عظة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرّاعي في قدَّاس الشَّبيبة في بازيليك سيّدة لبنان – حريصا
عظات
“الكَلِمَةُ صَارَ بَشَرًا وَسَكَنَ بَيْنَنَا” (يو14:1)
1. نحن الذين وُلدنا مسيحيِّين من حوض المعموديَّة، ونَحتَفلُ بعيد الميلاد، نحتفل أيضًا بولادتنا مع المسيح في ميلاده. وُلدنا إنسانًا جديدًا، ولم نعُد بعد الآن كمسيحيِّين من نسل آبائنا بحسب الجسد، بل من نسل المخلِّص الذي صار بشرًا، حتَّى نستطيع أن نصير أبناء الله. فلو لم يكن هو الذي نزَلَ إلينا بتواضعه لما استطاع أحدٌ أن يصلَ إلى الله باستحقاقاته الشَّخصيَّة (القدّيس البابا لاون الكبير).
2. إحتفالُنا اللَّيلة بهذه اللِّيتورجيَّا الإلهيَّة، على عتبة عيد الميلاد، يَعضُدُنا لنفتحَ قلوبنا لقبول الكلمة الإلهيِّ الذي وُلدَ من مريم العذراء آخذًا جسدًا، ويُريدُ أن يولَد في قلوبنا ليَأخُذ منَّا حضورًا. يُريدُ أن يُحِبُّ بقلوبنا، ويُساعِد بأيدينا، ويقول الحقيقة بألسنتنا. هذا ما يُكوِّن كرامتنا المسيحيَّة، فجعَلَ القدِّيس البابا لاون الكبير يُنادِي: “أيُّها المسيحيُّ إعرَف كرامتك، وكُن ما أنتَ”.
3. بميلاد ابن الله إنسانًا، إنحدَرَ هو إلينا، وكان بيننا إنسانًا كاملاً ببشريَّته، وعلَّمَنا كيف نعيش إنسانيَّتنا. ونحن في ذكرى ميلاده نحن مدعوُّون لنصعد إليه بنعمته. هذه هي علاقة المسيح مع كلِّ واحدٍ وواحدةٍ منَّا: هو يَنزِلُ إلينا بمحبَّته اللَّامتناهية، ونحن نَصعَدُ إليه بقوَّة نعمته وإيماننا ورجائنا ومحبَّتنا. عن هذا التَّبادل قال القدِّيس أمبروسيوس: “تأنَّسَ الله ليؤلِّه الإنسان”.
رسالتنا المسيحيَّة هي أن نَرفَعَ عالمَنا إلى الله، وكلبنانيِّين أن نُعيدَ للبنان قدسيَّته، فشبابنا اللُّبنانيّ سمَّاه القدِّيس البابا يوجنَّا بولس الثَّاني في هذه البازيليك في أيَّار 1997: “القوَّة التَّجدُّديَّة في الكنيسة والوطن”. ولا ننسى أنَّ لبنان أرض القدِّيسين، وعين الله عليه، وسيِّدة لبان مليكته ترعاه بذراعيها الممدَّدتين. لذلك فإن رجاءنا كبير بصمود لبنان شرط ان ننفتح على نعمة الله وان نستحق تدخل الله في حياتنا. هذا الاختبار عشناه من جيل الى جيل ، والشعب الذي يصلّي ليلًا ونهارًا ويسجد يوميًا امام القربان هو الضمانة لخلاص لبنان.
4. من هذا المنظار أودُّ أن أتطلَّع معكم إلى الانتفاضة – الثَّورة التي يقوم بها الشَّباب والصَّبايا منذ السَّابع عشر من تشرين الأوَّل. فلتكن ثورة إصلاحٍ للإنسان اللُّبنانيّ وللبنان. فإبن الله صار إنسانًا مثلنا لكي يُصلِح الإنسان، كلَّ إنسانٍ، وبالتَّالي ليُصلِحَ به العالم. فلتكن هذه ثورتنا إيجابيَّةً بنَّاءةً لا ثورةً عمياء، سلبيَّةً، هدّامة. إنَّ الكنيسة ترافقُكم في هذا السَّعي المًصلِح، مستنيرين كلُّنا “بالكلمة النُّور الحقيقيّ الذي يُنير كلَّ إنسانٍ آتٍ إلى العالم” (يو9:1)، والذي “من ملئه نأخذ النِّعمة والحقّ” (يو14:1).
5. هذه الانتفاضة الشَّبابيَّة مدعوَّةٌ للتَّعاون مع الجيش اللُّبنانيّ والقوى الامنية في ما له من مهمَّاتٍ لتأمين خير المواطنين وسلامة تنقُّلاتهم، فلا يتحمَّل هؤلاء القصاص عن أخطاء السِّياسيِّين الذين أوصَلُوا البلاد إلى هذه الحالة السِّياسيَّة والاقتصاديَّة والماليَّة والمعيشيَّة المذرية.
6. وإذ نشكُرُ الله، الذي له وحده الكمال، على أنَّ لنا رئيسًا مكلَّفًا لتأليف الحكومة، فإنَّا مدعوُّون لنوليه الثِّقة، من دون تشكيكٍ مُسبق، ونرافقه بالصَّلاة كي يتمكَّن من إنجاز مهمَّته بنجاحٍ، إذ يأتي بحكومةٍ ذات مصداقيَّةٍ وثقةٍ وفاعليَّةٍ، قادرةٍ على البدء بالنُّهوض الاقتصاديٍّ، وإجراء الاصلاحات الضَّروريَّة لهذا النُّهوض.
أيُّها الشَّباب الأحبَّاء،
7. أنتم مستقبل العائلة والكنيسة والمجتمع والدَّولة. الكنيسة بكلِّ مؤسَّساتها وإمكاناتها معكم، المستقبل مرهونٌ بكيفيَّة عيش حاضركم، من حيث تنمية شخصيَّتكم الرُّوحيَّة والأخلاقيَّة والعلميَّة. إتنفاضتكم – الثَّورة علامة رجاءٍ مشعّةٍ في سماء الوطن. ولكن تنبَّهوا إلى أنَّ لفظة “ثورة” في الإنجيل تعني أوَّلاً ثورةً على الذَّات من أجل إصلاحها، فيَنفَتِح أمامنا الطَّريق واسعًا وسهلاً لإصلاح المجتمع والوطن.
في هذه المناسبة يسعدني ان اقدم لكم التهاني بالعيد وأوجه تحية خاصة الى الآباء المرسلين اللبنانيين واحيي خادم للمزار ورئيس الجماعة الاب فادي تابت مع معاونيه ونبارك عملهم. واتمنى للجميع ميلادًا سعيدًا وسنة جديدة مباركة عينعم علينا الله فيها بحكومة جديدة قادرة على النهوض بالبلاد .
8. إلى عناية أمِّنا مريم العذراء، سيِدة لبنان، نكِلُ حياتكم، ومساعيَكم الخيِّرة، راجين أن يُنيرَ المسيح درُوبنا نحو كلِّ خير، لمجد الله الواحد والثَّالوث، الآب والابن والرُّوح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.
* * *
link for Photos Gallery / http://media.bkerki.org
PHOTO ALBUM: Harissa Mass_22.12.2019