غبطة البطريرك الراعي زار الاكليريكية البطريركية – غزير


نشاط البطريرك

 

زار غبطة البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الراعي مساء يوم الاثنين 13 كانون الاول 2021، الاكليريكية البطريركية المارونية في غزير يرافقه المشرف عليها سيادة النائب البطريركي المطران بيتر كرم وكان في استقباله رئيس الاكليريكية المونسنيور جورج ابي سعد والاباء الاداريين والمرشدين والمنشئين والشمامسة والشدائقة والراهبات والطلاب الاكليريكيين. وفي كنيسة مار يوسف القى المونسنيور ابي سعد كلمة ترحيبية باسم العائلة الاكليريكية شكر فيها غبطته على ابوته لهذه العائلة ورعايته الدائمة واصراره على استمرار التنشئة والتعليم والاهتمام بالطلاب الاكليريكيين بالرغم من كل الاعباء المادية والمعنوية”. واضاف: “نشكر غبطتك ايضًا لانك تشكل لنا ولكل اللبنانيين علامة رجاء في الكنيسة والوطن، وقد اتخذنا موضوعًا للتنشئة هذا العام عن “الرجاء”، من وحي كلام مار بولس عن ابراهيم حين قال: “آمن على عكس كل رجاء”، ورحنا نتعمّق في الرجاء حيث لا رجاء. فغبطتكم من يعطينا اليوم الرجاء على عكس كل رجاء لكي نتمسّك بايماننا بهذا الوطن وبرسالته ولكي نتشبّث برسالتنا ككهنة الغد في كنيسة الرب.”

ثم ترأس غبطته الذبيحة الالهية والقى عظة بعنوان: “صعد يسوع في الخفاء لا في العلن”، وجاء فيها:

“في زمن الميلاد، ميلاد الرب يسوع، الذي تجسّد وصار انساناً متواضعاً في ميلاده وحياته، وعندما كان التلاميذ يطلبون منه أن يصعد الى أورشليم لكي يعتلن أمام الناس فتظهر أعماله، أجاب لم تأت ساعتي بعد، ثم صعد في الخفاء. انها أمثولة في التواضع.”

واضاف غبطته: “يسعدني مع أخي سيادة المطران بيتر كرم، المُشرف على هذه المدرسة الاكليريكيّة، أن نقوم بهذه الزيارة التقليدية الميلادية. أحيّي المونسينور رئيس المدرسة الاكليريكية وأشكره على الكلمة الترحيبية، كما أحيي الآباء والمنشّئين والمعرّفين والمرافقين وأشكرهم على هذه الخدمة الكنسيّة العظيمة، والتي هي مواكبة كل من يشعر أنه مدعوّ للحياة الكهنوتية، وأنا أؤكّد لكم أنني كلّ يوم في القداس الصباحي أذكركم كي تتمكنوا من تمييز الدعوة، فإذا ميّزتم أي دعوة إلهيّة تثبتون فيها، ما يعني أنني شخصياً معكم كل صباح في كل قداس، ولو كانت الزيارة مرة أو مرتين في السنة، فإن اللقاء الروحي معكم هو يومي، وأرجو أن تصلّوا أنتم أيضاً من أجلي من أجل الأساقفة والكهنة كي نقوم كلنا بواجبنا الكهنوتي كما يرغب الرب يسوع.”

وتابع البطريرك الراعي: “إنجيل اليوم أمثولة في التواضع، التواضع فضيلة المسيح من البداية حتى النهاية، وطلب منا أن نتعلّم ونتخرّج من مدرسته، “تعالوا إليّ وتعلّموا مني إنّي وديع ومتواضع القلب، فتجدوا راحة لنفوسكم” الفضيلة الأساسية في الكهنوت والأسقفية وكل الدرجات الكهنوتية، هي التواضع. إذا غاب التواضع ينهار البنيان، لذا يسوع هو مسيح التواضع كما يقول القديس أغوسطينوس، يسوع هو مسيح المتواضعين المعروف بخضوعه للآب وتجرّده من ذاته، ويعبّر عن هذه الحالة بولس الرسول في رسالته لأهل فيليبي، تخلّقوا بخلق المسيح، الذي وهو الله، أخلى ذاته وأخذ صورة عبد، وأطاع حتى الموت، موت الصليب، فرفعه الله.

