الزيارة الرسمية للبطريرك الراعي الى فرنسا – اليوم الثالث
زيارات رسولية
استهل غبطة البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الراعي اليوم الثالث من زيارته الرسمية للعاصمة الفرنسية باريس، اليوم الأربعاء 30 ايار 2018 بلقاء رئيسة بلدية باريس آن هيدالغو يرافقه رئيس اساقفة بيروت للموارنة المطران بولس مطر، النائب البطريركي المطران بولس عبد الساتر، سفير لبنان في باريس رامي عدوان، المحامي وليد غياض والخوري عبدو ابوكسم.
وعرضت هيدالغو لعلاقات التعاون القائمة بين بلديتي باريس وبيروت ومنها تبادل الخبرات في شؤون ادارية وتنظيمية من خلال الموظفين في البلديتين، مؤكدة “العمل لمزيد من التعاون مع باقي البلديات في لبنان على عدد من النقاط التي تعنى بالشأن البلدي.”
واثنت هيدالغو على “ما قام به لبنان من استقبال للنازحين السوريين،” منوهة “بقدرته على تحمل هذا العبء الذي تعجز عن تحمله اية دولة اخرى. واعتبرت ان عقد مؤتمر يجمع البلديات اللبنانية التي استقبلت اعدادا كبيرة من النازحين مع عدد من بلديات فرنسا ليكونوا رسل سلام لتبادل الأفكار والخبرات حول هذا الموضوع قد يفتح الباب امام حلول جديدة لهذه المشكلة الإنسانية التي تعاني منها بعض المدن الفرنسية ايضا ولا سيما مع استمرار الهجرة غير الشرعية التي تهدد المجتمعات.”
وكان توافق على اهمية عقد هذا المؤتمر “لأنه سيتيح للشعب الأوروبي التعرف اكثر الى التجربة اللبنانية في مسألة النزوح السوري وخاصة ان جزءا من حدود لبنان مشتركة مع سوريا وهو حتما سيتأثر بالحرب الدائرة فيها وبتداعياتها عليه على كافة المستويات.”
بعدها زار غبطة البطريرك والوفد المرافق مقر السفارة اللبنانية تلبية لدعوة السفير اللبناني رامي عدوان الذي نظم حفل استقبال على شرف صاحب الغبطته شارك فيه عدد من ابناء الجالية اللبنانية من اكاديميين واطباء ودبلوماسيين ورجال اعمال.
بداية القى السفير عدوان كلمة رحب فيها بالبطريرك والحضور، وقال: “نرحب بكم ترحيب الابن بابيه في دارته. لقد اعطيتم مجد لبنان الذي اعطى بدوره للعالم رجالا ونساء اسسوا لعلاقات قوية مع الدول.انه بلد الرسالة والغنى وهو يواجه تحديات عبرتم عنها للمسؤولين الفرنسيين بدءا من الرئيس ماكرون وسلمتموه مذكرة تضمنت النقاط التي اتت نتيجة للموتمرات الدولية التي عقدت لدعم لبنان. ونحن في هذا الاطار نقول ان الاقتصاد في ظل الفساد هو فقر والوجود المسيحي الضئيل هو فقر والفرنكوفونية المحصورة بايدي مالكي الاموال فقط هي فقر”.
وتابع عدوان “دورنا ان نعيد الاقتصاد الى حيث يجب ان يكون فيكون لبنان بلدا لا بطالة فيه لمن يرغب العمل فيه. هدفنا هو عودة النازحين الى وطنهم لحماية تاريخهم وارثهم ونحن نعتني بارضنا ونساهم في نموها. قريبا نحتفل بالمئوية الاولى لنشاة لبنان ودوركم هو تأكيد لدور الدولة في الحفاظ على مكون اساسي يغني باقي المكونات ويغتني من علاقته بها، والفرنكوفونية بات لبنان من اخر المدافعين عنها وبهذا نقول ان لبنان هو مفتاح نجاحنا ولا سلام من دون انفتاح”.
وختم عدوان: “تأكدوا غبطتكم اننا سنكون بخدمتكم ورعاياكم وخدمة الدولة واهدافها”.
بدوره شكر البطريرك الراعي لعدوان حضوره طوال ايام الزيارة “منذ لحظة وصولنا الى المطار وصولا الى اليوم الأخير منها مثنيا على علاقته المميزة بابناء الجالية اللبنانية والتقدير الذي يكنه له المسؤولون الفرنسيون لا سيما الرئيس ماكرون الذي يعرفه منذ ايام الدراسة. كما وجه له تحية تقدير وتهنئة لإستلامه مهامه الديبلوماسية متمنيا له كل التوفيق في تأدية هذه الرسالة الوطنية لما فيه خير بلده وبلد خدمته، وقال:”اوجه تحية لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون وللرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون”، لافتا الى “العلاقات الطيبة بين البلدين منذ الف عام والمستمرة في اخلاصها، وهذا الحضور وما يمثله من رموز كبيرة نفاخر به اينما وجدنا”.
