفيّة موسّعة تُعنى بالمدرسة الكاثوليكيّة لتربية الناشئة بحسب روح الإنجيل وروحانيّة الكنيسة”[19]، فتعمل على تقريب المؤسّسات الكاثوليكيّة بعضها من بعض، وتستبدل بروحيّة المنافسة رُوحيّة التعاون، وتحاول أن تجد حلولاً لموضوع الأقساط المدرسيّة التي تمنع عمليًّا الأهلين من اختيار المدرسة التي يجدونها مناسبة لأولادهم. ثمّ أسهمت الأمانة العامّة للّجنة الأسقفيّة للمدارس الكاثوليكيّة في تأسيس المكتب الدوليّ الكاثوليكيّ للتعليم في العام 1952.
  3. وفي العام 1949، ومع نشأة اللجنة الأسقفيّة للمدارس الكاثوليكيّة، صدرت رسالة رعويّة لأحبار الطوائف الكاثوليكيّة في لبنان، حملت عنوان “التربية الحقيقيّة”، وشدّدت على حريّة الرأي والتعليم وإنشاء المدارس الخاصّة، ودعت الدولة إلى تأييد المشاريع التربويّة التي تعمد إليها الكنيسة والعيلة أو تعزّزها حيث تكون غير وافية بالمراد؛ وللدولة أن تسهر لتتوافر المدارس لرعاياها وأن تعنى بتلقينهم المبادئ المدنيّة والقوميّة.
  4. ومع إنشاء الأمانة العامّة للمدارس الكاثوليكيّة ومجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، أصبحت المدارس المارونيّة جزءًا أساسيًّا من إطار تربويّ واسع؛ والخطاب التربويّ التوجيهيّ الذي صاغته الكنيسة منذ ذلك الوقت هو نفسه الذي وجّهته إلى المدرسة المارونيّة وإلى المدارس الكاثوليكيّة الأخرى.

الفصل الثاني : تحديات الواقع الحالي

  1. لقد حقّقت الكنيسة المارونيّة عبر تاريخها، ومع التوجيهات والقرارات التي صاغها المجمع اللبنانيّ، ومع دورها الرائد في إنشاء الأمانة العامّة للمدارس الكاثوليكيّة، عدّة إنجازات أساسيّة في حقل التربية والتعليم المدرسيّ منها: التركيز في دور المعلّم والانفتاح على ألوان التراث البشريّ، وإذكاء حبّ المعرفة والسعي للارتقاء بالجميع إلى مصاف النبوغ، وتعميم المدارس والتعليم وانتشارها في مختلف الأصقاع. إلاّ أنّ الواقع المعاصر، وما حدّده ويحدّده من مفاهيم تربويّة حديثة وشروط ضروريّة لاستقامة العمليّة التربويّة وما يفرضه على المدرسة من دور تربويّ اجتماعيّ شامل، يحتّم على المدرسة المارونيّة أن تواجه اليوم تحدّيات جمّة، يرتبط أهمّها بقدرتها على صياغة التربية الشاملة، وإنجاز التعلُّم النوعيّ، وتحقيق التعلُّم للجميع، والجودة الشاملة في العمل التربويّ. وهذا الأمر ينطبق، في معظم وجوهه، على المدارس الرسميّة والخاصّة.

1. قضية إبقاء المدرسة وسيلة تربية وتثقيف وتعليم أساسيّة

  1. إنّ المتعلّم، وإن كان واحدًا، فإنّ المعلّمين والمربّين كثر. فالعائلة تعلّم وتربّي، ولكنّها لا تربّي بالضرورة على سلّم قيم سليم، إذ “غابت عن أذهان الكثيرين من الوالدين، المسيحيّين وغير المسيحيّين، تلك القيم التي كانت تتحلّى بها العائلة المسيحيّة من قناعة في ما خصّ المأكل والمشرب والملبس والسكن، وذاك الخفر في الأحاديث والاحترام في التعاطي بين أفرادها، ومع الناس على وجه الإجمال”[20].

والدولة أيضًا تعلّم قيمًا من خلال مناهجها، غالبًا ما تكون وطنيّة الطابع، كما تحاول ترويج مفاهيم سياسيّة معيّنة بوسائل متعدّدة. وكذلك تعلّم وسائل الإعلام مع ما توفّره من انفتاح وإطلالة على عالم اليوم، من حيث لا يدري الولد ولا يرغب الأهل، سلّم قيم يتضمن مخاطر كثيرة، لعلّ أهمّها “مخاطر الإباحيّة التي تنشرها وسائل الإعلام”[21]. ويتعلّم الولد من محيطه المباشر ومجتمعه الأوسع أفكارًا وممارسات تمتُّ إلى الربح السريع غير القانونيّ، واستخدام القوّة لتسوية المشاكل وغيرها من آفات مجتمعيّة. ولا شكّ أنّ المدرسة تواجه اليوم قضيّة تربويّة أساسيّة: إنّها مدعوّة إلى مواجهة “قيم” العالم الحاضر الاجتماعيّة، أيّ التراخي مكان الواجب والالتزام، واللذّة مكان بذل الذات، والفرديّة مكان التآخي، والعنف والعصبيّة مكان الحوار، الخ.

وسط كلّ هذه التجاذبات تطرح المدرسة نفسها مربّيًا آخر من بين مجموعة من المربّين والمعلّمين تنتزع دورها انتزاعًا. إنّها تقاتل بيدٍ كلّ مشاريع التربية الهدّامة التي يتعرّض لها الولد، وباليدّ الأخرى تبني مداميك في غير اتجاه، راجيةً أن يكتمل البناء يوم يتخرّج الولد من مدرسته، وقد أعدَّته للعالم الجامعيّ والمهنيّ والحياتيّ الأوسع. فالتحدي الذي يواجه المدرسة والمربّي، هو أن يربّي بالفعل على العقلانيّة واحترام كرامة الذات والآخر، وعلى أن تكون القيم الروحيّة والإنسانيّة الخلاّقة هي المرجِع للتلميذ والطالب.

2. تحقيق النموّ المتوازن لدى المتعلّم على المستويات الروحيّة والأكاديميّة والمواطنيّة والاجتماعيّة

  1. تهدف التربية الشاملة إلى “إنماء الشخصيّة”[22] في بُعدَيْها الروحيّ والإنسانيّ. فمن جهة، إنّ المدرسة مدعوّة إلى إيلاء الشأن الروحيّ، بمعتقداته وقيمه وممارساته وتعليمه ومناهجه ومعلّميه، أهمّيّة قصوى تتناسب وهدف رسالة الكنيسة؛ ومن جهة أخرى إنّها مدعوّة إلى إيلاء الشأن الإنسانيّ، بمضمونه التعليميّ والقيَميّ، أهميّة قصوى أيضًا تتناسب ومتطلّبات الزمن الحاضر والزمن الآتي؛ وهي بهذين المسعيين المتكاملين، تربّي التلاميذ على “العمل المجدي لخير المدينة الدنيويّة، وتُعِدُّهم، في الوقت عينه، للعمل على نشر ملكوت الله”[23].

فعلى المستوى الروحيّ، ترى الكنيسة أنّ المدرسة مدعوّة إلى تعزيز إيمان التلامذة جميعًا بالله والشهادة للقيم الدينيّة الجامعة وإلى إبراز دور هذا الإيمان بما يكتسبه التلميذ على الصّعيدين الأدبيّ والعلميّ، وإلى الإجابة عن استعداد خرّيجيها المسيحيّين لنشر الخلاص، ومدى تنميتهم للخليقة الجديدة التي غَدَوها بالعماد، ومدى ممارستهم قِيَم الغفران والمسامحة والمحبّة والرحمة، ونوعيّة امتلائهم من الروح الرسوليّ وبالتالي شهادتهم ليسوع المسيح.

وعلى المستوى الأكاديميّ، ترى الكنيسة أنّ المدرسة مدعوّة إلى الإجابة عن جودة الخدمات ذات الطابع الأكاديميّ البحت وقدرتها على “أن تؤمّن لهم المعرفة العميقة والواسعة”[24].

  1. وعلى مستوى المواطنيّة، المدرسة مدعوّة إلى الإجابة عن حقيقة توفيرها تربيةً مواطنيّةً لتلامذتها “ليتمكّن المواطنون جميعهم من أن يقوموا بدورهم في حياة الجماعة السياسيّة”[25]؛ وبذلك تُسهم “في خلق مُناخ من الحريّة والتعاون، والمساواة أمام القانون، واعتماد مقياس الكفاية، واحترام حقوق الإنسان، وفي إرساء نظام سياسيّ يُشرك الجميع في القرارات الوطنيّة وبناء الدولة”[26].

