أف 6/ 10-18؛ لو 12/ 32-34

كانَ هَذا البارُّ مُتَنَسِّكًا في جَبَلِ قُورُشَ القَرِيبِ مِنْ أَنْطَاكْيَة، تَحْتَ جَوِّ السَماء، يُصَلِّي مُنْتَصِبًا، مُعَرَّضًا لِلرِياحِ مِنْ كُلِّ جانِب، ومُثْقِلًا جِسْمَهُ بِالحَدِيد، طَعَامُهُ الحُبُوبُ والأَعشاب. دَوَّنَ العَلَّامَةُ المُؤَرِّخُ تِيُودُورِيتُس، أُسْقُفُ قُورُش، سِيرَةَ هَذا القِدِّيسِ في كِتابِهِ "تارِيخُ أَصْفِياءِ الله" أَوْ "مُحِبِّي الله"، قالَ: إِنَّ يَعْقُوبَ هَذا الّذي كانَ قَدْ عايَشَ مارونَ الشَهِير، وتَلَقَّنَ عَنْهُ تَعالِيمَه، قَدْ تَفَوَّقَ عَلَى مُعَلِّمِهِ بِكَثْرَةِ تَقَشُّفاتِه، لأنَّ مارونَ قَدِ انْزَوَى في جِوارِ هَيْكَلٍ مُهَيَّإٍ في الماضِي لخِدْمَةِ الضَلالِ القَدِيم، ونَصَبَ لِذاتِهِ خَيْمَةً مِنَ الجُلُودِ المَكْسِيَّةِ بِالوَبَرِ لِيَلْجَأَ إِلَيهَا في أَوْقاتِ الأَمْطارِ والثُلُوج. لَكِنَّ يَعْقُوبَ قَدْ تَخَلَّى عَنْ هَذِهِ كُلِّهَا، الخَيْمَةِ والصَوْمَعَةِ والحِصْن، ولَمْ يَحْتَفِظْ إِلَّا بِالسَمَاءِ غِطَاءً لَهُ. فَكَانَ يَحْتَمِلُ تَقَلُّبَاتِ الَجوِّ عَلَى أَنْواعِهَا. فَتَارَةً كُنْتَ تَراهُ غارِقًا في عَاصِفَةٍ مِنَ المَطَر، ومَرَّةً مُجَمَّدًا بِالصَقِيعِ والثَلْج، أَوْ بِالضِدِّ مُشْتَعِلًا وذائِبًا تَحْتَ أَشِعَّةِ الشَمْسِ المُحْرِقَة. كانَ شُجَاعًا في جَمِيعِ الأَحوالِ وشَتَّى الظُرُوف، يُجاهِدُ في جَسَدِهِ، ويُحاوِلُ الانْتِصارَ عَلَى الطَبِيعَةِ بِتَجَرُّدٍ كَامِل. كانَ، وَهُوَ في جِسْمٍ مائِتٍ ومُتَأَلِّم، يَعِيشُ كَمَا لَوْ كانَ في جِسْمٍ لا يَتَأَلَّم، مُحاوِلًا أَنْ يُمارِسَ في جَسَدِهِ هَذا سِيرَةَ مَنْ لا جَسَدَ لَهُمْ وَهُوَ يَصْرُخُ مَعَ الرَسُولِ المُلْهَمِ: "إِنَّنا نَحْيَا في الجَسَد، ولكِنَّنا لا نُحَارِبُ كَأُنَاسٍ جَسَدِيِّين؛ لأَنَّ أَسْلِحَةَ جِهَادِنا لَيْسَتْ جَسَدِيَّة، بَلْ هيَ قَادِرَةٌ بِاللهِ عَلى هَدْمِ الحُصُونِ المَنِيعَة؛ فإِنَّنا نَهْدِمُ الأَفْكَارَ الخَاطِئَة، وكُلَّ شُمُوخٍ يَرْتَفِعُ ضِدَّ مَعْرِفَةِ الله، ونَأْسُرُ كُلَّ فِكْرٍ لِطَاعَةِ المَسِيح" (2 كور 10: 3-5). ولَقَدْ حَصَّلَ مُكَافَأَةً لَهُ عَنْ هَذِهِ الاحْتِمَالاتِ الشَاقَّةِ عَلَى مَواهِبِ النِعْمَةِ الإِلَهِيَّة، يَنَالُهَا بِبَرَكَةِ كُلِّ الراغبين فيها.

