زيارة البطريرك الراعي الرسمية الى فرنسا – اليوم الاول
زيارات رسولية
غادر غبطة البطريرك الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي صباح اليوم الإثنين 28 ايار 2018، بيروت متوجها الى باريس في زيارة رسمية لمدة اربعة ايام يلتقي في خلالها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ومسؤولين رسميين وروحيين لعرض عدد من المواضيع ابرزها ايجاد حل لأزمة النزوح السوري الى لبنان و ضرورة الحفاظ على الحضور المسيحي في الشرق ودعم الفرنكوفونية في لبنان والتعليم الخاص.
ورافق البطريرك الراعي في زيارته الى فرنسا رئيس اساقفة بيروت للموارنة المطران بولس مطر، النائب البطريركي المطران بولس عبد الساتر، مدير المركز الكاثوليكي للاعلام الخوري عبدو ابوكسم، مدير المكتب الاعلامي في البطريركية المحامي وليد غياض، مدير رابطة قنوبين للرسالة والتراث جورج عرب.
وقدمت ثلة من قوى الامن الداخلي للبطريرك في المطار، حيث كان في وداعه ممثل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وزير الدولة بيار رفول، قائد جهاز امن المطار العميد جورج ضومط، رئيس دائرة الامن العام في المطار العميد فادي الخواجة، رئيس مكتب جبل لبنان في مخابرات الجيش العميد كليمان سعد واعضاء من المجلس العام الماروني.
وجه غبطته تحية لفخامة رئيس الجمهورية لايفاده ممثلا عنه ، وقال:” نحن في هذه الايام نصلي حتى تتحقق امنياته الكبيرة مع رئيس الحكومة المكلف الرئيس سعد الحريري لتأليف حكومة بشكل سريع وتكون على مستوى الانتظار وخصوصا أننا نتوجه الى فرنسا التي تتطلع الى لبنان بكثير من الامل. وها نحن خرجنا للتو من مؤتمر “سيدر” في السادس من نيسان الماضي والتي كانت فرنسا من بين الدول الداعمة له اضافة الى غيرها من الدول على مستوى الاسرة الدولية التي أخذت على عاتقها دعم لبنان اقتصاديا حتى ينهض من خلال مؤسساته، لان لدى هذه الدول ايمان كبير بأن لبنان يشكل قيمة كبيرة في هذا الشرق ويقولون إن لبنان اذا تمت حمايته وأصبح قويا بمؤسساته سيكون بالتالي مساعدا للسلام ليس فقط في الشرق انما في اوروبا ايضا.”
وتابع غبطته:” هذا ما قاله الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وانطلاقا من هذا الكلام نحن نحمل هذه الرسالة من لبنان. ونحن كشعب لبناني مدعو إلى الالتزام، فهذا وطننا وهذه دولتنا وكل من موقعه يلتزم بأن يعيش الاصلاحات المطلوبة وبخاصة الالتزام بوحدتنا الداخلية بتعاوننا وولائنا للبنان والعمل للمصلحة اللبنانية، حتى نكون اصحاب ثقة عند هذه الدول”.
أضاف غبطته: “نحن في الحقيقة نحمل معنا للرئيس ماكرون مذكرة مفصلة عن كل القضايا المطروحة والتي سبق وان طرحت في مؤتمرات روما وبروكسل و”سيدر”. وهذه المواضيع سنحملها في لقاءاتنا مع المسؤولين الفرنسيين وكل الشخصيات التي سنلتقيها، سنحمل معنا القضية نفسها، القضية اللبنانية بكل ابعادها من خلال دور الكنيسة، فنحن ندعم الواقع السياسي في لبنان وندعم التوجيهات التي يقوم بها رئيسا الجمهورية والحكومة، ونحن لا نتحدث كلاما آخر ونحن ندعم السياسة اللبنانية، ونحن ايضا نتحدث عن دور الكنيسة في هذه المواضيع التس أكدها الرئيس عون خلال زيارتي له الأسبوع الفائت”.
وقال غبطته:” بالنسبة للمشاورات التي سييباشر بها الرئيس المكلف سعد الحريري اليوم، انا دائما اردد شخصيا، وفي أي مكان بأن التحديات الكبيرة الموجودة في لبنان والنظرة الدولية للبنان تقتضي بأن تتشكل الحكومة في أسرع ما يمكن، فلبنان لا يحتمل أي تأجيل، وعلينا ألا ننسى أن الامور المالية التي تقررت في المؤتمرات الدولية الثلاثة بخصوص لبنان ربطوها بالاصلاحات والهيكليات، الاصلاحات في القطاعات وقد تحدد مكانها وكل ذلك مرتبط بالاصلاحات وكان الكلام واضحا فيها، وكل الاتفاقات والوعود التي قمنا بها لا قيمة لها أو معنى اذا لم تستجيب مع الاصلاحات المطلوبة. لذلك يجب ان تتألف الحكومة اليوم قبل الغد وتنطلق وتحمل مسؤولياتها لاننا امام مسؤوليات كبيرة جدا داخلية ودولية واقليمية”.
