النص الواحد والعشرون: الكنيسة المارونيّة والقضايا الاقتصاديّة

المجمع البطريركي الماروني 2003-2006


النص الواحد والعشرون: الكنيسة المارونيّة والقضايا الاقتصاديّة


مقدّمة

أوّلاً: الاقتصاد في صلب اهتمامات الكنيسة

  1. من الأمور الّتي أتت بها الأديان التوحيديّة نظرتها إلى الحياة الاقتصاديّة، نابعة من نظرة الله بالذّات. فالله الذي منح الإنسان الأرض وخيراتها، أبان له حين أخرج آدم من الجنّة ما سوف يتكبّده من تعبٍ في سبيل تأمين قوته وحاجاته الماديّة. فدخلت تبعًا لذلك في صلب تعاليم الديانة المسيحيّة تشريعات ومبادئ وقواعد أخلاقيّة، كان همّ الكنيسة من وضعها تنظيم حياة الإنسان الاقتصاديّة والماديّة وفقًا لإرادة الله، فيحصّل المرء بواسطة العمل الجادّ والدؤوب والخلاّق، ما يحتاجه. لهذا حرّمت الكنيسة، بكلّ صراحة، عمليّات الرِبا واستغلال القويّ للضعيف، وكلّ أنواع الكسب غير المشروع، أيّ الذي لا يتولّد من تعب الإنسان وعمله الإنتاجيّ.
  2. نذكّر هنا بتعاليم المسيح في الشؤون الاقتصاديّة والاجتماعيّة. فقد كان يبدي باستمرار العطف على الفقراء والمهمّشين من النساء والرجال وهذا ما توقف عنده القدّيس توما الأكوينيّ الذي بناء على أفكاره، طوّرت الكنيسة الكاثوليكيّة، على مرّ العصور، موقفها من الشؤون الاقتصاديّة والاجتماعيّة. وبالفعل، تدين الحضـارة الحديثة للفيلسوف القديس بمفهوم “الصالح العامّ”[1] وبما طرحه من أفكار في هذا الموضوع حالت دون قهر الإنسان وحرمانه من التمتّع الشرعيّ بالخيرات المشتركة بين البشر. والكنيسة على الرغم من أنّها تدافع عن المبادرة الفرديّة والملكيّة الخاصة، تُخضع الأعمال الاقتصاديّة لمبدأ الصالح العام، ولنظرةٍ روحيّةٍ سامية، وتدعو إلى أن تكون التنمية الاقتصاديّة والتقدّم التقنيّ في خدمة الإنسان والمجتمع، لا وسيلةً في أيدي بعض الناس لاستغلال الآخرين.
  3. وظلّت الكنائس، على مدى قرونٍ عديدة، تضطلع بدور اقتصاديّ واجتماعيّ وثقافيّ هامّ، إذ ظلّت الأديرة مراكز لحفظ الثقافة ونشرها، بخاصة بعد انهيار الإمبراطوريّة الرومانيّة، كما بقيت مراكز اقتصاديّةً وإنتاجيّةً هامّة. ثم تلاشى مع الزمن هذا الدور في المجتمعات الأوروبيّة، وبخاصة، منذ عصر النهضة وصعود قوّة الدول والممالك وانتشار التعليم خارج الأطر الكنسيّة. وإبَّان الثورة الصناعيّة في أوروبا قامت الكنائس الغربيّة بدور عظيم فتدخلت لدى أصحاب المؤسّسات الصناعيّة لكي يعاملوا عمّالهم معاملة إنسانيّة، ويؤمّنوا لهم الحدّ الأدنى من الحياة الكريمة، بحسب تعاليم المسيح. كما ساعدت الكنيسة العمّال والفقراء على تنظيم أحوالهم وحثّتهم على التعاون والتعاضد، فنشأت في أوروبا بفضل جهودها حركات تعاونيّة كان لها دور أساسيّ في تحسين أوضاع الفئات الفقيرة والمحدودة الدخل، لاسيّما الفئات الريفيّة. وقد تميّز القرن التاسع عشر، في أوروبا، بالتعاليم المسيحيّة الاجتماعيّة، إنطلاقًا من الرسالة الشهيرة “الشؤون الحديثة”[2] التي أعلنها البابا لاوون الثالث عشر، العام 1891. وقد تمّ تأكيد محتواها ومبادئها، لاحقًا، من قبل البابا بيوس الحادي عشر، عبر رسالته العامّة أربعون سنة[3] لمناسبة مرور أربعين سنة على الرسالة العامّة السابقة، كما تمّ التركيز فيها على أهميّة الأخلاق في الحقل الاقتصاديّ.
  4. جدّد البابا يوحنّا الثالث والعشرون تعاليم الكنسيّة الاقتصاديّة هذه، عبر رسالته العامّة “أمّ ومعلّمة”[4] التي أذاعها العام 1961، في مناسبة مرور سبعين سنة على رسالة “الشؤون الحديثة”، وقال فيها “إنّ حريّة السوق قد خلّفت الديكتاتوريّة الاقتصاديّة، وشهيّة الربح أدّت إلى طموح جامح إلى السيطرة، فأصبحت الحياة الاقتصاديّة كلّها قاسيةً للغاية، شرسةً ومريرة. فنتج عن ذلك خضوع السلطات العامّة لمصالح الأقوياء، وطغيان المال الدوليّ”.

ويوصي بيوس الحادي عشر، “بإقامة نظام قانونيّ يشجّع العمّال الاقتصاديّين على الملاءمة بين مصالحهم الخاصّة والمصلحة العامّة، وذلك بإنشاء مؤسّسات عامّة وخاصّة، وطنيّة ودوليّة، تستلهم كلُّها العدالة الاجتماعيّة”[5]. وتشير هذه الرسالة إلى رسالة البابا بيوس الثاني عشر التي بثّتها الإذاعة يوم عيد العنصرة، العام 1941، حيث طالب “بأهليّة الكنيسة، المسلّم بها، للحكم على مدى مطابقة قواعد أيّ تنظيم اجتماعيّ معيّن لنظام الأمور الذي لا يتغيّر، والذي كشفه الله، الخالق والفادي، من خلال القانون الطبيعيّ ومن خلال الوحي، وأكّد مجدّدًا ما في تعاليم الرسالة العامّة الشؤون الحديثة من قيمة ثابتة مستمرّة، وخصوبة لا تنفد. كما ذكر “المبادئ التوجيهيّة في شأن ثلاث قيم أساسيّة من قيم الحياة الاجتماعيّة والاقتصاديّة، تلك العناصر الثلاثة الأساسيّة التي تتشابك وتتّحد وتتساند فيما بينها وهي: إستعمال الخيرات المادّيّة، والعمل، والعائلة”.

فحول الخيرات المادّيّة، يصرّح بيوس الثاني عشر “بأنّ حقّ كلّ إنسان في استعمالها لمعيشته يسمو فوق أيّ قانون اقتصاديّ آخر، وحتى قانون الملكيّة الخاصّة”. “وهذا الأخير هو، بالطبع، حقّ طبيعيّ؛ غير أنّ الخالق أراد ألاّ تكون هناك عقبة تستغلّ، في أيّ شكل من الأشكال، أمام “المطلب الملحّ” الذي لا يسقط مع الزمن، بأن توضع كلّ الخيرات، التي خلقها الله لجميع البشر، في متناول الجميع، بإنصاف، ووفق مبادئ العدالة والمحبّة”[6].