ويولي المجمع أهميّة كبرى لتعريف التلامذة التراث الوطنيّ، عبر مختلف النشاطات التربويّة، وعبر كتب التاريخ والجغرافيا المتلائمة مع الواقع الوطنيّ، والتي من شأنها أن تعزِّز النظرة الوطنيّة عند الناشئة. ويشدّد كذلك على أهميّة التربية المدنيّة والتنشئة الوطنيّة، فتفي بالمطلوب منها، فلا تبقى نظريّة وبعيدة عن ربط الشبيبة بالواقع الاجتماعيّ.

والمدرسة، على المستوى الاجتماعيّ، مدعوّة إلى تحقيق تربية اجتماعيّة سليمة، إذ إنّ “الغاية التي تتوخّاها التربية الحقيقيّة، هي تربية الشخص الإنسانيّ تربية تتجاوب وغايته الأخيرة وخير الجماعات التي هو عضو منها ويبذل النشاط في سبيلها وقد غدا راشدًا “[27].

3. إشكاليّة تأقلم التقليد مع الحداثة

  1. ينطلق مفهوم التعلّم النوعيّ من تحديد الحاجات والتوقّعات لدى التلاميذ وأوليائهم، ومقارنتها بما تقوم به المدرسة، ومحاولة ردم الهوّة بين الاثنين. إنّ عمليّة ردم الهوّة بين التوقّعات والحاجات، وبين ما تقوم به المدرسة، عمليّة متواصلة. وإذا كانت توقّعات التلاميذ وأوليائهم أكثر انتماءً إلى الحداثة منها إلى التقليد، فإنّ الخوف يكمن في أن يصبح ما تقوم به المدرسة أقرب إلى التقليد منه إلى الحداثة.

وتجدر الإشارة في هذا المجال إلى “الأزمة” التي تعيشها الشبيبة، وخصوصًا بعض الطلاّب القدامى من المدارس المارونيّة والكاثوليكيّة وغيرها إذ إنّهم في حالة تجاذب وعدم توازن بين ما تقدّمه الحداثة من حريّة فرديّة ذاتيّة، ومن قدرات معرفيّة واسعة وانفتاح على ثقافة أدبيّة وعلميّة وإنسانيّة واجتماعيّة وحتى أخلاقيّة لا مرجعيّة دينيّة لها، وعلى مجتمع استهلاكيّ تحدّد نشاطه حاجات الإنسان ورغباته، وبين ما يرعاه التقليد من تقيّد بالدين والإيمان وفروضهما، ومن تأكيد العادات الاجتماعيّة والعائليّة، ومن ضرورة احترام المواقف الأساسيّة التي بلورتها الحضارة الخاصّة بالجماعات البشريّة. وهذا التجاذب نتحقّق منه في المعادلة الآتية:

إنّ اقتراب التقليد من الحداثة يهدّده خوف ذوبان الأوّل في الثاني أو هيمنة الثاني على الأوّل. من هنا يكتسب التحدّي المتمثّل في تأقلم التقليد مع الحداثة أهميّة مضاعفة.

  1. وفي معرض تجاوب الكنيسة مع قدرة تأقلم الحداثة والتقليد، ترى أنّه من واجب التربية اليوم أن:
  2. تُوازن بين الرؤيا وانتظار “الأرض الجديدة”، وبين الالتزام اليوميّ بقضايا الإنسان والمجتمع[28].
  3. تعترف بأنّ “الشؤون الأرضيّة، في نواميسها الخاصّة، مستقلّة عن الدين، وبأنّ كلّ علم له طرائقه الخاصّة للبحث في الأمور وتطويرها”[29]، مع الحفاظ على ميزات التقاليد المارونيّة الشرقيّة.
  4. تحرص على التأكيد لضرورة امتناع العلوم والفنون من تجاوز ميدانها الخاصّ بها لتحكم في مجال الدين والإيمان.
  5. تُميّز في مجتمع الحداثة، مجتمع التكنولوجيا والإنتاج وثورة المعلومات والسيطرة الطبيعيّة، بين ما هو لخدمة الإنسان وما هو لاستعباده.
  6. تميّز في العلمنة بين ما هو ماديّة وإلحاد، وبين ما هو ضمانة قانونيّة لحريّة الضمير لجميع المواطنين في مواجهة كلّ أشكال الضغط والقهر.
  7. تؤكّد حريّة الإنسان المسؤولة وتعزّز العطش إلى المعرفة لديه، وتؤكّد دعوة الله للإنسان إلى عهد حوار حرّ معه، وأن لا حريّة من دون مسؤوليّة ومن دون وعي لواجب الإسهام في تحقيق الآخر ذاته.
  8. تتمسّك بالأصالة من دون الوقوع في الأصوليّة، وتسعى نحو آفاق جديدة على قاعدة الامتداد نحوها، لا على قاعدة هجرة قواعدها.
  9. تستفيد من قوّة التأثير لوسائل الاتصال ولتكنولوجيا الإعلام مع الحفاظ على الذاتيّة والاستقلاليّة في الرأي.

باختصار، إنّ الكنيسة تدعو المدرسة إلى مساعدة تلاميذها على فحص التقاليد عبر النقد العلميّ، لأنّ التقاليد قد تعجز عن تحقيق ملء الإنسان، وإلى مساعدتهم على فحص القيم الحاضرة في ضوء الإيمان، لأنّها قد تعجز عن تحقيق إنسان مكتمل في المسيح.

4. الأزمة الاقتصاديّة ومشكلة تأمين عدالة توزيعيّة في اقتصاديات التعليم

  1. لطالما رأت الكنيسة المارونيّة أنّ توفير فرص التعلّم لجميع الأولاد في محيط من الجودة يمثِّل أوّليّة لديها، وأنّ العدالة والمساواة تؤمّنان للحريّات مضمونها الإنسانيّ والاجتماعيّ. ويعود للدولة وحدها، وهي القيّمة على الخير العامّ، وفي ضوء المعايير الوطنيّة وتوافرها في المؤسّسات التعليميّة، وفي ضوء كلفة التعليم المثلى، “أن تتنبّه للعدالة التوزيعيّة، بحيث يستطيع الوالدون أن ينعموا بحريّة حقّة في اختيار مدرسة بنيهم بحسب ما يمليه عليهم الضمير”[30]. فإذا كانت الدولة تطالب المواطن بتسديد الضرائب المتوجّبة عليه تحت طائلة المسؤوليّة، فهي مطالبة بأن تلتزم أدبيًّا وقانونيًّا بمبدأ عدالة التوزيع، وإنّ إحجامَها عن ذلك يُعتبر مسًّا بحقوق المواطن الأساسيّة، ومنها المساواة والحريّة.

ويتوقّع أعضاء المجمع أن تسهر الدولة على تجنّب أيّ خيار يولي أفضليّة التنمية لشريحةٍ من المجتمع دون سواها، أو لإحدى مراحل التعليم دون غيرها.

ضمن هذا الإطار، يجب إقرار إلزاميّة التعليم الأساسيّ أيّ الابتدائيّ والمتوسّط وبتمويل من الدولة، شرط إجراء توجيه مدرسيّ نوعيّ يمكّن الطالب، وفقًا لقدراته النفسيّة والمعرفيّة والعلميّة، من ولوج المرحلة الثانويّة التي تؤدّي إلى التعليم العالي، أو من ولوج التعليم المهنيّ المتعدّد الفروع والاختصاصات والرامي إلى إعداد مهنيّين متخصّصين تحتاج إليهم سوق العمل الداخليّة والإقليميّة.

5. القدرة على أن تبقى المدرسة المارونيّة مفتوحة لجميع أفراد المجتمع، وخصوصًا المحتاجين

  1. إن كان في حكم تحصيل الحاصل أن تفتح المدرسة أبوابها في يومنا الحاضر للصبيان والبنات، ولأبناء القرى والمدن، وأن توفّر تعليمًا عامًّا وتعليمًا مهنيًّا، فالمسألة التي تبقى شائكة باستمرار، وتزداد صعوبة في الأزمنة الاقتصاديّة العصيبة، هي إمكانيّة استقبال ذويّ الدخل المحدود في المدرسة المارونيّة عندما يزداد عدد هؤلاء بسرعة وبكثرة، وعندما تصبح المدرسة قلقة على توفير معاشات معلّميها وموظَّفيها وتوفير المال اللازم لإبقاء التجهيزات المدرسيّة في حالة ملائمة لتحقيق الأهداف التي أُنشئت من أجلها.