وفي رد على سؤال عن إمكان مشاركة نائب رئيس الحكومة السابق عصام فارس في الحكومة المقبلة، قال البطريرك الراعي:” حتى لو كان الرئيس عصام فارس موجودا في الخارج الا ان قلبه هنا وفكره هنا ونشاطاته الثقافية والانمائية موجودة هنا، ونحن نريد ان نشكره”.
وبعد الظهر وصل غبطة البطريرك والوفد المرافق الى مطار لو بورجيه الفرنسي وكان في استقباله سفير لبنان في فرنسا رامي عدوان، الوزير السابق ابراهيم الضاهر، وممثل وزارة الخارجية الفرنسية السفير جان كريستوف بوسيل، ثم توجه الى مقر اقامته في فندق “لو بريستول”، حيث التقى النائب السابق لرئيس مجلس الوزراء عصام فارس ونجله نجاد وكان بحث في قضايا متعلقة بالشأن الوطني ابرزها مرحلة تأليف الحكومة التي يمر بها لبنان والتوافق على ضرورة الإسراع في تشكيلها لتكون جاهزة لمواجهة التحديات السياسية والإقتصادية وايجاد الحلول اللازمة للمسائل العالقة التي يعاني منها الشعب اللبناني. واستتبع اللقاء بمأدبة غداء اولمها فارس على شرف غبطته.
ثم التقى غبطته والوفد المرافق رئيس الجمعية الوطنية فرنسوا دو روغي في مقر الجمعية وكانت جولة افق حول قضايا مشتركة بين البلدين ومنها العلاقة العريقة بين البطريركية المارونية وفرنسا اضافة الى مسائل آنية على الساحة اللبنانية والإقليمية ولا سيما مؤتمرات الدعم الدولية للبنان وضرورة المساعدة لوقف الحرب في سوريا وتأمين العودة الامنة للنازحين الى اوطانهم.
بعدها توجه غبطته والوفد المرافق للقاء رئيس مجلس الشيوخ جيرار لارشيه في مقر المجلس بحضور عدد من المسؤولين الرسميين الفرنسيين. وأثنى لارشيه على الدور الروحي والوطني الذي يقوم به البطريرك الراعي الذي”لا يفرق بين اللبنانيين على مختلف انتماءاتهم فهو مع ما يمثله من سلطة معنوية يهتم بأمور جميع اللبنانيين من دون استثناء،” مشيرا الى “الزيارة التاريخية التي قام بها الى المملكة العربية السعودية في ظروف استثنائية.”
وشدد لارشيه على ما يطالب به غبطته من دعوة “المسيحيين الى التمسك بأرضهم والتجذر فيها على الرغم من الصعاب التي تواجههم، اضافة الى مطالبته الأسرة الدولية العمل لوقف الحرب المشتعلة في عدد من دول الشرق ايمانا منه بأن هذه الأرض عرفت زمنا طويلا من العيش المشترك بين مختلف مكوناتها لذلك يجب الحفاظ على هذا الغنى.”
ونوه لارشيه بدور الجيش اللبناني في الحفاظ على الوحدة الوطنية وهذا ما حفز فرنسا لعقد مؤتمر روما لدعم الجيش. كما لفت الى ما قدمه “لبنان في مسألة النزوح السوري من استقبال لنازحين فاق عددهم قدرته على التحمل.”
بدوره شكر غبطته لارشيه على حفاوة الإستقبال وعرض بايجاز للوضع الراهن في لبنان ولما يعانيه نتيجة للحرب الدائرة في المنطقة.
واكد غبطته ان “الجيش اللبناني يبقى امل جميع اللبنانيين فلقد تجاوز الصراع السياسي بفضل حكمة قيادته وهو يثبت دائما انه الضمانة الأكيدة لخلاص البلد، لذلك لا بد من دعمه ومساعدته ليحافظ على دوره الفعال والأساسي في لبنان،” شاكرا لفرنسا “مبادرتها بعقد مؤتمر روما لدعم الجيش.”
وقال غبطته:” نشكركم على حفاوة الإستقبال وهذا اللقاء العائلي هو بمثابة تقليد قائم بين شعبينا وهو اتاح لنا القاء نظرة شاملة لتبادل الآراء حول الوضع في لبنان والشرق الأوسط وسط الظروف الراهنة.”
