اليوم الثاني من زيارة البطريرك الراعي الرسمية الى فرنسا لقاء الرئيس ماكرون والمسؤولين


زيارات رسولية

 

استهل غبطة  البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي اليوم الثاني الثلاثاء 29 ايار 2018، من زيارته الرسمية لفرنسا يرافقه المطرانان بولس مطر وبولس عبد الساتر، سفير لبنان في فرنسا رامي عدوان، الوزير السابق خالد الضاهر، المحامي وليد غياض والخوري عبدو ابو كسم، بلقاء رئيسة منطقة ايل دو فرانس فاليري بيكريس، في حضور المسؤولين المعاونين معها.  وكان نقاش معمق في قضايا الفرنكوفونية والمسائل التربوية المستجدة في لبنان والتي تعهدت بيكريس رفعها الى القمة الفرنكوفونية التي ستنعقد في ارمينيا الصيف المقبل.

وشددت بيكريس على أهمية دعم التعليم في لبنان، مؤكدة ان التعليم في قلب التزامها السياسي، ولافتة الى اهمية مكانة لبنان بالنسبة الى فرنسا، “فهو اكثر من دولة، انه رسالة ونموذج”.

وأعلنت بيكريس عن مشاريع التعاون القائمة بين المنطقة وعدد من البلديات اللبنانية، مؤكدة انه سيستمر ويتطور ولا سيما على الصعيدين الانساني والتربوي. 

بعدها التقى البطريرك الراعي، رئيس اساقفة باريس المطران ميشال او بوتي وعرض معه لشؤون كنسية وللعلاقات التي تربط بين الكنيسة المارونية وكنيسة فرنسا، وكان بحث في تبادل  التعاون بين المؤسسات الدينية وضرورة تعزيزها لما فيه خير المؤمنين في البلدين.

وبعد الظهر توجه غبطته والوفد المرافق الى قصر الإليزيه حيث التقى الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لمدة ساعة من الوقت سلمه في خلالها مذكرة  تضمنت عرضا لابرز المواضيع الآنية على الساحة اللبنانية، وابرزها الوضع الإقتصادي وضرورة البدء بالإصلاحات للإستفادة من الدعم الذي قدمته المؤتمرات الدولية التي عقدت لمساعدة لبنان، ايجاد حل لمسألة النازحين السوريين والعمل لتسريع عودتهم الى وطنهم الأم، الحفاظ على الحضور المسيحي في الشرق، ودعم الفرنكوفونية في لبنان ولا سيما المدارس الكاثوليكية الخاصة.

وكان بحث معمق في هذه النقاط وجولة افق على الأحداث والتطورات في عدد من الملفات المشتركة بين البلدين.

 

بعدها التقى البطريرك الراعي في مقر اقامته ممثلي عدد من الوسائل الإعلامية اللبنانية لإطلاعهم على تفاصيل اللقاء مع الرئيس الفرنسي وقال:” اوجه بالمناسبة اليوم تحية من كل اللبنانيين الى الرئيس ماكرون الذي تشرفت مع سيادة المطارنة والوفد المرافق بلقائه اليوم بناء على دعوة رسمية سبق ان وجهها لنا. تحدثنا على مدى ساعة في نقاط وردت في ثلاثة مؤتمرات عقدت في شأن لبنان وحيث كان للرئيس ماكرون مع المجتمع الدولي دور اساسي فيها، من مؤتمر روما لدعم الجيش والمؤسسات الأمنية الى مؤتمر باريس المعروف بسيدر لدعم الإقتصاد فمؤتمر بروكسل للنازخين السوريين في لبنان. وتحدثنا بالنقاط الواردة في هذه المؤتمرات، ومن بينها الحاح على النهوض الإقتصادي الذي يقتضي ان يكون هناك متابعة لما تم في مؤتمر باريس حيث تقرر مساعدات للبنان بلغت 11 مليارا بين قروض وهبات، وما يقتضيه من اصلاح على مستوى الهيكليات والقطاعات وهذه كلها واردة في البيان النهائي”. 

