البطريرك يوسف حبيش من بلدة ساحل علما، ولد في 23 نيسان 1787. هو تلميذ مدرسة عين ورقة، وهو البطريرك الثامن باسم يوسف. رقّاه البطريرك يوحنا الحلو الى أسقفية طرابلس في 30 كانون الثاني 1820.  فكان المطران يوسف نشيطًا جدًّا، وعنيدًا في تنفيذ آرائه، ومثالا حيًّا في التقوى ونقاوة القلب والتمسك بالعقيدة الكاثوليكية الصحيحة، وحريصًا على تحقيق القوانين التي رسمها المجمع اللبناني. لهذه الصفات، إنتخبه مجمع الأساقفة بطريركًا في 25 أيار سنة 1823، في كنيسة دير سيّدة قنوبين، وثبّته البابا لاون الثاني عشر في 3 أيار سنة 1824، بعد أن فسّح له من مانع العمر. وهو أصغر بطريرك ماروني ينتخب من حيث العُمر (36 عامًا).

اعتنى البطريرك يوسف بترميم دير بكركي وأَقام فيه شتاءً، واتّخذه مقرًّا شتويًّا نهائيًّا للبطريركيّة المارونيّة. وبنى مقرًّا بطريركيًّا في الديمان في جبّة بشرّي، وأقام فيه صيفًا، وشاد كنيسة على اسم القديس يوحنا مارون.  وبقي دير قنوبين كرسيًّا بطريركيًّا في فصل الخريف. واعتنى أيضًا بادارة أملاك الكرسي البطريركيّ اعتناءً جيدًا في فن الزراعة، وعلّم الاقتصاد.

هو أوَّل بطريرك شرقيّ يهديه الباب العالي في إسطنبول “النيشان العثماني المرصع” (أو الوسام المجيدي)، فقبله بتحفّظ، ووضعه في صندوق، ولم يزيّن به صدره يومًا.

خلال بطريركيته، بنى عددًا وافرًا من المدارس والإكليركيات، ونشّط التعليم، وجعله إلزاميًا. فحوّل دير مار عبدا هرهريا ومار سركيس وباخوس ريفون الى مدرستين عموميّتين للطائفة المارونية. وفي 28 نيسان 1840، أنشأ البطريرك جمعية المرسلين اللبنانيين وهي مؤلّفة من كهنة بتولين متعلّمين مهمّتهم الارشاد والوعظ والانذار بكلمة الرب وعمل الرياضات الروحية، وذلك لمواجهة مدّ المرسلين البروتستانت، الذي قاوم بشدّة بعثاتهم التبشيريّة، وخصَّص مركزهم في دير عينطورة بكسروان.

حرص البطريرك على تطبيق رسوم المجمع اللبناني، فوضع حدًّا لوجود الاديار المزدوجة في الطائفة. واهتمّ بتهذيب وتثقيف الكهنة خدمة الرعايا ليتمكنوا من تعليم الشعب المبادئ الدينية والطقوس وكل ما يتعلّق بالدين والآداب المسيحية. وأظهر حزمًا ودراية في نضاله عن حقوق الطائفة، واستقلال لبنان وحريّة أبنائه، وقد أبدى حكمةً ونشاطًا في سبيل إخماد نيران الفتن والحروب الأهلية، وأذاع مناشير في إثبات حقوق كهنته ضدّ اللاتين، وضد البروتستانت (البيبليسيين)، سنة 1826، وحرم كتبهم. أوجب على كهنة الرعايا إلقاء المواعظ في القداس أيام الآحاد والأعياد. وعرض على روما استعمال القضاة المسيحيين كتاب “مختصر الشريعة” الذي ألّفه المطران عبدالله قراعلي في مباشرة الدعاوى الروحية وتوريث البنات، عوض استعمال الشرائع الاسلامية. شجّع الرهبانيات لقيام مدارس ليتعلّم فيها الرهبان القاصدين درجة الكهنوت. وأظهر اهتمامًا وغيرةً بترتيب الأبرشيات المارونية والسهر عليها. وقد خصّص أبرشية جبيل والبترون بالبطريركية، بدلاً عن أبرشية صيدا التي جعلها أبرشية مستقلة سنة  1837. سعى الى تنظيم رتب طائفته الكنائسية، وأمر بطبع كتاب الرتب البيعية سنة 1838.

في أيّامه، احتل المصريون لبنان (1830-1840)، فحارب البطريرك الحكم المصري والمظالم التي ارتكبها، وانهارت الامارة الشهابيّة، واندلعت الحروب الطائفية 1841 و1845، وتمّ إنشاء نظام القائمقاميتين، هذا النظام الّذي طالما رفضه البطريرك، مطالباً بإبقاء جبل لبنان موحّدًا.

 كانت أحداث سني 1840-1841 و1845 من أشدّ الأحداث إيلامًا وتفظيعًا التي حصلت في أيّامه، شاهد أكثرها بأمّ العين فزادته حزنًا وألـمًا، فعمل جاهدًا على إخمادها، بتوحيد النفوس، وضمّ الشمل، وجمع العناصر المتنافرة، لاجل خلاص لبنان وحريته واستقلاله. فسعى الى اجتماع عقد في انطلياس  بحضور الاكليروس والمشايخ والاعيان من دروز ونصارى، وفيه تعاهد الدروز والنصارى على  على طرد الاجانب والمصريين من لبنان لاستعادة حريتهم ورفع نير العبودية عن أعناقهم.

توفّي البطريرك يوسف حبيش، غمًّا، في 23 أيار سنة 1845 في أعقاب فتنة 1845، في دير الديمان، هذا الدير الذي كان قد أنشأه، ودفن في كنيسة دير قنوبين.