وتجدر الإشارة إلى أنّ موقف الكنيسة المارونيّة منذ القدم لم يتغيّر حيال تعليم الذين لا قدرة لهم على دفع الأقساط المدرسيّة. فالمجمع اللبنانيّ حمل في نصوصه تفضيلاً لتعليم هؤلاء على سواهم، إذ نصّ صريحًا: “ويريد أن يُؤثِر اختيار أولاد الفقراء”، بَيْدَ أنّه لا ينفي أولاد الأغنياء “على شرط أن يقوموا بحاجاتهم على نفقتهم”[31]. وفي الإرشاد الرسوليّ، “رجاء جديد للبنان”، كانت الدعوة واضحة “كيلا يقطع أيُّ شاب تحصيله لأسباب ماديّة أو ماليّة محض”[32]. لكنّ الكنيسة طالما أدركت أن تحدّيًا كبيرًا يكمن في طريق تحقيق هدف التعلُّم للجميع، وهو الوضع الاقتصاديّ. وقد نبّه مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في دورته السادسة والثلاثين، التي خصّصها للتربية، إلى تحدّيات كبيرة تواجه اليوم المدرسة الكاثوليكيّة وتعرقل أهدافها والغايات المرجوّة، وذكر في رأس قائمة التحدّيات ما أسماه “الأزمة الاقتصاديّة والعجز عن خدمة الفقراء”[33]. ولهذا التحدّي أهميّة خاصّة في بلد مثل لبنان عانى ما عاناه ويلات الحرب وأزمات مرحلة ما بعد الحرب، حيث إنّ بعض العائلات تضطر إلى هجرة المدرسة الخاصّة إلى المدرسة الرسميّة بفعل الوضع الاقتصاديّ والاجتماعيّ المتأزّم ولغياب برنامج مساعدات تقدّمه الدولة إلى الأهلين، فتتيح لهم اختيار المدرسة التي يريدونها لأولادهم. ولعلّ هذا التحدّي يخفّ تدريجًا في البلدان الأخرى التي ينتشر فيها الموارنة وتقوم فيها مدارس مارونيّة، وتتحمّل الدولة في تلك البلاد مسؤوليّة الإسهام في تأمين التعليم للأولاد.

ولعلّ المدارس التي أخفقت حتى الآن في التوفيق بين جودة خدماتها لتلامذتها وفرص تعليم الفقراء، قد نسبت حالتها هذه إلى الوضع الاقتصاديّ المتردّي، في حين لا يكون الوضع الاقتصاديّ هو فعلاً المسؤول الوحيد عن تراجع نوعيّة الخدمات التي تقدّمها المدرسة وتوقُّف نموّها، بل يكمن السبب الأساس في عدم الاستعداد الكافي لظروف استثنائيّة، واللجوء إلى أفكار وحلول كلاسيكيّة في مواجهة ظروف تتطوّر وتتغيّر كلّ يوم.

6. هل تبقى المدرسة المارونيّة جذّابة لغير المسيحيّين؟

ولكي تبقى المدرسة المارونيّة جذّابة لغير المسيحيّين، عليها أن تعيَ تمامًا الأسباب الأساسيّة التي دفعت هؤلاء إلى إرسال أولادهم إليها. لقد اختار المسلمون لأولادهم المدرسة المارونيّة بهدف وجود فرصة التلاقي “للشباب المسلم… مع إخوة لهم في المواطنيّة، أيّ المسيحيّين”[34]، وبسبب الأقساط المعقولة والتربية القيميّة، والتربية القيميّة التي توفّرها، ومستواها الأكاديميّ التعليميّ، وانفتاحها على الثقافات العالميّة.

7. المدرسة المارونيّة وحضورها وتجديد رسالتها في عالم الانتشار

8. المدرسة الرسميّة وضرورة الإستجابة لحاجات أبناء الكنيسة

إنّ هذه العناصر مع غيرها التي تمثّل الأسباب الرئيسة لأزمات المدرسة الرسميّة والتعليم الرسميّ في لبنان، تطرح ضرورة الإصلاح الجذريّ الذي ما زال ينتظره الكثيرون. إلاّ أنّ هذا الإصلاح لن يستقيم إلاّ بتشريعات جديدة وحديثة حيال دور وزارة التربية في تسيير التعليم الرسميّ، وبتشكيل المجلس الوطنيّ للتربية والتعليم من مختلف الهيئات الرسميّة والخاصّة، الذي عليه أن يسيِّر أمور التربية والتعليم في القطاعين الرسميّ والخاصّ، والذي لا يخلو في بعض أجزائه من أزمات تشبه أزمات المدرسة الرسميّة. ومن هذه التشريعات المقترحة ما يهدف إلى إعطاء إدارة المدرسة الرسميّة صلاحيّات تسمح لها بحريّة العمل والتصرّف وإعطاء المجتمع المحليّ إمكان دعم المدرسة وتطويرها.

ويدعو المجمع بإلحاح الدولة إلى تعزيز التعليم الرسميّ عبر توفير التجهيزات والأبنية الملائمة وحسن توزّع المعلّمين وتعزيز قدراتهم وإبعاد المحسوبيّات والسياسة عن القرارات التربويّة.

9. المحافظة على حريّة التعليم

وقد ضَمنت حريّة التعليم أيضًا دساتيرُ معظم الدول التي وُجد فيها أبناء الكنيسة أو هاجروا إليها وألَّفوا فيها مع إخوانهم اللبنانيّين من سائر الطوائف والمذاهب جاليات لبنانيّة ومشرقيّة، لكنّ هذه الحريّة لا تكتمل إلاّ في حال قيام توازن ومساواة بين المدرستين الرسميّة والخاصّة بحيث تتاح للأهل مسؤوليّة الاختيار الصحيح.

وإذ تسعى الكنيسة باستمرار لكيلا تكون الشروط الواردة في الدستور اللبنانيّ فرصة ليصبح بسط سلطة الدولة إلغاء لحريّة المجموعات، فهي ترى أنّ مسؤوليّة الدولة في توفير مجّانيّة التعليم، والتشريع لإلزاميّته، ووضع المناهج التربويّة الرسميّة، والتشريعات التي لحظها الدستور اللبنانيّ في شأن التعليم، لا تتعارض مع رغبة الكنيسة في فتح المدارس، وتعدّد لغات التعليم فيها، والانفتاح المستمرّ على الثقافات المتنوّعة، وإغناء المناهج الرسميّة بموادّ تعليميّة من شأنها أن تنمّي الجوانب الجماليّة والفنيّة والقيميّة لدى التلميذ. فحريّة التعليم تُسهم في تنمية الفكر النقديّ، وتفتُّق الإبداع، والتمرّس بحمل المسؤوليّة، وإنتاج المعرفة عِوض استهلاكها.

10. التربية على حقّ الآخر في الاختلاف وتعزيز التنوّع وتثمينه

وإذا كان لبنان يتألّف من عائلات روحيّة متعدّدة، فإنّ الكنيسة تربّي أولادها في مدارسها على أنّ في ذلك ثروةً وغنى، وأنّ المحافظة على وحدة الوطن في إطار التعدّديّة الدينيّة مسؤوليّة وطنيّة وإنسانيّة في آن معًا. ولا سبيل لبلوغ هذا الهدف من دون الحوار، حوار البحث عن الحقيقة في وجهة نظر الآخر، سواء كان ذلك الحوار حوار حياة أم حوار عمل أم حوار فكر.

ويدعو المجمع كلّ ذويّ الإرادة الحسنة، حيثما وجدوا، في المدارس الأخرى أو في أيّ بيئة انتموا إليها، كي يتلاقوا مع أولادهم في هذا الجهد العظيم لبناء حضارة التآلف والمحبّة.

11. إشكاليّة التعليم المهنيّ والتّقنيّ

ومن التحدّيات التي يواجهها التعليم في لبنان مستوى التعليم المهنيّ والتّقنيّ، الذي لم يستطع اللّحاق بالمناهج الحديثة التي تلبيّ سوق العمل وبالمستجدّات التكنولوجيّة على مختلف أنواعها، وبخاصّة الصناعة الإلكترونيّة والمعلوماتيّة.

