هو البطريرك يوحنّا من بيت البواب من الصفرا، عند ساحل فتوح كسروان، والمعروف بالصفراوي. وهو العاشر باسم يوحنّا. رقّي الى الدرجة الأسقفية سنة 1636، وانتخب بطريركًا في دير قنوبين سنة 1648، وثبّته البابا اينوشنسيوس العاشر في 13 أيلول سنة 1649. وهو الثاني عشر من البطاركة في دير قنوبين. وسكن في دير قنوبين، وتوفّي فيه في 23 كانون الأوّل سنة 1656.

في أيّامه، جدّد لويس الرابع عشر ملك فرنسا، سنة 1649، عهد الحماية والصيانة للطائفة المارونية. وعيّن الشيخ أبا نوفل الخازن والمعروف باسم نادر أبي نوفل الخازن قنصلاً له في بيروت في سنة 1655.

كان هذا البطريرك رجلاً بارًّا قدّيسًا وطاهرًا، لا غشّ فيه، صاحب قناعة ورضى وبشاشة لا تعرف الكدر، وقد ربي منذ صباه بالتقوى والسيرة النسكية حتى وصل الى أجلّ مراتب الاتضاع. كان مدمنًا على صلاة المسبحة وملازمًا الصوم، وقد أجرى الله على يده كثيرًا من الكرامات والعجائب. وكان كلّما صلّى، التحف بثوب من نور سماويّ كان يشاهده جميع خدّامه ومعاشريه. ونقلوا عنه أنه لما كان في ساحل علما في منزل الشيخ أبي ياغي ابن حبيش عند المساء، دخل عليه القس مرهج ابن نمرون الباني، ووجده ملقىً على الأرض ورأى نورًا خارجًا من وجهه يضيء كل المنزل.

في زمانه حدثت الرؤيا في جبل لبنان، كما يذكر العلامة البطريرك اسطفان الدويهي، وهي أنّه قد شوهد القدّيسون ظاهرًا متّشحين ملابس بيضاء وهم ماضون نحو بلاد كسروان.

كان موصوفًا بالبذل والسخاء والأماتة والتقشف، ومعروفًا بتوقد الذهن والذكاء، وكان ذا مقدرة في العلوم الالهية والأدبية. دمث الأخلاق، لطيف المعشر، ولين العريكة، وذا بشاشة طبيعية جعلته محبوبًا لدى شعبه الواثق به كل الثقة. لم يمنعه ذلك في حسن تدبيه في الأمور الطائفية إن في الروحيات أو الماديات، ولا سيما في الاصلاح الطقسي. اهتم بطبع المجلدين الكبيرين من المتعيدات في روما، أحدهما متخصّص بالأعياد الشتوية سنة 1656، والآخر بالأعياد الصيفية 1657. بعد وفاة البطريرك يوحنا الصفراوي، تمّ انتخاب المطران جرجس حبقوق البشعلاني من العاقورة بطريركًا. وكان راهبًا تقيًّا غيورًا حكيمًا، وقدوة للفضل والنزاهة والعدل والاخلاص. فور انتخابه، هرب من المجمع واختبأ في قلّاية أحد الرهبان. فمضى الشعب، فخلعوا باب القلّاية، وحملوه عنوةً على أيديهم الى الكنيسة، ولكنّه بقي يمانع بكلّ قوّته. ولـمّا دنا من الكنيسة تظاهر بأنّه قَبِلَ، وطلب أن يستريح قليلاً. ولـمّا رأى أنّ أغلبية الناس قد فلّوا، خرج بلطفٍ من الدير برفقة أخيه، واختفى في الوادي المقدّس، ولم يتمكّن أحد من أن يجد له أيّ أثر. ولـمّا يئسوا منه، انتخبوا بدلاً عنه المطران جرجس بن الحاج رزق الله من قرية بسبعل بطريركًا، ودعي الهارب من البطريركيّة لشدّة تواضعه واحترامه سموّ هذا المقام الجليل.