لقاء مكتب راعوية الزواج والعائلة – بكركي


نشاط البطريرك

 

رعى غبطة البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الراعي قبل ظهر يوم السبت 6 نيسان 2019، في الصرح البطريركي في بكركي، لقاء مكتب راعوية الزواج والعائلة في الدائرة البطريركية بعنوان “كيفية تطبيق الدليل الموحد نحو مراكز اصغاء ومرافقة متخصصة في الرعايا والأبرشيات المارونية” بحضور عدد من الأساقفة والكهنة والراهبات، اعضاء مراكز الإصغاء، مسؤولي لجان العائلة، مسؤولي مراكز التحضير للزواج، مسؤولي الجماعات العائلية في الأبرشيات، ممثلي اللجنة الاسقفية للعائلة والحياة في لبنان، ممثلي معهد العائلة في جامعة الحكمة، ممثلي المركز المهني للوساطة في جامعة القديس يوسف، مسؤولي الجماعات التي تعنى بالعائلة وعدد من الطلاب.

استهل اللقاء برفع الصلاة، بعدها  القى الأباتي سمعان ابو عبدو منسق مكتب راعوية الزواج والعائلة كلمة لفت فيها الى ان “هدف هذا اللقاء هو الاطلاع على واقع المراكز الموجودة حاليًا، وتبادل الخبرات، وتخطّي صعوبات الإنطلاق والوعي على التحديات؛ وإلقاء الضوء على أهميّة الوساطة ودورها في تلافي وحلّ النزاعات العائلية بالتزامن مع دور المرشدة الاجتماعية في التحليل والتشخيص والتقييم. من هنا نريد لمراكز الإصغاء هذه ان تكون بحقٍ، واحات رجاء.

نجتمع اليوم كعائلة، حول موضوع أساسي ألا وهو وحدة العائلة. لأنّ العائلة باتت مهدّدة في ديمومتها وقيمها ورسالتها وأهدافها.”

وتابع:” نقرأ في الإرشاد الرسولي للبابا فرنسيس “فرح الحب”، “أن خير العائلة هو مصيريّ لمستقبل العالم والكنيسة” (فرح الحب 31). “فالعائلة هي خير لا يستطيع المجتمع (ولا الكنيسة) أن يتخطاه، بل هو بحاجة الى ان يُحافظ عليها (فرح الحب 44). هدفنا ان يكون في كل الأبرشيات المارونية مراكز إصغاء ومرافقة متخصّصة، مع الوساطة التي هي من إحدى أهمّ التقنيّات الجديدة لحلّ النزاعات، وتسهم في بتِ المفاعيل المدنية للزواج، إنها طريقة سلميّة وحبيّة لإزالة الحواجز التي تعيق المفاوضات، وترمّم العلاقات، مفتاحها الكلمة الإيجابية والإرادة الحرّة، تمكن الفرقاء من التوصل الى التعبير عن المشاعر وفهم الحاجات والمصالح، وتسعى لإيجاد قاسم مشترك يؤسس ركيزة التوصل الى حلول تناسب الفرقاء. كل ذلك يتمّ من خلال طرف ثالث محايد يسمّى الوسيط، يتحلّى بالمهارات والكفاءات والتقنيات المطلوبة.”

وختم بو عبدو:” ومن الأهميّة بمكان، وفوق كل الاعتبارات، ينبغي التفكير في الأطفال؛ فليس عليهم ان يتحملوا عبء انفصال الأهل، ولا يجب أبدًا استخدامهم كرهينة ضد الشريك الآخر.

وإنّه لتصرف غير مسؤول إفساد صورة الأب او الأم بهدف الاستئثار بعاطفة الابن، للانتقام او للدفاع عن الذات، لأن هذا يضرّ بحياة الطفل العاطفية، وينتج عن ذلك جروح لا تندمل، ومن الصعب شفاؤها”.

ثم توجه المطران رفيق الورشا النائب البطريركي المشرف على مكاتب الدائرة البطريركية الى الحضور بكلمة وقال:” يندرج هذا اللقاء في سياق توجيهات غبطة أبينا البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الراعي الكلّي الطوبى الذي كان لراعوية العائلة والزواج حصّة كبيرة في مسيرة حياته الرهبانية والكهنوتية والأسقفية والبطريركية. هذا إن من خلال عظاته وتنشئاته ومداخلاته أم من ناحية تأسيسه للمكتب الذي يقوم بكلّ جدارة بهذه المهمّة الصعبة والملحّة. وهنا أودّ ان احيّي من صميم القلب جميع المشاركين في هذا اللقاء المبارك، منظّمين ومحاضرين ومستمعين، فيما يجمعنا همّ واحد ومشترك، ألا وهو الالتفات الى العائلة، لما تحتلّ من مكانةٍ واسعة في الكنيسة والمجتمع.”

