عظة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي قدّاس الشبيبة – بازيليك سيّدة لبنان


عظات

 

“وللحال مدّ ربّنا يده وأنهضه” (متى 14: 31)

1. بفعل إيمانٍ صادر من القلب طلب بطرس من يسوع أن يأمره ليأتي إليه ماشيًا على المياه، فأمره ومشى. وبشكّ في الإيمان خاف بطرس عندما اشتدّ الريح، وبدأ يغرق. فصرخ إلى يسوع قائلًا: “يا ربّ نجّني. وللحال مدّ ربُّنا يده وأنهضه وقال له: “يا قليل الإيمان، لماذا شككت؟” (متى 14: 30-31).

بالإيمان الصادر من القلب أصبحت مياه البحيرة كأرض اليابسة فمشى عليها بطرس مطمئنًّا. ولكن عندما خاف من شدّة الريح وشكّك في إيمانه، عادت المياه مياهًأ وبدأ يغرق، فيما يسوع استمرّ ماشيًا عليها، فأنهضه وعاتبه على تشكيكه.

وها هو الربّ يسوع يقول لنا، وبخاصّة إلى الشبيبة الخائفة على المستقبل، وربّما الفاقدة الأمل بلبنان المزدهر وبالعيش الكريم فيه: إنهضوا!

2. هذه الكلمة “إنهضوا” هي موضوع لقاء الشبيبة في قدّاس الأحد هذا في بازيليك سيّدة لبنان-حريصا. كما شاءه رئيس هذا المعبد الأب فادي تابت، والآباء معاونوه، خدّام هذا المكان المقدّس، بالتنسيق مع اللجنة الوطنية لراعوية الشبيبة APECL jeunes.

فيسعدنا أن نقيم هذه الليتورجيا الإلهيّة، بمشاركة سيادة السفير البابويّ المطران Joseph Spiteri، وهذا الجمهور من الآباء، وهذا الجمع من شبيبتنا الأحبّاء.

3. أجل، لكم يقول الربّ يسوع، يا شبيبتنا الأحبّاء، “إنهضوا”، مثلما قالها لمخلّع كفرناحوم: “انهض، احمل سريرك واذهب إلى بيتك” (لو 5: 24). وقالها لصاحب اليد اليابسة: “انهض وقف في الوسط، وامدد يدك، فعادت صحيحة كالأخرى” (لو6: 8-10). وقالها لإبنة يائيرس الميتة: “يا صبيّة، قومي. وللحال قامت ومشت. وقالها لإبن أرملة نائين الميت المحمول في النعش مُشيّعًا: “أيّها الشاب، لك أقول: انهض! فجلس وبدأ يتكلّم” (لو 7: 14-15). وقالها للعازر الميت منذ أربعة أيّام. فبعد أن دحرجوا الحجر عن القبر، نادى يسوع بصوتٍ عظيم: “لعازر، إنهض، وهلمّ خارجًا. فخرج” (يو 11: 43-44). وقالها للفعلة في كرمه : “انهضوا واذهبوا إلى كرمي، وأنا أعطيكم أجركم. قالها للذين وجدهم بطّالين باكرًا، والذين وجدهم عند الساعة التاسعة، وآخرين وظهرًا، وآخرين وقبل المغيب” (متى 20: 1-8). هي الدعوة في كلّ لحظة ووقت وعمر.

4. أيّها الأحبّاء، “يسوع هو هو، أمس واليوم وإلى الأبد” (عب 13: 8). إنّه معنا ورفيق دربنا، اسمه عمانوئيل :الله معنا”. لا يترك أحدًا. يريد أن يقطع الظريق مع كلّ واحد وواحدة منّا. يعرف أين نتعثّر كأفراد وجماعات. يكفي أن نعود إليه يإيمان، لكي ينهضنا من عثراتنا. كلّ الذين قال لهم: “انهضوا، انهض، انهضي” جاؤوه بإيمان صادق. وغيرهم رآهم هو وبادرهم. يسوع يقرأ ما في قلب الإنسان وفكره قبل أن يتلفّظ به.

5. يا شبيبة لبنان، إنهضوا!

إنهضوا، وضعوا برنامج حياتكم وبناء المستقبل، مدركين أنّكم مستقبل التاريخ، وقوّة الحاضر، وأمل المستقبل.

