الزيارة الراعوية الى الولايات المتحدة الاميركية رعية مار أفرام – سان دييغو – ولاية كاليفورنيا
زيارات رسولية
وصل غبطة البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الراعي الى مدينة سان دييغو في ولاية كاليفورنيا، وهي المحطة الثالثة في زيارته الراعوية الى ابرشية مار مارون – لوس انجلس في الولايات المتحدة الاميركية.
وفي كنيسة مار افرام المارونية ترأس غبطته عند الساعة 11:00 قبل الظهر قداس الاحد عاونه فيه راعي الابرشية المطران الياس عبدالله زيدان والمطران بولس صياح وكاهن الراعية الاب توفيق نصر ولفيف من الكهنة وحشد من ابناء الرعية ومن ابناء الكنائس الشرقية لاسيما العراقية منها.
وبعد تلاوة الانجيل المقدس القى غبطته عظة تأمل فيها بمثل الوزنات في انجيل اليوم، لافتا الى مناسبة عيد القديس البابا يوحنا بولس الثاني التي تصادف اليوم. وقال: لقد احب البابا يوحنا بولس الثاني كل بلدان الشرق الاوسط وبخاصة لبنان الذي قال عنه كلاما لم يقله حتى عن بلده بولونيا. وكان هو الصوت الوحيد الذي نادى بالسلام يوم قرعت طبول الحرب على العراق، ووقف بوجه العالم باسره رافضًا تلك الحرب لكن المصالح الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية حالت دون سماع صوت البابا الذي هو صوت الله فوصلنا الى ما وصلنا اليه في العراق من دمار وخراب وتهجير وحرب اهلية وخسرنا مليون مسيحي في العراق. يوحنا بولس الثاني الذي احب لبنان ورافقه في صعوباته منذ عام 1978، وقام بعمل جبار وهو عقد سينودس خاص من اجل لبنان وكانت غايته ايضًا من عقده من اجل الحضور المسيحي في الشرق، وقد قال ما حرفيته: “نمو المسيحية في لبنان هي الشرط الضامن لمسيحيي الشرق الاوسط.” وهذا ما سمعته من العراقيين يوم زرتهم في اربيل وكانوا تحت الخيم وقد قالوا لي: “حافظوا على لبنان، نحن نتطلع الى لبنان كي نبقى” على اساس ان لبنان يشكل ضمانة للمسيحيين في الشرق الاوسط. واستكمالا للرؤية عينها عقد البابا بندكتوس السادس عشر عام 2011 سينودس الشرق الاوسط دعما لصمود الكنيسة التي عليها ان تصمد هناك بالرغم من كل الحروب.
وتطرق غبطته الى تاريخ اليوم 22 من الشهر حيث يشكل القديس شربل في كل مكان، وخاصة حول قبره في عنايا مقصد كل المؤمنين طلبًا لشفاعته ونعمه، داعيًا للصلاة في هذا اليوم على نية لبنان وشعبه ومن اجل احلال السلام العادل والشامل في الشرق الاوسط.
وكانت الرعية المارونية اقامت مساء السبت حفل عشاء على شرف غبطته بحضور السفير جوني ابراهيم وعدد من المسؤولين الاميركيين المحليين وكانت كلمات مرحّبة لكل من راعي الابرشية المطران عبدالله زيدان والسفير ابراهيم وكاهن الرعية.
من جهته ردّ البطريرك الراعي بكلمة شكر قال جاء فيها: “لقد تعرفت في هذا اللقاء الى شخصيات من الوطن العربي من سوريا والعراق وسررت بهم. وانطلاقا من هذا الأمر اود التحدث عن واقعنا اللبناني والمشرقي ردا على سؤال الكثيرين حول هذا الواقع ومن بينهم المطران ماكالروي الخبير في الشأن السياسي. غدا هو عيد القديس البابا يوحنا بولس الثاني ونحن نطلب شفاعته. انه صاحب العبارة الشهيرة التي لم يقلها عن اي بلد آخر في العالم حتى عن وطنه الام بولونيا، وهي ان لبنان هو اكثر من بلد انه نموذج للرسالة في الشرق كما في الغرب. واذا اخذنا الشرق لرأينا ان جميع دوله هي آحادية من حيث وحدة الدين والرأي والحزب. اما في لبنان فالواقع مغاير، ما من آحادية ابدا، بل هناك تعددية من حيث الاديان والثقافات والحضارات وتقابلها الوحدة الوطنية.”
وتابع غبطته:” بالنسبة للغرب فهو فصل بين الدين والدولة وبين الدولة والله. البرلمانات الغربية تشرع من دون اي اعتبار للشريعة الإلهية. الإجهاض الذي هو جريمة قتل يشرعه البرلمان كذلك الموت الرحيم وزواج المثليين الذي هو ضد الطبيعة والمساكنات الحرة. اما لبنان فقد فصل بين الدين والدولة. ولكن البرلمان اللبناني لا يشرع اي شيء يمّس بالدين لا المسيحي ولا الإسلامي وهذا ما جعل قداسة البابا يقول ان لبنان هو نموذج للغرب.”
