كلمة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الراعي في تبريك حديقة البطريرك الشهيد دانيال الحدشيتي – حمانا


نشاط البطريرك

1. في سنة الشهادة والشهداء، التي افتتحناها في 9 شباط الماضي، عيد أبينا القدّيس مارون، يسعدنا أن نحيي معكم ذكرى الشهيد البطريرك دانيال الحدشيتي، الذي كان استشهاده على يد المماليك سنة 1282. فنبارك حديقته، ونرفع الستارة عن نصبه. وذلك بدعوة ومبادرة من الوزير والنائب السابق الدكتور عبدالله فرحات وعائلات أل حدشيت. فنوجِّه إليكم، أيها الأحباء، تحيّة شكر وتقدير على هذا العمل الذي يعود بنا إلى عهد بطريرك مقاوم ومناضل بوجه الأغراب، أكانوا فرنجه أم صليبيّين أم مماليك أم فاتحين من مختلف الأمم، دفاعًا عن الإيمان والأمّة والسيادة والكرامة. فلُقِّب هذا البطريرك بالرجل المخيف والشجاع، حتى أنّ المماليك والتركمان عندما أمسكوه بالحيلة، بعد أن ترصّدوه مرارًا، وحاصروه أربعين يومًا في قلعة الحصن بإهدن، ثمّ أحضروه أسيرًا، اعتبروا القبض عليه بمثابة فتح بلد وإسقاط حصن أو قلعة (راجع الدكتور جورج هارون: تاريخ البطاركة الموارنة، ص 171).

 

2. هذا البطريرك الشجاع والمقاوم والمدافع عن الشعب والإيمان والكيان، يذكِّرنا بالبطاركة الموارنة الذين بدأوا مسيرتهم على رأس شعبهم مع البطريرك الأوّل القدّيس يوحنا مارون إلى يومنا. إنّها مسيرة سبعة وسبعين بطريركًا نذروا نفوسهم لخدمة الإيمان وتقديس النفوس، من الناحية الدينيّة، وخدمة الشعب والكيان وحماية الأغليَين: الحرية والكرامة، من الناحية الاجتماعية. وبعد مسيرة ألف وثلاثماية سنة وصلوا مع البطريرك الياس الحويّك إلى إعلان دولة لبنان الكبير؛ ومعالبطريرك انطون عريضه إلى إنجاز الاستقلال ونهاية الانتداب الفرنسي، وإقرار الميثاق الوطني لصون العيش المشترك والاستقلال؛

 

ومع البطريرك الكردينال بولس بطرس المعوشي إلى تجنيب البلاد حربًا أهلية في ثورة 1958 باعتماد شعار “لا غالب ولا مغلوب”، وإلى توطيد الوحدة الداخلية والتخلّص من الدخلاء الذين يشوّهون وجه الوطن. ومكافحة المخططات العقائدية الرامية إلى جعل الوطن في أحضان التطرّف.

 

 وجاء البطريرك الكردينال مار انطونيوس بطرس خريش في بداية الحرب اللبنانية ليقف بوجه تقسيم لبنان، وحماية العيش المشترك ولبنان الواحد والموحّد الذي هو الوحيد في الشّرق الأوسط الذي عاش فيه المسيحيّون والمسلمون في سلام، وحيث تتمتّع كلّ الطوائف الدينيّة والأحزاب السياسيّة بالحقوق والحريات نفسها. وخلَفَه البطريرك الكردينال مار نصرالله بطرس والبلاد تحت الاحتلال الإسرائيلي والوصاية السورية فناضل وتوصّل مع الإرادة الشعبيّة إلى حماية السيادة وحرية القرار والاستقلال التامّ، وانسحاب إسرائيل من الجنوب، وسوريا من كلّ الأراضي اللبنانية. ودعيت انا، ولبنان منقسم إلى شطرَين سياسيَّين، 14 و8 أذار عطّلا مسيرته السياسية والاقتصادية والاجتماعية. فحملت نهج “شركة ومحبّة”، وعملت وما زلت مع ذوي الإرادات الطيبة على بناء وحدتنا الداخليّة وشدّها برباط المحبة والتعاون والتكامل.

 

3. إنّ شخصيّة البطريرك الشهيد مار دانيال الحدشيتي تذكِّرنا بهذا الخطّ التاريخي الجامع الذي سلكه البطاركة الموارنة، الواحد تلو الآخر، وفقًا لظروف بطريركيّته ونهجه. فكان كلّ واحد منهم يبني مدماكًا في الكيان اللبناني الذي ننعم به اليوم، متعاونين مع رجال دولة وشخصيات سياسية وفكرية وإنمائية وثقافية، مسيحيين ومسلمين ودروز، ومع شهداء ومقاومين أراقوا دماءهم في سبيل الوطن. وفي الخط الاول الجيش اللبناني والقوى الامنية، واوجه لهم تحية كبرى ونحيي ممثليهم بيننا. كما احمّل ممثل قائد الجيش، تحياتنا ودعاءنا بشفاء الجرحى الذين سقطوا بالامس في منطقة عرسال، فيما نصلي باستمرار من اجل حماية الجيش وكل الاجهزة والقوى الامنية الاخرى.

 

 وكان قد انطلق هذا الخطّ مع البطريرك الأوّل القديس يوحنا مارون الذي ثبّت الهوية الوطنيّة والرسالة. ويضيق الوقت والمجال للكلام عن كلّ حلقة من حلقات هذه السلسلة البطريركية الطويلة. ولكن من الواجب ان نذكر من هو “ابو تاريخ لبنان” المكرم البطريرك الكبير اسطفان الدويهي الذي دوّن مجريات البلاد حتى نهاية القرن السادس عشر، والبطريركين يوحنا مخلوف وجرجس عميره، تلميذي المدرسة المارونية في روما (1584)، اللذين تعاون معهما الامير فخر الدين لفتح العلاقات مع الغرب بدءًا من امارة توسكانا في ايطاليا، واستقطاب الفنون والهندسة؛ والبطاركة الآخرين الذين اسسوا المدارس وبثّوا العلم، واطلقوا النهضة العربية. 

 

بفضل هذه المسيرة التي بدأت في أواخر القرن السابع وتتواصل حتى يومنا، أُعطي البطريرك الماروني شعار “مجدُ لبنان أُعطيَ له”، وأضحت البطريركيّة وشخص البطريرك “مرجعيّة وطنيّة” همّها حماية الميثاق الوطني والدستور، والإيمان وسيادة القرار، وكرامة الشعب والوطن. نأمل أن يكون هذا همّنا جميعًا.

 

عشتم! عاش لبنان!

 

*  *  *

 

PHOTOS: Patriarch RAI_Activity_1.7.2017