وتابع غبطته:” لقد اخذت الدولة اللبنانية بشخص رئيس الحكومة والوفد المرافق على عاتقها الإلتزام باجراء هذه الإصلاحات، كما ان رئيس الجمهورية وعد ايضا بأن لبنان سيباشر بتنفيذها  فورا بعد الإنتخابات النيابية، وبعد تأليف الحكومة التي نأمل ان تتشكل بأسرع ما يمكن، لتصل الأموال الى لبنان”.

اضاف غبطته: “وتطرقنا للنقطة الثانية وهي قضية النازحين السوريين وتحدثنا عن ضرورة فصل قضيتهم عن الشؤون السياسية وان يعودوا الى وطنهم وارضهم ويستعيدوا مسيرة تاريخهم وحضارتهم وثفاقتهم ويجب على المجموعة الدولية ان تشجعهم على العودة، هناك اماكن امنة جدا في سوريا يمكن ان يعودوا اليها فالحرب ليست في كل سوريا، علينا ان نشجعهم على العودة، ويجب الفصل بين القضية السياسية وقضية الشعب فمن حق الشعب ان يعود الى ارضه، وهم طبعا بحاجة الى مساعدات لإعادة بناء منازلهم والعيش بكرامتهم.  لقد تناولنا الموضوع الثالث واعلنا اننا نصر في لبنان على العيش المسيحي الإسلامي وعلى استمرارية الحضور المسيحي في الشرق الأوسط من اجل المحافظة على هذا العيش المشترك، ومن اجل ان نحمل حضارتنا المسيحية للاسلام ونأخذ من الإسلام حضارتهم، وهذه رسالة دولية للعالم، ولبنان يشكل العنصر الأساسي فيها والنموذج لأنه قدر من خلال الميثاق الوطني والدستور اللبناني ان ينظم العيش معا والمشاركة في الحكم والإدارة وهذه حاجة يعيشها الشرق الأوسط، كما تحدثنا عن قيمة الحضور المسيحي الذي عمره الفا سنة في الشرق الأوسط”.

وقال غبطته: ” لقد تطرقنا لقضية الفرنكوفونية والمدارس الخاصة ونتائج قانون 46 الذي الزم المدارس بزيادات كبيرة على الرتب والرواتب، ويقتضي المساعدة لتوفي المدارس بواجباتها، ولكن الواقع الموجود اليوم يشي بأن لا مدرسة بإمكانها القيام بهذه الواجبات، لأنها تستلزم ان يكون هناك زيادة اقساط”. 

وأضاف غبطته: “عندما اجتمعت المدارس التربوية الخاصة في الكرسي البطريركي مرتين قالت نأخذ على عاتقنا الملحق 17، والدولة تأخذ على عاتقها الدرجات الإستثنائية الست، والا فستغلق المدارس في معظمها ابوابها، وهذا يعني تحويل كذا الف استاذ وعدد من الموظفين الى البطالة، المشكلة ليست بين المدرسة والأهل، المطلوب من الدولة ان تتحمل مسؤولياتها، ولا يمكن الدولة ان تقول بأنها ليست قادرة على ذلك. 

واسف غبطته كيف انه لم تتناول هذه القضية في اجتماع “سيدر”، “فمثلا الزيادات المطلوبة ل 1130 استاذ مجموعها يتجاوز 118 مليون دولار، ونحن نطالب بقسمة هذا المبلغ للنصف اي تتحمل المدرسة 60 مليون والدولة 60 مليون الأخرى ، نحن لم نحمل هذا الموضوع للرئيس ماكرون، ولكن في حديثنا معه ووفقا للصداقة اللبنانية الفرنسية تكلمنا عن مشاكلنا وكنا نتمنى ان يوضع هذا الموضوع ضمن موازنة 11 مليار دولار، فهذه مشكلة اجتماعية كبيرة سنظل نقولها باستمرار وننبه الدولة اللبنانية الا تجعل كذا الف موظف واستاذ فريسة للبطالة.”