ثانيًا: دور الكنيسة المارونيّة التاريخيّ على الصعيدين التربويّ والاقتصاديّ

ثالثًا: إرشاد البابا بولس السادس في شأن “تقدّم الشعوب”

  1. تميّزت الكنيسة الكاثوليكيّة بالتطورات الفكريّة الكبيرة، إذ حوّلت أنظارها إلى قضايا الفقر والظلم الاجتماعيّ، في كلّ أنحاء العالم، وبشكل خاصّ في ما سمّي بالعالم الثالث، وذلك عبر الرسالة البابويّة الشهيرة في موضوع “تقدّم الشعوب”[11] التي صدرت العام 1967، بعد انعقاد المجمع الفاتيكانيّ الثاني الذي دعا إليه البابا يوحنّا الثالث والعشرون. وكان من بين النصوص المجمعيّة الهامّة النصّ الدستوريّ “فرح ورجاء”[12] الذي سلّط الضوء على قضايا الفقر والتخلّف، وعلى موقف الكنيسة منها، وهي “الخبيرة في الإنسانويّة” التي يتوجب عليها فحص ملامح الزمن الحاضر وتفسيرها في ضوء “الإنجيل”. فالكنيسة تعي مهمتها في حقل الخدمة، وهي متميّزة عن مهمّة الدولة، حتى عندما تدعو إلى التخفيف من حدّة الفروقات بين الناس، فالكنيسة تبقى في هذه المواقف وفيّةً لتراثها الممتدّ عبر القرون، تؤكّد “كونيّة وجهة استعمال الخيرات”[13]. والجدير بالذكر هنا أنّ الكنيسةَ الكاثوليكيّة، كما الجماعات البروتستنتيّة، كانت تمرّ بأوضاع متموّجة، منذ المجمع الفاتيكانيّ الثاني، وذلك، بسبب تفاقم الأوضاع الاجتماعيّة في أمريكا اللاتينيّة، وتوسّع حركات التمرّد والعنف الاجتماعيّ في هذه القارة المتميّزة بتعلّقها بالديانة المسيحيّة المنتشرة فيها. فقد نما، على مدى الستّينات والسبعينات من القرن العشرين، تيّار لاهوت التحرير المؤيّد حركاتِ التحرّر في العالم الثالث، وبنوعٍ خاصّ في أمريكا اللاتينيّة التي كانت معظم دولها تعاني من سيطرة أنواعٍ مختلفة من الإقطاعيّة الظالمة. وكان هذا التيّار يدعو إلى إسهام المؤمن المسيحيّ في حركات التحرّر من أوضاع القهر السياسيّ والاجتماعيّ.

أثّرت هذه التيّارات في الجيل المسيحيّ الشابّ الذي أصبحت تنظيماته الطلابيّة ترفع شعارات العدالة الاجتماعيّة والنضال من أجل تحرير الشعوب من سائر أنواع الظلم، الداخليّ والخارجيّ. وقد تبنّى البيان الصادر عن مؤتمر الشبيبة الطالبة المسيحيّة المنعقد في دير المسيح الملك، بكانون الأوّل 1968[14]، بعض المواقف الجذريّة، في قضايا التحرّر والتنمية والعدالة الاجتماعيّة.

  1. ان نشاطات أبناء الكنيسة، لم توظّف، بعد الإستقلال، على نحوٍ مستمر ومتواصل، لدعم الوطن اللبنانيّ وترسيخ قواعده الاجتماعيّة والاقتصاديّة. كما لم تَقُم الكنيسة يومًا بإبراز هذا التراث الغني وقيم العمل الجادّ والخلاّق. والحقيقة أنّه لم يحصل توثيق وتراكم معرفيّ وثقافيّ واقتصاديّ، مبنيّ على هذا التراث، لإفادة الأجيال المتتالية من الموارنة واللبنانيّين، وبخاصّة، منذ الاستقلال، بل يبدو أنّ تحقيق الإستقلال قد أسهم في نسيان عِبَر هذا التاريخ، وبنوع خاصّ، تاريخ الكنيسة المارونيّة الاقتصاديّ والثقافيّ. فالتطوّرات الاقتصاديّة التي حصلت، بعد الإستقلال، جعلت الكنيسة تهتم، على نحوٍ أساسيّ، بدورها التربويّ والأعمال الخيريّة الطابع، تاركةً قضايا التنمية الاقتصاديّة والاجتماعيّة للدولة الفتيّة والفعاليّات الاقتصاديّة المسيحيّة.
  2. تكتشف الكنيسة، مجدّدًا، ضرورة أن يكون توزيع عادل ومنصف لثمار العمل المشترك، مع تأمين الحريّة اللازمة، ومسؤوليّة كلّ فرد، في تنظيم عمله. وتشدّد، في الوقت عينه، على أهمّيّة التضامن والحريّة في احترام العدالة والحقيقة. إنّ تنظيمًا اقتصاديًّا يحترم الإنسان، لا يستطيع أن يضحّي بالحريّة، على حساب مبدأ التضامن، ولا بالتضامن على حساب مبدأ الحريّة. لا بدّ من تأكيد وجوب احترام هاتين القيمتين في واقع التنظيم الاقتصاديّ.

ولا تتعارض مبادئ الكنيسة مع القواعد الكلاسيكيّة، في علم الاقتصاد، ومنها، تكافؤ الفرص بين العاملين في المجال الاقتصاديّ، وحصولهم على المعلومات والإمكانيات نفسها عند أخذ القرار، أو التوقيع على العقود، أو المنافسة فيما بينهم عند إنتاج السلع والخدمات. ومن تعاليم الكنيسة الثابتة أنّ الدولة “ليست مجرّد حارس للنظام والقانون، بل عليها أن تعمل بحزم على جعل القوانين والمؤسّسات، بمجملها، تساهم على نحوٍ “ينتج معه الازدهار العامّ والخاصّ، تلقائيًّا، من تنظيم المجتمع وإدارته”[15]. وتذكّر هذه الرسالة، في هامش خاصّ، بالتعاليم الكنسيّة السابقة: “يقوم دور الدولة على أمرين: أوّلاً: حماية حقوق كلّ فرد؛ ثانيًا: المساعدة الإيجابيّة على الإزدهار العامّ، من أجل تأمين نموّ أفضل للأفراد والجماعات. وهذا الأمر الثاني تبرزه رسالة “الشؤون الحديثة” بقولها: “إنّ ما يُطلَب بالأولويّة، من الحكّام، هو مؤازرة، على مستوى عامّ، في تنظيم كامل القوانين والمؤسّسات، أيّ أنّ عليهم أن يعملوا بشكل يجعل الازدهار، العامّ والخاصّ، ينتج تلقائيًّا، من تنظيم المجتمع ومن إدارته” (الشؤون الحديثة، 2/26).

“وعلى الدولة في ممارسة مهمتها، أن تتجنّب الحلول محلّ النشاط الخاصّ، الفرديّ أو الجماعيّ، ما دام هذا النشاط قادرًا على القيام بدوره، أو غير رافضٍ لذلك، وفقًا لمبدأ الإنابة (الشؤون الحديثة، ص 111-112)”[16].

