الزيارة الراعوية الى الولايات المتحدة الاميركية رعية سيدة لبنان – واشنطن
زيارات رسولية
واصل غبطة البطريرك المارونية زيارته الى ابرشية مار مارون في الولايات المتحدة الاميركية، وبعد ان شارك في اعمال مؤتمر الدفاع عن المسيحيين على مدى ثلاثة ايام، زار اكليريكية سيدة لبنان المارونية والتقى برئيسها المونسنيور بيتر عازار ومعاونه الخوري ارمندو الخوري وبالطلاب الاكليريكيين واطلع على برامج تعليمهم وتنشئتهم. ثم ترأس غبطته الذبيحة الالهية في كنيسة سيدة لبنان عاونه فيها راعي الابرشية المطران غريغوري منصور والمطران عبدالله زيدان والمطران بولس صياح وخادم الرعية المونسنيور دومنيك اشقر ولفيف من الكهنة والرهبان، بحضور القائمة باعمال سفارة لبنان في واشنطن السفير كارلا جزار وسفير لبنان في الارجنتين انطونيو عنداري والقنصل بشير طوق ووفد المؤسسة المارونية للانتشار وحشد من ابناء الجالية اللبنانية.
بعد الانجيل المقدس القى البطريرك الراعي عظة تحت عنوان: “يشبه ملكوت الله رجلاً زرع حنطة في حقله” (متى24:13) وجاء فيها:
1. يُسعدنا أن نختتم القمّة السّنويّة الرابعة لمنظّمة “الدّفاع عن المسيحيين- In Defense of Christians” (IDC) المنعقدة هنا في واشنطن من 24 إلى 26 تشرين الأوّل الجاري- فأوجّه تحيّة شكر وتقدير لرئيسها السيّد توفيق بعقليني، ولكلّ الإداريّين والأعضاء المتطوّعين والدّاعمين من أميركيِّين ولبنانيّين وسواهم، ولكلّ الذين تكلّموا حول موضوع المسيحيِّين في الشّرق الأوسط، ولكلّ وسائل الإعلام التي غطّت الأعمال والنّشاطات.
2. إنّنا نحتفل بهذه الليتورجيا الإلهيّة لنرفعها ذبيحةَ شكر لله على نجاح هذه القمّة، وعلى الثمار التي حملتها، وعلى المقاصد والتوصيات والالتزامات التي اتُّخذت من قِبَل جميع المشاركين. كما نرفعها ذبيحة التماس من الله لنهاية الحروب والنزاعات في بلدان الشَّرق الأوسط، ولإحلال سلام عادل وشامل ودائم فيها، ولعودة جميع اللاجئين والنّازحين والمخطوفين، وعلى رأسهم مطرانَي حلب بولس يازجي للروم الأورثوذكس، ويوحنا ابراهيم للسريان الأورثوذكس، والكهنة والرّهبان. نصلّي من أجل عودتهم إلى أراضيهم وأوطانهم، بحكم حقوق المواطنة، وحفاظًا على ثقافات بلدانهم وحضاراتها وتاريخها المكتوب على أرضها. فلا يكونوا عبئًا على غيرهم، ولا يبقون في حالة عيش من البؤس والفقر والحرمان. وهي حالة تنتقص من كرامتهم.
3. وعلى وجه التّحديد، يجب أن يعود الفلسطينيّون والعراقيّون والسوريون إلى أوطانهم، ليواصلوا فيها حياتهم مع مواطنيهم الذين قاوموا بتمسّكهم بأرضهم وبعيشهم عليها، بالرغم من كلّ الصعوبات. العودة هي حقّهم المدني والسياسي وقد أقرّتها المعاهدة الدوليّة التي صدرت عن منظّمة الأمم المتّحدة في 16 كانون الأوّل 1996 موقَّعة من 140 دولة ومن بينها دول الشّرق الأوسط.
4. وبالنّسبة إلى النّازحين السّوريين فقد أقرّ اتفاق الأستانا بين روسيا وتركيا وإيران، في 17 أيّار 2017، إقامة أربعة مناطق آمنة لهم في كلّ من أرياف: إدلب، وشمالي حمص، وشرقي الغوطة، وجنوبي سوريا. وقد أُقرّ ترسيم خرائط هذه المناطق في 22 أيّار من السّنة عينها، فلا بدّ من عودة الجميع إليها، بدءًا بالذين في لبنان ولا سيّما الذين هُدِّمت بيوتهم بالكليّة.
5. إن انجيل اليوم يكلّل أعمال هذه القمّة السنوية الرابعة لمنظَّمة IDC، إذ يعطيها بعدها اللاهوتي والروحي.
إنّ ملكوت السماء، أي سرّ الاتّحاد بين الله والإنسان والجنس البشري، متمثّل بالكنيسة، كجماعة المؤمنين التي رأسها المسيح؛ وتشكّل معه جسده السّرّي. مَثَل القمح والزؤان يشرح وجهًا من سرّ الكنيسة، ومن هذا الاتّحاد مع الله.
فالمسيح يزرع المؤمنين حبّات قمح في حقل العالم، لكي يعطوا ثمار خير تستفيد منها البشرية جمعاء. فكما القمح يصير خبزًا لإطعام البشرية، وفي سرّ القربان يصبح جسد الربّ لحياة العالم، هكذا المؤمنون بالمسيح، المعروفون بالمسيحيّين، مدعوّون ليعطوا العالم خبز الخير والعدالة والمحبة والحرية والسلام، خبز الثقافة والإنماء، خبز الفرح والسعادة.
6. أمّا الشيطان والأشرار، وهم أعداء المسيح الإله، فيزرعون زؤانًا بين حبّات القمح. وهو زؤان الكذب والتضليل، زؤان الحرب والانقسامات والنزاعات، زؤان الظلم والاستبداد والاستكبار، زؤان الاعتداء والاضطهاد والإبادة بالتجزئة.
7. لقد قيل الكثير، في هذه القمّة الروحيّة، عن قيمة وأهميّة الحضور المسيحي في بلدان الشَّرق الأوسط، على المستوى السياسي والثقافي والإنمائي. المَثَل في إنجيل اليوم يعطي، كما قلت، البعد اللاهوتي والروحي لهذا الحضور.
فالمسيحيّون في بلدان الشّرق الأوسط مدعوّون ليكونوا مثل حبّات قمح، يعطون من قمح محبّتهم وقيمهم الإنسانيّة والأخلاقيّة والاجتماعيّة، ومن قمح روح السلام واحترام الآخر المختلف.
8. إنّ منظّمة IDC تدافع عن هذا الحضور ودوره. وتبيّن أنّه حاجة دائمة لحياة الشّرق الأوسط، والمسيحيّون متواجدون فيه منذ ألفَي سنة. هم من صميمه وصميم تكوينه الثقافي والحضاري. ويعيشون مع المسلمين منذ ألف وثلاثماية سنة، وقد تجاوزوا جميع الصعوبات والمحن، وحافظوا على بناء العائلة الواحدة، ويريدون إعادة بنائها بجمع شملها الذي فرّقته الحروب الدائرة.
نسأل الله أن يقبل مقاصدنا ويكلّل مساعينا جميعًا بالنجاح، لمجد الثالوث القدوس، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.
وبعد القداس التقى غبطته ابناء الرعية في صالون الكنيسة.