فلبنان هو نموذج للشرق: المسيحيون والمسلمون اتفقوا سنة ال1943 على وثيقة الوفاق الوطني وقرروا العيش معا. يحترمون اديان بعضهم البعض ويتساوون بالتوازن في الحكم والإدارة، لذلك نظامهم الديمقراطي لا يسمح لأية فئة ان تحكم لبنان وحدها. والنتيجة ان لبنان يقرّ كل الحريات المدنية واولها حرية المعتقد والرأي والكتابة والتجمع والأحزاب وهذا غير موجود في معظم البلدان العربية التي تنظر الى لبنان على انه حاجة لها، وفي هذا الإطار قال لي احد الأمراء العرب في رده على سؤال حول سبب محبته للبنان ان لبنان هو متنفس لنا ونحن بمجرد دخولنا الأجواء اللبنانية نشعر بالحرية. هذا هو لبنان الذي يجب ان نحافظ عليه، لبنان الضرورة والحاجة والذي جعل القديس البابا يوحنا بولس الثاني يقول انه اكثر من بلد صغير انما هو نموذج ورسالة.”
وتابع غبطته قائلا: “نعم نحن نمر بظروف صعبة سببها الحرب القائمة في الشرق الأوسط. انها حرب مفتعلة، والأحداث تشير الى ان الحرب توجدها السياسات الدولية في الدول القوية كما حصل مع لبنان الذي كان قويا سنة 1968 فاوجدت فيه الحرب بسحر ساحر وبسحر ساحر انتهت ولكنه تدمر وسقط ودفع غاليا من دم شهدائه، ولم يتمكن بعد من الوقوف بشكل نهائي. وهذا ما حصل ايضا مع دول عربية اخرى ونتمنى ان يحفظ الله باقي الدول. هذه حروب فرضت من قبل السياسات الدولية والبابا فرنسيس حدد الحرب في سوريا واسماها بتجارة الأسلحة. لقد اختلطت الأمور ببعضها البعض فاختلطت مطالبات الشعب بالإصلاحات واختلط التجاوب بعدم التجاوب والمعارضات والحكم الموجود مع قيام المنظمات الإرهابية بسحر ساحر من داعش ونصرة والقاعدة والمرتزقة من مختلف الدول الأوروبية والعربية واختلطت الأمور ببعضها البعض. اضف الى ذلك النزاع بين السعودية وايران. الكل يسعى للوصول الى الشرق الاوسط من اجل استراتيجيات سياسية واقتصادية والأمور اصبحت متشابكة ببعضها البعض.” ووسط هذا كله تأثر لبنان بهذه الحرب سياسيا واقتصاديا ولا سيما من مسألة النزوح السوري. ومن الناحية الإقتصادية اقفلت الحرب في سوريا الطريق التي يمر عبرها المحصول الزراعي اللبناني الى باقي الدول العربية والخليج وبات المنتوج يتلف في ارضه وكان التأثير الكبير على اللبنانيين. ومن الناحية السياسية النزاع بين السعودية وايران كان له تأثيره الكبير ايضا في الداخل والقى بظله على الحياة السياسية.”
وأضاف:” اليوم لبنان يدفع الثمن الأكبر بسبب النزوح وهو يستقبل نحو مليون و700 الف نازح سوري وهم يزدادون سنويا بمعدل 30 الى 40 الف ولادة جديدة اضافة الى نصف مليون فلسطيني ووجود عراقي ولو بسيط. ولكننا امام عدد يفوق عدد السكان الأصليين وهذا امر لا يمكن للبنان ان يتحمله لا اقتصاديا ولا من حيث البنى التحتية وغيرها. تصوروا اميركا بعظمتها ان تستقبل نصف عدد سكانها هل بامكانها تلبية حاجاتهم. اللبنانيون هاجروا لأن بلدهم الصغير لا يمكنه تلبية حاجات اهله لذلك كانت الهجرة واليوم كيف له ان يلبي حاجة 6 ملايين نسمة انه امر مستحيل. من هنا العبء الإقتصادي وعبء البنى التحتية التي لا يمكن تأمينها من ماء وكهرباء وغيرها. اضف الى ذلك المدارس فهناك 500 الف طالب سوري في المدارس اللبنانية وعلى الدولة تأمين المدارس لهم والأساتذة والكتب في مقابل 300 الف طالب لبناني، وهذا لا يجوز فكيف للبنان ان يقوم. انهم كائنات بشرية بحاجة للقوت والطبابة كيف يمكن تأمين هذا الأمر لهم ولبنان عاجز عن تأمين حاجات ابنائه. المجتمع الدولي يهنئنا ويشجعنا على استقبالنا ومساعدتنا للنازحين فهو يجتمع ويقرر المساعدات ويقدم ربعها ولكنه يفرض على لبنان تحمل القضية وهذا العبء الثقيل والمنهك واذا قلنا انه لم يعد باستطاعتنا تحمل المزيد يقولون لنا اننا عنصريون وهذا لم يعد مقبولا ابدا من المجتمع الدولي، فهو يصنع الحرب ولكنه يفرض علينا تحمل النتائج وهذا لا يمكننا تحمله ابدا.”