رابعًا: الإرشاد الرسوليّ ومحتواه الاقتصاديّ

  1. والجدير بالملاحظة هنا أنّ الرسالة التي وجّهها البابا يوحنّا بولس الثاني لمناسبة انعقاد السينودس من أجل لبنان، ركّزت، على القضايا الإنسانيّة والاجتماعيّة، وعلى ضرورة العمل من أجل العدالة الاجتماعيّة في لبنان. وقد أتى هذا الإرشاد منسجمًا مع مواقفه السابقة من أهمّيّة دور الإنسان في الحياة الاقتصاديّة.

إنّ كلام الحبر الأعظم في إرشاده الرسوليّ “رجاء جديد للبنان” يدلّ على فهم المعضلات الاقتصاديّة اللبنانيّة فهمًا عميقًا. يقول الحبر الأعظم مخاطبًا اللبنانيّين: “واللبنانيون، كسائر الشعوب، لأنّهم يحبّون أرضهم حبًّا خاصًّا، هم مدعوُّون إلى الإهتمام ببلدهم، والمحافظة دونما كلل على الأخوّة، وبناء نظام سياسيّ واجتماعيّ عادل ومنصف، يحترم الأشخاص وجميع الإتجاهات التي يتألف منها البلد، ليبنوا معًا بيتهم المشترك. وما من أحد يمكنه أن يتهرّب من المسؤوليّة الأدبيّة والمدنيّة، التي عليه أن يؤدّيها شرعًا وسط شعبه. إلى ذلك، يترتّب على كلّ شخصيّة عاملة في الشأن العامّ، أسياسيّة كانت أم دينيّة، وعلى كلّ فريق أن يحسبوا حسابًا لحاجات الأفرقاء الآخرين ولتطلعاتهم الشرعيّة، بل للخير العامّ في الأسرة البشريّة كلّها. فالعمل في الحياة العامّة هو، أوّلاً، خدمة مسؤولة عن الإخوة، كلّ الأخوّة، بحيث يسعون وبجميع الوسائل، لكي يعمل الجميع بانسجام. إنّ جميع الذين يرضون تعهُّد الخدمة العامّة في الحياة السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، عليهم، من باب الواجب الآمر، أن يحترموا بعض الموجبات الأخلاقيّة، وأن يخضعوا مصالحهم الخاصّة أوالفئويّة لصالح أمتهم. ومتى عاشوا على هذا النحو كانوا قدوة لمواطنيهم، وعملوا بكلّ الوسائل، لتأتي أعمالهم لمصلحة الخير العامّ. وهذا يفترض تجاوز السلوك الأنانيّ باستمرار، للعيش في تجرّد قد يذهب إلى حدّ إنكار الذات، بغية قيادة الشعب بكامله إلى السعادة بحسن إدارة الشأن العامّ”.

  1. ويضيف الحبر الأعظم قائلاً: “يجب على السلطات الشرعيّة داخل الأمّة أن تسهر على تمكين كلّ الجماعات والأفراد من التمتّع بالحقوق نفسها، والخضوع للواجبات عينها، وفقًا لمبادئ الإنصاف والمساواة والعدالة. وعلى الحكاّم، بصفتهم مواطنين يؤدّون خدمة عامّة، أن يبذلوا جهدهم ليسلكوا مسلكًا مستقيمًا يتميّز بما يجب من تواضع، لخدمة الإخوة، ليعطوهم مثالاً في الصدق والنزاهة. ذلك بأنّ الإستقامة الخلقيّة هي أحد العناصر الجوهريّة التي لا بدّ منها للحياة في جماعة”[17].

ويتكلّم الحبر الأعظم أيضًا في الإرشاد على “التقدّم البشريّ والشخصيّ والجماعيّ، وعلى حسّ المشاركة والمسؤوليّة والتضحية”. وهو ينبّه إلى أنّ تجاهل هذا الأمر” يقود حتمًا إلى زعزعة أسس الإستقرار في العلاقات العامّة، بتعريض كلّ واحد لجميع أنواع التعسّف ولفقدان الشعب بكامله الثقة بالمؤسّسات الوطنيّة، بشكل حتميّ”[18].

  1. لذلك، يدعو الحبر الأعظم جميع اللبنانيين إلى “أن يَرْعوا وينمّوا في ذواتهم وبخاصّة، في الأجيال الفتيّة، “العزم الثابت والمثابر على العمل من أجل الصالح العامّ، أيّ من أجل صالح الكلّ وكلّ فرد، لأنّنا جميعًا مسؤولون حقًّا عن الجميع”. وفي الوقت عينه، إنّه لمن المستحسن أن تزداد المشاركة المنصفة في المسؤوليّات، داخل الأمّة، ليتمكّن الجميع من وضع مواهبهم وقدراتهم في خدمة أخوتهم، ويعرفوا أنّ لهم مساهمةً متميّزة يقدّمونها إلى بلدهم، عملاً بمبدأ “الإنابة”، بإبداعهم الشخصيّ وممارستهم ما لهم من روح مبادرة. وكلاهما حقّ”[19].

ويضيف الحبر الأعظم: “وعلى الجميع، بهذه الروح، أن ينشروا فضيلة العدل بين الأشخاص والأجيال، إذ إنّ المظالم تولّد العنف وعدم الثقة والأنانيّة. وحريّ بالإهتمام، في الوقت عينه، توفير عملٍ لأكبر عدد من الأشخاص، لئلا يبقى بعض اللبنانيين، مدى الحياة، على هامش المجتمع، ويروا مستواهم المعيشيّ ينحدر انحدارًا خطيرًا، أو أن يتقلبوا في حالات فقر مدقع، ولكي لا يبالي آخرون بحياة بلدهم فيُدفعوا إلى “نوع من الهجرة النفسيّة”،كشعورهم بأنّهم لا يتمكّنون من المشاركة في الحياة الجماعيّة، وأنّهم لا يستشفُّون أيّ مستقبل على أرض أجدادهم”[20].

يظهر جليًّا، من كلّ ما سبق، أنّه على العاملين في حقل الاقتصاد أن يراعوا دومًا قيمة الحياة البشريّة، إلى جانب الكفاءة التقنيّة، فلا ينسوا مطلقًا أنّ الاقتصاد هو في خدمة الناس والجماعة البشريّة.

