تعريف
الموارنة في كندا
جاء الموارنة إلى كندا من منطقة الشرق الأوسط، وتحديدًا من جبل لبنان أولاً، ثم من مصر وسوريا. ووفقًا لما أورده راعي أبرشية مار مارون – كندا سابقًا، المطران يوسف الخوري: “فقد استقرّ الموارنة القادمون من شمال لبنان في هاليفاكس وسيدني (مقاطعة نوفا سكوشيا)، وفريدريكتون (مقاطعة نيو برنزويك)، وويندزر (مقاطعة أونتاريو). أما سائر الجماعات، القادمة من مناطق لبنانية أخرى ومن مصر، فقد توجّهت إلى مدن كيبيك، ومونتريال (مقاطعة كيبيك)، وأوتاوا وتورونتو (مقاطعة أونتاريو)، وإدمنتون وكالغاري (مقاطعة ألبرتا)، وفانكوفر (مقاطعة بريتش كولومبيا)”.
لقد تعدّدت الأسباب التي دفعت بالموارنة إلى الهجرة نحو كندا، وشملت الأوضاع الاقتصادية، والأمنية، والسياسية، والاجتماعية، والدينية، إلا أن العامل الأساسي الذي دفع الموارنة، وغيرهم من اللبنانيين، إلى الهجرة تمثّل في الحروب المتعاقبة والأزمات الاقتصادية المتوالية التي عصفت بالأرض اللبنانية، مما دفعهم إلى السعي وراء السلام، والأمان، وحياة كريمة.
الموجات المارونية نحو كندا
- الموجة الأولى وقعت ما بين عامي 1860 و1914، وضمت في الغالب تجارًا صغارًا من لبنان، بالإضافة إلى موارنة من مصر من أصل لبناني. وقد جاءت هذه الهجرة في أعقاب أحداث عام 1860، حيث توجّه عدد كبير من الموارنة إلى البرازيل، والأرجنتين، والولايات المتحدة، ثم لاحقًا إلى كندا. كما توجه آخرون إلى جنوب أفريقيا وأستراليا. وقد استمرت هذه الموجات من الهجرة حتى اندلاع الحرب العالمية الأولى.
- أما أول المهاجرين إلى كندا، فقد وصلوا بحرًا إلى مدينة هاليفاكس حوالي عام 1884، ثم توزّعوا في المدن الداخلية، حيث عملوا في مصانع الحديد في سيدني (مقاطعة نوفا سكوشيا)، أو في مصانع النسيج في مونتريال (مقاطعة كيبيك) وتورونتو (مقاطعة أونتاريو). وقد حمل هؤلاء الموارنة الأوائل معهم إيمانهم العميق وارتباطهم المتين بكنيسة آبائهم وأجدادهم.
- الموجة الثانية بدأت منذ عام 1930، وتجلّت في حركة هجرة نحو كندا، لا سيّما من سكان الجبال، نتيجة الضغوط الاقتصادية. واستمرت هذه الموجة حتى أواخر خمسينيات القرن العشرين، وجاءت في معظمها بالعمال واليد العاملة اليدوية.
- الموجة الثالثة انطلقت منذ عام 1960، وجلبت معها أيضًا عمّالًا ورجال أعمال، فضلًا عن طلاب وجامعيين. وقد بدأت الهجرة الجماعية مع الأحداث التي عصفت بلبنان منذ عام 1968، مما اضطر العديد من الطلاب اللبنانيين في كندا إلى البقاء فيها، بسبب غموض الأوضاع المرتبطة بالحرب اللبنانية التي اندلعت عام 1975.
- الموجة الرابعة بدأت بعد عام 1989، وكانت مؤلّفة في الأساس من عائلات لبنانية وجدت نفسها، بعد نهاية الحرب، في مواجهة أزمات اقتصادية ناتجة عن النزاعات السياسية والعسكرية بين مختلف الطوائف اللبنانية.
تأسيس الأبرشية
شكّلت الهجرة اللبنانية، عبر تاريخ كندا، عنصرًا محوريًا في تشكيل البنية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع الكندي. وقد اضطلعت الجالية المارونية، على وجه الخصوص، بدور فاعل في إثراء النسيج الثقافي في بيئتها الجديدة، حيث احتفظت بخصوصيتها الدينية في إطار مجتمع يتّسم بدرجة عالية من العلمنة.
وفي هذا السياق، وجدت الكنيسة المارونية في كندا ملاذًا في ظلّ الحداثة، وفي كنف دولة محايدة، ومجتمع يحترم حرية المعتقد ويكرّس مبدأ المساواة بين المواطنين، بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو العرقية.
ويُقدَّر عدد أبناء الجالية اللبنانية في كندا بما يناهز 250 ألف نسمة، من بينهم قرابة 80 ألف ماروني، يتوزّعون على امتداد الأراضي الكندية، مع تركز ملحوظ في مقاطعتي أونتاريو وكيبيك، ولا سيما في منطقة مونتريال الكبرى (مقاطعة كيبيك) ذات الغالبية الفرنكوفونية.
وعلى الرغم من اندماجهم الناجح ومساهماتهم الملحوظة في مختلف القطاعات المهنية، فإن اللبنانيين الكنديين لم ينفصلوا عن جذورهم الثقافية وهويتهم الأصلية، بل سعوا إلى التوفيق بين الانتماء للوطن الأم والانخراط الإيجابي في الوطن الجديد.
أما على الصعيد الكنسي، فقد تمّ إنشاء الأبرشية المارونية في كندا بمرسوم حبري صادر عن قداسة البابا القديس يوحنا بولس الثاني، بتاريخ السابع والعشرين من شهر آب/أغسطس عام 1982، وجُعلت منذ نشأتها تابعة مباشرة للكرسي الرسولي. وقبل تأسيس هذه الأبرشية، كانت الرعايا المارونية خاضعة للرعاية الكنسية ضمن الأبرشيات اللاتينية المجاورة.
وقد تعاقب على السدة الأسقفية للأبرشية المارونية في كندا أصحاب السيادة المطارنة:
- المطران إلياس شاهين (1982–1990)
- المطران جورج أبي صابر (1990–1996)
- المطران يوسف خوري (1996–2013)
- المطران بول-مروان تابت (منذ عام 2013 وحتى اليوم)