اليوم الثالث من زيارة البطريرك الراعي الى الدوحة
زيارات رسولية
استهل البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي اليوم الثالث من زيارته الراعوية الى قطر اليوم السبت 21 نيسان 2018، بزيارة المبنى المركزي لمؤسسة قطر، يرافقه المطرانان سمير مظلوم وبولس الصياح، الأب شربل مهنا، مدير المكتب الإعلامي وليد غياض، سفير لبنان في قطر حسن نجم، السفير البابوي فراشيسكو باديلا، النائب الرسولي لشبه الجزيرة العربية المطران كاميليو باللين ومدير المركز الكاثوليكي للإعلام الأب عبدو ابو كسم.
واستمع غبطته الى عرض موثق حول إنشاء مؤسسة قطر “ما يدل على مدى الاهتمام الحكومي بالتعليم والابحاث وتطويرها اضافة الى تنمية المجتمع، الأمر الذي ترجم بافتتاح فروع لجامعات عالمية في مؤسسة قطر التي تحضن اكثر من ستين جنسية من الطلاب من مختلف دول العالم”. وكان تركيز على ان الحكومة “تصرف نحو 2,8 من الموازنة لتمويل الأبحاث وتطويرها لمواجهة التحديات في عالم اليوم على مختلف الاصعدة”.
اما المحطة الثانية فكانت في المكتبة الوطنية، حيث كان في استقبال البطريرك الراعي وزير الدولة حمد بن عبد العزيز الكواري، وكانت جولة في مختلف الأقسام الممتدة على مساحة 45 الف متر مربع، وهي مفتوحة على بعضها البعض وتتسع لنحو مليون و200 الف كتاب عدا الكتب الرقمية”.
وردا على سؤال عن رأيه في المكتبة، قال البطريرك الراعي: “انه انجاز رائع. هذه هي المكتبة الوطنية بمجموعة الكتب الموجودة فيها والتي يفوق عددها المليون. اود ان اهنئ الدولة القطرية الممثلة معنا اليوم بحضور وزير الدولة حمد بن عبد العزيز الكواري، حبيب الكتاب وحبيب لبنان، ونقول اليوم من خلال سفيرنا في قطر السيد حسن نجم: تهانينا الكبيرة لقطر على هذا الإنجاز. كما نهنئ سمو الامير تميم، ففي الحقيقة ان ما رأيناه اليوم من مؤسسة قطر عامة والمكتبة خاصة، نفاخر به جميعنا، وليس فقط قطر، لأنه يشكل غنى لجميع أبناء العالم العربي. نحن نعتبر ان هذه المكتبة تخصنا جميعا، وهي تدل ايضا على الانفتاح الكبير الذي قامت به دولة قطر على العالم. ما من شيء يعني العالم ويدعوا الشعوب الى التلاقي مع بعضها البعض الا الثقافة والعلم، وهذا ما نحن بحاجة اليه اليوم. لا تخافوا من الانسان المثقف، انما خافوا من الانسان الجاهل. ولكن في الوقت ذاته، اذا لم تقترن الثقافة بالقيم الروحية والأخلاقية، وان لم يكن هناك حضور لله في حياتنا يصبح العلم اكبر وسيلة للدمار والخراب. هذا امر نشهده اليوم من خلال الاسلحة المتطورة التي تقتل الآلاف من دون رحمة، مما يعني ان هذا العلم، اذا انحرف عن واقعه، اي واقع رباطه مع مصدر العلم وهو الله، يصبح خطيرا جدا”.
أضاف غبطته: “أنا اؤمن بان هذه المكتبة ستكون لجميع الأجيال، لتقول لهم انه لا يمكننا ان نلتقي الا من خلال العلم والثقافة بشرط ارتباطهما بالقيم الروحية والأخلاقية، ويبقى الله هو مصدرها. نحن هنا لإعطاء هذه الشهادة لقطر ونهنئها على هذه الخطوة والتي اسمها مؤسسة قطر، ولا سيما هذه المكتبة العالمية فيها. لقد حققتم تقدما لافتا ومميزا، فمكتبتكم تميزت من كل النواحي وخصوصا من الناحية الهندسية وهي تمثل مساحة واسعة مفتوحة على بعضها البعض لتعطي الرغبة في القراءة، ولتكون من دون حدود، وهي بذلك ترمز الى ان العلم يبقى من دون حدود ايضا. ومن هنا نتمنى على وسائل الاعلام اللبنانية التي ترافقنا ان تخبر اللبنانيين الذين يضحون في سبيل العلم، انه يوجد في قطر هذه المكتبة العالمية الغنية، فليزوروها”.