واكد غبطته “ان السفارة قائمة بشخص اللبنانيين فيها والموجودين في فرنسا”، موجها “تحية للجالية اللبنانية التي تمثل الضمانة لبلادها وبحضورها تظهر قيمة لبنان”.
واشار غبطته الى “اننا لا نحمل فرنسا مسؤولية او عبء مشاكلنا ولكننا من مبدأ العلاقة المتينة التي تربطنا بها عرضنا لهواجس تهدد عيشنا في لبنان العزيز على قلب فرنسا ونحن نشكر للمسؤولين الذين التقيناهم وعلى رأسهم الرئيس ماكرون عناية اصغائهم لنا بقلوبهم وليس فقط باذانهم وهذا دليل على المكانة المميزة لنا عندهم وهذا الامر ترجمناه بالتمني بامكانية عقد موتمر دولي للسلام في الشرق الاوسط يضع حدا للمأساة والعنف والدمار والقتل والتهجير الذي تعيشه شعوب هذه المنطقة”.
وفي الختام قدم البطريرك الراعي للسفير عدوان الميدالية البطريركية.
وبعد الظهر التقى البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي والوفد المرافق رئيس الوزراء الفرنسي ادوار فيليب ماتينيون، وكان عرض “للهواجس التي يشعر بها اللبنانيون، نتيجة لتطورات الاحداث في منطقة الشرق الاوسط وتداعياتهاعلى الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في لبنان، وضرورة ايجاد مناخ يدعم سلام وامان المنطقة .
وشدد غبطته على “اهمية استمرار علاقة الصداقة التاريخية بين لبنان وفرنسا ودعمها من خلال المواقف المساندة للبنان لتجاوز الصعوبات والمخاطر التي تهدد مواطنيه، عارضا للبنود الأربعة التي نتجت عن المؤتمرات الدولية التي عقدت لدعم لبنان وهي دعم الوجود المسيحي في الشرق، ايجاد حل للنازحين السوريين في لبنان، الإهتمام بالفرنكوفونية والحفاظ عليها من خلال الحفاظ على المدارس الكاثوليكية الخاصة ومتابعة آلية لتطبيق الإصلاحات الإقتصادية في لبنان.”
كما جدد البطريرك الراعي “دعوة الاسرة الدولية إلى الاتفاق على عقد مؤتمر للسلام في منطقة الشرق الاوسط، الامر الذي سينعكس ايجابا على كافة دول المنطقة وخصوصا لبنان.”
في المقابل لمس البطريرك اهتماما ملفتا من ماتينيون الذي اكد على “محبة فرنسا للبنان واستعدادها الدائم لتقديم المساعدة والوقوف الى جانب لبنان في مراحله الدقيقة”.
ومساء ترأس غبطة البطريرك في ختام زيارته الرسمية لفرنسا قداسا احتفاليا في كاتدرائية سيدة لبنان في باريس عاونه فيه المطارنة: بولس مطر، مارون ناصر الجميل وبولس عبد الساتر، المونسسنيور امين شاهين، مدير المركز الكاثوليكي للاعلام الخوري عبدو ابو كسم، ولفيف من الكهنة.
وحضر القداس رئيس الجمهورية ميشال سليمان، سفير لبنان في باريس رامي عدوان، ممثل وزارة الخارجية الفرنسية جان كريستوف بوسيل، الملحق العسكري العميد الياس ابو جودة، قنصل لبنان في مرسيليا صونيا ابي عازار، الوزير السابق ابراهيم الضاهر، رئيس الرابطة المارونية في بلجيكا المهندس مارون كرم،المير حارس شهاب، وحشد من الفعاليات وابناء الجالية اللبنانية في فرنسا وممثلين عن الاحزاب والتيارات.
في بداية القداس كلمة ترحيب للمطران الجميل دعا فيها الى رفع الصلوات “مع راعينا البطريرك ليعينه الله على خدمته وقيادتنا الى ميناء السلام والمحبة”
وبعد الانجيل المقدس القى البطريرك الراعي عظة قال فيها:”في ختام هذه الزيارة التي قمنا بها الى فرنسا يسعدنا ان نحتفل معكم بالقداس الختامي وفيه الرب يسوع يؤكد لنا هويتنا ورسالتنا ويقول لنا انا اخترتكم واحببتكم وارسلتكم بثقة لتأتوا بثمار وانا اضمن دوام وفعالية ثماركم . وهكذا نحن اليوم اينما كنا نحن مختارون ومرسلون من الرب لنعطي ثماره”.
