البطريرك الراعي يترأس القداس السنوي على نية فرنسا – بكركي انثين الفصح


نشاط البطريرك

 

ترأس غبطة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، قبل ظهر اليوم الإثنين 22 نيسان 2019، القداس السنوي التقليدي على نية فرنسا، في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي، عاونه فيه المطرانان حنا علوان ورفيق الورشا، أمين سر البطريرك الأب شربل عبيد، القيم البطريركي العام الأب جان مارون قويق ولفيف من الكهنة، في حضور نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي، السفير الفرنسي برونو فوشيه، القنصل العام كريم بن شيخ، الملحق العسكري اوليفييه لاسال وعدد من أركان السفارة، الوزيرين السابقين زياد بارود وابراهيم الضاهر، وفد من المؤسسة المارونية للانتشار برئاسة رئيس المؤسسة شارل حاج، رئيس مجلس إدارة “تيلي لوميار” جاك كلاسي، الرئيس الفخري لنقابة المقاولين فؤاد الخازن وحشد من المؤمنين. 

وألقى غبطته بعد قراءة الإنجيل المقدس، عظة قال فيها:

1-” ان اول شخص تراءى له يسوع المسيح بعد قيامته كانت مريم المجدلية التي اخرج منها سبعة شياطين كما يروي متى الإنجيلي في اشارة منه الى انها امرأة خاطئة من الجليل. وهي التي لحقت بيسوع المسيح الى بيت سمعان الفريسي وسكبت على قدميه قارورة الطيب الثمين وغسلتهما بدموع الندامة ومسحتهما بشعرها وسمعت من يسوع قوله “لقد غفرت لها الكثير من الخطايا لأنها احبت كثيرا.” (لوقا7,47). فهي ايقنت جيدا ان ملذات الأرض لن ترضيها بل ستزيدها جفافا.

2- ولأنها عاشت قيامة القلب اراد السيد المخلص ان يكافئها بظهوره الأول لها. وفي ارشاده الرسولي حول “كرامة المرأة “، ابرز قداسة البابا يوحنا بولس الثاني الدور الخاص لمريم المجدلية : لقد كانت الشاهد الأول على خلو القبر صبيحة الفصح، والاولى التي قابلت المسيح القائم من الموت والاولى التي شهدت له امام الرسل، لذلك سميت برسولة الرسل.

3- نحن سعداء اليوم يا سعادة السفير لأنكم  وزملائكم تشاركوننا فرحة عيد القيامة وترفعون معنا الصلاة على نية فرنسا العزيزة على قلوب اللبنانيين وقلوب العديد من الشعوب التي تبحث عن القيم الحضارية. نرفع صلاتنا ايضا على نية السلام والمصالحة في منطقتنا المضطربة.

وندع بين يدي ربنا الرحوم الضحايا ال290 الأبرياء الذين سقطوا جراء الإنفجارات المريعة والجبانة التي ضربت ثلاث كنائس وثلاثة فنادق في سيرلنكا. ونصلي للراحة الدائمة للأموات وللشفاء العاجل لل500 جريح ولمواساة اهلهم واقاربهم. ونؤكد على تضامننا وشراكتنا مع الشعب السيرلنكي العزيز والسلطات الدينية والمدنية كذلك مع اعزائنا السيرلنكيين الذين يعملون في لبنان.

4-ان الحريق الذي خرب كاتدرائية نوتردام في باريس محزن جدا ومريع لدرجة ان وحده الصمت المتلازم مع الصلاة يمكنه مساعدتنا لتجاوز هذه المحنة. وفي الوقت نفسه فان التعاطف والتضامن الوطني والدولي حول هذا الرمز الذي يجسد الجذور المسيحية في فرنسا وحول هذه الجوهرة من ارثها التاريخي والثقافي هم الذين يؤكدون لنا القيامة الأكيدة لهذه الكاتدرائية من تحت الرماد.

5- لقد كتب البابا بنديكتوس:” ان قيامة المسيح لا تتلخص بعودة الحياة الى اي ميت كان، لانها تفتح ابعادا تهم كل الكائنات البشرية.”