إنّ التعليم المهنيّ والتّقنيّ توسّع كثيرًا في السنوات الماضية، حتى ارتفع عدد الطلاّب في الرسميّ والخاصّ أكثر من 200 في المئة. إلاّ أنّ الاختصاصيّين يجمعون على أنّ الكفايات التي يتزوّد بها خرّيجو التعليم المهنيّ والتقنيّ غير ملائمة لمتطلّبات الصناعة اللبنانيّة، وعلى أنّ هذا التعليم يحتاج إلى تجديد وإعادة نظر شاملة وعميقة؛ كما شكوا من قلّة الوقت المخصّص في المناهج للتدريب المهنيّ ومن الأساسيّات النظريّة المدرّسة التي تبقى مجرّدة وعموميّة جدًّا. بل إنّ المناهج المستحدثة وُضعت بطريقة مكتبيّة ما أبقى هذا التعليم تحت طغيان التعليم النظريّ وقصور المعلومات النظريّة عن اللّحاق بالمتغيّرات في أنماط الإنتاج وتقنيّاته وضيق عدد الاختصاصات وعدم تمرّس الطلاّب بتنمية قدرات التكيّف وضعفهم في اللغات الأجنبيّة وبخاصّة اللغة الإنكليزيّة، كما أنّ أصحاب العمل مستبعدون عن المشاركة الفعليّة في إعداد المناهج.

الفصل الثالث : الخيارات والثوابت، التطلّعات والتوجّهات

أوّلاً: الخيارات والثوابت في الحقبة المعاصرة

1. المدرسة المارونيّة مؤسّسة كنسيّة

2. ضرورة العمل الجماعيّ لإنجاح التربية

وتقتضي تربية التلميذ تدريبه على الحريّة المسؤولة، فيبادر من ذاته إلى تثقيف ذاته، واكتشاف مواهبه، وبناء معارفه، وإنماء ميوله وتوجيهها نحو الحقّ والخير والعدل والجمال. ويتطلّب هذا من المسؤولين والمربّين سعيًا مباشرًا لفهم عالمه الخاصّ، وكيفيّة تفاعله مع وقائع الحياة، ورعايته لكي ينمو “بالحكمة والقامة والنعمة”[46]، مستلهمًا أنوار الروح القدس، ومتّخذًا مثاله الأعلى شخص يسوع المسيح الحيّ[47].

3. المدرسة أسرة تربويّة

4. المعلّم المحور الأساسيّ

كما رأت الكنيسة وجوب “إعداد المعلّم ليكون على مستوى خصائص عصرنا (…) والاهتمام به، نظرًا إلى ما له من تأثير كبير في العمليّة التربويّة، وتنمية شخصيّته بشكل متكامل، ضمن إستراتيجيّة واعية لمواجهة التحدّيات المطروحة”[50]. ومن أوصاف المعلّم التي اختبرتها المدرسة المارونيّة في ممارستها العمليّة:

5. المدرسة ونشر كلمة الله

من خلال هذه التنشئة، نظرت الكنيسة إلى التلاميذ على أنّ كلاًّ من أبنائها نواة مستقبليّة لعائلات أو لجماعات مسيحيّة حيَّة وفاعلة. فهو يحيا في مجتمع تعدّديّ، وعلى المدرسة إعداده ليكون مواطنًا مستنيرًا، فاعلاًَ، وفي الوقت ذاته ملتزمًا حياة الكنيسة المحليّة والجامعة. ويقتضي هذا الإعداد تدريب التلميذ ليكون في الوقت ذاته، ثابتًا في الحقيقة التي يشهد لها باقتناع وشجاعة ومحبّة، وأن يكون إنسان حوار منفتحًا يحترم الآخر المختلف. ويمكن أيضًا النظر إلى التلميذ المسيحيّ على أنّه رسول مستقبليّ، مستعدّ للتخلّي عن كلّ شيء من أجل المسيح، إذا ما سمع نداءه في أعماقه[61].

6. المدرسة وتعزيز الحسّ الوطنيّ الاجتماعيّ

وسعت الكنيسة إلى إعطاء التلميذ حسًّا وطنيًّا راسخًا، فلقّنته تاريخ وطنه، ونمَّت فيه حبّ الأرض والطبيعة، وكلّ ما يميّز وطنه عن باقي الأوطان، وما يمثّله لمستقبل الإنسانيّة جمعاء. وقد رافقت تربية التلميذ على هذه الأسس، تربية أخلاقيّة ووطنيّة مبنيّة على قيم شموليّة من الاحترام والخدمة والصداقة والعدالة والحريّة والمحبّة، ما يُسهم في بناء مجتمع موحّد على تعدّده، ووطن يكون في الوقت ذاته رسالة تعايش ومثالاً للشرق والغرب، ويكون فيه التلميذ فخورًا ببلده، مسهمًا من خلاله، في بناء الحضارة العالميّة[63].

وقد التزمت الكنيسة، في مدارسها، تعريف تلامذتها بعطاءات مشاهير البلاد في ميادين الثقافة الوطنيّة والإقليميّة والدوليّة، وتمكينهم من اكتساب اللغة العربيّة وإتقانها، إلى جانب سائر اللّغات والثقافات الأجنبيّة[64].

7. المدرسة ورسالتها في تعليم الجميع

8. رسالة الكنيسة في تعليم الفتيات

9. الموقع التعليم المهنيّ والتقنيّ

10. قدسيّة حريّة التعليم والتربيّة وضرورة التخطيط التربويّ

وفي المنحى ذاته، طالبت الكنيسة بضرورة القيام بأعمال التخطيط التربويّ الذي يجب أن يتناول “تحديد الأهداف التربويّة العامّة والأوصاف المنهجيّة الخاصّة…. وإعادة النظر في تجميع المدارس على أنواعها…. وتوجيه التعليم صوب منافذ العمل…. وتطوير البرامج…. وتنظيم التعليم المهنيّ…. وتوفير سبل الاستزادة من الثقافة بعد نهاية المدرسة… وإعداد المعلّمين لرسالتهم”[70]. ورأت الكنيسة ” أنّ إعادة النظر في النظام التربويّ لن تكون بنّاءة إن هي لم تنبثق من المبادئ التي اعتنقتها جميع الفئات اللبنانيّة، وتشترك جميعها في تقديسها”[71]. كما أنّ الكنيسة لم تتردّد في مطالبة الدولة بتعزيز المدرسة الرسميّة التي عليها أن تكون خيارًا جيّدًا للأهلين مثل المدرسة الخاصّة[72].

ثانيًا: التطلّعات والتوجّهات

1. انسجام الرسالة التربويّة مع رسالة الكنيسة المارونيّة

لذا، يتوجب على المدرسة أن تدرك باستمرار توجّه الكنيسة، وتتابع باحترام تطوّر مقاربة الكنيسة لتطوّر الحدث العالميّ والمحليّ، وتتّخذ لنفسها موقفًا مرنًا قابلاً للنموّ من قراءة الكنيسة لعلامات الأزمنة، فينعكس ذلك تطورًا لمناهج تربويّة، وتنمية لنشاطات لاصفّيّة، واستحداثًا لخدمات توجيهيّة وإرشاديّة، وتدريبًا لموارد بشريّة، وتبنّيًا لمفاهيم وقيم إنسانيّة.

وفي كلّ مرّة تعيش المدرسة حالةَ قُربٍ للمبادئ والمفاهيم الكنسيّة في مجال ملاءمة المناهج التعليميّة للتربية المسيحيّة، وتسعى إلى تأمين “التعليم للعديد من الأولاد في جميع أنحاء الوطن، من دون أيّ تمييز أو تفرقة”[76]، وإلى اتّخاذ التدابير “التي تجعل مؤسّساتها التعليميّة في متناول جميع الذين يمكن تنشئتهم وبالأخص أفقرهم حالاً”[77]، وتنجح في جعل المدرسة المكان “الذي تُعاش فيه التعدّديّة على مستوى المنهجيّات العلميّة المختلفة وعلى مستوى لقاء الآخرين في اختلافهم”[78]…، تكون المدرسة قد خطَّت لنفسها طريقًا يوصل إلى هدف التربية الشاملة. ولا بدّ أن يتمّ التنبّه لذويّ الحاجات الخاصّة من الأولاد والشبّان والشابّات، حيث إنّ النظام التربويّ في الكنيسة المارونيّة لا يهدف فقط إلى تنشئة القادة الناجحين، بل إنّه خدمة ورسالة خصوصًا تجاه أولئك الذين لا يملكون سوى القليل من الإمكانات التعليميّة، بل إنّهم يملكون حبًّا كبيرًا وحضورًا مميّزًا.

ويوصي المجمع المدارس المارونيّة والهيئات التربويّة بأن تطّلع على تعليم الكنيسة في المجالات المذكورة آنفًا وبأن تُدخل في برامج التثقيف الدينيّ والاجتماعيّ والأخلاقيّ والإنسانيّ ما يصدر عن الكنيسة الجامعة والبطاركة والأساقفة وعن مجلس البطاركة الكاثوليك في الشرق الأدنى ومجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان من رسائل وبيانات تقوم فيها الكنيسة بقراءة الواقع الراهن بمختلف وجوهه وتعرض التوجيهات الملائمة بشأنه.