الفصل الأوّل : قراءة الحاضر

أوّلاً: التيّارات الفكريّة الاقتصاديّة منذ الإستقلال وتحوُّل الاقتصاد اللبنانيّ

  1. برزت تيّارات فكر اقتصادي جديد، على الساحة اللبنانيّة، بعد الإستقلال، أسهمت في إجراء قطيعة بين الحاضر والماضي وتراثه ومبادئه في الهمّ الاجتماعي الداعي إلى إقامة مجتمع عادل وتضامنيّ. وقد تمثّل هذا الفكر الاقتصاديّ، بهيمنة النظرة إلى خصوصيّةٍ حتميّة للاقتصاد اللبنانيّ، تدعو إلى جعل وظيفة لبنان الاقتصاديّة التخصّص في دور الوسيط في التجارة والخدمات بين الدول العربيّة والدول المتقدّمة، على حساب تطوير قطاعيه الزراعيّ والصناعيّ، وعلى ألاّ تتدخل الدولة في الاقتصاد، وأن تترك لآليات السوق قيادة دفّة الأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة.
  2. وتركّز، حينذاك، كلّ الاهتمام على تأكيد وظيفة بيروت التي بدأت تظهر، في القرن التاسع عشر، مركز خدمات تجاريّة، ووظيفة جبل لبنان مركزًا سياحيًّا، وعلى تحويل لبنان وكيانه الاقتصاديّ إلى الدولة المدينة وإلى “جمهوريّة” تجاريّة الطابع، على غرار بعض المدن اليونانيّة القديمة، أو الجمهوريات المُدُنيّة الطابع في إيطاليا، في بداية عصر النهضة الأوروبيّة، مثل البندقيّة أوجَنَوا. وقد تمّ انتشار هذه الرؤية الاقتصاديّة بالعودة الى التراث الفينيقيّ القديم المعروف بالشاطئ اللبنانيّ، والتخيّل بأنّ هناك تواصلاً تاريخيًا، بشريًّا ونفسانيًّا، في العادات والتقاليد والمذاهب الاقتصاديّة بين هذه الحقبة التاريخيّة القديمة ولبنان الحديث. ومن أجل ترسيخ هذه الرؤية، اختُصر، في هذه النظرة المبسّطة، التراث الفينيقي الغنيّ، المتعدّد الجوانب والمبدع والخلاّق، بالأعمال التجاريّةِ الطابع، وحبّ الاغتراب، والوساطة على جميع أنواعها. وإذا سعى بعض الأدباء والمفكّرين إلى إرساء دعائمِ قوميّةٍ لبنانيّة حديثة، مبنيّة على جذور قديمة تعود إلى ماضي البلاد الفينيقيّ، فلم يكن ذلك لتبرير رؤية اقتصاديّة معيّنة، بلّ كان الدافع في إبراز التراث الفينيقيّ، الإشارة إلى ما كان يجمع بين اللبنانيّين، منذ القرون القديمة، أيّ قبل دخول كلٍّ من الإسلام والمسيحيّة. بل إنّ الأدباء والشعراء ركّزوا على الجانب الإبداعيّ والخلاّق في الحضارة الفينيقيّة، أكثر ممّا أبرزوا “التراث” التجاريّ و”التوسّطيّ”.
  3. إن رؤية “الفينيقيّة” لوظيفة الكيان الاقتصاديّ الحديث الإستقلال، طوّرتها مجموعة من كبار رجال الأعمال وبعض الاقتصاديّين، وهذا ما يظهر جليًّا من سلسلة الأفكار والرؤى الاقتصاديّة التي طُرحت في محاضرات الندوة اللبنانيّة، في أواسط القرن الماضي، وما أثارته من مناقشات ومجادلات، أخذت في بعض الأحيان طابعًا حادًّا[21]. وقد ساعدت في نجاح هذه العقليّة التطوّرات الاقتصاديّة والسياسيّة في المنطقة وبررت وظيفة الكيان اللبنانيّ الاقتصاديّة هذه وأدّت إلى تخصّص لبنان في مجال الخدمات والسياحة، وتركّز الإزدهار، بشكل حصريّ، في بيروت وجبل لبنان.
  4. ولعلَّ الكنيسة المارونيّة التي أدّت دورًا بارزًا في تأييد الحركات الاجتماعيّة الإصلاحيّة، إبّان القرن التاسع عشر، وفي عهد الانتداب، وأخذت، بالتالي، مواقف طليعيّة إصلاحيّة، ربّما شعرت بعد الإستقلال وانتشار الرؤية الجديدة لوظيفة لبنان الاقتصاديّة، بأنّ دورها التاريخيّ في القضايا الاجتماعيّة والاقتصاديّة قد انتهى.
  5. صحيح أنّ الكنيسة المارونيّة حافظت على دورها في مجال التربية والأعمال الخيريّة، غير أنّ غياب المواقف العلنيّة في خضمّ التغيّرات والتوترات الاجتماعيّة والاقتصاديّة التي عاشها لبنان، من عهد الإستقلال إلى اندلاع الفتنة الكبيرة، العام 1975، خلق نوعًا من الفراغ وسهّل لتيّارات التشنّج الطائفيّ، وتيّارات رفض التغيير الاجتماعيّ أو رفض توسّع الدولة في الشأن الاجتماعيّ والاقتصاديّ لتأمين تعادل الفرص، أن تتوغّل في نفوس بعض الموارنة، في حين انتمى بعضهم الآخر إلى أحزاب يساريّة تتبنىّ الأفكار الإشتراكية، ممّا خلق خللاً كبيرًا في الحياة السياسيّة في البلاد. فأصبحت بذلك الدولة اللبنانيّة مهددةً في وجودها واستمرارها بين الرافضين لأيّ تغيير في تركيبة الدولة ونهج عملها في الميادين التربويّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة، بالرغم من ضخامة الأحداث والتحوّلات في المشرق العربيّ، من جهة، وبين الداعين إلى قلب النظام لتحقيق الثورة العربيّة الشاملة، من جهةٍ أخرى. وربّما تأخّر انفجار التناقض الاقتصاديّ والاجتماعي في لبنان، بفضل الإصلاحات الاقتصاديّة والاجتماعيّة التي قام بها الرئيس فؤاد شهاب، والتي هدفت إلى رأب الصدع بين أبناء الوطن الواحد، في أثر أحداث 1958. ولذلك لا بدّ من ذكر هذه التجربة الإصلاحيّة الهامة.

ثانيًا: الإصلاحات الاقتصاديّة والاجتماعيّة، بعد أحداث 1958

“ولا يمكن التعاطي مع مشكلة التنمية في لبنان على أساس نموّ الدخل الإجماليّ وحسب، ولكن المقصود بناء الدخل القومي بكامله، وإصلاح موارد الدولة…”

“وكان من المحتّم وجود تناقض حادّ بين لبنان ذي الطابع القرويّ الحقيقيّ، وبين بيروت، أيّ بين الأصالة القرويّة الموروثة منذ آلاف السنين، والبراعة في الاستفادة والربح من تدفّق سريع للبضائع والأموال…”[23]. وقد هدفت الإصلاحات الشهابيّة إلى تطبيق سياسة إعادة البناء والإصلاح، وفقًا لهذا التشخيص، بالارتكاز إلى مبدأين رئيسين: التضامن الاجتماعيّ، وبناء الدولة.