الإيمان المسيحي يموت من دون الإيمان بحقيقة القيامة، التي تمثل باكورة عالم جديد وحالة جديدة للانسان. هذا الإيمان ضروري لدرجة ان القديس بولس قد كتب :” لولا قيامة المسيح ، لكانت رسالتنا فارغة وايماننا فارغ ايضا(قورنتس 15،14)

نحن نعلم اذا لماذا يحيا المسيحي بالأمل وهوسعيد دائما. لانه يعلم ان الكلمة الخيرة ليست للموت وانه سيخرج منتصرا. هذا الإيمان بيسوع يعطي الشجاعة للشهداء، والغيرة للرسل والبطولة للقديسين على مدى العقود و منذ 2000 سنة.

6- في كل عام تستقبل فرنسا العديد من الحجاج والسياح  في اماكن مقدسة. فلنفكر في تلك الشابة الكرملية ذات ال24 سنة تيريز دو ليزيو دكتور في الكنيسة وفي السماء كما وعدت، هي التي اغدقت على الأرض نعما كثيرة طلبت منها.

فلنفكر في هذا البلد الصغير لبنان الذي اعطى قديسين كالقديس شربل كانوا شفعاء من دون توقف للإنسانية من دون تفرقة في الأديان.

فلننظر باي حب وتفاني تعاين اخوات الأم تيريزا وفرنسيسكانيات الصليب للطوباوي ابونا يعقوب المرضى المشوهين والمعوقين لأنهم يرون فيهم صورة المسيح المعذب بآلامه والممجد بقيامته.

7- في الفصح “قام الغفران من القبر” واصبح هذا الغفران واجبا على كل مسيحي مؤمن بيسوع المسيح. وبما ان العناية الإلهية هي التي وضعت في هذا الجزء من العالم مسيحيي لبنان فانهم مدعوون لأن يكونوا فاعلوا سلام وغفران ومصالحة.

سعادة السفير

8- باسم الصداقة اللبنانية الفرنسية اشكر الشعب الفرنسي على دعمه المعنوي واخلاصه عند كل محنة. ونحن نشهد لإمتناننا هذا برفع الصلاة على نية بلدكم ومن اجل خيره. نسأل الله ان يغدق عليكم وعلى وطنكم وعائلتكم نعمه الالهية لمجد الثالوث الأقدس الآب والإبن والروح القدس. آمين

 

وفي ختام القداس تناول غبطة البطريرك مع عدد من الأساقفة ووفد السفارة الفرنسية طعام الغداء بالمناسبة وكانت كلمة ترحيب لغبطته قال فيها:”

لقاؤنا اليوم ليس مجرد لقاء سنوي تقليدي، فهو يحمل روحية الصلاة من خلال احتفالنا بصداقتنا مع فرنسا وتعلقنا بكل ما تمثله لنا. واحتفالنا بالإفخاريستيا صبيحة عيد القيامة ترسخ الفرح والأمل الذي تقدمه القيامة التي نحياها في اجواء من التجدد والحرية واعادة بناء الانسان على ضوء الخلاص والسلام الذي ينشره المسيح المخلص الذي غلب الموت.

هكذا ننظر الى صداقتنا مع فرنسا على انها علاقة قوية متجذرة في القيم الإنسانية كالمساواة والحرية والأخوة الملازمة لتعاليم ايماننا.

ان الحرية المعاشة لا يمكنها ان تكون الا قيمة عليا. فهي اساس كل مجتمع يسعى الى التطور وتعزيز الإنسانية. المساواة هي قيمة تتيح الفرص المتساوية لكل الذين لديهم تصورات لتطور منظم وجاهز للتطبيق. اما الاخوة فنحن نضعها في خانة التضامن لانها  تجمع وتتيح للروابط الإجتماعية ان تتجسد من خلال افعال وانطباعات ومشاريع من كافة الانواع.

لقد عبرت فرنسا عن تضامنها مع لبنان من خلال مؤتمر سيدر 2018. هذه العملية تجسد ارادة بلدينا باتخاذ تدابير ملموسة تقدم حلولا لوضعنا الإقتصادي والإجتماعي الحالي. ونحن نصر على الإصلاحات المرتبطة بمؤتمر سيدر. والشعب اللبناني متمسك بها كخشبة خلاص وهو يدعو الى الشفافية ومتابعة التنفيذ.