2. مقارَبة المناهج الأكاديميّة قبل تطويرها وفي أثنائه وبعده

3. إعداد الطاقات البشريّة

المعلّم هو العنصر الأساس في كلّ تحديث وتجدّد، وعليه ألاّ ينقطع البتّة عن مناهل العلم ومصادره، ودقائق العلوم التربويّة وتنوّعاتها، كما عليه أن يستعدّ دومًا للقيام بمهام جديدة للاضطلاع بمسؤوليّات جديدة تنتج من تغيّر جذريّ في رسالة المعلم.

إنّ علاقة المعلّم بالتلميذ هي علاقة إنسانيّة قبل كلّ شيء، قوامها اكتشاف الآخر، أيّ التلميذ، والإصغاء إليه وتوطيد العلاقة به، وإيجاد حلّ لكلّ مشكلة من مشكلاته وجواب لكلّ سؤال من أسئلته. ولذا، من واجب المعلّم أن يثابر على تتلمذه الذاتيّ كي يستطيع المثابرة على تعليم تلامذته. ويسمّى التتلمذ الذاتيّ في عالم التربية بالإعداد المستمرّ.

وهنا تبرز أهمّية تعيين مدير(ة) جديد(ة) ذي خبرة واسعة وأكيدة في حقل التربية والتعليم، أو أن  يحمل “شهادة الكفاءة في الإدارة المدرسيّة أو ما يعادلها”[79]. كذلك، فإنّ تمتّع المدير(ة) والمعلّم بمهارات قياديّة وتواصليّة وتنظيميّة وإداريّة تعتبر مسألة محتومة، إضافة إلى قابليّتهم للنموّ واكتساب قدرات ومهارات جديدة وتنمية مهارات موجودة.

ويوصي المجمع بأن تتمّ دراسة أوضاع المعلّمين لتقدير الحاجات التدريبيّة وتعزيز مراكز التدريب التابعة للمؤسّسات التربويّة وللأمانة العامّة للمدارس الكاثوليكيّة، وكذلك تطوير قانون مهنة التعليم وإصدار تنظيمات تفصيليّة في هذا المجال.

4. مأسسة العمل داخل الجماعات التربويّة المارونيّة

ويدعو المجمع المؤسّسات التربويّة والمدرسة المارونيّة إلى إصدار مختلف التشريعات التنظيميّة الداخليّة ضمن إطار التعاون بينها، وذلك بهدف أسس ثابتة لتسيير شؤونها التربويّة والإداريّة. ويشدّد على وضع سياسات وبرامج مولدة للجودة والملاءمة والنوعيّة مثل العمل الجماعيّ وتبادل المعلومات، وإنشاء الهيئات الأكاديميّة بين المعلّمين ووضع أسس التقويم والتقييم للعمل التربويّ، أعلى مستوى التلامذة كان ذلك أم على مستوى المؤسّسة.

5. مقاربة النزعات الأصوليّة

ويرى أعضاء المجمع أنّ الأصوليّات وانتشارها، المستفيد من تعاطف وسائل إعلام معها، هي خطر مباشر على نوعيّة التربية التي تسعى إلى تحقيقها الكنيسة المارونيّة. وما يميّز هذه الأصوليّات أنّها ترفض قبول الآخر المختلف كما هو فلا تقدر أن تستفيد من مفكّري هذا الآخر وخبرته الجماعيّة المتراكمة، وتعلّم أولادها مبادئ تتناقض وقيم التعليم النوعيّ وفي أوّلها قيمة التربية على السلام، فتربّي على “تمجيد العنف” عبر وضعه في أطر دينيّة ووطنيّة مختلفة، وتضع قيودًا على حريّة التفكير، وتطلب على نحوٍ غير مباشر من الفكر الإنسانيّ أن يمتنع عن السؤال والبحث والقبول بمبدئيّة تعدّد مصادر الحقيقة.

ومن البرامج التي على المدارس القيام بها التدريب على حلّ النـزاعات بالوسائل السلميّة، وتشجيع اللقاءات والتعارف والحوار بين الطلاّب من فئات ومذاهب وجماعات دينيّة شتّى، وتعزيز برامج الثقافة الدينيّة التي تعرف بمختلف الأديان وخصائصها، والتدريب على القبول بالتنوّع والتعدّديّة الدينيّة والمدنيّة عبر مختلف النشاطات الصفيّة واللاصفيّة، ممّا ينميّ الروح النقديّ المنافي لكلّ توجه إيديولوجيّ.

6. الاستثمار الأمثل للموارد في عالم تفوق فيه الحاجات الموارد

7. انتشار المدرسة المارونيّة على الصعيد الجِغرافيّ

إنّ الجماعات التربويّة المارونيّة من أبرشيّات ورهبانيّات مدعوّة، وبأسرع وقت ممكن، إلى تشكيل هيئة تمثيليّة تناقش أوراق عمل متعدّدة، من شأنها أن تضع خطّة لجهة:

ومن الضروريّ أن تنسّق هذه الهيئة التمثيليّة أعمالها مع المؤسّسات التربويّة المسيحيّة غير المارونيّة، وتأخذ بعين الاعتبار توزّع المدارس الرسميّة أيضًا.

8. الاهتمام بالمدارس الرسميّة

إلى ذلك، تبرز الحاجة في المدرسة الرسميّة إلى مرشد روحيّ ومعلّمين للتعليم المسيحيّ، لا تتحمّل وزارة التربيّة والتعليم العالي عادة نفقات الخدمات التي يقدّمونها. وترى الكنيسة أنّها معنيّة بشكل مباشر بتأمين هذه الخدمات لتلاميذ المدارس الرسميّة، وذلك عبر أبرشيّاتها ورهبانيّاتها المتنوّعة، مستعينة لذلك بخبرات مدارسها والخيّرين من أبنائها.

وبالتالي، فإنّ المجمع يدعو الدولة إلى القيام بواجبها كاملاً بخصوص دعم التعليم الرسميّ وإصلاحه، فيتمّ إيقاف الهدر، وتحديث الأبنية والأجهزة التربويّة، وتأهيل الهيئة التعليميّة حيث يجب، وتعزيز تعليم اللغات العربيّة والأجنبيّة ضمانًا للجودة والملاءمة. كما أنّ المجمع يشجّع قيام جمعيّات أهليّة تضمّ نخبًا من الإكليروس والعلمانيّين تكون مهمتها دعم المدارس الرسميّة حيثما هو لازم.

9. مقاربة التعليم المهنيّ والتقنيّ

ويوصي المجمع بأن تولي المدارس المارونيّة التعليم المهنيّ والتّقنيّ الأهمّيّة التي يستحقّها، فتعطي الصورة الجيّدة عنه وتوجِّه الناشئة إليه، ويُشجّع المجمع بالتالي على أن تنشئ الوحدات المهنيّة والتقنيّة ذات الجودة العالية لإعداد المهنيّين والتقنيّين الذين يقدرون على المشاركة في الإنهاض ببلادهم ووطنهم. ويدعو على صعيد آخر المراجع الرسميّة إلى أن يتمّ إصلاح هيكليّة التعليم المهنيّ في الجانب التنظيميّ من شهادات واختصاصات ومستويات، وفي الجانب الإداريّ والتعليميّ وخصوصًا ما يتعلّق بالمناهج التعليميّة.

10. مقاربة الاهتمام بأبناء الكنيسة المارونيّة المتابعين تحصيلهم الدراسيّ في المدارس الخاصّة غير المارونيّة

وأمام هذا الواقع، وبما أنّ الكنيسة المارونيّة لم تتوجّه بعد بوجه مباشر إلى أبنائها وأوليائهم وكذلك إلى الأساتذة والمربّين الذين اختاروا المدرسة الخاصّة غير المارونيّة طريقًا لتحصيل العلم أو طريقًا للتعليم، فإنّ المجمع يشير إلى ما يأتي:

أوّلاً: إنّ العديد من التحدّيات والثوابت والخيارات تصلح لأبنائها التلامذة الموارنة أينما كانوا، مثل: النمّو المتوازن لدى المتعلّم، والجمع بين الثقافة والإيمان بالله، والتأقلم مع الحداثة من دون حذف التقاليد الحميدة أو إهمالها، والحوار بين الأديان وتعرُّفها، وتعلّم التاريخ الوطنيّ وما يحويه من قيم ومبادئ، والتدرُّب على حقّ الآخر في الاختلاف وتعزيز التنوّع.

