البطريرك الراعي في لقاء حواري مع طلّاب الجامعة اليسوعية
نشاط البطريرك
لبّى غبطة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي يوم أمس الخميس 27 أيار 2021، دعوة كلية الآداب والعلوم الانسانية في الجامعة اليسوعيّة في بيروت ، حيث اجاب على اسئلة طلاب قسم التاريخ والعلاقات الدولية. وكان في استقبال غبطته رئيس الجامعة البروفسور الأب سليم دكاش وعميدة كليّة الآداب والعلوم الانسانية البروفسورة ميرنا غنّاجي، كما حضر اللقاء اللبنانية الأولى السابقة السيدة صولانج بشير الجميل والنائب المستقيل نديم الجميّل.
استُهل اللقاء بجولة في أقسام كليّة الآداب والعلوم الانسانية حيث زار البطريرك مكتبة الآداب والعلوم الانسانية واطّلع على أقسامها ومحتواها، ثم توجّه الى مسرح بيار أبو خاطر حيث كان الحوار مع الطلاب.
بداية اللقاء كانت بكلمة لعميدة القسم ميرنا غنّاجي التي رحّبت بصاحب الغبطة واعتبرت أن دعوته للحياد الناشط جعلته راعياً للوطن وليس فقط راعياً للكنيسة، وأن زيارته للقدس، سوريا، العراق والمملكة العربية السعودية وقوله “أنا بطريرك الموارنة وأنا الذي أقرّر أين أذهب” جعلت من غبطته قدوة للشباب ومرجعاً لهم.
ثم ألقى مرشد الجامعة الأب جاد شبلي اليسوعي كلمة شرحت عن دور الجامعة في تنمية الانسان والطلاب وإرشادهم ومساعدتهم على إيجاد دور لهم في لبنان المواطنة وليس لبنان الطائفية.
وبدوره ألقى رئيس الجامعة البروفسور سليم دكاش كلمة تحدث فيها عن معرفة صاحب الغبطة بالجامعة اليسوعية وعن تألّقه بالتعليم في قسم الحقوق والأحوال الشخصية، مؤكداً أن حضور غبطته اليوم هو للاستماع الى أسئلة الطلاب ومشاركتهم الهمّ الوطني بتشكيل حكومة قادرة على إنقاذ لبنان.
ثم كانت أسئلة الطلاب التي شملت السياسة والمجتمع والتاريخ، والتي أجاب عليها صاحب الغبطة على الشكل التالي :
· ماذا يعني حياد لبنان ولماذا رفضه البعض، وهل يعني عدم وقوفه الى الجانب الفلسطيني؟
– ” لبنان بحكم تكوينه هو وطن حيادي وتعددي وثقافي، ميزته الحوار والتلاقي، ولبنان قبل عام 1969 كان يعيش البحبوحة وبدأ بالتراجع منذ إدخاله في الصراعات الدولية والاقليمية وأصبح ورقة للتفاوض بين الدول ما جعلنا على الأرض يا حكم. المطالبة بالحياد هي المطالبة بالعودة الى طبيعة لبنان، فالحياد يتضمن ثلاثة عناصر أساسية، هي عدم دخول لبنان في الصراعات الاقليمية والدولية، وأن يكون له دور تلاقي وحوار وديمقراطية، وأن يكون في لبنان سيادة مُنجزة أي جيش قوي يفرض السيادة الداخلية على كل من يحمل السلاح غير الشرعي لبنانياً كان أم غير لبناني، ويفرض السيادة الخارجية أي الحماية من أي اعتداء قد يحصل من اسرائيل أم من غيرها، كل هذا مع الاحتفاظ بدور لبنان كبلد استقرار وسلام. أما في ما يخصّ القضية الفلسطينية، فلبنان ملتزم بكل شؤون العالم العربي حسب قانون الجامعة العربية، ومن انتقد أو تخوّف من فكرة الحياد فأعتقد أن أسبابه معروفة، فهو لا يريد سيادة في لبنان ولا جيشاً واحداً ولا ازدهاراً، أما نحن فنريدها. البعض يقومون بحسابات خاصة، أما الحياد فهو بخدمة كل لبنان. “
· ماذا يمنع تشكيل حكومة في لبنان، هل هي عقبات داخلية أم خارجية ؟
– ” العقبات التي تحول دون تشكيل الحكومة داخلية، وهي من أجل مصالح خاصة وفئوية ومذهبية، ولست مؤمنا ان هناك عقبات خارجية الا اذا فتحنا الباب للآخرين ليتدخلوا، أما داخلياً فهناك لا مسؤولية من السياسيين، فهل يُعقل أن نرى البلد ينهار ولا نقوم بتشكيل حكومة؟ أنا قدّرت في السابق موقف الرئيس المكلّف حينها مصطفى أديب الذي اعتذر بعد عدم تمكنه من تشكيل حكومة. أما الفاتيكان فهو على خط ساخن بالنسبة لأزمة لبنان وقضيته، واعتقد ان عدم زيارة البابا فرنسيس لبنان سببه عدم وجود حكومة.”