رابط آخر يجمع بلدينا انه التعاون الثقافي والتربوي القائم من خلال مؤسساتنا الوطنية الكاثوليكية وتحديدا المارونية انها الفرنكوفونية التي تثير حماستنا فهي ليست لغوية وحسب وانما هي تعبير عن الإنفتاح والديناميكية. بالنسبة لنا هي تظهر في التزامنا بكل ما تحمله من علامات ورموز :الأدب العلوم الهندسة وصولا الى اعلى القيم الرمزية ككاتدرائية نوتردام في باريس التي هي خير مثال على انصهار الماضي والمستقبل، الصرح الذي يحمل ارثا ثقافيا وروحيا والمساحة التي تحولت الى رسالة دينية ورسولية وانسانية. وبعد الحريق الهائل الذي اجتاحها في اسبوع الآلام لم يتعرض المذبح والصليب لأي ضرر ليعلنا معا الأمل بالقيامة وبقوة اعادة البناء.

اضافة الى التحديات الإقتصادية والمالية والادارة الرشيدة والمنصفة نجد انفسنا امام حاجة تثقيف شبابنا ففي الواقع نوعية التعليم تبني اشخاصا جيدين مسؤولين ورسلا على الرغم من كل الحواجز والمآزق التي تهدد مدارسنا وجامعاتنا بسبب الفقر المتنامي والأزمة الإجتماعية والبطالة.

وهناك تحد آخر يدعونا لأن نعمل على تثقيف عائلاتنا ومواطنينا. فالوصول الى المعلومة المسؤولة يتيح الفهم والتحليل بشكل افضل وبموضوعية كل ما له علاقة بتعليم رجال ونساء مسؤولين وشفافين وذلك لمكافحة الفساد والزبائنية والمحاصصة التي تقضم بلدنا.

ويبقى التحدي الأكبر وهو مسألة النازحين السوريين الذين يثقل عددهم الكبير كاهل لبنان اقتصاديا وماليا واجتماعيا وذلك على حساب اللبنانيين. يجب على الأسرة الدولية ان تفصل بين الحل السياسي في سوريا وضرورة عودتهم الى بلدهم للحفاظ على حقوقهم المدنية وثقافتهم وحضارتهم . وان تأخير عودتهم يشكل خطرا كبيرا يهدد لبنان على كافة الأصعدة. ونحن ننتظر من فرنسا الصديقة صوتا اوروبيا مختلفا.

في الختام يعبر هذا اللقاء الجميل اليوم عن فرحة لقاء سفير بلد عزيز لا يتوانى ابدا في تقديم كل الدعم لمواطنينا ولمؤسساتنا ولمختلف جماعاتنا. انه لقاء عائلي وبالنسبة لنا هو دعوة لتشديد روابطنا وتعزيز نماذجنا الثقافية الغنية بالقيم الإنسانية والعالمية.

لقد تشرفت منذ نحو السنة بلقاء الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي عبر عن مودته وصداقته لبلدنا. واود في هذه المناسبة نقل تحياتنا وتقديرنا وشكرنا له من خلالكم سعادة السفير على كل ما يقوم به من اجل لبنان ومن اجل الصداقة الفرنسية اللبنانية. وننتظر بحماسة كبيرة زيارته المقبلة الى لبنان كما اعلنتم . نشكر لكم حضوركم ونتمنى لكم ولفرنسا ولزملائكم فصحا مجيدا.

 

بدوره القى السفير الفرنسي برونو فوشيه كلمة شكر فيها لغبطته رفعه الصلاة على نية فرنسا يوم اثنين الفصح وحفاوة الإستقبال في “هذا الصرح العريق البطريركية المارونية “، وقال:” انه لفرح كبير مشاركتكم ومعاوني هذه المناسبة السعيدة التي تجمعنا في كل عام. وهذا اللقاء مستمر منذ سنوات عديدة وهو لم يتوقف يوما على الرغم من الحرب التي اعاقت احيانا تنقلاتنا الا ان زيارتنا لبكركي شكلت فرصة لنا للتاكيد على العلاقة الأخوية والمميزة التي تجمع بين بلدنا والصرح البطريركي منذ عقود طويلة.”