يشار الى ان الأميرة موزة كانت قد وقعت على الكتاب الاول في المكتبة في خلال حفل الافتتاح الرسمي في 15 نيسان الحالي، فيما وقع الامير تميم بن حمد آل الخليفة على الكتاب الذي يحمل الرقم مليون. بدوره قدم البطريرك الراعي للمكتبة كتابا بعنوان “جذور المسيحية” ليحمل بدوره الرقم مليون وواحد.
يذكر أن المكتبة المزودة بأحدث التقنيات التكنولوجية، وتشمل قسما مخصصا للأطفال وآخر لذوي الاحتياجات الخاصة واستديو للموسيقى وشاشات تفاعلية وأقساما خاصة بالتاريخ والعلوم وغيرها، بالاضافة الى متحف يحتوي على اربعة آلاف مخطوطة، ومجموعة من الخرائط تشير الى موقع قطر على الخريطة العالمية مع بداية القرن التاسع عشر. أما آلية استعارة الكتب وردها، فتتم وفق تقنية متطورة لا تستوجب وجود موظف.
وفي رد على سؤال عن التعاون بين لبنان وقطر، أجاب البطريرك الراعي: “من المفروض ان يكون هناك تعاونا”، سائلا الكواري عما اذا كان هذا التعاون موجود حاليا، فرد الكواري: “ان التعاون موجود وإن شاء الله سيتطور، وستشكل زيارة غبطة البطريرك بشكل عام دافعا لهذا التعاون”.
وتابع غبطته: “اللبنانيون منفتحون على العلم، واعتقد انه بإمكان شباب لبنان التعاون مع قطر للاستفادة من هذه المكتبة العظيمة”، فرد الكواري: “قطر محبة للبنان ولكل شعبه، واؤكد ان هذه الزيارة سوف تشكل دافعا اضافيا لمزيد من العمل والعلاقات بين البلدين والشعبين، والتي هي بحد ذاتها موجودة ولكن كلانا يطمح للمزيد منها”.
أضاف الكواري ردا على سؤال عن رأيه بزيارة البطريرك الراعي الى المكتبة الوطنية: “انه انجاز عظيم من قطر، ولكنه للعرب وللعالم، ومثل هذا الإنجازات سيكون لها صدى طويل المدى على الثقافة العربية وحوارها مع الثقافات الاخرى. هذه المكتبة هي من بين الاحدث في العالم الان، وهي بنت هذا العصر من تكنولوجيا وثورة رقمية”.
وعدد الكواري لمزايا المكتبة لناحية تصميمها ولما تحتويه من كتب بمختلف اللغات، وقال: “ان منظر المكتبة الشفاف يعبر عن الشفافية التي تعيشها قطر والشفافية التي يجب ان تتمتع بها المعرفة في كل مكان. تصميمها فريد، فتكاد ترى المكتبة بكاملها بنظرة واحدة حتى تلك الطوابق الموجودة تحت الارض. هذا امر مميز جدا ومن حقكم كلبنانيين ان تفتخروا بهذه المكتبة كما نفتخر نحن بها.”
وأضاف:” انني سعيد بهذه الزيارة التاريخية لرجل كبير من رجالات الدين والثقافة والفكر، انه غبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، وقد حرصت شخصيا على زيارته للمكتبة حيث وقع على آخر كتاب موجود فيها اليوم، وستكون هذه المكتبة اضافة نوعية للحياة الثقافية في قطر، هذه الحياة التي لها مركز مهم في بلادنا وهي قد جعلت من الدوحة عاصمة ثقافية في نشاط متواصل مع ما تتضمنه من متاحف ومؤسسة قطر واليوم المكتبة الوطنية التي ستشهد برامج ثقافية على مدى السنة، برامج تعكس دورها الفكري والحواري مع الثقافات الاخرى”.