وتابع غبطته:” نقدر لكم اهتمامكم بلبنان وشعرنا كم هو حاضر في قلبكم وفكركم. لقد تابعنا مبادراتكم وسعيكم الدائم لمساعدة وطننا في ظروفه الصعبة حيث اثبتم محبتكم له ولا تزالون. هذه المحبة والجهود المقرونة مع تلك التي يبذلها العديد من الفرنسيين واللبنانيين المخلصين قد اثمرت خيرا لبلدنا. لقد اوجدت علاقة الصداقة بين لبنان وفرنسا رؤية مشتركة للقيم والكرامة الإنسانية والحرية والمساواة والإنفتاح الحواري المتنوع. كل هذا اوجد ثقافة تمثلت بتربية مدرسية عامة وتعليم اجتماعي حضرت فيهما الفرنكوفونية بقوة. وهذه مناسبة اليوم لتقدير اهمية هذه الشراكة المستمرة بين شعبينا.”
وتابع غبطته:” اسمحوا لي ان اعبر عن اهتمامنا الكبير بالفرنكوفونية وبالمدارس الكاثوليكية الخاصة. وكما تعلمون فان الفرنكوفونية تمثل عنصرا اساسيا في هويتنا. والمدرسة الكاثوليكية الفرنكوفونية كما باقي المدارس الخاصة لعبت دورا اساسيا في تثقيف النخبة اللبنانية. هذه المدارس مهددة اليوم بإقفال ابوابها بسبب القانون 46 الذي اقره البرلمان اللبناني في آب 2017 وهو ينص على اضافة زيادات على الرواتب اضافة الى ست درجات استثنائية وهذه الزيادة على رواتب 1130 استاذ في المدارس الكاثوليكية تصل قيمتها الى نحو 118,352,880 دولار اميركي اي ما يساوي 98, 627,400 يورو. نحن في مأزق كبير والدولة اللبنانية اعلنت عن عجزها في مساعدة اهالي الطلاب الذين لا يمكنهم تحمل اي زيادة. لذلك يجب ايجاد وسيلة لدعم المدارس الكاثوليكية لأنه من دونها سوف يخسر المسيحيون الركيزة الاساسية لحضورهم في لبنان.”
وقال غبطته:” في العراق يعيش الشعب تداعيات الحرب. ولقد هجر المسيحيون وطردوا من ارضهم وبيوتهم. وفي سوريا هجر نحو 10 ملايين مواطن من ارضهم وتوجه نحو مليون ونصف المليون منهم الى لبنان حيث وجدوا ملجا لهم. وبدوره برهن الشعب اللبناني عن سخائه وكرمه حيالهم واستقبلهم بالترحاب ولكنه اليوم يرزح تحت وطاة هذا النزوح الذي يهدد مجتمعنا اقتصاديا واجتماعيا الامر الذي يشكل تهديدا لهوية شعبنا. وفي مصر سقط العديد من الشهداء سواء بتفجيرات ارهابية ضربت الكنائس او بعمليات اطلاق نار .”
وتابع غبطته:” وفي مواجهة هذا المشهد الماساوي تبقى المقاومة الوجودية والحضارية والاخلاقية للشرق لكي يطيب من جراحه ويعود الى حياته العادية التي يتحكم بها العقل واحترام الآخر. انا متاكد من ان توطيد العلاقة
اللبنانية الفرنسية والشراكة بين فرنسا ولبنان تقدم حظوظا لشرق اوسط متصالح ولعالم اكثر وحدة وتضامن وانسانية. ان لبنان بإمكانه في المستقبل ان يقدم دوره كنموذج للتعايش هدية للعالم ونحن على يقين انه اذا نجح لبنان في الحفاظ على حياده سيحظى بفرصة عظيمة ليثبت دعوته لإنسانية مشرقة. نأمل ان تساعد فرنسا لبنان الى جانب مجلس الأمن على الإفادة من وضع الحياد وان تتمكن فرنسا التي تعلم بكل المتناحرين في الشرق والغرب والتي لم تخلق معها اي عداوة ان تساهم في السلام في المنطقة.ونحن لم نتوقف يوما عن الدعوة الى السلام العادل والشامل والدائم. لأنه في الواقع لا يبنى السلام الا بالسلام.”
وختم غبطته:” فلنفكر بعلاقاتنا التاريخية وكيفية تقويتها ولنفكر ايضا بالفرنكوفونية التي تقدم املا مشتركا في التفاهم الروحي والثقافي ولنتمسك بالشراكة الإقتصادية والثقافية والتعاون في قلب كياناتنا المتبادلة . وهذه الصداقة اللبنانية الفرنسية سوف تتجدد وتجد وسيلة لتلعب دورها في قلب شبيبة بلدينا.”