وُلد البطريرك نصرالله صفير في بلدة ريفون، من قضاء كسروان، بتاريخ 15 أيار 1920، في بيت عُرف بالتقوى. أتمّ دروسه الابتدائيّة والتكميليّة في مدرسة مار عبدا – هرهريا في عرمون – كسروان، ثم دروسه الثانوية في المدرسة الإكليريكيّة البطريركيّة المارونيّة في غزير – كسروان، وفي المعهد الإكليريكي الشرقيّ التابع للجامعة اليسوعيّة، حيث تابع دروسه الفلسفيّة واللاهوتيّة.

رقّي في 7 أيّار 1950 إلى درجة الكهنوت، وعيّن خادماً لرعيّة ريفون وأمين سرّ أبرشيّة دمشق (صربا اليوم) (1950 – 1956). درّس الأدب العربي وتاريخ الفلسفة العربية والترجمة في مدرسة الاخوة المريميين في جونيه (1951 – 1961). وعيّن أمين سرّ البطريركية المارونيّة (1956 – 1961). ورُقِّي إلى الدرجة الأسقفيّة، وعيِّن نائباً بطريركيًّا في 16 تمّوز 1961. عيّن هو والمطران أنطونيوس خريش مدبّرين بطريركيَين (1974-1975)، ورئيسًا للّجنة التنفيذيّة لمجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان (1975-1986)، وممثلاً لرئيس مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان لدى كاريتاس لبنان (1977-1986)، ومستشاراً للّجنة الخاصّة بإعادة النظر في الحق القانوني الشرقي (1980-1990)، ومرشداً روحيًّا لمنظّمة فرسان مالطة ذات السيادة (1984-1986).

انتخبه مجلس المطارنة بطريركًا في 19 نيسان 1986، وهو البطريرك السادس والسبعون في سلسلة البطاركة الموارنة. شغل منصب رئيس لمجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان من سنة 1986. وشارك في 66 مجمع عام لسينودوس الأساقفة، وفي جمعية سينودوس الأساقفة الخاصة بلبنان (1995)، وسينودس مسيحيّي الشرق الأوسط (2010). وهو عضو مؤسّس لمجلس بطاركة الشرق الكاثوليك. عقد المجمع البطريركي الماروني (2003-2006)، وهو الأول بعد المجمع اللبناني (1736).

عيّن كردينالاً في 26 تشرين الثاني 1994، ثم عضواً في المجلس الحبري لتفسير النصوص التشريعيّة (منذ 1994)، وعضواً في المجلس الحبري لراعوية الخدمات الصحية (منذ 1994). وهو ثالث بطريرك ماروني يصبح كاردينالاً.

 له مؤلّفات عدّة: من ينابيع الإنجيل، وغابت وجوه (جزئين)، عظة الأحد (14 جزء)، رسائل الصوم في مواضيع مختلفة وعددها 18.

وله عّدة ترجمات، أهمّها : يسوع حياة النفس، يسوع المسيح، بالإضافة إلى ترجمة عدد كبير من الرسائل البابوية والإرشادات الرسولية.

كُتبت عنه عدة مؤلّفات : طريق العودة، السادس والسبعون (جزآن)، حارس الذاكرة، الجبل حقًا قام، رحلة إلى أوستراليا، صوت الراعي. وقام الأب أنطوان ضو والإعلامي جورج عرب بجمع وتحقيق الأعمال الكاملة للبطريرك صفير. 