وعن رأيه بوضع البطريرك الراعي لحجر أساس اول كنيسة مارونية في الدول العربية، قال الكواري: “سعداء بهذه الزيارة التي لها رمزية خاصة وتشكل دليلا على مدى تسامح دولة قطر وانفتاحها، ومدى الحرية الموجودة فيها كحرية ممارسة الأديان. وان الجالية اللبنانية في الحقيقة هي من اهم الجاليات التي تحظى باحترام القطريين. فنحن ننظر الى اللبنانيين على انهم اخوة، وبالتالي وجود كنيسة خاصة بالموارنة وبقية المسيحيين هو انجاز نفتخر به ونعتز، وقطر ترحب بزيارة هذا الرجل الكبير لها”.
بعدها توجه البطريرك الراعي والوفد المرافق لزيارة متحف رئيس رابطة رجال الاعمال القطرية الشيخ فيصل بن قاسم بن فيصل آل ثاني، والذي كان في استقباله، وجال الجميع في اقسام المتحف الممتد على مساحة 200 الف متر مربع، واستمعوا الى شرح عن تاريخ موجوداته القديمة التي تنوعت بين مخطوطات وسيارات وسفن ومجوهرات، اضافة الى عرض للتراث التقليدي لقطر.
وقد افتتح الشيخ فيصل المتحف الخاص به في العام 1998 وهو يحتوي على موجودات فريدة ونادرة من العالم، بدأ بجمعها منذ 45 سنة من مختلف دول العالم. وتميز قسم من المتحف بعرض موجودات تخص مختلف الديانات ومن بينها المسيحية، ومنها الصلبان والأيقونات والاثاث الخاص بالكنائس وبدلات الكهنة، وهي تعود لقرون مضت.
واشار فيصل الى ان” الهدف من انشاء هذا المتحف هو”اتاحة الفرصة للجميع للتعرف على التاريخ بمختلف مراحله وقبول فكرة التطور لما فيه خير الانسان والإنسانية، فالحضارات والتاريخ لا يمكن تجاهلها والإ عشنا في الظلمة والجهل”.
بدوره اثنى البطريرك الراعي على “الجهد الذي بذله الشيخ فيصل لجمع هذه الموجودات النادرة التي تغني حاضر الشعوب لما تمدهم به من صورة عن تاريخ مضى وشهد تطورا على مراحل حتى وصلنا الى ما نحن عليه اليوم”.
ومساء ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، قداسا احتفاليا بحسب الطقس اللاتيني شاركت حشود غفيرة من الجاليات العربية والاجنبية، في كنيسة سيدة الوردية في مجمع الاديان في العاصمة القطرية الدوحة، بمشاركة السفير البابوي فرانشيسكو باديللا، النائب الرسولي لشبه الجزيرة العربية المطران كاميليو بللين، المطرانين بولس صياح وسمير مظلوم، خادم الرعية الاب شربل مهنا، ولفيف من الكهنة من جنسيات مختلفة.
بعد الانجيل ألقى البطريرك الراعي عظة بعنوان “أنا الراعي الصالح، أعرف خرافي، وأبذل نفسي من أجلها”(يو 10: 11 و14)، قال فيها “يستعمل الرب يسوع استعارة (allegory) الراعي والخراف، ليبين لنا الشركة القائمة بينه وبين كل مؤمن به. الاستعارة مأخوذة من البيئة التي عاش فيها، لكي يعطي تعليما لاهوتيا كبيرا. يقول إنه الراعي الصالح، يعرف خرافه، يجمعها في الحظيرة التي هو بابها، والبواب يفتح له ليدخلها ويخرجها إلى المراعي الخصبة، ويحميها من الذئاب.
يصف يسوع نفسه “بالصالح” لأنه يوجد رعاة “سارقون ولصوص” (يو 10: 1). الباب هو يسوع المسيح لأنه الحقيقة؛ والبواب هو الروح القدس الذي يعلم الحقيقة؛ والحظيرة هي الكنيسة التي يجمع فيها المسيح كل الذين يسمعون صوته، فتتحقق الشركة الحياتية بينه وبين الجماعة. وهي شركة تولد وتتغذى من الإيمان، وتظهر في الطاعة لصوته. وهو يبذل نفسه في سبيل الجماعة، في سر موته وقيامته”.