على الصعيد الاجتماعيّ، تصدّت الإصلاحات الشهابيّة للفقر الريفيّ ولعدم التوازن المناطقيّ، بفكّ عزلة القرى المعزولة، وجرّ المياه ومدّ شبكات الكهرباء، وتطوير مرفأ بيروت وإقامة معرض طرابلس الدائم، وإنشاء سلسلة من المدارس الرسميّة والمستوصفات، وتطوير الجامعة اللبنانيّة، وبخاصّة، الفروع العلميّة فيها، واستصلاح الأراضي، عبر المشروع الأخضر، بالإضافة إلى إنشاء مكتب الفاكهة ومكتب الحرير؛ كما بدأت في هذه الفترة، المساعي لتأسيس الصندوق الوطنيّ للضمان الاجتماعيّ، من أجل تأمين نظام تقاعد وضمان صحيّ للأجراء والموظفين. وتمّ كذلك إنشاء مكتب للإنعاش الاجتماعيّ يُعنى بتقديم مختلف أنواع المساعدات للعائلات المعوزة، كما تمّ تعزيز الضرائب المباشرة. أمّا على صعيد بناء الدولة، فقد كانت أبرز منجزات الفترة الشهابيّة إنشاء المؤسّسات الكبرى التالية: المصرف المركزيّ لإصدار العملة والحلول محلّ بنك سورية ولبنان (البنك العثمانيّ سابقًا)، ومجلس الخدمة المدنيّة، وهيئة التفتيش الكبرى، إضافةً إلى مجلس تنفيذ المشاريع الكبرى لمدينة بيروت.

ثالثًا: الحرب والإعمار

1. أعمال العنف والسرقة من قبل المليشيات المسلّحة

2. الإعمار

3. موقف الكنيسة المارونيّة من الأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة الحاضرة

واستعادت دورها المركزيّ القديم في الحياة السياسيّة والوطنيّة في البلاد. ومع بروز المشاكل العديدة الناتجة من سوء تطبيق إتفاق الطائف، من جهة، ومن الأوجه السلبيّة العديدة التي اتّصفت بها سياسات الإعمار المطّبقة منذ العام 1992، من جهةٍ أخرى، أصبح غبطة البطريرك المارونيّ يعبّر عن هموم اللبنانيّين، من كلّ الفئات، ومتاعبهم، لاسيّما فيما يختص بالشأن الاجتماعي والاقتصاديّ الذي أخذ يتدهور، سنة بعد سنة، ممّا أدّى إلى موجة هجرةٍ جديدة في أوساط الجيل الشاب، بسبب فقدان فرص العمل. ولا بدّ من الإشارة هنا إلى تركيز غبطته، في أحاديثه وعظاته، على مأساويّة الأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة. وقد أصبحت اليوم مواقف الكنيسة المارونيّة، عبر عظات السيّد البطريرك، وبيانات المطارنة، محطّ أنظار كلّ اللبنانيّين، لما تسلّطه من أضواء على الأمور الإصلاحيّة وقلّة اهتمام المسؤولين بالوضع المعيشيّ، ونزيف الهجرة المتصاعد، وتفشيّ الفساد وهدر المال العامّ.

وتشير الدراسة نفسها إلى أنّ أعلى معدّل للبطالة في لبنان، هو في محافظة جبل لبنان، ذات الغالبيّة السكانيّة المارونيّة (12٪ مقابل المعّدل العام بواقع 9،9٪ على صعيد لبنان)، كما أنّ العاطلين عن العمل في هذه المحافظة، يؤلفِّون 52،2٪ من مجموع العاطلين عن العمل في لبنان. وتشير الدراسة إلى الوضع الاقتصاديّ والاجتماعيّ التعيس الذي يعانيه المسيحيّون في الشريط الحدوديّ، وبخاصّة الموارنة، كما تؤكّده بالأرقام دراسة مركز أبحاث معهد العلوم الاجتماعيّة في الجامعة اللبنانيّة، والمؤسّسة الوطنيّة للإستخدام، عن العام 2002.

وبناءً على هذه المعطيات، نعرض فيما يلي لأهمّ المجالات التي يجب أن نلتفت إليها في الميدان الاقتصاديّ، بناءً على روحيّة الإرشاد الرسوليّ، وفحوى عظات غبطة البطريرك.

الفصل الثاني : تطلّعات مستقبليّة واقتراحات

أوّلاً: طرح نظرة بديلة ومتوازنة إلى الاقتصاد اللبنانيّ

1. تأكيد المبادئ والقيم الخاصّة بالكنيسة في الحياة الاقتصاديّة والاجتماعيّة وتحديد مواقع الإنحراف

أ. العودة إلى معايير أخلاقيّة في الحياة الاقتصاديّة والاجتماعيّة

لقد غاب عن السّاحة الاقتصاديّة اللبنانيّة، في العقود الأخيرة، الشعور بالتضامن والتكافل، كما تلاشى تطبيق المبادئ الأخلاقيّة في الحياة الاقتصاديّة، والأمران من صلب تعاليم المسيحيّة في الشأن الاقتصاديّ. وقد ورد أيضًا في رسالة “أربعون سنة”: “إن كانت العلوم الاقتصاديّة والنظام الأخلاقيّ يخضعان، كلّ منهما في مجاله، لمبادئ خاصّة، فمن الخطأ الجسيم القول إنّ النظام الاقتصاديّ والنظام الأخلاقيّ بعيدان أو غريبان الواحد منهما عن الآخر، بحيث إنّ الأوّل لا يمتّ إلى الثاني بأيّ صلة”.

“ولا شكّ في أنّ القوانين الاقتصاديّة المبنيّة على طبيعة الأشياء، وعلى مؤهلات النفس والجسد، تبيّن لنا ما هي الأهداف التي تبقى خارج نطاق النشاط البشريّ، في هذا المجال، وما هي الأهداف التي يمكن أن يسعى إليها هذا النشاط، والوسائل التي تساعده على تحقيقها”.

“أمّا العقل البشريّ، من جهته، فيستنتج بوضوح، من طبيعة الأشياء، ومن طبيعة الإنسان الفرديّة والاجتماعيّة، ما هو الهدف الأسمى الذي وضعه الخالق للنظام الاقتصاديّ بمجمله (مع احترام خصوصيّة كلٍّ منهما)”.

“وحدها الشريعة الأخلاقيّة تطلب منّا أن نسعى، في مجالات نشاطنا المختلفة، إلى الأهداف الخاصّة التي نرى أنّ الطبيعة قد فرضتها، أو بالأحرى فرضها الله، خالق الطبيعة، وأن نُخضعها كلّها، في تناسقٍ تام، بعضها مع بعض، للغاية السامية والنهائيّة التي رسمتها الطبيعة لجهودنا كلّها. وإنّ تنفيذ هذه الشريعة بأمانة يجعل كلّ الأهداف الخاصّة المنشودة في الحقل الاقتصاديّ، إن من قِبَل الأفراد أو من قبل الجماعة، تتوافق توافقًا تامًّا، في إطار نظام الأهداف الشامل، وتساعدنا بفاعليّة على الوصول، تدريجيًّا، إلى غاية الغايات، إلى الله تعالى، الذي هو، لنفسه ولنا جميعًا، الخير الأسمى الذي لا ينضب”[31].

ب. الموقف من النظام الضريبيّ وضرورة تعديله

إنّ قضيّة العدالة الضريبيّة وفعاليّة النظام الضريبيّ، من الناحية الاقتصاديّة، تعدّ من القضايا المزمنة في لبنان، وهي تتطلب معالجة سريعة، ولا يمكن الكنيسة أن تغفلها.