        إنجازات البطريرك نصرالله صفير

على الصعيد الكنسي والإداريّ : عيّن نوّابًا بطريركيّين في جبيل، البترون، الجبّه، دير الأحمر، صربا، جونيه. وترأسّ سيامة 44 أسقفًا منهم البطريرك مار بشارة الراعي. أعاد إصدار المجلة البطريركية (1986) ؛ وأعلن رتبة القداس الماروني الجديد (1992) ؛ والنهائي (2005) ؛ وكتاب الجنازات للرجال والنساء والموتى المؤمنين (2000) ؛ وعقد السينودس من أجل لبنان (1995) ؛ الذي تلته زيارة قداسة البابا يوحنا بولس الثاني إلى لبنان، وتسليم اللبنانيين والشبيبة الإرشاد الرسولي “رجاء جديد للبنان” (1997) ؛ ضمّ أبرشية صربا إلى الأبرشية البطريركيّة وإعلان نيابة جبيل البطريركيّة أبرشيّة قائمة بذاتها (1990) ؛ وضمّ أبرشيّة جونيه إلى الأبرشيّة البطريركيّة وإعلان نيابة البترون البطريركيّة أبرشيّة قائمة بذاتها (1999). كما أنشأ أبرشيات جديدة : قبرس (1988) ؛ الأرجنتين (1990) ؛ لوس أنجلس (1994) ؛ المكسيك (1996) ؛ حيفا والنيابة البطريركيّة في المملكة الأردنيّة الهاشميّة (1996)؛ تحويل نيابة دمشق البطريركية الى أبرشية قائمة بذاتها (1989) ؛ ضمّ نيابة دير الأحمر البطريركية الى بعلبك وإنشاء أبرشية بعلبك – دير الأحمر (1990).

على الصعيد الاجتماعي والزراعي والتراثي : ألغى الشراكة وملّك الشركاء بيوتهم في الديمان ووادي قنوبين وبلوزا وسرعل )منذ 1987( ؛ وأسّس الصندوق الاجتماعي الماروني )1987( ؛ والصندوق التعاضدي الاجتماعي الصحّي (1992) ؛ واستصلح أراضٍ في الديمان )1995 و1999(؛ وأنشأ صندوق ضمان المطارنة المتقاعدين المشترك (1996) ؛ وعمل لتصنيف وادي قنوبين وغابة الأرز في لائحة التراث العالمي (1999) ؛ وأسّس المركز الماروني للتوثيق والأبحاث (2004) ؛ ومؤسّسة البطريرك نصراللّه صفير (2004) ؛ والمؤسسة المارونية للانتشار (2006).

على الصعيد العمراني : بناء المدافن الخاصة بالبطاركة والأساقفة الى الجهة الشمالية من الصرح (1992) ؛ إنشاء جناح جديد في بكركي، جنوب الصرح، يضمّ قاعات مختلفة : قاعة كبيرة للمحفوظات، مكتبة، قاعة البابا يوحنا-بولس الثاني، غرف للأساقفة (1996) ؛ وجناح شمال الصرح، يشتمل على مساكن راهبات وموظّفين ومرافقي الأساقفة، مع قاعة رحبة للمحاضرات ولاجتماعات مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان (1999) ؛ وضع زجاج فنّي لشبابيك كنيسة الصرح (1994) ؛ إنشاء ساحة مهيّأة للإحتفالات الدينيّة الكبرى، مقابل مدخل الصرح، تشتمل على خورس رحب ومذبح، وتتّسع لحوالي 20 ألف نسمة (2000 ) ؛ إنشاء قاعة في بكركي باسم البابا يوحنا بولس الثاني ؛ إدخال تحسينات على كنيسة الصرح في الديمان (1992 و1999) ؛ وترميم بعض أجزاء المقرّ البطريركي في قنوبين، وإقامة راهبات الأنطونيات فيه ستة أشهر في السنة (منذ 1992) ؛ إنشاء بناء جديد يجمع : المحكمة الروحيّة المارونيّة (1995) ؛ والصندوق الاجتماعي الماروني (1995) ؛ واللجنة البطريركيّة للشؤون الليتورجيّة (1999) ؛ الأمانة العامة لمجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، ولمجلس بطاركة الشرق الكاثوليك (1999). بناء مركز البطريرك صفير الطبي في منزله الوالدي في ريفون، الذي وهبه لرابطة كاريتاس لبنان لإدارة المركز المذكور والمكتبة والقاعات التابعة له (1999) ؛ ترميم مدرسة عين ورقه في غوسطا (1995) ؛ وترميم مدرسة الرومية في القليعات (1996) ؛ تحسين كنيسة سيدة لبنان في باريس (1994) ؛ وترميم البيت الفرنسي اللبناني في باريس (1997) ؛ ترميم كنيسة سيدة لبنان، والبيت الفرنسي-اللبناني في مرسيليا (1997) ؛ تحسين مقر النيابة البطريركية في القدس (1998) ؛ وترميم المدرسة المارونية في روما، وإعادة فتحها (2000).