وتابع غبطته:”نحيي ابرشيتنا العزيزة في فرنسا وراعيها وكهنتها والمؤمنين ونقول ان الابرشية تحمل هذه الرسالة متمسكين بتقاليدنا الانطاكية والسريانية. لقد طرحنا مع الرئيس الفرنسي نتائج المؤتمرات الثلاثة التي عقدت لدعم لبنان اي المسائل التي تشكل هما للبنان وهي آلية تطبيق الاصلاحات الهيكلية والقطاعات، وعودة النازحين الى بلدانهم، واعطاء قيمة للحضور المسيحي في الشرق من خلال تعايشه مع المسلمين لأن فقدان هذا الحضور امر خطير. كما عرضنا لموضوع الفرنكوفونية واهميتها في لبنان ومشكلة مدارسنا التي تواجه خطر الاقفال بسبب الزيادات على الاقساط التي لا امكانية لشعبنا على تحملها بسبب الفقر، وطالبنا بعقد مؤتمر للسلام في الشرق الأوسط”.
وقال غبطته:”نقدم هذه الذبيحة الإلهية على نية فرنسا وشعبها ومن اجل استضافتها لابناء جاليتنا ونقدم القداس على نية وطننا لبنان وبلداننا المشرقية، سائلين الله ان يحمي هذه البلاد ويحمي بلادنا ويمنحنا الاستقرار، ونصلي من اجل نهاية الحروب واحلال السلام الدائم والشامل وان يعود كل النازحين والمهجرين والمخطوفين واللاجئين الى بلدانهم واوطانهم”.
وفي نهاية القداس التقى الراعي المؤمنين ثم توجه الى البيت اللبناني الفرنسي والتقى القيمين عليه الذين نظموا لغبطته حفل استقبال بمناسبة زيارته الرسمية الى فرنسا. وحضر الحفل الى سفير لبنان رامي عدوان مجموعة من الفعاليات في وزارة الخارجية الفرنسية وديبلوماسيين وشخصيات من المجتمع المدني والثقافي من ابناء الجالية والفرنسيين.
وكان غبطته قد عقد مؤتمرا صحافيا في مقر اقامته في فندق البريستول في باريس اجاب فيه على أسئلة وسائل الاعلام الاجنبية والعربية.
سئل البطريرك الراعي: هناك شعور في بيروت بأن العالم الغربي يريد ان يبقي اللاجئين السوريين في لبنان، لقد عقدت لقاء مع الرئيس ايمانويل ماكرون وبحثتم معه هذا الموضوع، ما رأيك في مبرر هذا الشعور في لبنان؟
اجاب البطريرك الراعي: “لدينا في لبنان نحو مليون وسبعمئة وخمسين الف لاجىء سوري مسجل، اضافة الى نصف مليون فلسطيني اي ما نسبته نصف الشعب اللبناني، وهنا اسأل هل فرنسا او اي بلد مهما بلغت قوته بامكانه ان يستقبل نصف عدد سكانه من اللاجئين مع كل التداعيات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية؟ اذا قلقنا مبرر نحن استقبلنا ونستقبل اخوتنا المعذبين ولكن كل ذلك على حساب لبنان واللبنانيين، فلبنان يعاني، وربع الشعب اللبناني هو تحت خط الفقر، نحن نشهد نزيفا بشريا كبيرا يتمثل بهجرة اللبنانيين الذين يغادرون البلد، ونحن نتساءل كيف سيكون مستقبل بلدنا وكيف ستكون هويته؟ نحن لا ندعي بأن السورييين يعيشون في الجنة، فمعلوم ان الوكالات الدولية تقول ان 60 بالمئة من السوريين يعانون الفقر المدقع، ونحن نقول للمجموعة الدولية لما علينا اجبار هؤلاء الناس على العيش في بؤس؟ ولماذا اجبار لبنان على تحمل نتائج الحرب الدائرة؟ لذلك نحن نطالب المجموعة الدولية بتشجيع اللاجئين على العودة الى ديارهم ونطلب منها عدم التكرار للاجئين بأن لا امن ولا سلام في سوريا والقول لهم:” بامكانكم العودة طوعا ولكن لا نضمن لكم شيئا.”
ونحن بدورنا ندعو المجتمع الدولي الى تشجيعهم على العودة فهناك مناطق آمنة في سوريا. ونقول للاجئين سوريا ارضكم وبلدكم وتاريخكم وحضارتكم وحقكم كمواطنين ويجب العودة الى دياركم، فالدولة والامة ليستا الارض والحجر انما الثقافة. وسأل: هل فرنسا تفتخر بارضها اوبتاريخها وثقافتها وحضارتها؟ ولسوريا ايضا ثقافتها ونحن ندعو دوما لفصل الجانب السياسي عن الجانب الشعبي، النظام السياسي شيء والشعب شيء آخر، النظام يتغير والناس تتغير ولكن الشعب يبقى، هذا هو تحديدا ما ناقشناه امس مع الرئيس ماكرون، وهو شاطرنا هذه الافكار وطلبنا منه ان يكون صوتنا في العالم الغربي.