وتابع الورشا: “كما أثمّن ما آل اليه مكتب راعوية الزواج والعائلة من انجازات، تصبّ كلّها في خدمة الأزواج وخيرهم الاجتماعي والمعنوي والروحي. هذا من خلال الانتباه الى الزواجات المتعثرة التي تتطلّب الكثير من المرافقة والمتابعة والإصغاء والوساطة. لا يغيبنّ عن البال كم كانت شاسعة مساحة التعليم حول الزواج والعائلة لدى البابوات تباعًا. وفي زمننا الحاضر لنا خير مثال البابا فرنسيس الذي يعطي مقاربة موضوعية تواجه الموضوع بواقعية دون التحليق في النظريات.  نقرأ في الإرشاد الرسولي: فرح الحبّ الفقرة 137 ما يلي: أن نعطي الوقتَ بعضنا لبعض، ووقتًا نوعيًّا، يعتمد على الاصغاء بصبر وبانتباه لحين أن يكون الشخص الآخر قد عبّر عن كلّ ما كان بحاجة أن يعبّر عنه. وهذا يتطلّب زهدًا بعدم البدء في الكلام قبل الوقت المناسب. وبدلًا من البدء في تقديم الآراء والنصائح، علينا التأكّد من أننا قد سمعنا كلّ ما كان الشخص الآخر بحاجة إلى قوله. وهذا يعني أن نصمت في داخلنا كي نصغي دون أي ضجيج في القلب أو في العقل: نتخلّى عن أي تسرّع، ونضعُ جانبًا جميع الاحتياجات الخاصة والمُلحّة، ونفسحُ المجال. غالبًا ما لا يكون أحد الزوجين بحاجة إلى حلّ لمشاكله إنما إلى الإصغاء إليه. يريد أن يشعر بأنه قد تمّ الاصغاء إلى معاناته، إلى خيبة أمله، إلى خوفه، إلى سخطه، إلى رجائه، إلى حلمه. غالبًا ما نسمع هذا التذمّر: “إنه لا يصغي إليَّ. وحين يبدو وكأنه يسمع، فهو في الواقع يفكّر في أمرٍ آخر”.

وأضاف الورشا:” أجل! المرافقة والإصغاء هما فنّان أساسيان يسهمان في تشديد العائلة بغية أن تبقى متألّقة وموحّدة كما أرادها الخالق منذ البدء، فتعي هويتها وتعيشها اكثر فأكثر وسط مجتمع تعصف به التحديات على أنواعها من كلّ حدب وصوب وفي اجواء التقنيات الحديثة المتطورة ووسائل التواصل، سواء اكانت إيجابية لتبنّيها ام سلبيّة لتلافيها والوقاية منها. من هنا ينبغي على الأسقف والكاهن وجميع العاملين في مجال راعوية الزواج والعائلة ان يكرّسوا من أوقاتهم ويضحّوا براحتهم بعض الشيء، ويصغوا لِما يحدث في العائلة اليوم وما ينتابها من اخطار ومشاكل وتعثّرات يجب معالجتها ومواجهتها قبل أن تنفجر كالكرة الثلجية التي تكبر رويدًا رويدًا لتصبح فيما بعد مصيبة خطيرة لها نتائج وخيمة على الأزواج والأولاد. إن ذلك يتطلّب منا الكثير من الفطنة والتمييز لنحسن تشخيص المشاكل ونعرف السبيل الذي يجب أن نسلكه للخروج من الأزمات. بالإضافة إليها هناك أهمية كبيرة للانفتاح على عمل الروح القدس الذي يضيء لنا الطريق ويلهمنا إلى ما يجب القيام به لحلحلة الأزمات والسير بالأزواج والعائلات نحو الأفضل.”

وختم المطران الورشا:”إننا في بداية هذا اللقاء نستمطر من الله نعمه الوافرة على مكتب راعوية العائلة والزواج وعلى كلّ الحاضرين العاملين في هذا القطاع، لكي يهبهم دائمًا الفرح في هذه الرسالة مدركين خطورتها فيعطوا من وقتهم ومالهم وخبراتهم للوقوف إلى جانب الأزواج والعائلات الذين يمرّون بأزمات. ألا باركتنا عائلة الثالوث الأقدس، الآب والابن والروح القدس، وثمّر جهودنا لما فيه خير العائلة فتصبح كنيسة بيتية على مثال عائلة الناصرة.”