ويَرْوِي لَنَا الأُسْقُفُ تِيودُوريتُسُ قِصَّةَ ذَلِكَ الصَبِيِّ الصَغِيرِ المَيْتِ الّذي نالَ بِصَلاةِ القِدِّيسِ يَعْقُوبَ القِيَامَةَ مِنَ المَوْت. كانَ أَهْلُهُ يَسْكُنُونَ في ضَواحِي المَدِينَة. ووالِداهُ أَنْجَبَا أَوْلادًا كُثُرًا وماتُوا كُلُّهُمْ في عُمْرٍ مُبَكِّر. لِذَلِكَ، عِنْدَمَا وُلِدَ طِفْلُهُمَا الأَخِيرُ هَذا، أَسْرَعَا إِلَى رَجُلِ اللهِ يَسْأَلانِهِ أَنْ يَحْظَى بِحَيَاةٍ طَوِيلَةٍ فَوَعَدَهُمَا شَرْطَ أَنْ يَنْذُراهُ للهِ تَعَالَى. لَكِنَّ الوَلَدَ، لَمَّا بَلَغَ الرابِعَةَ مِنْ عُمْرِهِ، ماتَ، وكانَ أَبُوهُ غائِبًا. ولَدَى عَوْدَتِهِ رآهُ مَحْمُولًا إِلَى القَبْر. فَخَطَفَهُ مِنَ النَعْشِ قائِلًا: "يَجِبُ أَنْ أَفِيَ بِوَعْدِي وأُقَدِّمَهُ لِرَجُلِ اللهِ ولَوْ مَيْتًا". فَأَنْجَزَ ما قَالَهُ وَوَضَعَ وَلَدَهُ عَلَى قَدَمَي رَجُلِ الله، مُرَدِّدًا ما قَالَهُ لأَهْلِ بَيْتِهِ. وَضَعَ رَجُلُ اللهِ الوَلَدَ أَمَامَهُ ثُمَّ ارْتَمَى راكِعًا عَلَى رُكْبَتَيه، جاعِلًا وَجْهَهُ عَلَى الأَرْض، وأَخَذَ يُصَلِّي إِلَى رَبِّ الحياةِ والمَوْت. ولَمَّا صارَ المساءُ أَخَذَ الوَلَدُ يُدَمْدِمُ ويُنادِي أَبَاه، فَعَرَفَ رَجُلُ اللهِ بذَلِكَ أَنَّ اللهَ قَدِ اسْتَجَابَ لِصَلاتِهِ وَوَهَبَ الحياةَ لِلْوَلَد. فَنَهَضَ وسَجَدَ لِلَّذِي يَعْمَلُ بِمَشِيئَةِ مَنْ يَخَافُونَهُ ويَتَقَبَّلُ طِلْبَاتِهِمْ، ثُمَّ خَتَمَ صَلاتَهُ وقَدَّمَ الوَلَدَ لأَبِيه. ولَقَدْ شَاهَدْتُ أَنَا بِنَفْسِي هَذا الوَلَدَ وسَمِعْتُ أَباهُ يَرْوِي الأُعْجُوبَة، ونَقَلْتُ إِلَى الكَثِيرِينَ هَذا الحادِث، وأَنَا عَلَى ثِقَةٍ أَنَّهُ سَيَكُونُ جَزِيلَ الفائِدَةِ لِمَنْ يَسْمَعُونَهُ في المُسْتَقْبَل. وبَعْدَ أَنْ تَمَّمَ يَعْقُوبُ حَيَاتَهُ بِمِثْلِ هَذا الجِهادِ رَقَدَ بِالرَبِّ في النِصْفِ الثاني مِنَ القَرْنِ الخامِس، لأَنَّ ما دَوَّنَهُ عَنْهُ تِيُودُورِيتُسُ كانَ سَنَةَ 440، عِنْدَمَا كانَ يَعْقوب حَيًّا. صَلاتُهُ مَعَنَا. آمين.

الإنجيل: لو 12/ 32-34

الرسالة: أف 6/ 10-18

نوع اليوم الليتورجي: Feast

رقم اليوم الليتورجي: 20

رقم شهر اليوم الليتورجي: 2

اسم شهر اليوم الليتورجي: شباط