وطالب البطريرك الراعي المجموعة الدولية وقف التحدث بالعودة الطوعية او الارادية وبادماج اللاجئين في البلدان المضيفة وفي قطاع العمل لأن هذا امر خطير.
سئل: هل تشجع الحوار بين الحكومتين اللبنانية والسورية لوضع برنامج للعودة؟
اجاب: اللبنانيون منقسمون حول هذا الموضوع ، قسم هو مع النظام ويطالب بالحوار مع السلطات السورية وقسم هو ضد الحوار معها، انا اقول بالحوار والحديث مع السلطات القائمة والموجودة، فاذا كان شخصان في نزاع فيجب ان يتحدثا مع بعضهما البعض وليس مع طرف ثالث. انا ادعو دوما لفصل الشق السياسي عن الشق الشعبي، هناك شعب يتألم ويعاني خارج بلده اقتلع من ثقافته، انا انطلق من مبدأ ان السلطات للسورية مسؤولة عن شعبها وليس لبنان ويتوجب على السلطات القائمة ان تتحمل مسؤولية ومصير شعبها.
الامر الثالث هو أنه مع هذه الاعداد الضخمة من اللاجئين السوريين، يتحول اللبنانيون الى اقليات وفقراء في وطنهم ما يدفعهم الى ترك لبنان. نعم يوجد خطر كبير مع انعدام التوازن الديموغرافي خصوصا أن النظام السياسي اللبناني مبني على التوازن الديموغرافي، واذا استمر هذا الرجحان الديموغرافي نعم سيسبب خطرا على لبنان فتتغير صورته وهويته. ولأجل ذلك ننادي الامم من اجل مواجهة ومعالجة هذه الازمة الخطيرة.
ونسأل دائما لماذا على لبنان أن يدفع دائما ثمن الحرب؟ فاذا كنتم تحبون لبنان فعلا ساعدوه ليحافظ على هويته ورسالته ودوره في الشرق والعالم، لبنان النموذج الذي يحتذى والقول الذي نردده دائما للبابا يوحنا بولس الثاني أن لبنان هو النموذج للغرب والشرق بلد الغنى في التنوع والتعدد والكبير في الثقافة والروحانية.
وعن القرار الاميركي بجعل القدس عاصمة لدولة اسرائيل، اجاب الراعي:” نحن نرفض هذا القرار الاميركي بشأن القدس، فمنذ سنة 1948 اخذ مجلس الامن قرارا ليكون حلا لمدينة القدس وأن تكون جسما منفصلا ومدينة دولية مدينة للاديان السماوية الثلاث المسيحية والاسلام واليهودية ويحق لكل الشعوب العيش والتواصل فيها، وهذا القرار الدولي عادت وقبلت به اسرائيل سنة 1951، والفاتيكان اكد بأن تكون القدس مدينة مفتوحة أمام الجميع وعلى مسافة واحدة من جميع الاطراف، ولكن جاء اليوم قرار الرئيس الاميركي ترامب الذي ليس له الحق ليضرب كل ذلك ويولد أزمات جديدة في المنطقة.
ولمواجهة هذا القرار عقدنا في مقر البطريركية المارونية قمة روحية مسيحية اسلامية رفضا لهذا القرار الاميركي، كما دعا الازهر الى مؤتمر لذلك.
ونحن الان لن نقبل بأن تصبح المدينة المقدسة مدينة الاديان السماوية الثلاث مدينة يهودية.
واضاف الراعي ان “لبنان هو جزء من العالم العربي ودفع الثمن الاكبر نتيجة للنزاع العربي الاسرائيلي، ونحن نرفض الحرب ونعمل للسلام فالسلام يبنى بالسلام وليس بالحرب. الامر الثالث هو أنه مع هذه الاعداد الضخمة من اللاجئين السوريين، يتحول اللبنانيون الى اقليات وفقراء في وطنهم ما يدفعهم الى ترك لبنان. نعم يوجد خطر كبير مع انعدام التوازن الديموغرافي خاصة أن النظام السياسي اللبناني مبني على التوازن الديموغرافي، واذا استمر هذا الرجحان الديموغرافي نعم سيسبب خطرا على لبنان فتتغير صورته وهويته، ولأجل ذلك ننادي الامم من اجل مواجهة ومعالجة هذه الازمة الخطيرة”.