نعم, نحن مجرّبون في حياتنا الكهنوتية بألا نعيش فضيلة التواضع، لأن الكنيسة تقدّم لنا إمكانيات كبيرة، درجات مقدسة، رئاسات، مسؤوليات، وربما ننسى أن المسؤولية في الكنيسة هي خدمة وتواضع وتجرّد.

الرهبانيات في الأساس، كانت نذورهم أربعة، التواضع كأساس، ثم الطاعة والعفّة والفقر، لأنه إذا لم يكن المكرّس متواضع، لا يمكنه أن يعيش الطاعة ولا الفقر ولا العفّة، لأن التواضع هو طاعة لإرادة الله وكلامه ووصاياه.

نحن في زمن الميلاد، نعيّد التواضع، فيسوع لم يبحث يوماً عن مجده الشخصي بل كان يبحث عن تتميم إرادة الآب، ولو كانت صعبة، فالقديس أغوسطينوس يقول “التواضع علامة المسيح” معناها أنه كي نشهد للمسيح نحن بحاجة الى فضيلة التواضع، التواضع في المحبة، والتواضع في التجرّد عن الذات والمصلحة الذاتية.

التلاميذ حسب إنجيل اليوم كانوا منهمكين في أن يُظهر يسوع نفسه للعلن وأن يُظهر آياته وأعماله كي يؤمن به العالم، ولكن يسوع يتكلّم الى القلب وليس الى العيون، ويخاطب بالمثل، لذلك قال لهم ” لم تأت ساعتي بعد” ولذلك صعد الى العيد ولكن في الخفاء.

مدرسة التواضع نحن بحاجة لها، دائماً وأبداً، وأعود للقديس أغوسطينوس الذي يقول “حيث التواضع هناك المحبّة الحقيقيّة” ما من محبة حقيقية من دون تواضع، فالمتواضع هو شخص لا يبحث عن منفعته، بل عن منفعة الآخرين. دعونا نفكر في مريم في عرس قانا الجليل، فهي لم تتلهّى في العرس، بل بحثت عن حاجات العرس، واكتشفت أن الخمر انتهى، وطلبت من يسوع التدخّل، فالمتواضع يبحث عن منفعة الغير وليس عن منفعته الشخصية، يبحث عن راحة الغير وليس عن راحته الشخصية.

بولس الرسول عندما يتحدث عن ثمار الروح القدس، يضمّ التواضع والايمان معًا، كي يقول أن المتواضع يؤمن، والمؤمن يتواضع، وهذا لا يمكنه أن يكون مجرّد كلام، بل هو واقع في حياتنا.

نصلي اليوم في زمن الميلاد، أن يعلّمنا الرب يسوع أن نتزيّن بفضيلة التواضع ليس فقط في حياتنا المسيحيّة، بل في حياتنا الاكليريكيّة وحياتنا الكهنوتية، فلولا التواضع نصبح فريسة الكبرياء والمنفعة الشخصيّة.”

وختم غبطته العظة : “يا رب خرّجنا من مدرستك كي نتعلّم من مثلك في زمن الميلاد، كي نكون متواضعين وودعاء، لك المجد مع أبيك وروحك القدوس الى أبد الآبدين، آمين.”

