وُلِدَ يُوحَنَّا في قَرْيَةِ سَرُومَ القَريبَةِ مِنْ أَنْطَاكْيَةَ سُورِيَّا، في النصف الأول من القرن السابع ميلادي، إِسْمُ أَبِيهِ أَغَاتُون وأُمِّهِ أَنُوهَامِيَا، وكِلاهُمَا مِنَ المُؤْمِنِينَ الأَتْقِيَاء. فَرَبَّيا وَلَدَهُمَا يُوحَنَّا تَرْبِيَةً مَسِيحِيَّة، وثَقَّفَاهُ في مَدارِسِ أَنْطَاكْيَة، ثُمَّ في القُسْطَنْطينِيَّة. ولَمَّا تُوُفِّيَ والِدُهُ، عادَ إلى أَنْطَاكْيَة. ومِنْهَا مَضَى إِلَى دَيْرِ مار مارونَ عَلَى شَاطِئِ العاصِي، ولَبِسَ ثَوْبَ الرَهْبَانِيَّةِ ورُقّيَ إِلَى دَرَجَةِ الكَهَنُوت، وسُمِّيَ يوحنا مارونُ نِسْبَةً إِلَى الدَيْرِ الذي تَرَهَّبَ فِيه. وشَرَعَ يَتَفَانَى غَيْرَةً عَلَى خَلاصِ النُفُوسِ ويَحْمِيهَا مِنَ البِدَع. وَوَضَعَ كِتَابَهُ في العَقِيدَةِ الكَاثُولِيكِيَّةِ الصَحِيحَة، مُبَرْهِنًا أَنَّ في المَسِيحِ طَبِيعَتَينِ ومَشِيئَتَينِ وفِعْلَينِ كَامِلَين.
ثُمَّ إِنَّ البَابَا مَرْتِينُوسَ الأَوَّلَ (649-654) أَرْسَلَ يُوحَنَّا، أُسْقُفَ فِيلادِلْفْيَا إِلَى الـمَشْرِق، نِيَابَةً عَنْهُ، فَأَقَامَ يُوحَنَّا مارونَ أُسْقُفًا شَرْعِيًّا عَلَى مَدِينَةِ البَتْرُون وما يَلِيهَا سَنَةَ 676. وفي سَنَةِ 685، اجْتَمَعَ رُؤَسَاءُ جَبَلِ لَبْنانَ واخْتارُوا يُوحَنَّا مارونَ بَطْرِيَرْكًا عَلَى كُرْسِيِّ أَنْطَاكْيَة. فكان البَطْرِيَرْكِ الأَوَّلِ لِلكَنيسَةِ المارونِيَّة، والثالث والستون بعد القديس بطرس على كرسيّ أنطاكية. وجَعَل كُرْسِيّه البَطْرِيَرْكيّ في دَيْرِ القِدِّيسِ مارونَ في كْفَرْحَي، مِنْ أَعْمالِ البَتْرُون، وأطلق عليه إسم “دير ريش موران”(ܪܝܫ ܡܪܢ) أي “دير رأس سيدنا” باللغة السريانية. فأصبح بعدئذ المقرّ الأوّل لثلاثة من البطاركة الموارنة وهُمْ : يُوحَنَّا مارون، وقُورُش، وجِبْرائِيل”. وسُمّي الدير بعدها بإسم دير مار يوحنا مارون.
وَقْد جاءَ في تَقْلِيدِ كَنِيسَتِنَا أَنَّ هَذا البَطْرِيَرْكَ ذَهَبَ إِلَى رُوما، وأَنَّ البَابَا سِرْجْيُوسَ (687-701) رَحَّبَ بِهِ وَوَشَّحَهُ بِيَدِهِ دِرْعَ الرِئَاسَةِ السَامِيَة ؛ وتَوَطَّدَ الاتِّحادُ مَعَ الكَنِيسَةِ الرُومانِيَّة، واتَّخذَ الشَعْبُ المارونيُّ هَذا الاسْمَ مِنْ ذَلِكَ الحِين، ودُعُوا “مَوارِنَة”، نِسْبَةً إِلَى دَيْرِ مار مارون، وإِلَى يُوحَنَّا مارونَ. وراحَ يُوحَنَّا مارونُ يُجَاهِدُ أَشْرَفَ الـمُجَاهَداتِ في إِنْشَاءِ الكَنائِسِ وبُنْيَانِ الكَهَنَة، وتَهْذِيبِ الرَعَايَا، وتَنْظِيمِ الرُتَبِ البِيعِيَّة، وزِيارَةِ الرَعَايَا. وعِنْدَمَا تَفَشَّى داءُ الطَاعُونِ في البِلاد، أَخَذَ يَتَفَقَّدُ بِذَاتِهِ الـمَطْعُونِينَ ويَشْفِيهِمْ بِصَلاتِهِ، حَتَّى أَكْمَلَ سَعْيَهُ بِكُلِّ قَداسَة، وتُوُفِّيَ في 2 شُبَاطَ سَنَةَ 707 ؛ ودُفِنَ في دَيْرِ مار مارونَ الذي في كْفَرْحَيّ، حَيْثُ كانَ مُقِيمًا. وإِلَى هَذا الدَيْرِ نُقِلَتْ هَامَةُ القِدِّيسِ مارونَ أَبي الكَنِيسَةِ المارونِيَّةِ سَنَةَ 2000 مِنْ مَدِينَةِ فُولِينْيُو الإيطاليَّة. وأَصْبَحَ هذا الدَيْرُ مؤخّرًا مَقَرًّا لِلْكُرْسِيِّ الأُسْقُفيِّ عَلَى أَبْرَشِيَّةِ البَتْرُونَ المارونِيَّة.
ترك البطريرك يوحنا مارون إرثًا فكريًا كبيرًا لاهوتيًا وليتورجيًا. وَهِيَ مَجْمُوعَةُ الكُتُبِ التالِيَة :
1) كِتابُ الإيمان ؛
2) كِتابٌ في الكَهَنُوت ؛
3) كِتابٌ في شَرْحِ اللِيتُورْجِيَّا ؛
4) كِتابٌ ضِدَّ النَسَاطِرَة ؛
5) كِتابٌ ضِدَّ أَصْحَابِ الطَبِيعَةِ الواحِدَة ؛
6) نافُورُ قُدَّاس ؛ الذي يُعْتَبَرُ مِنْ بَيْنِ أَقْدَمِ النَوافِيرِ في الكَنِيسَةِ المارونِيَّة، وقَدْ أُدْرِجَ ما بَيْنَ النَوافِيرِ الـمُسْتَعْمَلَةِ في طَبْعَةِ بْكِرْكِي سَنَةَ 2005.
وفي سنة 1787، نُقِلَ العِيدُ مِنْ 2 شُبَاط، تارِيخِ وَفاتِهِ، إلى 2 آذار، بِسَبَبِ العِيدِ السَيِّدِيّ، دُخُولِ الرَبِّ إلى الهَيْكَل. صَلاتُهُ مَعَنَا. آمين.