عظة البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الراعي في قداس عيد القديسة مارينا


عظات

“عند منتصف الليل، صارت الصيحة: “العروس آت” (متى 6:25)”

الليل هو رمز الظلمة سواء الروحية او المعنوية او الاجتماعية او المعيشية او سياسية او وطنية وكلها نختبرها اليوم وتزداد قوة. وكل منا يجتاز ظلمة ما وشعبنا اللبناني ككل يعيش الظلمة الكبيرة . في انجيل اليوم، العذارى الجاهلات يمثلن الاشخاص الذين يستسلمون امام الصعوبة ويقعوا في القنوط واليأس وفقدان الرجاء بمستقبل افضل ومع الاسف هناك اناس كثر ذهبوا ضحية اليأس والقنوط بسبب شدة الظلمة وهذا ما يعنيه الرب يسوع في المثل الانجيلي بشأن العذارى الجاهلات اللواتي استسلمن للرقاد ومصابيحهن خالية من الزيت الكافي وعندما وصل العريس لم يكن مستعدات ولم يكن معهن زيت الايمان والرجاء في قلوبهن وعقولهن ولذلك كن ضحية الظلمة .

اما العذارى الحكيمات فكن مستعدات وهم الاشخاص الذين اكتنزوا بقوة ايمانهم وبنعمة الرجاء والمحبة فصمدوا في وجه الصعوبات والمحن وتجاوزا الظلمة .لذلك لا ييأسوا لأن زيت الرجاء والمحبة يملأ عقولهم وقلوبهم .هؤلاء هن العذارى الحكيمات اللواتي دخلن وليمة العرس فيما اللواتي وقعن بالقنوط واليأس حرمن من الوليمة .نحن اليوم نصلي على نية كل الاشخاص الذين يمرون اليوم بظلمة ما ، وهم كثر حتى يصمدوا في الثبات كما صمد بطاركتنا والنساك مع المؤمنين في هذا الوادي المقدس مئات السنين. لقد صمدوا بإيمانهم وصلاتهم وامامهم بعدان: بعد الارض فتجذروا فيها وبعد السماء التي رفعوا اليها قلوبهم وافكارهم بروح الايمان والرجاء.

وانا معكم اليوم من هذه الكنيسة المتواضعة و من كنيسة القديسة مارينا التي عاشت المحنة والظلمة ،ظلمة الكذب والتجني والظلم بكل ابعاده وصمدت واصبحت في عدالة الله قديسة لكل جيل حتى نهاية الازمنة ، ورفعت على المذابح قديسة تشع بمثلها وتشجع كل انسان يقع ضحية التجني والافتراء. نلتمس شفاعتها اليوم كي نصمد في هذه الايام الصعبة وكي يساعد الرب يسوع من يمر بالصعوبات وباليأس . وهنا نتذكر كلمة جبران خليل جبران التي ذكرنا فيها قداسة البابا فرنسيس في كلمته الختامية ليوم التفكير والصلاة للبنان ومن اجل السلام فيه وهي “وراء ستار الليل يوجد الفجر”.

ان قصتنا كمسحيين لم تنته يوم الجمعة انما يوم الاحد بالقيامة. علينا ان نتذكر ان كل واحد منا لا بد ان يمر بليل ما، ونحن في لبنان تأتي قساوة الظلمة صعبة علينا ولكن علينا نحن ان نصمد بالصلاة ولا بد ان يتدخل الرب الذي هو سيد التاريخ والكلمة الاخيرة له . بطاركتنا والنساك والمؤمنون اعتصموا في هذا الوادي السحيق وعاشوا مئات السنين المقاومة بالايمان والرجاء والمحبة .وانتصروا على الفاتحين والظالمين من دون سلاح فبلغوا مرحلة الحياة في العام 1920 وطن معترف به ودولة مميزة في هذا الشرق تعتمد الديمقراطية والتعددية الثقافية والدينية وتحتضن الشراكة الوطنية المتساوية بين المسيحيين والمسلمين ،وهذه الثوابت مكنت لبنان من حفظ دوره واستقراره وخصائصه في هذا الشرق .وكلما ابتعد المسؤولون السياسيون عن هذه الثوابت فقد اللبنانيون التوازن الوطني والدور المرجعي في تقرير مصير لبنان واليوم نرى كأن هناك مؤامرة لكسر هذا الوطن المميز في هذه البيئة المشرقية الامر الذي يقتضي منا السهر والتجذر بالارض والتكاتف والتضامن واستلهام القيم الروحية والسماوية .

 في هذه المغاور واعماق هذا الوادي اعطانا اجدادنا امثولة الصمود وامثولة الحياد وقالوا لقوى الاحتلال القديمة “نحن هنا ولن نغير ايماننا وهويتنا ونحن هنا لا نتدخل في شؤونكم.” في هذا الوادي السحيق يعلمنا آباؤنا ان نعيش مثلهم البعدين :التجذر في الارض ورفع القلب والعقل والفكر الى السماء وهذه هي روحانية قنوبين وروحانيتنا المارونية .واني احيي اخواتنا الراهبات الانطونيات اللواتي التزمن في المحافظة على هذه الروحانية. فلنصلي كي يصمد شعبنا اللبناني ويثبت في وجه الظلم الكبير والتضليل والكذب والافتراء وهناك ضحايا كثر في الوزارات والادارات وفي السياسة وهناك شعب جائع . نضمّ صلاتنا الى صلاة قداسة البابا فرنسيس الذي يحمل القضية اللبنانية في اعماق قلبه واني أؤكد لكم ان خلف التحرك الدولي تجاه لبنان قداسة البابا والفاتيكان. ونحن من جهتنا نعضده بصلاتنا كي يحقق الله امنياته.  

في عيد القديسة مارينا التي مجدتها عدالة السماء نحن ايضا مدعوون عندما نفتقد عدالة الارض عدالة الدولة ،ان نلجأ الى عدالة الايمان التي تحمينا من الخوف والاحباط وتزيدنا قوة ومناعة فالظالم ضعيف والصامد في الايمان قوي وهذه هي جدلية الانجيل ،انجيل التطويبات وليكن الله الاب والابن والروح القدس ممجدا ومسبحا الان والى ابد الآبدين آمين.