وتابع غبطته: “في مؤتمر بروكسل طلبت وزارة التربية مساعدة قدرها 364 مليون لتعليم الطلاب السوريين كنا نتمنى لو تكلموا ايضا عن اللبنانيين، تحدثنا ايضا عن امكانية عقد مؤتمر دولي من اجل السلام في الشرق الأوسط، لأن الواقع الذي نحن فيه لم يعد يحمل عداوات وخلافات وحروبا ويدفع الشعب الثمن. والرئيس ماكرون ليس فقط شخص يستمع بإذنيه انما بقلبه ايضا، ونشعر بأننا نتحدث مع شخص محب يتحمل المسؤولية ويتحسس مع الناس وهذا امر اساسي في الحياة. واحيي الرئيس ماكرون والشعب الفرنسي الذي اختاره وفرنسا ايضا، واريد ان احيي الصداقة اللبنانية الفرنسية، وعلينا كلبنانيين ان نحمي بلدنا ولقد سمعنا من الرئيس ماكرون كلاما مشجعا في هذا الإطار.”

وردا على سؤال حول وجود عراقيل امام عودة النازحين الى سوريا والخوف من توطينهم

اجاب غبطته: “هذا ما قلناه فالوقت ليس لصالحنا، الوقت هو ضد لبنان وما قلناه للرئيس ماكرون انه من الضروري ان نشجعهم على العودة وان نفصل الموضوع السياسي عن موضوع عودتهم والا سيدفع لبنان الثمن، والقانون 10 الذي اصدره الرئيس الأسد له وجهان: وجه ايجابي يشجعهم على العودة ووجه سلبي، فاذا لم يعودوا فمعناه انهم سيبقون في لبنان ووجودهم في لبنان ليس لصالح اللبنانيين ولا لصالحهم، لا بغضا ولا حقدا نقول لهم سوريا وطنكم وتاريخكم لا تتركوه”.

وتابع غبطته موضحا ان:” ماكرون شعر معنا وهو سيقوم بعمله على المستوى الدولي هذه القرارات لا تعود له وحده بل للأسرة الدولية ولكنه رجل المسؤولية”.

وعن رأي ماكرون الواضح من عودة النازحين الى سوريا، اجاب غبطته: “هو سأل اذا كانوا فعلا يحبون ان يعودوا واذا كانت لديهم الشجاعة لذلك، وكان جوابنا يجب ان نشجعهم لأن كل انسان يجب ان يشجع وهم لا يسمعون التشجيع من احد كلهم يقولون لهم لا امن ولا احد يضمن عودتكم، يجب ان تكون لديهم الإرادة لأن يستعيدوا ارضهم ولكنهم بحاجة الى تشجيع”. 

 

واستكمل البطريرك الراعي اليوم الثاني من زيارته الرسمية الى فرنسا، بترؤس الذبيحة الالهية في كنيسة المخلص في العاصمة الفرنسية باريس، يعاونه المطارنة بولس مطر، بولس عبدالساتر وناصر الجميل بحضور ممثل وزارة الخارجية الفرنسية جان كريستوف بوسيل، سفير لبنان في باريس رامي عدوان، الملحق العسكري في الجيش اللبناني العميد الياس ابو جودة، الوزير السابق خالد ضاهر، مدير المركز الكاثوليكي للاعلام الخوري عبدو ابو كسم وممثلين عن الاحزاب والتيارات السياسية وفعاليات رسمية واجتماعية ولفيف من الراهبات والكهنة وعدد من المؤمنين اللبنانيين والفرنسيين.

