ولد البطريرك أنطون عريضة في 2 آب 1863 في بشري، وهو البطريرك الأوّل باسم أنطون. التحق سنة 1879 بمدرسة مار يوحنا مارون الاكليريكية في كفرحي حيث تلقّى دروسه الأولى، ثمّ أتمّ دروسه العالية في اللاهوت والفلسفة في مدرسة سان سولبيس في باريس – فرنسا حيث نال شهاداته العليا. سيم كاهنًا في فرنسا في 28 أيلول 1890، ولدى عودته الى لبنان، استقدمه البطريرك يوحنا الحاج الى بكركي، وعيّنه كاتبًا لأسرار البطريركية، ومحاميًا لدعاوى الزواج وفاحصًا للكهنة.

رقّاه البطريرك الحويك، في بكركي، أسقفًا على أبرشية طرابلس في 18 حزيران 1908. وقد امتاز في أثناء أسقفيته بعنايته بالاكليروس، وتخصيص كرسيه في كرم سده مدرسة إكليريكية. فكان أبو الفقير في الحرب الكونية الأولى، ورهن صليب صدره وخاتمه لأحد التجار المسلمين في طرابلس، لإطعام الجياع من كل من قرع بابه من مسيحيين ومسلمين. واهتم ببناء كرسيه في طرابلس بشكل صليب ودعاه قلاية الصليب ووقف أملاكه الخاصة وقفًا مؤبّدًا على أبناء أبرشيته.

انتخبه مجمع الأساقفة بالاجماع في بكركي بطريركًا على كرسي أنطاكيا، في 8 كانون الثاني سنة 1932. كان من اتقياء البطاركة، وذا إرادة قويّة صلبة لا تتراجع. أوّل ما بدأ به عمله البطريركي إجراء إحصاء عام في الطائفة المارونية في الوطن والمهجر. فأظهر اهتمامه أكثر من مرّة بالمغتربين اللبنانيين والمهاجرين، حاثًّا إيّاهم على أهميّة اختيار الجنسية اللبنانية. كما طالب بتخفيف الضرائب عن كاهل المواطنين. وَفَى ديون الكرسي البطريركي وحقق عدة مشاريع وطنية وإقتصادية. عُرِف عنه كثرة الاحسان وحبّه لفقراء شعبه، وسعيه لاستصلاح عدد وافر من الأراضي المتروكة، وزرعها أشجارًا مثمرة. وأطلق حملة شرسة للحفاظ على الآداب السليمة والأخلاق الصحيحة.

من إنجازاته : إتمام بناء صرح الديمان بإضافة جناح خاص بالبطريرك، وكاتدرائية مريم العذراء مع تصاوير سقفها الرائع بريشة الفنان صليبا الدويهي. تشييد مدرسة زراعية في زغرتا. الاهتمام بالبيت اللبناني الفرنسي في باريس. تجديد المدرسة المارونية في روما. بناء عدد كبير من الكنائس. شراء مقرّ للكنيسة المارونية في مارسيليا جنوب فرنسا. شراء مدرسة وكنيسة للراهبات في أميون وتسليمها لراهبات القديسة تريزيا الطفل يسوع المارونيات. ساهم في تأسيس شركة الترابة اللبنانية في شكا. كما سعى لإنشاء مدرسة في الحازميه لتعليم الفتاة اللبنانية فن التوليد الصحّي على أيدي كبار الاطباء المتخصصين، سنة 1947.

في أيّامه نشبت الحرب العالمية الثانية سنة 1939، ونال لبنان استقلاله سنة 1943، وتم جلاء الجنود الفرنسيين عن أرضه سنة 1946. واشترك لبنان في تأسيس الجامعة العربية مشترطًا أن يبقى أولاً وآخرًأ للبنانيين. وفي سنة 1947، تم تعيين أول سفير بابوي في لبنان.

على الصعيد الطقسي أصدر كتب الطقوس المارونية، بعد مراجعتها وتنقيحها، من بينها إعادة إصدار رتبتي العماد والميرون. افتتح مدرسة مار مارون الإكليركيّة في غزير سنة 1934، وسلّم إدارتها للأباء اليسوعيين، كما افتتح مدرسة إكليركية ثانية في عين ورقة، ثم انتقلت إلى دير مار عبدا هرهريا، عام 1944، وضمّت بعدها الى إكليريكية غزير.