وتابع فوشيه:” جميع السلطات في بلدي وعلى رأسها رئيس الجمهورية ايمانويل ماكرون يوجهون الى غبطتكم تحية تقدير واخلاص وصداقة لا تتزعزع. كما تعلمون تعاوننا يشمل عددا من القطاعات منها السياسي والأمني والإقتصادي والصحي والثقافي. وحجر الزاوية في هذا التعاون هو قطاع التعليم الذي تسهم فيه الجماعة الكاثوليكية  وتحديدا المارونية بشكل كبير ونحن فخورون بذلك. نجدد اليوم تمسكنا القوي بهذا التعاون التعليمي والأكاديمي وارادتنا بتعزيزه. وكما اراد رئيس الجمهورية وكتعبير عن ارادتنا بتعزيز علاقاتنا سوف نضاعف عدد المنح  المقدمة الى الإكليريكيين الموارنة لنيل الماستر والدكتوراه في خلال السنوات المقبلة وسيوقع هذا الإتفاق مع السلطات المعنية. “

وتابع فوشيه:” صاحب الغبطة منذ الإحتفال بقداس الفصح العام الماضي والأحداث السياسية تهدد رسالة السلام والأخوة. والوضع في لبنان يقلقنا. وكما يتوجب ان يكون عند النحات رؤية ومهارة في صقل الحجر لبناء كاتدرائية نحن نتمنى ان يبني اهل السياسة اللبنانية من رجال ونساء اسسا صلبة لدولة مستدامة. والمشاركة في هذا العمل يتطلب الحفاظ على استقرار لبنان. وهذا ما تقوم به فرنسا من خلال مشاركتها الكبيرة في قوات حفظ السلام في الجنوب اللبناني. فمن اولويات مهامنا الديبلوماسية تأمين الهدوء في جنوب لبنان والسهر على التطبيق الكامل للقرار 1701 وباقي القرارات. ولاستقرار لبنان وحدوده نحن ندعم الجيش اللبناني وقوى الأمن الذين يطورون قدراتهم ، كما اننا رفعنا هبتنا في مؤتمر روما من 40 مليون يورو الى 45 لتكون الأكبر بين دول الشرق الأوسط. ودعمنا للبنان هو المساهمة في مجتمع مدني لبناني نقدره لدوره المميز في العيش المشترك والسلمي بين مكوناته وهو امر فريد ونحن بامس الحاجة له في ايامنا هذه.”

وقال فوشيه:” العمل من اجل لبنان قوي هو تقديم اجابة مطمئنة وانسانية لأزمة النازحين السوريين. لا يمكننا ان نتجاهل مصيرهم ولكن لا يمكننا ايضا عدم التحرك لنتائج وجودهم. انه معنى النداء الذي اطلقتموه في زيارتكم للرئيس الفرنسي العام الماضي، ومثلكم نحن نتمنى عودة النازحين الى ديارهم فهناك مكانهم. وهذه العودة يجب ان تتم وفق ظروف مناسبة اي ان تكون طوعية وآمنة. والى ذلك الحين نحن نستمر في وقوفنا الى جانب لبنان والعمل على التخفيف من الحمل الثقيل الذي يشكله النازحون. وهذا ما التزمنا به في مؤتمر بروكسيل نحافظ على مساعدة النازحين كذلك مساعدة الشعب اللبناني من خلال دعم مشاريع خاصة بالمدارس والمستشفيات والبنى التحتية.”

وختم فوشيه:” لقد اظهرت الحكومة اللبنانية في الأسابيع الأخيرة ارادتها بتطبيق الإصلاحات الضرورية وتم تبني خطة الكهرباء والموازنة يجب ان تبصر النور قريبا. نتمنى ان تتابع السلطات اللبنانية مسيرتها في هذا الخط. وان تعبد الشفافية والادارة الجيدة طريق الشعب اللبناني لكي يعيد الثقة بمستقبله.”

 

 _____________________________________________________________________________

 

link for Photos Gallery / http://media.bkerki.org

PHOTOS: Patriarch Rai_Easter Monday_Bkerki_22.4.2019