بعد القداس التقى غبطته بالاسرة الاكليريكية في مسرح المدرسة حيث قدم الطلاب مسرحية جسدت رسالة كاهن اليوم وخدمته الراعوية في ظل الازمات الاجتماعية الحادة التي تواجه المؤمنين. زجّه غبطته في ختامها كلمة شكر قال فيها: “لا يمكننا أن نقول سوى شكراً على هذا الأمسية الرائعة، حيث عشنا أجواء الميلاد، إن كان من الناحية الروحية أم الفكاهية أم الحزينة التي أظهرتم فيها كل ما نعاني منه. صحيح أن شعبنا اللبناني على الرغم من كل شيء، يحمل شعلة رجاء في قلبه لا تنطفىء، وصحيح أيضاً أن وطننا ممزق ومشلّع، وهذا هو الواقع المرّ، وصحيح أيضاً أن لبنان وصل الى هذه الحالة من التشرذم بسبب الكرسي التي يسعى الجميع له، وصحيح أنه من خلال الشعر يعرف اللبنانيون أن يغنوّا وأن ينطلقوا للأمام. صحيح، هذه حياتنا وهذا تاريخنا، ولكن رجاءنا كبير، ونحن كمسيحيين خاصة أبناء وبنات الرجاء.

 عندما نقول في مثل هذه الأيام “ولد المسيح هللويا”، هذه كلمة تحمل كل تاريخنا، وتحمل كل لاهوتنا وكل روحانيتنا، فهذه الجملة تعني وُلد سيّد الكون، وصاحب الكلمة الأخيرة، ولذلك نحن لا يمكننا أن نتراجع ولا يمكننا أن نيأس ولا أن نكون في حالة إحباط.

أثناء تأديتكم المشهد المحزن، خطر على بالي أيام اضطهاد المسيحيين، وكيف أن الكنيسة عادت وانطلقت على الرغم من كل شيء، فعلى الرغم من كل ما حدث من اضطهادات عادت الكنيسة وانطلقت لأن المسيح هو سيّد الكون.

وكما سمعنا في الشعر والزجل، نحن نعيش اليوم مرارة الهجرة والتهجير، ولكن يبقى أملنا ورجاؤنا أكبر مما نعيشه. في كل سنة نعيّد عيد الميلاد، نجدّد الرجاء، ونحمل رسالة السلام للعالم، فالكنيسة لم تحمل الاّ سلاح الحب، سلاح السلام، سلاح المسيح، وهكذا إكتسحت العالم، وبقيت حتى اليوم تحمل هذا الرجاء. فجسد المسيح هو نفسه يرتاح في مكان ويتألم في مكان آخر، يموت في مكان ويحيا في مكان آخر، هذه هي الكنيسة وهكذا يجب أن ننظر الى المسيحيين في هذا الشرق.

دائماً عندما نلتقي في المناسبات أو المؤتمرات في روما أو غيرها، نقول نحن نرفض أن يسمّونا أقليّات، لا تاريخياً ولا لاهوتياً، فتاريخياً في هذا الشرق نحن موجودون قبل غيرنا، اذا نحن أصيلون ولسنا دخلاء على هذا الشرق ولسنا أقليّة من الناحية التاريخية، أما من الناحية اللاهوتية، فنحن عضو في جسد المسيح السرّي الذي هو الكنيسة، هذا العضو متألّم اليوم، لكن الجسد سليم، وكونه سليماً فستسلم كل الأعضاء. صحيح هناك شهداء ودائماً هناك شهداء، ولكن جسد المسيح حيّ والكنيسة تبقى.”

وختم الكردينال الراعي: “هذا هو عيد الميلاد الذي نعيّده كل سنة، وأشكركم على هذا الاحتفال الذي شاهدناه معكم بكل رموزه، وأهنئكم على هذه المواهب العظيمة التي شاهدناها، ونشكر الله عليكم وعلى العطايا الموجودة فيكم، والمواهب الكبيرة، ونحن نرافقكم دائماً في صلواتنا كي تتمكنوا من تمييز دعواتكم، وبمساعدة الآباء يمكنكم أن تنطلقوا دون أن تنظروا الى الخلف، لأن حياتكم كلها الى الأمام مع يسوع المسيح، وكل عام وأنتم بخير. ولد المسيح، هللويا.

 

 

media.bkerki.org

Photo Album: Seminar Ghazir_13.12.2021