ثانيًا: إنّ على أولياء التلامذة الموارنة حسن اختيار المدرسة لتعليم أولادهم. إلاّ أنّ واجبهم يتضاعف عندما لا توفّر المدرسة التربية المسيحيّة المناسبة؛ فلا بدّ حينئذ أن يؤمّنوا لأولادهم معرفة كنيستهم وتقاليدها الدينيّة والروحيّة، وبالتالي تأكيد هويّتهم والالتزام بها، وتربية أولادهم على الإيمان بالله وعلى الواجبات الدينيّة والاجتماعيّة التي يوجبها ذلك الإيمان.

ثالثًا: إنّ على المربّين في هذه المدارس أن يوظّفوا إمكاناتهم في المساعدة على التعريف الإيجابيّ بالتراث المارونيّ وبهموم الكنيسة وقضاياها، والأخذ بعين الاعتبار ما أورده المجمع في مختلف وثائقه، خصوصًا تلك المتعلّقة بالتربية والمدرسة والثقافة ودور العلمانيّين والشبيبة، الخ…

11. تطوير مشروع شراكة بين شركاء التربية

ويترتّب على الشركاء مسؤوليّة جسيمة، إذ “إنه لَيحقّ التفكير في أنّ مصير الإنسانيّة هو في أيدي أولئك الذين استطاعوا أن يقدّموا للأجيال أسباب الحياة والأمل”[89]. وإذا كان “العمل التربويّ هو في جوهره مشاركة”[90]، فكيف يُسهِم هؤلاء الشركاء في جودة التربية والتعليم؟

أ. المتعلّم

ب. العائلة

ج. الأسرة التربويّة

د. الدولة

هـ. المجتمع الأهليّ المدنيّ

و. الكنيسة

وتجد الرسالة التربويّة في الكنيسة المارونيّة جذورها في تراث آباء الكنيسة الأنطاكيّة حيث نمت وانتشرت على مرّ العصور، فشيّدت المدارس إلى جانب الكنائس والأديار، وازدهرت مع عودة الأفواج الأولى من خرّيجي مدرسة روما المارونيّة إلى لبنان. فمنذ تأسيس هذه المدرسة، “حدّد البابا غريغوريوس الثالث عشر أهدافها وغايتها بقوله إنّ الغاية الأوّليّة والأساسيّة في إنشاء المدرسة هي تقويّة الإيمان عند الموارنة، وتثقيفهم بالعلوم الصالحة، وتربيتهم على التعليم السليم والفضائل المسيحيّة الكاملة، ليكونوا رسلاً ينشرون عبير التقوى وتعاليم الكنيسة المقدّسة على أرز لبنان وعلى طائفتهم وفي بلدانهم”[100].

وتنسجم الكنيسة المارونيّة في مبدئيّة كون المدرسة شريكًا فعّالاً في رسالتها مع تقليد لدى الكنيسة الكاثوليكيّة، يؤكّد أنّ الكنيسة “مدعوّة إلى أن تكون مربّية الأشخاص والشعوب”[101].

لذا، فإنّ لهذه الشراكة رؤية مستمَدَّة من الكتاب المقدّس، محورها هو المتعلّم، وإطارها القانونيّ والتنظيميّ هو الدولة، والقنوات التي تعبر من خلالها الرسالة هي الأسرة التربويّة، ومستودع الفضائل والتقاليد الحميدة والعادات الطيّبة والتراثات الفنيّة هو العائلة[102].

ز. الإعلام

خاتمة

نحو تحقيق التنشئة الشاملة والنوعيّة

ويرى المجمع أنّ الطريق إلى تحقيق الأهداف الأربعة المذكورة يمرّ عبر خلق الوعي الجماعيّ لدى أبناء الكنيسة المعنيين بالتربية، وحثّهم على قبول هذه الأهداف وتبنيّها، وفهم التحدّيات المعيقة لبلوغها، والعمل استراتيجيًّا من أجل تحقيقها.

إلاّ أنّ الكنيسة، وفي مسيرتها نحو هذه الأهداف، ترى أنّ الأهداف بحدّ ذاتها ليست هي الغاية النهائيّة، وإنمّا هي تتمثّل بنوعيّة الإنسان الذي تُسهم المدرسة المارونيّة والتربويّون الموارنة في إعداده وتأهيله. لذا فإنّ الكنيسة لا تقبل في أيّ وقت من الأوقات، وتحت تأثير أيّ ظرف من الظروف بأن تكون المهمّة التربويّة للمدرسة المارونيّة محدّدة بالجودة العلميّة وبالنوعيّة الفكريّة، وهما أساسيّتان، بل إنّ هذه المهمّة ترمي إلى إنماء التلميذ إنسانيًّا وروحيًّا إنماءً كاملاً ومتكاملاً.

وترى الكنيسة أنّ على كلّ مدرسة أو مجموعة من المدارس المنتمية إلى إطار أبرشيّ أو رهبانيّ واحد، أن تصوغ مشروعها التربويّ المتكامل، فيكون لها بمثابة الشّرعة التي تهتدي به من ناحية، وتعمل على تحقيقه في نشاطاتها المدرسيّة المختلفة من ناحية أخرى، فيحمل هذا المشروع في طيّاته مختلف أوجه الإرث المسيحيّ والمارونيّ. فعندما تصوغ المدرسة المارونيّة هذا المشروع، استنادًا إلى الخيارات الواردة في هذه الوثيقة، ومن ضمن مشاركة فاعلة لجميع الشركاء في العمليّة التربويّة، تكون المدرسة قد دخلت في الروحيّة التربويّة المجمعيّة.

ولا ينسى المجمع، في التشديد على واجب المدرسة، بأن تعي ذاتها مؤسّسة غايتها خدمة المجتمع ككلّ، وعليها أن تسعى إلى استنباط الوسائل الماديّة والمعنويّة لتأمين التعليم النوعيّ للجميع حتى في وسط الأزمات الاجتماعيّة والاقتصاديّة. وهي بالتالي تفرض نفسها قطبًا أساسيًّا في إطار تربويّ تعدّديّ واسع يتشكّل من مختلف مدارس القطاع الخاصّ والمدارس الرسميّة. فهي جزء لا يتجزّأ من عائلة المدارس الكاثوليكيّة، وإن كان عليها أن تحافظ على خصوصيّتها التربويّة، وهي شريك تربويّ أساسيّ تحمل الهمّ التربويّ الوطنيّ وهي في خدمة الأهداف الوطنيّة العامّة في التربيّة، وإن كانت لها ميزتها ومرجعيّتها الكنسيّة والحضاريّة.

وإنّ ما يرجوه المجمع، ختامًا، أن ينشأ مرصد مارونيّ لمتابعة تحقيق هذه التوجيهات والخيارات، لأنّ ما يهمّ الكنيسة هو أن يتلقّى الأولاد والشبّان “تنشئة فكريّة وروحيّة متينة تروي عطشهم إلى الحقيقة”[103]، وأن تكون المدرسة جماعة مؤمنة…[104] في “مناخ من الإيمان وتحسّس القيم الإنسانيّة والأخلاقيّة في الأسرة التربويّة”[105].