في 1 نيسان 1951، أقرّ مؤتمر بكركي مشروع قانون الأحوال الشخصية للطوائف الكاثوليكية،  الذي صادق عليه المجلس النيابي اللبناني في 22 نيسان من العام نفسه. في عهده تأسّست الرابطة المارونية في لبنان، وصدر قانون الحق القانوني للكنائس الكاثوليكية الشرقية.

على الصعيد الوطني، ركزّ البطريرك اهتمامه الدقيق بالقضايا الوطنية، حرصًا منه على إنجاز استقلال لبنان. وتمّ في عهده صياغة الميثاق الوطني اللبناني الذي حفظ للموارنة رئاسة الجمهورية في لبنان. وتميّز عهده بمواقفه السياسية والوطنية المشرّفة، وأهمّها كان دعم استقلال لبنان سنة 1943، وبإصدار مذكرّات سياسيّة للمفوّض السامي وللسلطة السياسية في الدولة اللبنانية يحدّد فيها موقفه من القضايا الوطنية. من أهم مواقفه الوطنية: 

–  1932 : ندّد بالتزوير الذي لحق بالإحصاء العام، والذي ظلّ يعتبره مصدر خلل في ما بني عليه من انتخابات أو توظيفات إلخ.

–  1935 : وقف ضد حصر التبغ (المونوبول).

–  1936 : دعم الاتفاقية اللبنانية الفرنسية وشجّع على إعطاء فرنسا نوعًا من الامتيازات صونًا لاستقلال لبنان.

–  1937 : وقف ضد حل جمعيات بعد انتخابات 1937.

–  1938 : وقف ضدّ احتكار النقل.

–  1939 : تبرّع للجيش الفرنسي بقسم من محاصيل أراضي البطريركية، وشجّع الشباب اللبناني للتطوّع بالجيش الفرنسي. كما دعا إلى الصلاة في سبيل احلال السلام العالمي.

–  1941 : أطلق حملة مساعدة لمنكوبي الحرب. وترأس مؤتمر بكركي حيث كلّفه اللبنانيون بتحقيق الاستقلال، فكان المدماك الأساسي لميثاق 1943.

–  1944 : طالب بتعديل بروتوكول الإسكندرية الذي اعتبره كونفدراسيون لا يتفق مع حق لبنان في الاستقلال. وأقام حوارًا أخويًا مع سوريا، ولا سيمّا أن موقفه من احتكار التبغ دفع السوريين إلى الخروج إلى الشوراع بعد صلاة الجمعة وهم يرددون : “لا إله إلا الله، وعريضة حبيب الله”.

–  1947 : دعا الى إطلاق الحرية الكاملة للناخبين، وعدم ترهيبهم أو رشوتهم، والى إدراج أسماء المغتربين اللبنانيين في لوائح المنتخبين، والحرص على الصناديق من التلاعب والتزوير.

–  1948 : دعا إلى التعاطف الأخويّ، وفتح البيوت والأديار لاستقبال اللاجئين الفلسطينيين بعد نكبتهم.

خلال بطريركيته،  أصدر مجموعة منشورات، منها : رسالة السلام في الاتحاد العام، أضرار البغاء واجتناب الفحشاء، تحذير الرعية من شر الشيوعية، محبة القريب، مستندات تاريخية، في كيفية الصلاة، رفيق الإكليريكي، لبنان وفرنسا ؛ كما أصدر 3 رسائل رعائية : 1) البروتسطنتية، 2) بعض حقائق الإيمان الكاثوليكي، 3) الاغرار وتحذيرهم من بعض الأضرار.

توفّي البطريرك عريضة في بكركي، يوم خميس الصعود في 19 أيار 1955، تاركًا وصيّة تنصّ على توزيع أمواله الوافرة على البطريركيّة للمشاريع الخيريّة، وإعالة الكهنة خدمة الرعايا، والمعوزين. ودفن في كنيسة الديمان.