إنهضوا، وكونوا القوّة التجدّديّة في الكنيسة والمجتمع. فأنتم دورة الحياة، وإرادة التغيير.

إنهضوا، وهيئوا ذواتكم بالإيمان والعلم والأخلاقيّة والكفاءة والجهوزيّة، فالمستقبل بين أيديكم، بل أنتم المستقبل.

إنهضوا، مصير لبنان-الوطن يتعلّق بمستقبلكم الزاهر على أرض الآباء والأجداد، المتجدّد بتراثنا الوطنيّ والروحيّ.

إنهضوا، وترسّخوا في الأرض، وابنوا الوطن بتطلّعاتكم الجديدة، وبالتزامكم والثقة بنفوسكم، وبالتضامن فيما بينكم.

إنهضوا، فعمركم عمر المعرفة. إنّ أترابكم يديرون شؤون البشريّة من خلال مؤسّسات التكنولوجيا والإتصالات ويديرون شؤون بلدانهم.

إنهضوا، واجتذبوا الشباب زملاءكم إلى طريق الحقيقة والحريّة والمسؤوليّة، وإنماء الذات إنماء إنسانيًّا شاملًا.

إنهضوا، وتحدّوا كلّ الصعاب والعراقيل، وتجاوزوها، وتحرّروا من كلّ حاجز أيًّا كان نوعه، يعطّل مستقبلكم وطموحاتكم.

إنهضوا، ولا تستسلموا لحالة الإرتباك والحيرة والشكّ، عندما تكثر الصعوبات والمحن والمعاكسات والظلم، وعندما تشعرون وكأنّ الله بعيد أو صامت أو مغلوب من قوى الشرّ. بل عودوا إلى المسيح الذي يبدّد بنوره كلّ الظلمات.

إنهضوا، وتمثّلوا بالمجوس الذين عندما اختفى عنهم النجم، التجأوا إلى أورشليم للاستنارة بكتب الأنبياء. فوجد العلماء أنّ المسيح يولد في بيت لحم بحسب نبوءة ميخا (5: 2). ولـمّا ساروا نحو بيت لحم عاد النجم فقاد طريقهم (متى 2: 9-11).

إنهضوا، وتمثّلوا بيوحنّا المعمدان الذي عندما دخل قلبَه الشكّ بسبب زجّه في السجن، أرسل بعثة إلى يسوع تسأله إذا كان هو المسيح الآتي؟ فكان جواب يسوع تحقيق أقوال الأنبياء، الظاهرة في آياته والشفاءات. فتحرّر المعمدان من حالة الشكّ، وصمد.

يا شبيبة لبنان، في كلّ مرّة تمرّون في حالات الشكّ أو اليأس أو تجربة التراجع، إهتفوا مع الكنيسة: “تعالَ، أيّها الربّ يسوع” (رؤيا 22: 20).

6. في هذه السنة المخصّصة لتكريم القدّيس يوسف، نطلب شفاعته لكي ننهض مثله ومثل مريم لأداء كلّ واجب أوحاه الله له:

لـمّا أمره بالهرب إلى مصر من وجه هيرودوس المزمع أن يقتل الطفل: “يا يوسف إنهض، خذ الصبيّ وأمّه، واهرب إلى مصر …” (متى 2: 3).

ولـمّا أمره بالرجوع من مصر: “يا يوسف، إنهض، وخذ الصبيّ وأمّه وامضِ إلى أرض إسرائيل، لأنّ الذين كانوا يطلبون نفس الصبيّ ماتوا”؟ (متى 2: 20).

ولـمّا خاف يوسف أن يذهب إلى هناك، لأنّ أرخيلاوس صار ملكًا على اليهوديّة مكان هيرودس أبيه، أوحى إليه الربّ في الحلم أن يذهب إلى الجليل. فسكن الناصرة (متى 2: 22-23).

مرة جديدة الرب يسير معنا في الطريق فلنصغي اليه في كل مرة يقول  لنا “انهضوا”.

فليتمجد إسم الربّ دائمًا، الآب والإبن والروح القدس، آمين.

*    *    *

 ​

media.bkerki.org

Photo Album: Bkerki Meetings_1.6.2021