عظة البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الراعي في قداس عيد انتقال السيدة العذراء
عظات
“ها منذ الآن تطوبني جميع الاجيال.”(لو 46:1)
“نحن ننعم بنعمة العذراء بان نكون من الاجيال المتعاقبة منذ الفي سنة لنرفع الطوبى لمريم التي تنبأت بالقول:”ها منذ الان تطوبني جميع الاجيال ” على وجه الارض، وفي كل مكان يحتفل العالم اليوم بعيد انتقال مريم الى السماء بالنفس والجسد وبعيد تكليلها ملكة السماوات والارض كما تظهر في هذه الجدرانية ،لأن عيد الانتقال يتكون من معطيات اساسية وهي انتقال مريم بنفسها وجسدها الى السماء، علمًا انها ماتت كما كل الناس لذلك نسمي العيد “عيد نياح العذراء” ونراها في الصور والرسوم على مرتبة الموت وحولها الملائكة ،ويسمى العيد ايضا “عيد تكليلها سلطانة السماوات والارض “ونرى الاب والابن وحلول الروح يتوجانها ملكة.
هذا العيد المريمي الكبير الذي تحتفل به الكنيسة بكل اقطار الارض وترتفع الصلوات والتمجيد والتعظيم لأمنا مريم نحتفل به اليوم في هذا الجيل لنرفع ايضا التعظيم والتمجيد والتطويب لمريم، وكذلك كان البطاركة والمطارنة والنساك يحتفلون مع الشعب المؤمن في هذا الوادي من العام 1440 الى العام 1840 على مدى 400 سنة بهذا العيد الكبير وكان يأتي اعيان البلاد وقناصل الدول الى الوادي المقدس للمشاركة به.
وفي هذه المناسبة اريد ان اشكر الرئيسة العامة الحالية والرئيسات السابقات والراهبات الانطونيات اللواتي اخذن على عاتقهن اعادة الحياة الى هذه الكرسي ليستمر العيد متألقا ووجودهن صيفا وشتاء اعطى هذا الكرسي حياة جديد بعد ان كان مقفلا لفترة ، اشكرهن مجددا على الحيوية التي جعلت الطوبى ترتفع دائما وكل يوم لسيدة هذا الزمان وكل زمان من هذا الكرسي في قنوبين. وانتم تعلمون ان السيدة العذراء هي شفيعة ورفيقة كل كرسي بطريركي من قنوبين الى الديمان وبكركي وقبلها ايليج ويانوح وهابيل وغيرها، وعيد انتقالها هو العيد الكبير للكرسي البطريركي ولكل اللبنانيين وبخاصة المسيحيين الذين حملوا معهم الى كل القارات النشيدين الاغليين: النشيد الوطني اللبناني والنشيد الماروني “يا أم الله”، ويعتبرونهما كنزهما في كل مكان ويحافظون من خلالهما على ايمانهم .لذلك يسعدني مع الاساقفة والكهنة ان اقدم التهاني للجميع في هذا العيد الكبير ونأمل ان ترافقنا مريم دائما في بحر هذا العالم الذي تلطمنا امواجه والرياح العاتية التي تضرب سفينتنا وسفينة وطننا خاصة في هذه الايام .لكن علينا رغم كل شيء ان نثق بان مريم لن تترك سفينة لبنان تغرق ولن تترك سفينة الكنيسة ايضا مهما حصل وهي تدرك كيف تلتمس من ابنها يسوع ان يحرك الضمائر وقلوب المسؤولين عندنا كي يتحملوا مسؤوليتهم ليخرجوا لبنان من المآسي الكبيرة التي نعيشها . اتحدث اليكم وفي قلبي ايمان ورجاء ثابتين كما ثبات البطاركة الذين عاشوا وصمدوا وصلوا وقاوموا هنا في هذا الوادي 400 سنة وانطلقوا ،المسيرة نفسها، التاريخ نفسه، يتغير الاشخاص وتتغير الاحداث لكن المسيرة ذاتها. نحن مدعوون لنحفاظ على هذا التراث الانجيلي في هذا الشرق.
اتوقف معكم هنا للحديث عن كيف توج الرب عظائم مريم بنقلها بالنفس والجسد الى السماء وهي التي قالت: “تعظم نفسي الرب لأن القدير صنع بي العظائم ” ما هي هذه العظائم التي تنبأت مريم بها ؟ لقد ذكرها المكرم البابا بيوس الثاني عشر عندما اعلن في الاول من تشرين الثاني سنة 1950 ، عقيدة انتقال العذراء بنفسها وجسدها الى السماء وقال”من غير الممكن ان ينال الفساد جسد التي عصمها الله منذ اللحظة الاولى لتكوينها في حشى امها من الخطيئة الموروثة من آدم، اي الخطيئة الاصلية، لأنها كانت بتصميمه هي التي ستكون ام الكلمة المتجسدة، ثم في مسيرة حياتها كانت مخطوبة ليوسف وقبل ان تنتقل الى بيته بحسب التدبير والتعليم والشريعة اليهودية في ذلك الوقت يتدخل الله وتدخل عظيمة جديدة دعاها لتكون ام الكلمة المتجسد بقوة الروح القدس. عذراء، بتول، تصبح اما. قالت نعم وغيّرت البرنامج، قبلت ارادة الله وعلمتنا ان نترك نحن ايضا مجالا لتخطيط الله، وان نعلم كيف نقبل ارادته فينا اكانت حلوة بنظرنا او مرّة. انطلقت مريم بكلمة نعم فكانت ام يسوع الفادي الالهي وكانت هيكلا لله المتجسّد كما قال قداسته، لذلك لا يمكن ان ينال جسدها الفساد ككل البشر. مسيرة جديدة باتت بها شريكة الرب في آلامه وتحملت معه كل آلام الفداء. هذه هي العظائم بالنعم الاولى اصبحت ام يسوع التاريخي وبنعم على اقدام الصليب صارت ام المسيح الكلي اي الكنيسة لأن كل الامور الجميلة تولد من الالم كما مخاض الام التي تنتظر مولودا. هذه حياتنا المبنية على هذا التراث رغم اننا لا ندرك ما يخبئ لنا الله ولكن ما من احد منا اتى صدفة الى هذا العالم وكل واحد ترك له الرب دورا وعلينا ان ننتبه لهذا الدور في مسيرة حياتنا اليومية ونعرف دائما قول النعم للرب العظيم وليس النعم للذي يجري اليوم وللسياسة العوجاء وليس النعم على الحرمان الكامل بل النعم لإرادة الرب لهذا الوجع الذي نتحمله والذي لا بد من ان يصل بنا الى القيامة.
معكم ارفع الصلاة الى امنا مريم العذراء لنلتمس منها ان ندرك قول الـ نعم لإرادة الله لتصميمه في الامور الحلوة ظاهريا وفي الامور المرّة ظاهريا لأن الله لا يريد إلا الخير لكل المؤمنين والمؤمنات به، له المجد الاب والابن والروح القدس الان والى الابد آمين.”
Photo Album:Mass Quannoubine_14.8.2021