فالحلم بلبنان، وطنًا يمكن أن يصبح “منطقة حرّة” لا ضريبة فيها، ولا قوانين اجتماعيّة، ولا رقابة اقتصاديّة، حلم يناهض قيام أيّ دولة، وأيّ مجتمع حضاريّ، يشارك في تقدّم الإنسانيّة. وهو، في النهاية، تنازل عن حضور لبنان ودوره كوطن، ولا يمكن أن تقبل به الكنيسة المارونيّة، وهي التي عملت، طوال القرنين الماضيين، لكي يولد لبنان، بكلّ طوائفه، دولةً مستقلة، ومجتمعًا فاعلاً في محيطه العربيّ وفي الحضارة الإنسانيّة.

ج. السياسة النقديّة وقضيّة الدين العام

يصعب تفسير هذه التشوّهات في بنية الفوائد، لاسيّما، بعد تراجع التضخّم واستقرار الأوضاع الأمنيّة والسياسيّة، في لبنان، وبعد إعادة تكوين وَفْر احتياطات مصرف لبنان من العملات الصعبة، وقيامه بتأمين ثبات سعر الصرف باستمرار. وكان ينبغي، بل كان بالإمكان تجنّب هذه التشوّهات أو جعلها أقلّ كلفة للاقتصاد الوطنيّ، فحاملو سندات الخزينة بالليرة اللبنانيّة، ذات الفوائد العالية، كانوا يحقّقون أرباحًا كبيرة. ومن يحوّل أمواله من الدولار ويودعها بالليرة اللبنانيّة كان يحقّق، أيضًا، أرباحًا ضخمة، ويستفيد من فرق الفائدة بين العملتين، ثمّ يعود إلى الدولار، بعد جني الأرباح الهائلة. إنّ الآليّة السلبيّة التي اتُّبعت، هي المسؤولة عن جعل الدين العام بالليرة، الذي لم يكن يتعدّى ما يعادل ملياريّ دولار، مع بداية عام 1993، يبلغ ما يعادل 19 مليار دولار، في العام 2004، بالإضافة إلى زيادة الدين المحرّر بالعملات الأجنبيّة الذي بلغ أكثر من 18 مليار دولار، في حين لم يتعدّ نصف المليار، العام 1992. هذا، مع الإشارة إلى مجمل العجز الماليّ الناتج من عمليات الموازنة والخزينة الذي لم يتعدّ، في هذه المدّة مبلغ 11763مليار ليرة (أيّ ما يعادل 7،8 مليار دولار). وإذا اعتبرنا أنّ هذا العجز بإضافة الدين عليه، في نهاية 1992، (أيّ 3 مليار دولار) هو أصل الدين، فقد زاد أصل الدين 3 أضعاف، إبّان هذه المدّة، من جرّاء دفع الدولة مبلغ 39 مليار ليرة من الفوائد (أيّ ما يعادل 26 مليار دولار).

لذلك، لا بدّ من أن تكون القضيّة النقديّة، وما أنتجته من دينٍ على لبنان، مدار اهتمام أوسع في الشأن الاقتصاديّ، لأن نهضة لبنان الاجتماعيّة والاقتصاديّة مرتبطة بإيجاد الحلول الناجعة، وتغيير المسلك الاقتصاديّ والمالي والنقدي الذي أصاب المجتمع بأضرارٍ جسيمة.

د. النظام التربوي وحق البقاء في الوطن

هـ. أهميّة التلاحم مع جاليات المهجر

لكنّ هذه العوامل الإيجابيّة التي يمكن تسخيرها لإخراج الوطن من وضعه الاقتصاديّ المأساويّ الموصوف سابقًا، لن تتحول إلى قوّة إعادة بناء الوطن، على نحوٍ رصين، إلا إذا رفدتها رؤية اجتماعيّة واقتصاديّة واضحة، وتمّ القضاء على الفساد الاقتصاديّ الذي يقف حائلاً دون رغبة الكثير من اللبنانيّين المغتربين في العودة إلى الوطن، والإستقرار فيه، واستثمار أموالهم وقدراتهم البشريّة في بنائه وتأمين ازدهاره.

2. نحو مجتمعٍ إنتاجيّ

أ. إقامة سياسة دعم شاملة للنشاطات الإنتاجيّة

ب. التعاون المتواصل بين المؤسّسات التربويّة والقطاع الخاص لجعل لبنان مركز تفوّق إنتاجيّ

       ج. تأمين الحماية للنشاطات الإنتاجيّة

د. مكافحة الفساد في علاقة القطاع الخاصّ بالقطاع العامّ

وفي هذا المضمار، يجب أن تصبح علاقة الدولة بالقطاع الخاصّ علاقةً تعاون وتكامل تقوم على التشاور المستمر لبلوغ النهضة الإنتاجيّة المرجوّة، بدلاً من أن يسعى بعض أفراد هذا القطاع ومؤسّساته، لكي يحصل من الدولة على امتيازاتٍ خاصّة، ومواقع احتكاريّة، تؤمّن الأرباح السهلة والضخمة على حساب المستهلك اللبنانيّ، وعلى حساب مبدأ المنافسة العادلة. وفي هذا المضمار، نشير إلى أنّ لبنان، بحجمه الصغير، لا يتحمل تشابك المصالح الخاصّة والعامّة، كما يحصل منذ سنين، بتبوّؤ كبار رجال المال والأعمال مراكز سياسيّة هامّة في كلّ من السلطتين، التنفيذيّة والتشريعيّة. وإذا كان هذا الأمر غير محبَّذ، حتى في الاقتصادات الكبرى، مثل الولايات المتّحدة أو إيطاليا، فالحريّ أولى أن لا يحصل في نظام اقتصاديّ محدود، مثل اقتصاد لبنان، إذ ينتج منه، حتمًا، تفشّي الفساد والرشوة والخلط المكلف بين مصالح السياسيّين الخاصّة والمصلحة العامّة.

هـ. تحقيق الإصلاح الإداريّ

و. تحرك الكنيسة من أجل إصلاح المسار الاقتصاديّ اللبنانيّ المشوّه

في هذا المجال، يتوق اللبنانيّون، إلى تغيير مسار بلادهم الاقتصاديّ، وإلى بقاء أبنائهم في الوطن، يعيشون حياةً كريمة، مطمئنّة. والكنيسة المارونيّة تستطيع أن تقوم بدور رياديّ في هذا الميدان، بالإستناد إلى تراث الكنيسة العالميّ، وتراثها الخاصّ في الشؤون الاقتصاديّة، هذا التراث الذي سَهّل نشر التعليم وقيم العمل الخلاّق في صفوف أبناء الطائفة، بلبنان، وأدّى إلى بلوغ اللبنانيّين مستويات معيشة مرموقة، قبل أيّ بلد آخر في الشرق.