على صعيد الزيارات الراعوية والرسمية : قام بزيارات رسمية وراعوية إلى : الفاتيكان (كلّ سنة)، فرنسا (1986، 1994، 1997 و1999)، والاتحاد السوفياتي (1987)، والجزائر (1987)، والولايات المتّحدة الأميركيّة (1988)، والكويت (1989)، وقبرس (1989 و1998)، والمانيا (1989)، وأفريقيا الجنوبية (1992)، ومصر (1992 و2000)، والأردن (1993 و1998)، واستراليا (1993)، والبرازيل (1997)، ونيجيريا وغانا وشاطئ العاج وتوغو وبنين والسنغال (2000)، وكندا وأميركا والأرجنتين والمكسيك والأورغواي (2001)، وبلجيكا وسويسرا والسويد وبريطانيا وقطر واسبانيا (2003).

 لقد أسهم البطريرك الكاردينال مار نصراللّه بطرس صفير في الكشف عن نفائس الكنوز الروحيّة في كنيستنا المارونيّة، فكان له دور بارز في إعلان تطويب وتقديس عدد كبير من أبناء الكنيسة المارونيّة الذين عاشوا البرارة، وسلكوا بأمانة بحسب نهج القديس مارون. شارك غبطته، في روما، بحدث إعلان الأب شربل مخلوف الراهب اللبناني الماروني طوباويًّا (1965) وقدّيسًا (1977) ؛ وشارك في إعلان الأخت رفقا الراهبة اللبنانية المارونية مكرّمة (1982) ثمّ طوباويّة (1985) وقدّيسة (2001) ؛ وفي إعلان الأب نعمةاللّه الحرديني الراهب اللبناني الماروني مكرّماً (1989) ثمّ طوباوياً (1998) وقديسًا (2004) ؛ وفي إعلان الأب يعقوب الكبوشي طوباويًّا (2008)، والأخ اسطفان نعمه الراهب اللبناني الماروني مكرّمًا (2007) ثمّ طوباويًّا (2010) ؛ وفي إعلان البطريرك البطريرك مار اسطفان الدويهي مكرّمًا (2008) ؛ وفتح دعوى تطويب وتقديس رجل اللّه المطران عبداللّه قراعلي أحد مؤسّسي الرهبانيّتين اللبنانيّة المارونيّة والمريميّة المارونيّة، والأب الحبيس أنطونيوس طربيه الراهب المريمي الماروني.

على الصعيد الوطني :

البطريرك نصر الله صفير هو محقق إستقلال لبنان الثاني. تسلّم عصا الرعاية المارونية والحرب في أوجّ استعارها والضربات تتوالى على شعبه، فاستطاع قيادة طائفته ووطنه في أقسى الظروف، وفي مرحلة تسعينيات القرن المنصرم بقي صوته الأعلى والأصلب مطالباً بحرية وسيادة واستقلال لبنان. فلعب خلال توليه سدة البطريركية المارونية عدة أدوار سياسية، وكان من المساهمين في التأثير على مسارها في محطات مفصلية عدة كان أبرزها :

لعب دور أساسي في إرساء اتفّاق الطائف لإنهاء الحرب الأهلية اللبنانية (1989) ؛ وكرّس المصالحة المارونية الدرزية في زيارته التاريخية للجبل (2001) ؛ أسّس لقاء قرنة شهوان، الذي ضمّ قيادات وطنيّة مسيحيّة طالبت بالخروج السوري من لبنان ؛ لقبّ بـ “عرّاب ثورة الأرز”‘ إذ أطلق شرارتها في النداء الأول لمجلس المطارنة الموارنة (2000)، والتي أدّت إلى اندلاع الثورة بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري (2005) ؛ وقد أدّى انسجام مواقفه مع بعض طروحات تحالف 14 آذار إلى حصول مقاطعة من القوى المسيحية الأخرى لبكركي وذلك لما اعتبروه انحيازًا منه ضدهم ؛ اتخاذ موقف واضح وحاد من مسألة سلاح حزب الله.

وفي مطلع سنة 2011 تقدّم غبطته باستقالته، طالبًا إعفاءه من المهام البطريركيّة والانصراف إلى التأمّل والصلاة. وأقام البطريرك نصرالله صفير في بكركي شتاءً والديمان صيفًا. وتوفيّ في 12 أيار 2019، ودفن بمأتم رهيب في بكركي.