وبعد عرض مصور لمضمون الدليل الموحد قدمته لينا ابي سمعان عازار، تحدث المحامي جورج الفغالي عن “اهمية الوساطة ودورها في تلافي وحل النزاعات العائلية،” وكانت مداخلة للدكتورة ريتا شوشاني عن “دور المساعدة الإجتماعية في مقاربة الأزواج المتنازعين.”

وتخلل اللقاء حوار بين غبطته والحضور تضمن اسئلة واجوبة حول عدد من الأمور والقضايا المتعلقة بالآلية الفعالة لمعاجة المشاكل بين الأزواج وكيفية السعي الدائم الى تقريب وجهات النظر بين الطرفين عن طريق الإصغاء اليهم وتقديم المساعدة .

واشارت ريتا الخوري منسقة مكتب راعوية الزواج والعائلة الى “الدعم الكبير لصاحب الغبطة فلقد كنتم وما زلتم تحملون هم العائلة في قلبكم منذ سنين طويلة. رئيسًا للجنة الأسقفية لشؤون العائلة، راعيًا لمكتب الزواج والعائلة الذي يحمل معكم همّ العائلة ووحدتها في هذه الظروف الصعبة التي نمرّ بها، والسبيل كي تكون الكنيسة الأم والمعلمة، حاضنة لهذه العائلات وقريبة منها، تداوي جراحها وتساعدها على تخطّي المشاكل التي تعصف بين أعضائها مهددة ديمومتها. ثمار كثيرة أينعت ولكن بعضها الآخر ما زال في طور النمو نضرع الى العائلة المقدسة ان تساعدنا وتكون معنا في هذه المسيرة الطويلة. ونعدكم ان تبقى العائلة وكما اعتدتموها دائمًا مصليّة، موحّدة، شاهدة للقيم المسيحية.

وعن موضوع “الوساطة بين المحكمة الكنسية ومراكز الإصغاء من الناحيتين القانونية والراعوية تحدث المطران حنا علوان النائب البطريركي العام للشؤون القانونية والقضائية والمشرف على المحكمة المارونية الإبتدائية الموحدة وقال:” ان ضرب العائلة يعني ضرب الحياة وطبعا الفشل.

نشكر اهتمام غبطتكم بالعائلة وبمكاتب العائلة واللجان الابرشية. ابشركم بانه في البيان الختامي لسينودس اساقفتنا العام الماضي ابلغنا ان عدد الدعاوى انخفض في السنة الماضية الى ما نسبته الخمسين في المئة وهذا بفضل الأساقفة الذين اوجدوا المراكز وبفضلكم انتم من يعمل في هذه المراكز وهذه علامة بان التدخل قبل الدعوى يفيد كثيرا.”

وتابع:” هذا العام لمسنا حضور لجان العائلة في الأبرشيات بشكل ملفت وهذا امر يبشر بالخير واود ان اقول انه في البيان الختامي للسينودس اصدرنا توصيات منها التشديد على انشاء مراكز جديدة وانتم من يعتمد عليه في هذا الإطار وشددنا على عدم قبول الدعاوى قبل مرورها على مراكز الإصغاء الا انه للأسف لا تزال هناك دعاوى لا تمر عبر هذه المراكز. وموضوعنا اليوم والبشرى الأهم هو ان عددا من الدول يفرض الوساطة قبل المباشرة بالدعوى.”

وتابع علوان:” ما يهمكم اليوم هو اننا بدأنا بالوساطة تدريجيا ومع الوقت ستصبح الزامية وباتفاق الطرفين. الاحوال الشخصية لا تدخل بالوساطة الا المفاعيل المادية الخاصة بها. نحن نعمل على هذه المادة وسنعمل بالوساطة على هذه المواضيع. هناك ارادة رسولية في العام 2015 من البابا فرنسيس بتسريع او اختصار الأمور القانونية المحض في اصول المحاكمات.

السرعة قد تؤثر سلبا على الأطراف وعلى الأولاد ولكن قداسة البابا ذكر بضرورة وجود سعي للمصالحة والوساطة في الأبرشيات. نحن الوحيدون في العالم الذين نملك صلاحية على المفاعيل المدنية ولقد بدأنا بالوساطة لهذه المفاعيل. “

وتابع علوان:” عليكم السعي لفهم الوضع ومصالحة الأشخاص لا تتسرعوا في الأمور وحاولوا مساعدة الأشخاص لان ما يهمنا وجود عائلة متحدة وليس اكثار الدعاوى وبطلان الزواج . هذا هدفنا الأساسي وحدة العائلة وفي حال وجوب رفع الدعوى الى المحكمة حاولوا جاهدين القيام بوساطة لحل المفاعيل المادية في الأبرشيات وضمن اتفاقات لأنها توفر الأعصاب والمال والوقت وهذا امر ضروري جدا. ودور الوسيط هو دعوة المتخاصمين الى الوصول الى عدالة متفق عليها  بينهما.”