توصيات النصّ وآليات العمل

الموضوع التوصية الآليّة
1- التنسيق التربويّ وفتح المدارس.              1- يدعو المجمع الأبرشيّات والرهبانيّات التي تعمل في مجال التربية إلى الإستمرار في فتح المدارس اقتناعًا منها بأنّ لها دورًا أساسيًّا في رسالة الكنيسة وانتشارها ونموّها.  1-أ: وضع استراتيجيّة لتنسيق فتح المدارس في المناطق التي توجد فيها مدارس مارونيّة في لبنان وفي المناطق التي لا توجد فيها مدارس في لبنان وفي الانتشار.   1-ب: إعداد الكوادر الإداريّة والتعليميّة، وإحصاء الموارد لعمل تربويّ جيّد. 1-ج: التنسيق ضمن مجموعة المدارس التابعة لمؤسّسة واحدة أو لعدّة مؤسّسات من أجل تخفيف الأعباء الماديّة وزيادة الفعاليّة التربويّة.
2- الشرعة التربويّة.    2- نظرًا إلى أهميّة العمل التربويّ وتحديد الأهداف التربويّة والتعاون بين المؤسّسات التربويّة، يوصي المجمع بتبنّي الشرعة التربويّة  التي أقرّها مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان. 
3- التربية المدنيّة والتنشئة الوطنيّة.3- يوصي المجمع المؤسّسات التربويّة بإيلاء التربية المدنيّة والتنشئة الوطنيّة لتلامذتها أهميّة أساسيّة للتعرّف على هويّتهم والتأصّل في أرضهم وتاريخهم وثقافتهم ومحيطهم.3- أ: إحترام الحصص المدرسيّة لهذه التنشئة. 3-ب: تطوير أنشطة صفيّة ولا صفيّة مناسبة (تبادل زيارات بين المدارس، ورش عمل، مخيّمات، رحلات…)
4- التربية وذوو الحاجات الخاصّة.4- يوصي المجمع إدارات المدارس بإيلاء الاهتمام اللازم بذوي الحاجات الخاصّة.4- تأهيل المباني المدرسيّة وتأمين الأجهزة الخاصّة والإفادة من الخبرات الناجحة القائمة في هذا المجال.
5- مأسسة العمل في المدرسة المارونيّة.  5-أ: يوصي المجمع الأبرشيّات والرهبانيّات بتعميم مأسسة العمل داخل كلّ مجموعة من مجموعات المدارس المارونيّة وداخل كلّ مدرسة على حدة. 5- ب: كما يوصي بإعداد الموارد البشريّة وصقلها وبدراسة أوضاع المعلّمين وتقدير جهودهم معنويًّا وماديًّا.5-أ: تطوير هيكليات التعاون في قلب كلّ مجموعة من مجموعات المدارس المارونيّة وتقويتها، والعمل على تأمين الإستمراريّة في العمل التربويّ والإداريّ.   5-ب: تطوير مفاهيم الإدارة المشاركة داخل كلّ مدرسة، فتتعاون الأسرة التربويّة في صنع القرار ووضع السياسات وتطوير البنى الإداريّة. 5-ج: كتابة المشروع التربويّ لكلّ مؤسّسة تربويّة، وتوصيف مهمّات كلّ العاملين فيها، وتدريب الموارد البشريّة في المدرسة تحقيقًا لهذا المشروع التربويّ، وجعل الإلتزام الروحيّ المسيحيّ للمعلم معيارًا من المعايير الأساسيّة لإنتقائه. 5-د: إنشاء الهيئات الأكاديميّة بين المعلّمين ووضع أسس التقييم للعمل التربويّ. 5-هـ: تطوير مطبوعاتها التسويقيّة وموقع الانترنت الخاصّ فيها وتعزيز حضورها الإعلاميّ وترشيده.
6- التعليم المهنيّ.6- يوصي المجمع بأن تولي المدارس المارونيّة التعليم المهنيّ الأهميّة التي يستحقها.6-أ توجيه مدرسيّ نوعي يمكّن الطالب وفقًًا لقدراته من إختيار المرحلة الثانويّة، فالتعليم العالي أو التعليم المهنيّ. 6-ب: إيلاء التعليم المهنيّ في المدارس الأهميّة اللازمة والعمل على أنتشاره في قطاعيه الرسميّ والخاص. 6-ج: تكليف الأمانة العامّة للمدارس الكاثوليكيّة بمتابعة إصدار التشريعات الضروريّة التي تؤمن التكامل بين التعليم العامّ والتعليم المهنيّ والتعليم العاليّ.
7- الشركاء في العمليّة التربويّة.    7- أ: يوصي المجمع كلّ شركاء التربية المساهمة الفعليّة في العمليّة التربويّة.  7-أ: إضافة إلى ما تقوم به المدرسة من لقاءات ومحاضرات إنشاء رابطات وتفعيلها، ومنها رابطات للقدامى، بغية تثمير طاقاتهم من أجل تحقيق أكمل لمشروعها التربويّ. 7-ب: الاهتمام اللازم بتعريف التلامذة على مختلف وسائل الاعلام السمعيّة والبصريّة والمكتوبة بصفتها أحد شركاء العمل التربويّ.
8- الدعم الماليّ.  8- يوصي المجمع المدرسة المارونيّة بتقديم العون الماليّ للتلامذة “كيلا يقطع أيّ شاب تحصيله لأسباب ماديّة أو ماليّة محض”.  8-أ: وضع استراتيجيّات وبرامج محترفة لجمع التبرعات لصالح صندوق المساعدات الماليّة في كلّ مدرسة. 8-ب: تعليم الولد الرابع في العائلة المارونيّة مجانًا في المدرسة المارونيّة الواحدة.
9- المدرسة الرسميّة.  9- يوصي المجمع بالإهتمام بالمدرسة الرسميّة التي تستقبل عددًا كبيرًا من التلامذة الموارنة.  9 – تضع المدارس المارونيّة والجمعيّات الأهليّة في كلّ منطقة جغرافيّة برنامجًا لدعم المدارس الرسميّة الموجودة في المنطقة في المجال الأكاديميّ واللوجستيّ من جهة، وفي مجال توفير التعليم المسيحيّ والإرشاد الروحيّ من جهة ثانيّة.
10- مسؤوليّة الدولـة في التربيـة.  10- بما أنّ الدولة هي قيّمة على الخير العام، يطالبها المجمع بأن تلتزم أدبيًّا وقانونيًّا بمبدأ عدالة التوزيع وبدعم التعليم ماليًّا في قطاعه الخاصّ كما في قطاعه العام، وبتنفيذ إلزاميّة التعليم الأساسيّ. 

1. راجع: الوثائق المجمعيّة، المجمع الفاتيكانيّ الثاني، بيان في التربية المسيحيّة، تقديم، الأفكار الرئيسيّة، ص 728، دار الكتاب المفضّل، 1984.

2. الأباتي بولس نعمان، المارونيّة لاهوت وحياة، الكسليك، 1992، ص 56.

3. المجمع اللبنانيّ، الباب السادس، عدد 3، فقرة 2.

4. الخوري ناصر الجميّل، المدرسة المارونيّة الحبريّة الرومانيّة، بيروت، 1993، ص 11.

5. المرجع ذاته ص 16.

6. المرجع ذاته ص 30.

7. المرجع ذاته ص 22.

8. المرجع ذاته ص 29.

9. البطريرك أسطفان الدويهيّ، تاريخ الأزمنة، المطبعة الكاثوليكيّة، بيروت، ص 214.

10. المرجع ذاته، ص 33.

11. المجمع اللبنانيّ، الباب السادس، عدد 1.

12. المجمع اللبنانيّ، الباب السادس، عدد 3، فقرة 3.

13. المجمع اللبنانيّ، الباب السادس، عدد 6، الفقرة 1.

14. المجمع اللبنانيّ، عدد 6، الفقرة 10.

15. المطران يوسف الدّبس، من تاريخ سورية الدينيّ والدنيويّ، سنة 1893، المجلد 9، ص 579.

16. المرجع ذاته.

17. ذكره الأب بطرس ضو في تاريخ الموارنة، المجلّد 4، ص 449، نقلاً عن الأب بيار روفايل في:

Le rôle du Collège Maronite romain dans l’orientalisme au XVIIº et XVIIIº, U.S.J., Beyrouth, 1950, p. 178.

18. راجع كتاب إغناطيوس مارون ص 93، مؤسّسة المونسنيور إغناطيوس مارون، 2004.

19. المرجع نفسه، ص 107. أمّا المدرسة الكاثوليكيّة (راجع بيان في التربية المسيحيّة، أعمال المجمع الفاتيكانيّ الثانيّ، رقم 8) فإنّها المؤسّسة “التي يتجلى فيها حضور الكنيسة”، وهي مدرسة مثلها مثل سائر المدارس تصبو إلى أهداف ثقافيّة وإلى تنشئة الشباب تنشئة إنسانيّة. ومن اختصاصها ان تخلق للجماعة المدرسيّة جوًّا تحييه روح إنجيليّة من الحريّة والمحبّة وتساعد المراهقين على إنماء هذه الخليقة الجديدة التي أخذوها بالمعموديّة. وأخيرًا علّها أن توجه الثقافة الإنسانيّة كلّها لنشر الخلاص.

20. البطريرك مار نصر الله بطرس صفير، في الوطن والقيم، الرسالة التاسعة عشرة لمناسبة الصوم الكبير، شباط 2004، ص 13.

21. المرجع ذاته، ص 7.

22. راجع: دستور راعويّ في الكنيسة وعالم اليوم، فرح ورجاء، عدد 31.

23. راجع: بيان في التربية المسيحيّة، “أهمّيّة التربية”، عدد 8.

24. مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، البيان الختاميّ للدورة السادسة والثلاثين، بكركي 16/11/2003.

25. دستور راعويّ في الكنيسة وعالم اليوم، فرح ورجاء، عدد 75.

26. المؤتمر السنويّ الرابع للمدارس الكاثوليكيّة في لبنان، في المدرسة الكاثوليكيّة تسقط حواجز الجماعات وتقوى وحدة الوطن، التربية الوطنيّة والتنشئة المدنيّة، أيلول 1994.

27. راجع بيان في التربية المسيحيّة، عدد 1.