وتابع غبطته:” المشكلة امنية ايضا وقد اشارت الاحصاءات الى ارتفاع نسبة الجرائم في لبنان بعد النزوح. والخطر يكمن في بقاء هذا الوضع على ما هو عليه وان لم تتم معالجته فان بعض النازحين سيشكلون حقولا خصبة للمنظمات الإرهابية، فالإرهابيين لم يأتوا من العدم وانما هم اشخاص عاشوا محرومين من حقوقهم في مجتمعاتهم، وعاشوا على هامش الحياة تستغلهم المنظمات الإرهابية وتلعب على عصبياتهم وجهلهم وتعبث بعقولهم وتدفع لهم الأموال وتعطيهم السلاح فيتحولون الى ارهابيين. ان بقاء السوريين بهذا الشكل في لبنان، واقول هذا للمجتمع الدولي، يشكل خطرا كبيرا علينا، وعليهم وعلى ثقافتهم وحقوقهم الاساسية في العيش الكريم، فالإرهاب ان استعملهم يهدد العالم بأسره وليس الشرق الأوسط فقط والبرهان ان حدود الإرهاب امتدت الى كل مكان، وعلى المجتمع الدولي التنبّه للأمر. وهنا نحن بحاجة الى اصواتكم. المطلوب ان توصلوا صوتكم الى المسؤولين الأميركيين. الحرب يجب ان تتوقف في سوريا التي تهدمت وخسرت الكثير من ابنائها الذين كانوا ضحايا ادوات القتل والتهجير والتنكيل والتشرد. 6 ملايين خارج منازلهم حول العالم كفى حربا فلنكن على مستوى بناة السلام وليس بناة الحرب. وهنا اريدكم من خلال اتصالاتكم بالمسؤولين في الإدارة الأميركية الطلب لكي تكون هذه الدولة العظيمة فاعلة سلام اكثر منها مشجعة على الحرب وان تبادر الى العمل الجدي لعودة النازحين الى ارضهم وهذا حقهم بحكم المواطنة ولهم ثقافتهم وحضارتهم وتاريخهم. انه حقهم بالعودة الى اوطانهم وبألا يكونوا ضائعين حول العالم يعيشون بحالة بؤس وحرمان ونحن ندعم قضيتهم الانسانية وحقهم هذا. ان المسؤولين في المجتمع الدولي يطالبون باعطائهم الجنسية في الأماكن التي يتواجدون فيها ولكننا نقول لهم انتم تصنعون الحرب مرتين مرة بقتلهم ومرة بتهجيرهم فانتم تقتلون ثقافتهم وحضارتهم وتتركون الشرق الأوسط للداعشيين والإرهابيين. الشرق الأوسط لنا ولن نقبل بهذا ابدا.”
وختم غبطته: “لا يجب ان ننسى، وعلى المجتمع الدولي ان يعلم اننا كمسيحيين عمرنا في الشرق الأوسط 2000 سنة ووجدنا على هذه الأرض قبل الإسلام ب600 سنة وهذا يعني ان اساس الثقافة في الشرق الأوسط هو مسيحي. 1300 سنة مع الإسلام بنينا معهم بعيشنا المشترك الإعتدال الإسلامي وكل من يقوم اليوم بالحرب في العراق وسوريا واليمن وغيرها هو دخيل على الشرق الأوسط. علينا التمييز بين الاسلام المعتدل الذي بنينا معه الثقافة منذ1300 سنة وبين الإرهابيين الذين باسم الدين الإسلامي يقومون بهذه الحرب. ليس من مصلحة العالم الغربي واولهم الولايات المتحدة الأميركية ان يضعف الحضور والدور المسيحي في الشرق الأوسط وذلك حفاظا على الإعتدال الإسلامي ويجب على الولايات المتحدة الأميركية ودول الغرب ان تعطي قيمة للحضور المسيحي. انهم يعطون القيمة للبترول وليس للحضور المسيحي والبترول ليس هو من يخلص العالم، الثقافة هي التي تغير وتحمي العالم. الشرق الأوسط لا يمكنه ان يخسر الحضور المسيحي والتأثير المسيحي من اجل الإعتدال وهذا ما يجب ان ندافع عنه. انتم هنا وعلى الرغم من كل انشغالاتكم عليكم لعب دور مؤثر وكبير من خلال صداقاتكم ومعرفتكم بالمسؤولين لايصال هذا الصوت المطالب بوقف الحرب واحترام كل الكائنات البشرية واحترام حقوقها.”