البطريرك يوسف اسطفان من بلدة غوسطا في كسروان، والسادس باسم يوسف. ولد سنة 1729، والده الخوري جرجس اسطفان رزق 5 بنين، اختاروا كلّهم الدعوة الاكليريكية. كان من تلامذة المدرسة المارونيّة في روما. رقّاه البطريرك سمعان عواد الى درجة الأسقفية في آب 1754، وعهد إليه تولّي أبرشية بيروت، ورئاسة دير عين ورقة الذي كان كرسيًّا لهذه الأبرشية. ولـمّا أراد عمّه المطران يوحنا اسطفان استرجاع دير عين ورقة، اضطر الخوري جرجس اسطفان وابنه المطران يوسف، مطران بيروت، إلى تشييد دير مار يوسف الحصن في غوسطا، ليقيم فيه بدلاً من دير عين ورقة، لعدم استطاعته الإقامة في بيروت لجور الأيام والحكّام. فأقام فيه طيلة أيّام حياته مطرانًا ومن بعد بطريركًا.

انتخبه الأساقفة بالإجماع بطريركًا في 9 حزيران سنة 1766، في دير مار شليطا مقبس في كسروان، وثبّته البابا اكليمنت الثالث عشر في 6 نيسان سنة 1767. إثر انتخابه، ارتأى أن يقيم في دير قنوبين، الكرسي البطريركي الأصيل، الذي كان قد هجره سلفاؤه منذ سنين طويلة لأسباب صوابية. فاستقرّ فيه مدّة من الزمان، ولكن بسبب مظالم الحكام وحروب المسلمين لأهل تلك البلاد، هر ب إلى نواحي كسروان، وجعل من دير مار يوسف الحصن مقرًّا له، بعد الأخذ برأي أساقفة الطائفة.

سعى الى إيفاء الديون المترتبة على الكرسي البطريركي، وعمد على تنظيم الشؤون البيعيّة التي كانت متضعضعة في ذلك العهد. وأخذ يجدّ في تنفيذ أحكام المجمع اللبناني. فعيّن المونسنيور يوسف السمعاني وكيلاً له في روما لدى الحبر الأعظم. فعقد مجمعًا طائفيًّا في دير مار يوسف الحصن، المقرّ البطريركي في غوسطا 1768.

كان البطريرك لاهوتيًّا وفيلسوفًا ومؤرخًا وفقيهًا وكاتبًا، يجيد اللّغات العربية والسريانية واللاتينية والايطالية. له العديد من الكتب والرتب الطقسية والصلوات، منها : حقيقة قداسة مار يوحنا مارون، تعليم الكهنة خدمة النفوس وارشادهم للقيام بواجباتهم نحو أبناء رعاياهم، رتبة الاستعداد للميلاد…

كان البطريرك يوسف اسطفان كبير النهضة، عالي الهمّة، غيورًا على طائفته وعلى تهذيب اكليروسها العلماني والرهباني. لكنّ أحداثًا كثيرة جرت لم تمكّنه من تحقيق كل مطالبه، من بينها :

1)  جرت في أيّامه قسمة الرهبانيّة المارونيّة الى قسمين : حلبيّة وبلديّة، سنة 1770.

2)  وجرت في أيّامه هجمات ومظالم واضرار جسيمة من أعداء الطائفة على اختلافهم، فاستغاث البطريرك بملوك فرنسا ملتمسًا منهم تجديد الحماية الفرنسية للأمّة المارونيّة.

3)  شغل موضوع الراهبة هندية عجيمي الطائفة المارونية نصف قرن، بجمعيتها، وقوانينها، ونبوءاتها، وسيرة حياتها، وتحزّب الناس معها أو عليها. وكان البطريرك مقتنعًا تمامًا بقداستها وصحّة إيمانها وأقوالها. فدافع عنها وأثبت قانون جمعيتها. ولـمّا أثار حمايته لها وللجمعية بعض التساؤلات والتهم الشكوك، صدر عن المجمع المقدّس، في سنة 1779، ثلاثة أحكام: 1- غرور الراهبة هندية، غرورًا بيّنًا مقرونًا بالتمرّد والعصيان ؛ 2- يلغي رهبنة قلب يسوع التي أنشأتها. 3- استدعاء البطريرك يوسف اسطفان الى روما لتبرئة نفسه. إلى حين ذلك، نُحِّيَ عن إدارة الكرسي البطريركي، وجردّه المجمع المقدس من سلطانه الأسقفي والبطريركي، تاركًا له التصرف بالدرجة الكهنوتية وحدها، وتمّ تعيين المطران المناوئ له مخايل الخازن نائبًا بطريركيًّا.