ثانيًا: إقتراحات من أجل تصحيح المسار الاقتصاديّ اللبنانيّ

1. نشر مواقف الكنيسة وتعميمها بكلّ ما يتعلّق بالإصلاح الاقتصاديّ

2. اقتراحات من أجل تجهيز قدرات الكنيسة الاقتصاديّة واستنفارها

أ. تفعيل المجالس الاقتصاديّة في الأبرشيّات

ب. تحديث أساليب إدارة أموال الكنيسة وتطويرها

لقد قامت الأبرشيّات والبطريركيّة والرهبانيّات بجهود قيّمة في سبيل إدخال المكننة إلى إدارة الممتلكات، ومتابعتها من الناحية المحاسبيّة، ولكن تبدو الحاجة كبيرة إلى اعتماد طرق وأساليب فعّالة، لضمان مردود الممتلكات، وفع قيمته، وترشيد أوجه استعمال هذه الممتلكات لبلوغ الأهداف المنشودة، أي مساعدة أبناء الرعيّة للبقاء في الوطن، وعدم بيع عقاراتهم. ونظرًا إلى أهميّة الأموال الزمنيّة في حياة الكنيسة، لا بدّ من أن تتكيّف إدارة الممتلكات والأموال في الكنيسة والرهبانيّات، لا بحسب مقتضيات المرحلة الاقتصاديّة والاجتماعيّة الراهنة في لبنان وحسب، بل أيضًا بحسب التقنيات والإجراءات الحديثة المطبّقة في الشأن الاقتصاديّ والماليّ، بما فيه إنشاء مؤسسات اقتصاديّة جديدة تحتاج إليها البلاد والمواطنون لتأمين جميع نواحي التنمية.

ج. إنشاء مجلس للتنمية الاقتصاديّة والاجتماعيّة

ليست هذه الفكرة بجديدة، إذ سبق أن تمّ درسها من قِبَل لجنة من الخبراء، بالتزامن مع درس إمكانيّة إنشاء مؤسّسة عقاريّة تمويليّة، لشراء العقارات التي ينوي أصحابها بيعها، وهم ممّن ليس لهم جذور وصلات عائليّة وإنسانيّة في مناطق وجودها. سواء أكانت عمليات البيع هذه تحت ضغط الحاجة المعيشيّة أم طمعًا بالمال، أم بسبب فقدان الثقة بالوطن، والرغبة في الهجرة.

د. ضرورة تطوير مجموعة قوانين الكنائس الشرقيّة وتحديثها

توصيات النصّ وآليات العمل

الموضوع التوصيةالآليّة
1- استثمار القدرات البشريّة.  أ: يذكّر المجمع بأنّه من خير المواطنين وواجبهم البقاء في وطنهم والإسهام في تطويره وتقدمه، فهذا يوفر لهم فرص عمل أفضل. 1-ب: يشجع المجمع على استثمار القدرات البشريّة محليًّا، والحؤول دون تشتّت العائلة في أنحاء العالم، والعمل على جعل لبنان مركز تفوّق تقنيّ وتكنولوجيّ، والإستفادة من أمثلة الدول التي طوّرت اقتصادها بالرغم من محدوديّة رقعتها وافتقارها إلى المواد الأوليّة، فأقامت اقتصادًا مكثّفًا إنتاجيًّا،كسنغافورة والدانمارك وإيرلندا والسويد وتايوان…   
2- سياسة دعم النشاط الإنتاجيّ.  2- يدعو المجمع الدولة ومؤسّسات التمويل اللبنانيّة إلى العمل على سياسة دعم تشمل كلّ نشاط إنتاجي جديد خارج القطاعات الخدماتيّة والمشاريع العقاريّة. كما أنّه يدعوها إلى توفير القروض الميسرة للمؤسّسات الصغيرة والمتوسطة، وتأمين الأسواق لتصريف الإنتاج.2-أ: إقامة صناديق استثماريّة مناطقيّة للمساهمة في رأس مال منشآت إنتاجيّة جديدة وتقديم القروض بشروط معقولة إلى المبادرين بهذه النشاطات. 2-ب: إقامة مناطق صناعيّة وخدماتيّة في كلّ منطقة، وتوفير كلّ التسهيلات الإنتاجيّة والإعفاءات الجزئيّة والمؤقتة، كرسوم الضمان الاجتماعيّ، وضريبة الدخل، وضريبة الطابع. 2-ج: العمل على حماية النشاطات الإنتاجيّة من أيّة مضاربة غير شرعيّة مصدرها السلع والخدمات الأجنبيّة، لاسيّما في المجالين الزراعيّ والصناعيّ.
3- تجهيز قدرات الكنيسة الاقتصاديّة وإستثمارها.      3- يدعو المجمع إلى إستثمار ممتلكات الكنيسة وقدراتها في الميدانين الاقتصاديّ والتربويّ كوسيلة أساسيّة للحفاظ على مقوّمات الحياة، ولاسيّما الريفيّة منها.    3-أ: العمل مع المجالس الاقتصاديّة في الأبرشيّات والرهبانيّات على مسح الممتلكات ودراسة أوضاعها وسبل إستثمارها. 3-ب: درس إمكانيات التعاون مع منظمات العمل الأهليّ والبلديات وهيئات التمويل اللبنانيّة والأجنبيّة من أجل تفعيل الحياة الاقتصاديّة. 3-ج: تفعيل الهيئة الاقتصاديّة العليا وتوسيع إطار عملها في الاستشارة وتقديم الأفكار.
4- النظام الضريـبيّ.  4- يذكّر المجمع بأنّ قضيّة العدالة الضريبيّة وفعاليّة النظام الضريـبيّ هي من القضايا المزمنة في لبنان وتتطلب معالجة سريعة.  4- يدعو المجمع إلى وجوب تعديل النظام الضريبّي وإلى ضرورة دفع الضريبّة، على أن تقوم الدولة بمحاربة الفساد الكبير في الدوائر الحكوميّة التي من خلالها يتم التهرّب من تسديدها.
5- الإصلاح الإداريّ.5- يدعو المجمع الدولة إلى تحقيق الإصلاح الإداريّ الذي تنادي به في كلّ العهود.5- اعتماد مبدأ الكفاءة والعدالة والثواب والعقاب.
6- إدانة الممارسات التي تؤدّي إلى تفشّي الفساد.  6- يشجب المجمع الممارسات الماليّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة التي أدّت وتؤدّي إلى تفشّي الفساد، وسوء الأخلاق، وتجمّع الثروات الهائل في أيد قليلة ويدين جميع الطرق غير الشرعيّة الّتي اتبعت لجمعها  6-أ: مكافحة الفساد بطرق جدّية، والعمل وفق قواعد الأخلاقيّة الاقتصاديّة المعروفة التي ما انفكّت الكنيسة تنشرها عبر رسائلها العامّة المتعدّدة، كمثل منع الممارسات الاحتكاريّة، وتأمين تعادل الفرص، ومكافحة الفساد في كلّ من القطاع العامّ والقطاع الخاصّ، والعلاقة المشبوهة القائمة بين هذين الأخيرين. 6-ب: العمل على أن تصبح علاقة الدولة بالقطاع الخاصّ علاقة شفّافة تهدف إلى التشاور المستمر لبلوغ أهداف النهضة الإنتاجيّة المرجوة، وألا يسعى البعض من القطاع الخاصّ إلى الحصول من الدولة على امتيازات خاصّة ومواقع إحتكاريّة تؤمّن الأرباح السهلة والضخمة على حساب المستهلك اللبنانيّ ومبدأ المنافسة العادلة. 6-ج: نشر تعاليم الكنيسة في هذا المجال من أجل التثقيف الخُلقي في الممارسات الاقتصاديّة.

1. “الصالح العام بمعنى:

 “Bien commun”: NEGRE Pierre, Essais sur les conceptions économiques de Saint Thomas d’Aquin,

  Aix-En-Provence, Imprimerie Universitaire de Provence, 1927.