28. راجع: حول هذا المقطع الشرق المسيحيّ والحداثة، أعمال المؤتمر الأوّل لرابطة اللاهوتيين الكاثوليك في لبنان، منشورات المكتبة البولسيّة، 1998.

29. دستور راعويّ في الكنيسة وعالم اليوم، فرح ورجاء، عدد 36.

30. بيان في التربية المسيحيّة، “أهمّيّة التربية”، عدد 6 – 1.

31. راجع: المجمع اللبنانيّ 1736، الباب السادس، “في المدارس والدروس”.

32. الإرشاد الرسولي، “رجاء جديد للبنان، “الخدمة التربويّة”، 106.

33. البيان الختامي للدورة السادسة والثلاثين لمجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، 16/11/2002.

34. الأب أندريه ضاهر، “التلاميذ المسلمون في المدرسة المسيحيّة، فرص وتحدّيات”، مقالة في صحيفة النهار، 29/9/2003.

35. راجع: الجمهوريّة اللبنانيّة، وزارة التربية، التوجّهات الاستراتيجيّة للتربية والتعليم في لبنان للعام 2015، المركز التربويّ للبحوث والإنماء، 2000.

36. راجع: الكنيسة والتربية، منشورات الأمانة العامّة للمدارس الكاثوليكيّة 2002، المجمع اللبنانيّ 1736، ص 2.

37. راجع: إدغار جلاد، أبجدهوز، ص 44، منشورات رعيدي برس.

38. راجع: تعالوا نكتشف غنى جذورنا، منشورات الأمانة العامّة للمدارس الكاثوليكيّة، 2002، ص 9.

39. راجع: الكنيسة والتربية، مرجع ذاته، ص 11.

40. المرجع ذاته، ص 13.

41. التربية الحقيقيّة، الفقرة 22.

42. المجمع المسكونيّ الفاتيكانيّ الثاني، بيان في التربية المسيحيّة، الفقرة 3.

43. التربية الحقيقيّة، الفقرة 31.

44. التربية والثقافة والتعليم، الفقرة 3.

45. راجع: تعالوا نكتشف غنى جذورنا – الجزء الأوّل.

46. لوقا 2/52.

47. راجع: تعالوا نكتشف غنى جذورنا، المرجع ذاته – الجزء الأوّل.

48. الشؤون التربويّة والمدرسيّة في لبنان، 1978.

49. راجع: تعالوا نكشف عنى جذورنا – الجزء الأوّل.

50. مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، البيان الختاميّ، الدورة العاديّة السادسة والثلاثون، 2002، الفقرة 7.

51. راجع: تعالوا نكتشف غنى جذورنا – الجزء الأوّل.

52. المرجع ذاته.

53. المرجع ذاته.

54. راجع: المجمع اللبنانيّ، الباب السادس، عدد 3، فقرة 3.

55. التربية الحقيقيّة، الفقرة 6.

56. راجع: تعالوا نكتشف غنى جذورنا – الجزء الأوّل.

57. التربية الحقيقيّة، الفقرة 71.

58. راجع: تعالوا نكتشف غنى جذورنا – الجزء الأوّل.

59 المرجع ذاته.

60. مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، دورة 1992، توصيات: 2.

61 راجع: تعالوا نكتشف غنى جذورنا – الجزء الأوّل.

62. المرحع ذاته.

63. المرجع ذاته.

64. راجع: المجمع اللبنانيّ، الباب السادس، عدد 1.

65. راجع: المجمع اللبنانيّ، الباب السادس، عدد 1.

66. راجع: تعالوا نكتشف غنى جذورنا – الجزء الأوّل.

67. مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، البيان الختاميّ، الدورة العاديّة السادسة والثلاثون، 2002، الفقرة 7.

68. المجمع المسكونيّ الفاتيكانيّ الثاني، بيان في التربية المسيحيّة، الفقرة 1.

69. الشؤون التربويّة والمدرسيّة في لبنان، 1978.

70. التربية والثقافة والتعليم، الفقرة 4.

71. المرجع ذاته، الفقرة 1.

72. مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، البيان الختاميّ، 1991، الفقرة 2، والبيان الختاميّ، 1996.

73. التربية الحقيقيّة، رسالة رعوية لأحبار الطوائف الكاثوليكيّة في لبنان، 1949.

74. نشرة الحق القانوني، قانون 1275.

75. راجع: التربية الحقيقيّة، رسالة رعويّة لأحبار الطوائف الكاثوليكيّة في لبنان، 1949.

76. سينودس الأساقفة الخاص بلبنان، النداء الأخير، الفقرة 33: ت.ك 93 (1996) ص 39.

77. الإرشاد الرسولي، رجاء جديد للبنان، “الخدمة التربويّة”، عدد 106.

78. المؤتمر السنويّ السابع للمدارس الكاثوليكيّة في لبنان، المدرسة الكاثوليكيّة والتربية على الأخلاق: في خدمة الإنسان، أيلول 1999.

79. الخورأسقف كميل زيدان، المجمع المارونيّ والتربية، محاضرة في ثانوية راهبات الورديّة – قرنة الحمراء، 22-3-2004.

80. كسياسة القبول والترفيع والمساعدات الماليّة والعلاقات العامّة. ولا بدَّ من كتابة الوصف الوظيفيّ للمدير ومسؤولي الأقسام ومنسّقي المواد ومديري المكاتب وغيرهم من الموظفين، ووضع دليل واضح يظهر حقوق التلميذ ومسؤوليّاته، وحقوق الأهل وواجباتهم، وحقوق المعلّم وواجباته؛ ولا ضرر أبدًاً في اعتماد دليل خاصّ بالنظّار في المدرسة، وسائقي الباصات، والموظّفين الإداريّين.

81. “معًا أمّام الله، في سبيل الإنسان والمجتمع، مجلس بطاركة الشرق الكاثوليك، الرسالة الراعويّة الثالثة، ص 480، 1994.

82. البابا يوحنّا بولس الثاني، رسالة يوم السلام العالميّ، 1996: لنعطي الأوّلاد مستقبل سلام، ص 12، عدد 9. وكذلك راجع رسالة البابا يوحنّا بولس الثاني، “السنة المائة” حول مفهوم الأصوليّات وفيها تعليم واضح وشامل.

83. الخورأسقف كميل زيدان، المؤتمر السنويّ العاشر للمدارس الكاثوليكيّة في لبنان، أيلول 2002.

84. المرجع ذاته.

85. النداء من أجل لبنان، ص 14، فرنسيّ.

86. الخورأسقف كميل زيدان، المؤتمر السنويّ العاشر للمدارس الكاثوليكيّة في لبنان، أيلول 2002.

87. راجع: البيان الختاميّ للدورة السادسة والثلاثين لمجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، 16/11/2002.

88. الإرشاد الرسوليّّ، “رجاء جديد للبنان، “الخدمة التربويّة” عدد 107.

89. الكنيسة في عالم اليوم، المجمع الفاتيكانيّ الثاني، عدد 26.

90. مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، اللجنة الأسقفيّة للتربية والثقافة، التربية والثقافة والتعليم، تموز 1972.

91. تعالوا نكتشف غنى جذورنا، المشروع التربويّ لمدارس راهبات المحبّة في إقليم الشرق الأوسط، ص 123، منشورات الأمانة العامّة للمدارس الكاثوليكيّة، أيلول 2002.

92. الشراكة العيلية، يوحنا بولس الثاني، عدد 21، 22/11/1981.

93. التعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة عدد 2206.

94. الكنيسة في عالم اليوم، المجمع الفاتيكانيّ الثاني، عدد 52.

95. المجمع اللبنانيّ 1736، مطبعة الأرز، جونية سنة 1900، ص 530.

96. المرجع ذاته، ص 532.

97. التربية الحقيقيّة، رسالة رعويّة لأحبار الطوائف الكاثوليكيّة في لبنان، بيروت 14 كانون الثاني 1949، ص 10-11.

98. المرجع ذاته، ص 12.

99. بيان في التربية المسيحيّة، المجمع المسكونيّ الفاتيكانيّ الثاني، الوثائق المجمعيّة، عدد 6/2.

100. الأباتي فرنسوا عيد، دور الأديار في نهضة التعليم والثقافة في لبنان، بعبدا، 26/2/2004.

101. الإرشاد الرسوليّ، “رجاء جديد للبنان، الخدمة التربويّة، عدد 106.

102. راجع: البطريرك نصر الله بطرس صفير، في واجب احترام القيم الأدبيّة، ص 14.

103 . الإرشاد الرسوليّ، “رجاء جديد للبنان، رقم 51.

104 . الإرشاد الرسوليّ، “رجاء جديد للبنان، رقم 73.

105 . المرجع ذاته.