4)  أضف إلى ذلك أن بعضًا من مطارنته ومن الرهبان البلديين استأوا منه شخصيًّا وتواطأوا عليه وألّفوا مع بعض أعيان الطائفة عصبةً قويّة رمت الشقاق والاضطراب في الطائفة المارونية. وبدعوة من المطران ميخائيل الخازن، عقد مجمع باسمهم في مكان يدعى “رام بودقن” تحت بلدة عجلتون، في دير سيدة المعونات الخاصّ بالمطران، فأقرّوا فيه بعض قضايا، يجب إصلاحها في الكرسي البطريركي وفي الأبرشيات، أغلبها مخالف للمجمع اللبناني.

وفيما كان متوجّهًا إلى روما عبر مرفأ حيفا، ساءت حالته الصحّيّة كثيرًا، فُمِنَع من السفر وركوب البحر، فأقام في دير جبل الكرمل منتظرًا شفاءه، وعودة قصادّه من روما، الذين عادوا إليه ناقلين تفهّم الحبر الأعظم لوضعه الصحّي وتبيان كمال طاعته له، فعفاه من المثول أمامه لتبرئة نفسه. في هذه الأثناء، عقد مجمع طائفي في دير سيدة ميفوق سنة 1780، بدعوة من النائب البطريركي ميخائيل الخازن، والقاصد الرسولي، وتُلِيَتْ أحكام روما على الجميع، بالرغم من تغيّب بعض الأساقفة عنه. ممّا أثار احتجاج البطريرك عليه وبيّن بطلانه، لأنه عُقِدَ بالإكراه لتشويه سمعته وإهانة شخصه. فقرّر البطريرك حينئذٍ العودة من جبل الكرمل إلى جبل لبنان في أواسط 1782، بعد غياب سنتين، ليبرّئ نفسه من التّهم التي اتّهم بها وافتري بها عليه من الكذب والأضاليل.

وفي سنة 1784، أعاده البابا بيوس السادس الى بطريركيته وسلطانه العالي، وأمر بتحويل دير بكركي وأرزاقه الى خير الطائفة، وفصل الراهبة هندية عنه… وبعد عودته، أخذ يجدّ ويكدّ لخير طائفته، وفي حراثة كرم الرب وإعادة السلام الى أبنائه المشتّتين بعد غيابه عنهم مدة 4 سنوات. فعقد مجمعًا طائفيًّا في كنيسة عين شقيق بالقرب من وطا الجوز في 6 أيلول 1786، واتخذ عدّة قرارات تؤول الى اصلاح الشؤون الطائفية والى تهذيب الاكليروس والرهبان ؛ وألحقه بمجمعٍ آخر في بكركي في 3 كانون الأول 1790، فكان من أهم المجامع المارونية المعقودة بعد المجمع اللبناني الشهير.

وفي 4 آب 1787، جدّد ملك فرنسا لويس السادس عشر حمايته للطائفة المارونية. وعمد بعدها البطريرك إلى فضّ الخلاف بينه وبين المطران ميخايل الخازن الذي كان نائبًا بطريركيًّا في غيابه، بتوليته على أبرشية دمشق، بعد ان تنازل عنها المطران يوسف التيان.

وفي سنة 1788، وقف هذا البطريرك دير عين ورقه الخاصّ بعائلته، وحوّله إلى مدرسة عامة إكليريكيّة للطائفة، بعد نقل الراهبات العابدات منه إلى أديرة أخرى.

وكان آخر ما قام به البطريرك يوسف اسطفان أن ثبّت بكركي مقرًّا للكرسي البطريركيّ في 7 حزيران 1790، وكرّس تثبيته الكرسي الرسولي بعد ثلاث سنوات في 11 حزيران 1793.

 أقام البطريرك أكثر الأوقات في دير مار يوسف الحصن في غوسطا، حيث توفي في 22 نيسان 1793، ودفن فيه.