وختم علوان :” يبقى ان تقنعوا المعنيين بان الوساطة تبقى الحل الافضل لهم فهذا لصالحهم ولصالح اولادهم وعلى الأهل عدم محاربة بعضهم بالأولاد وهذا دوركم في اقناعهم بهذا. مصلحة الولد ان ينشأ في عائلة من ام واب.”  

وفي الختام كانت كلمة لغبطة البطريرك الراعي حيا فيها الحضور على الجهد الكبير الذي يبذلونه في خدمة العائلة، وقال:” اشكركم لعملكم الراعوي الكبير الى جانب مطارنة الأبرشيات والكهنة بحكم الكهنوت العام المشترك بينكم والذي نلتموه من سر المعمودية.”

وتابع غبطته:” بعد استماعي اليكم لمست الحاجة الكبيرة لتنشئة شبيبتنا قبل وصولهم الى الزواج اي تفعيل مراكز التحضير للزواج. فالمشاكل تنشأ على المدى الطويل وسط عالم لا اخلاقي تبث وسائل اعلامه ووسائل التواصل الإجتماعي فيه يوميا كل ما يفسد القيم الروحية والإيمانية والأخلاقية. وبالتالي علينا التركيز على اهمية مراكز الإصغاء والبرنامج الذي يقدموه. يجب ان يكون موحدا وشاملا يؤمن تنشئة الخطاب حول معنى حياتهم الزوجية والى اين هم ذاهبون فوصولهم وهم  يجهلون معنى الزواج والعهد الذي قطعوه والمسؤولية تجاه بعضهم وتجاه ربهم والكنيسة واولادهم سيكون كارثة اجتماعية لأنه بفقدان العائلة نفقد كل شيء.”

واضاف غبطته:”  خطير جدا ما نراه اليوم في المحكمة من دعاوى. نحن امام واقع مخيف يهدد المجتمع والكنيسة وشبابنا. واقعنا في لبنان اليوم هو تكملة للحرب التي بدأت في العام 75. لقد كان المدفع يهدم الحجر اما اليوم المدفع يضرب العائلة اقتصاديا معيشيا واخلاقيا اضافة الى  المخدرات وترويجها وضحاياها من شبابنا. نحن امام مسؤوليات كبيرة جدا ودوركم هام جدا والشغل الشاغل يجب ان يبقى لرعاة الكنيسة من مطارنة وكهنة. علينا نحن اولا ان نسهر على العائلة وان نكون الى جانبها. على كاهن الرعية زيارة البيوت وان يكون اول من يطلع على وجود مشكل ما فيعالج المرض في بدايته ولا ينتظر حتى ينتشر وعندها لن ينفع العلاج. من هنا عملنا يجب ان يفعل مع مطارنة الأبرشيات وكهنة الرعايا وهذا دور مهم وانتم مثال في هذا الإطار. لقد لمسنا تضحياتكم المجانية والوقت الطويل الذي تخصصونه وهذا يفرض علينا كأكليروس ان نكون امامكم في هذا العمل.”

وقال غبطته:” من الضروري تفعيل التنشئة وهي اساس. الشكر على كل المصالحات التي ترعونها. كيف سنبقى في هذا الشرق ونحن مشرذمون. علينا ان نبقى فيه وفي لبنان من دون اية شوائب. وعندما تتوقف المسيحية عن ان تكون للشهادة لن يكون لها اية قيمة؟ ما هو دور العائلة المسيحية بعد تفككها وفقدانها لقيمها الإيمانية والروحية والاخلاقية التنشئة اساسية ففي الأزمات العائلة هي التي تواجه. سبب الفساد المستشري في لبنان ان ما تقدمه العائلة من افراد للمجتمع لا يتمتعون بالتربية الصالحة والأخلاق لا يمكن للإنسان ان يتمتع بشخصيتين فاما ان يكون صاحب اخلاق ويمارس السياسة والإقتصاد والتجارة والاعلام والكهنوت بأخلاق والحياة الرهبانية والأسقفية ايضا واما ان لا يكون .

هذه اهمية عملكم الجبار تساعدون عائلة متعثرة ولكنكم تحمون مجتمع ودولة وكنيسة. مشاكل كبيرة نتحدث عنها وهي تجعلنا امام مسؤوليات علينا اتمامها بجهد وضمير ووعي وايمان. فلنتكل على الله وهو يساعد.”

____________________________________________________________________________

 

link for Photos Gallery / http://media.bkerki.org

PHOTOS: Patriarch Rai Activity_Bkerki_6.4.2019