البطريرك اسطفانوس الدويهي من إهدن، وهو الثاني باسم اسطفان.
انتخب في دير قنوبين في 20 أيار سنة 1670، لم يرضَ به الجميع بطريركًا في بادئ الأمر. وكان المعترضون كثر، ومن بينهم بعض المطارين الذين كتبوا الى روما معبّرين عن عدم رضاهم. مما أخّر حصوله على البراءة الرسولية ودرع التثبيت من البابا أكليمنت العاشر إلى 8 آب 1672، ولم يستلمه الا في تشرين الاول 1673، إثر عودة قاصده يوسف الحصروني من روما. فأصبح البطريرك السابع والخمسون على الكنيسة المارونية.
هو خرّيج المدرسة المارونيّة في روما. وفي اليوبيل المئوي الأول لتأسيس المدرسة المارونية في روما سنة 1684، وضعت صورته إلى جانب صورتي البطريرك جرجس بن عميرة الإهدني والبطريرك إغناطيوس أندراوس أخجيان على جدران قاعة المدرسة المارونية في روما. وكتب باللاتينية تحت رسم البطريرك اسطفان الدويهي ما يلي : ليس من مديح يوفي هذا الحبر حقّه لأنه يفوق كل ثناء. رقّي الى الملك فوجد أعلى من هذا المقام واجتهد في أن يفوق ما سواه لا بالعظمة بل بالصلاح والفضل. كتب تواريخ أمّته ووطنه وطقوسهما فاستحقّ بذلك المدحة. فلتذع إذًا مناقبه ليس الأجيال الحاضرة وحدها بل الأعصار السالفة والمستقبلة أيضًا. سار سيرة رهبانية. وكان يتفرّغ لشأن نفسه ولخدمة الله كمن ليس له رعيّة يهتم بتدبيرها. وكان يهتمّ بالآخرين كمن ليس له انشغال بذاته وبالله. وكان يسعى في أن يغني غيره. يا لها من ديار سعيدة أخذت الجزية من رئيسها بدلاً من أن تدفعها لوليّ أمرها.
سكن معظم سنيّ بطريركيته في دير سيدة قنوبين في الوادي المقدس، مقرّ أسلافه وخلفائه. لكنّه، هربًا من المظالم التي تعرّض لها وجور الحكام الحماديين المتكررة في الشمال، وللقيام ببعض الواجبات الرعوية، جعلته يلتجئ بضع سنوات إلى أماكن أكثر أمانًا كدير مار شليطا مقبس في كسروان، حيث رمّم الكنيسة وشيّد داراً لإقامته، وسكن بعض الوقت في بلدة مجدل المعوش في منطقة الشوف، وطاف وهو بطريرك على كل الأبرشيات وزار معظم الرعايا، بنى ورمّم العديد من الأديار والكنائس (حوالي 27 دير وكنيسة)، وكرّس أكثر من 35 كنيسة موزّعة بين الجنوب والشمال وكسروان، وفحص الكتب البيعية، ودوّن ما وصل إليه فحفظ تاريخ الكنيسة المارونية.
كان الدويهي يحرص على تنظيم كنيسته تنظيمًا منفتحًا على الدروز وعلى سائر الكنائس الشرقية والمرسلين اللاتين في الداخل، وعلى الكرسيّ الرسولي وفرنسا، في الخارج. جاهدًا مع كل الانفتاح هذا، على الابقاء على خصائص الكنيسة المارونية الانطاكية السريانية التي تعيش جنبًا الى جنب مع سائر الكنائس الشرقية.
أقام مدرسة في دير قنوبين لتعليم أولاد الطائفة المارونية كل العلوم مجّانًا واستمرت هذه المدرسة مدة وجوده.
لم يذق البطريرك الدويهي طعم الراحة في حياته : حروب كثيرة، ومظالم متعِّددة، ومتغيّرات سياسية جرت في أيام بطريركيته، كان شعاره فيها المحافظة على مصالح شعبه، وحمل همومه، والمدافعة عنه أمام أعلى المنابر السياسية والدينية في ذاك الزمان.
من فضائله :
تعلّق بنويّ بالعذراء مريم، تعبّد للقربان الأقدس ومواظبة على الصلاة. كريم الأخلاق، متواضع ومحبّ للفقراء. كان يخدم الفلاحين ويسقيهم في كأسه، ولم تؤثر عليه السلطة لأنّه آمن أن السلطة خدمة. تحمّل الاضطهاد والإهانات حبًّا بالمسيح، كما سهر على الناس سهراً دؤوباً كي لا تدخل عليهم التعاليم غير المستقيمة. دافع عن إيمانه وشُهد له أينما كان. رجاؤه وايمانه وحبّه لله كانوا نبراساً له ونوراً لسبيله.