2. الشؤون الاجتماعيّة: Rerum Novarum

3. أربعون سنة: Quadragesimo Anno.

4. أم ومعلّمة “Mater et Magistra”، ترجمة وإعداد الخوري حليم ريشا، منشورات حركة عدالة ومحبّة، جبيل ص 92-93.

5. المرجع ذاته، ص 93-94.

6. هامش في النصّ:”إنّ هذا التأكيد هامّ جدًا، لأنّه يبيّن أنّ الحقّ الطبيعيّ في الملكيّة الخاصّة لا يأتي في الدرجة الأولى بل في الثانية، في سياق الغاية المشتركة للخيرات. ويكتب بيوس 12 في مكان آخر من هذه الرسالة الإذاعيّة عبارة جازمة: كلّ إنسان، بصفته كائنًا حيًّا يتمتّع بالعقل، يحظى من طبيعته بحقٍ أساسيّ في أن “يستعمل خيرات الأرض الماديّة”. نلاحظ أنّ كلامه هذا أوضح من كلام لاوون 13 وبيوس 11، ويؤكّد ذلك أيضًا يوحنّا 23. فالحقّ الطبيعيّ في الملكيّة الخاصّة ليس إذًا حقًّا مطلقًا، لأنّه حقّ تابع أيضًا لمقتضى توزيع الخيرات المنصف الذي لا يسقط أبدًا. هذا التوجّه يقودنا إلى تغيير جذريّ في المفاهيم المتعلّقة بالزراعة والإصلاح الزراعيّ، ويناقض بشكل قاطع المفهوم الكلاسيّكيّ القائل بحقّ استعمال ما نملك وحتى بالإسراف في استعماله، من دون الإهتمام بشأن الآخرين: فمن يملك، يملك لأجل الجميع، “تلك هي الحقيقيّة المسيحيّة التي تلزم الجميع”. المرجع ذاته، ص 95-96.

7. مزاولة العمل البشريّ: Laborem Exercens.

8. أهمّيّة الشأن الاجتماعيّ: Sollicitudo rei socialis.

9. أهمّيّة المئة عام: Sollicitudo Centesimus Anni.

10. الأب مارون كرم، قصة الملكيّة في الرهبانيّة اللبنانيّة المارونيّة، بيروت، 1972، ص 200.

11. تقدّم الشعوب: Populorum Progressio.

12. فرح ورجاء: Gaudium et spes.

13. أنظر ما أتى بهذا الخصوص في رسالة Sollicitudo rei socialis، البند السابع.

14 Cf: “Notre Eglise en question – un dossier de l’Orient culturel”, Beyrouth, Ed. de l’Orient, 1969.

15. أربعون سنة، ترجمة وإعداد الأب جورج أبو جودة اللعازريّ، منشورات حركة عدالة ومحبّة، جبيل، ص 96.

16. المرجع ذاته، ص 96.

17. الإرشاد الرسوليّ “رجاء جديد للبنان“، منشورات اللجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام، ص 151، سنة 1997.

18. المرجع ذاته، ص 153.

19. المرجع ذاته، ص 153-154.

20. المرجع ذاته، ص 155.

21. يمكن العودة إلى هذه المحاضرات الهامة في كتاب عهد الندوة اللبنانيّة – خمسون سنة من المحاضرة، دار النهار، بيروت،

22. عمل الأب لوبريه في إطار وزارة التصميم العامّ مدّة أربعة أعوام كاملة، وقام بدراسات واستقصاءات اجتماعيّة واقتصاديّة عديدة، بمعاونة فريقٍ من الخبراء الفرنسيّين واللبنانيّين. وقد اشتهر من بينهم المأسوف عليه الأب يوحنّا مارون الذي أسّس وأدار معهد التدريب من أجل التنمية، و قد كان من أعلام الفكر التنمويّ في لبنان، إلى جانب شخصياتٍ أخرى من سائر الطوائف.

23. Missions IRFED – Liban, Besoins et possibilités de développement du Liban, 3 vol., Ministère du Plan, Beyrouth, 1961.

24. الأوضاع المعيشيّة للأسر في عام 1997، مديّرية الإحصاء المركزيّ، وكذلك خارطة أحوال المعيشة في لبنان وزارة الشؤون الاجتماعيّة وبرنامج الأمم المتّحدة الإنمائيّ (UNDP) في لبنان؛ والأزمة الاقتصاديّة والاجتماعيّة المجلس الاقتصاديّ والاجتماعيّ.

25. L’entrée des jeunes libanais dans la vie active et l’émigration, 3 volumes, Université Saint-Joseph, Beyrouth, 2002.

26. د. ابراهيم مارون، مسائل اقتصاديّة مطروحة على المجمع البطريركيّ المارونيّ.

27. هامش في النصّ المستشهد به:”تمّ تقدير هذا الرقم بالإستناد إلى المعطيات الإحصائيّة حول دخل الأسر في لبنان الواردة في دراسة الإحصاء المركزيّ: الأوضاع المعيشية للأسر في عام 1997 ـ دراسات إحصائية العدد 9، شباط 1998 (ص68)”.

28. هامش في النصّ المستشهد به: “تمّ احتساب هذا الرقم بالإستناد إلى المعطيات الإحصائيّة التي وفرتها لنا مؤسّسة”ريتش-ماس” reach-Mass للدراسات الحقليّة حول مداخيل الأسر بحسب الطوائف وعلى صعيد لبنان (معطيات غير منشورة). كما تمّ احتساب القدرة الشرائيّة بالاستناد الى مؤشّر غلاء المعيشة الذي تنشره جمعيّة مصارف لبنان في منشورتها الشهريّة Economic Letter (سنة الأساس)، وإلى دراسة اليونيسيف وإدارة الإحصاء المركزيّ: “الدخل“، في: دراسة وضع الأطفال في لبنان 2000 (ص 65)”.

29. هامش في النصّ المستشهد به: “راجع بيوس الحادي عشر، الرسالة العامّة Ubi arcano، 23 كانون الأول 1922، حيث يعرض البابا المبادئ الأساسيّة للعلاقة بين علم الاقتصاد والنظام الأخلاقيّ المسيحيّ، مؤكّداً التمايز والتلازم بينهما، في آنٍ معًا، وهذا ما يؤكّده مجددًا في هذه الرسالة أربعون سنة”.

30. أربعون سنة، المرجع ذاته، ص 107-108.

31. المرجع ذاته، ص 108-109.

32. من الجدير بالذكر المبادرة الطيّبة التي قام بها أحد المغتربين، في العام 2000، إذ طلب الاكتتاب بسندات خزينة لمدّة خمس سنوات، بمبلغ مئة ألف دولار، بدون فائدة، مساهمةً منه في تخفيف حدّة أزمة المديونيّة، على أمل أن يقتدي به آلاف من المغتربين الميسورين. كما نشير إلى الهبات الكبيرة التي تلقتها الخزينة اللبنانيّة (52 مليار ليرة) للتعويض عن أضرار البنية التحتيّة الكهربائيّة الناجمة عن الإعتداء الإسرائيليّ في حزيران 1999؛ وهذا يدلّ على استعداد اللبنانيّين وقدراتهم في تلبية حاجات بلدهم، عندما يشعرون بإمكانيّة تغيّر الظروف نحو الأفضل.