أضاف غبطته: “نصلي اليوم من أجل رعاتنا، الأساقفة والكهنة، الذين يرعون رعية المسيح باسمه وبشخصه، هنا في قطر، من خلال خدمتهم المثلثة: التعليم بنشر كلمة الإنجيل، والتقديس بتوزيع نعمة الأسرار، والتدبير بشد رباط الشركة والمحبة في الجماعة. ونصلي من أجل كل المؤمنين، كي يعيشوا انتماءهم إلى رعية المسيح في هذه المدينة، بسماع كلام الله والطاعة له بتطبيقه في حياتهم، وبتكوين جسده السري حول سر الافخارستيا في قداسهم الأسبوعي.
ونصلي من أجل نهاية الحروب الدائرة في بلدان الشرق الأوسط، وإحلال السلام العادل والشامل والدائم؛ ومن أجل عودة جميع النازحين واللاجئين إلى أوطانهم وبيوتهم، لكي يعيشوا فيها بكرامة، ويحافظوا على ثقافتهم وحضارتهم وتاريخهم”.
وتابع غبطته: “يسعدني أن أحتفل معكم بهذه الليتورجيا الإلهية مع سيادة النائب الرسولي في الخليج المطران كاميللو باللين والآباء الذين يعنون بخدمتكم الروحية والراعوية. لقد احتفلنا أمس بوضع حجر الأساس لكنيسة مار شربل على الأرض التي خصصها سمو الأمير، لتكون كنيسة للجماعة المارونية، ومفتوحة لكل الجماعات الأخرى بحسب توجيهات سيادة النائب الرسولي. إني أحيي الأب شربل مهنا الذي يخدم الجماعة المارونية، ويعاون في خدمة الجماعات الأخرى مع الكهنة. وأحيي لجنة بناء كنيسة مار شربل، وكل الذين يتعاطون شؤون الهندسة وإنجاز الأعمال وكل المحسنين. وأوجه تحية شكر لسمو الأمير على تخصيص الأرض المذكورة”.
وختم غبطته: “أنتم، أيها الأخوة والأخوات الأحباء، الآتون من مختلف البلدان، تحملون معكم تراثكم الخاص، الروحي والليتورجي، وتقاليدكم الكنسية والوطنية، وهي تشكل هويتكم وحضارتكم. فإنكم تغنون بها كنيسة المسيح الواحدة، وهذه الرعية التي تجمعكم في الوحدة والتعددية. إن جمال “الكنيسة الواحدة الجامعة” هو في تعددية كنائسها وطقوسها وتراثاتها، وفي وحدتها، بحسب رغبة المسيح بأن “تكون الرعية واحدة لراع واحد” (يو 10: 16). وكما كانت الجماعة المسيحية الأولى “قلبا واحدا ونفسا واحدة” (أع 4: 32)، هكذا أنتم مدعوون لعيش ميزة الكنيسة هذه. ولترتفع من قلوبنا جميعا أصوات المجد والتسبيح للآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين”.
وفي ختام القداس القى كاهن الرعية اللاتينية الاب رالي غونزاغا كلمة باسم الجاليات الأجنبية رحب فيها بالبطريرك الراعي والوفد المرافق، وقال: “نحن جماعة مباركة لاننا اليوم نشهد على حلم بات حقيقة وهذا الحلم تجسد في الكنيسة المارونية المزمع انشاؤها”، معربا عن تقديره الكبير للبطريرك الراعي “الذي ترأس هذه الذبيحة الالهية ليقول لنا ان الوحدة المسيحية تبقى هي الدائمة بين الجماعات المسيحية اينما كانوا ووجدوا”.
وقبيل القداس، نظم حشد من المؤمنين استقبالا للبطريرك الراعي في الباحة الخارجية للكنيسة شاركت فيه جاليات مسيحية منوعة من بينهم مجموعة من الاطفال اللبنانيين الذين يتحضرون للقربانة الأولى فانشدوا الترانيم للتعبير عن فرحهم بلقاء غبطته، وسط الأعلام البطريركية والبابوية التي ارتفعت في المكان.