قبل البدء بالذبيحة الالهية، القى المطران الجميل كلمة رحب فيها بالبطريرك الراعي وقال: “نرحب اليوم برئيس كنيستنا غبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي في هذه الكنيسة الجديدة التي تعود الى القرن السابع عشر والتي تحولت في وقت من الاوقات الى مقهى، ولقد عزمنا بفضل احد المحسنين اللبنانيين السيد ابراهيم القزي على استعادتها للتأكيد على الحضور الماروني في اوروبا ونشر الإيمان المسيحي اينما وجدنا، وهي اليوم تعطينا الامل بالحفاظ على ارثنا الروحي”.

وتابع الجميل: “نحن هنا في مكان مليء بالارث التاريخي، تمركزنا لمزيد من الاندماج مع كنيسة فرنسا التي نحب، ورعيتنا ترحب بكم يا صاحب الغبطة لرؤية ما نقوم به مع اصدقائنا اللبنانيين من كل المذاهب”.

وتابع الجميل: “نقدم هنا للشرق بقيمه الروحية والعائلية والتعليمية شهادة حية عن ايماننا الذي يرتكز على المحبة والسلام ونشر كلمة الإنجيل، مرتبطين بتقاليدنا نموذجا جيدا عن التمسك بهذه التقاليد الكنسية الشرقية المارونية”.

وختم الجميل: ” باركونا يا صاحب الغبطة لكي نبقى وغيرنا متعلقين بهذا الشرق لاعطاء العالم شهادة حية عنه”.

وبعد قراءة الإنجيل ألقى البطريرك الراعي كلمة قال فيها : “جميل كلام الرب، أثبتوا في محبتي ومن يثبت في محبتي يحفظ كلامي والحقيقة. المحبة هي كلمة الرب يسوع لليوم، لا نستطيع أن نعيش من دون المحبة والحقيقة. أهنئكم على هذه الكنيسة التي تلتقون فيها لتتعلموا المحبة والحقيقة.  أن العالم بحاجة لهاتين الوسيلتين لأنه من دونهما لا معنى للحياة. نحتفل معكم اليوم بهذه الذبيحة على نية ثمار هذه الزيارة الرسمية لفرنسا ونقدمها بنوع خاص على نية السلام في منطقة الشرق الأوسط وان يوضع حد للحروب ويعود كل من غادر أرضه اليها ليواصل ثقافته وحضارته ولكن أن لم تدخل المحبة والحقيقة في عقول وقلوب المسؤولين فإن العالم لن يكون فيه سلام، كما نرفع صلاتنا  على نية تأليف حكومة جديدة في لبنان لتتحمل مسؤولياتها ولا سيما القرارات التي صدرت عن المؤتمرات الدولية التي عقدت لدعم لبنان في مختلف القطاعات. ونحن كمسيحيين مدعوون وفي كل مكان إلى المحبة والحقيقة،الحياة المشتركة بين الشعوب بحاجة إليهما والا فهي مهددة.” 

وختم غبطته مرحبا بالحاضرين ولا سيما المؤمنين الفرنسيين شاكرا لهم حفاظهم على علاقة الصداقة مع لبنان ومع الجماعة المارونية قائلا:” نحن هنا لتجديد علاقات الصداقة على الصعيد الكنسي وابرشيتنا مستمرة في تغذية هذه العلاقة بكل أبعادها”.

كما وجه تحية للاعلاميين اللبنانيين المواكبين للزيارة طالبا منهم “أن يكونوا رسل محبة بين الشعوب لأن الحياة تبقى لغزا أن لم يدخلها سر المحبة”والحقيقة.”

وفي ختام الذبيحة الإلهية التقى غبطته المشاركين في الذبيحة الإلهية ومنحهم بركته الرسولي، ليتوجه بعدها والوفد المرافق الى دارة نائب رئيس مجلس الوزراء الأسبق دولة الرئيس عصام فارس للمشاركة في لقاء تكريمي دعا اليه فارس على شرف غبطته .