أهم أعماله :
إصلاح الرهبانيات المارونية الرجالية، وتنظيمها تنظيمًا لاتينيًا غربيًا.
(1695 : الرهبانية المريمية المارونية والرهبانية اللبنانية المارونية ؛ و1700 : الرهبانية الأنطونية المارونية).
أهم مؤلفاته :
منارة الأقداس والمنائر العشر، الشرطونية، شرح التكريسات، رتبة لبس الاسكيم الرهباني، كتاب النوافير، كتاب التبريكات والصلوات، كتاب توزيع الأسرار، كتاب الجنازات، كتاب فك الأشعار السريانية، كتاب الألحان السريانية، كتاب الوعظ والارشاد، كتاب الفردوس الأرضي، كتاب نتائج الفلسفة، كتاب رد التهم عن الموارنة، مقالات عقائدية، تاريخ الأزمنة، تاريخ الطائفة المارونيّة، بداءات البابويّة، سلسلة بطاركة الطائفة المارونيّة، سيرة حياة تلاميذ المدرسة المارونيّة وغيرها…
عاصر البطريرك الدويهي 5 أحبار أعظمين أيام بطريركيته :
إقليموس العاشر (1670-1676)،
إينشنسيوس الحادي عشر (1676-1689)،
اسكندر الثامن (1689-1691)،
إينشنسيوس الثاني (1691-1700)
وإقليموس الحادي عشر (1700-1721).
توفّي برائحة القداسة في 3 أيار سنة 1704، عن 74 عامًا، في دير قنوبين، محاطًا بأساقفته ورهبانه وجمهور كبير من الشعب. ودفن في مغارة القديسة مارينا، في مدافن سلفائه البطاركة.
بعض من عجائبه :
أوقف المطر في ساحل علما وحَبَسَهُ بين غزير وقنّوبين.
-فوّر القمح في مجدل المعوش. شفى الولد فيليبوس الجميّل من مرض مميت فصار هذا الأخير المطران فيليب الجميّل الشهير.
شفى الولد بطرس كبيش من بلوزا والياس من غوسطا وابراهيم السمراني تلميذ المدرسة المارونية في روما. طرد الشياطين من- عدة أشخاص وأماكن.
أوقف الصخرة عن السقوط في قنوبين وهكذا خلّص حياة عدة فلاحين. أضاء حديثاً الطريق لفتاة في اهدن عندما اعتراها- الخوف فاطمأنت ولم تعد خائفة.
شفى يد شاب مصابة بالالتهابات…
في أيار 1982، قرر سينودس الأساقفة برئاسة البطريرك الكاردينال أنطونيوس خريش، المباشرة بدرس التقدم بدعوى تطويبه إلى المراجع المختصّة في روما.
وأعلنه قداسة البابا بندكتوس السادس عشر خادمًا لله ومكرّمًا من قبل مجمع قضايا القديسين بموجب الپروتوكول رقم 2145، في 3 تموز 2008.
يعتبر البطريرك إسطفان الدويهي الإهدني فخر الطائفة المارونيّة ومن أعظم البطاركة شأنًا، واليه يعود الفضل الأول في حفظ تاريخها. سَما بالعلم والقداسة والغيرة والتضحية. وهو أوّل مرجع علميّ في كتابة تاريخ الموارنة وتنظيم طقوسهم، وقد استحقّ القاب عديدة أطلقت عليه وهي : “أحد كبار المؤرّخين العرب في العهد العثماني”، و”أبو التاريخ اللبناني الحديث”، و”رائد فذّ من روّاد النهضة الفكرية في الشرق”، “أبو التاريخ الماروني”، “عامود الكنيسة المارونيّة”، “ذهبيّ الفم الثاني”، “عظيم الأمة المارونيّة”، و”مجد لبنان والموارنة”.
في 2 آب 2024، تم إعلان البطريرك الماروني اسطفان الدويهي طوباويًا. تم الاحتفال بهذا الحدث الكبير في الصرح البطريركية في بكركي بحضور الكاردينال مارشيلو سيميرارو، ممثلاً قداسة البابا فرانسيس.