· لماذا يُحكى دائماً عن خشية وخوف من المؤتمر التأسيسي والمثالثة عند المسيحيين؟
– ” نحن ضدّ المؤتمر التأسيسي لأننا لا نعرف أهدافه وغاياته، أما في ما يخصّ المثالثة فلبنان قائم على العيش معاً مسلمين ومسيحيين ونشبّهه بطير ذو جناحين، وفي المثالثة سنخسر هذا التوازن، فهل هناك طير يستطيع الطيران بثلاثة اجنحة؟ لبنان أوجد مساواة بين المسيحيين والمسلمين ولكنها تشوّهت بالممارسة عندما دخلنا بسياسة المذاهب والطوائف، والمثالثة هي بداية هدم التوازن في لبنان.”
· هل هويّة لبنان في خطر؟ وكيف نحافظ عليه؟
– ” نعم لبنان في خطر بسبب الممارسات السياسية الخاطئة وبسبب ارتباطات وولاءات لدول أخرى، لبنان اليوم مهدّد بكيانه وديمقراطيته ونظامه الحرّ وحرية التعبير والمعتقد والممارسة، هذه الأمور نفقدها تدريجياّ، والصورة اللبنانية تنقضم في ظل عدم وجود دولة قانون ومؤسسات. أنا اليوم لا أجد نفسي في هذا المجتمع، فهو لا يشبهني، لبنان الذي نريده يحتاج الى ولاء وحماية والتزام، واذا لم يدرك الشعب اللبناني أهمية الحفاظ على هويّة لبنان، فقد نخسره لأن هناك من يعمل على هدم هذا الوطن”.
· ما هي مواصفات رئيس الجمهورية المقبل؟ هل تفضلونه أن يكون الأقوى مسيحياً وعلى علاقة جيّدة مع أكبر شريحة من المجتمع، أم نحن مستعدون للعودة الى صيغة الرئيس الأضعف فقط لتأمين الاستقرار كما كان عليه في زمن الوصاية السورية؟
– ” لا أفهم ما معنى الأقوى مسيحياّ! إن من يجب أن نطالب به ليكون الرئيس القوي هو اللبناني الاقوى. فيكون شخصية معروفة لها تاريخ في الممارسة والخبرة والعمل، وانسان متجرّد لا مصلحة خاصة له، وصاحب رؤية لمستقبل الوطن ولا ارتباطات خارجية له وأن يحافظ على الدستور ومؤسسات الدولة ووحدة الشعب اللبناني. لا أنكر أن الدول تلعب دوراً باختيار الرئيس اللبناني لكنّها لا تبحث عن الرئيس القوي بدينه وطائفته إنما القوي بشخصيّته.
هل سيكون أسلوب بكركي في ما يتعلق بالانتخابات الرئاسية عام 2022 مختلف عن أسلوبها عام 2016 حيث قامت بحصر الأسماء المرشّحة بأربعة فقط ؟
– ” بكركي لم تتدخل يوماً بالأسماء، والمثلث الرحمة البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير، ندم كل حياته على تدخله بالأسماء نتيجة الضغط الفرنسي والدولي الذي حصل حينها وأجبره على تسمية خمسة أسماء، ولكن لم يصل أي اسم منها للرئاسة، وهذا ما زاده ندامة، أما عن حصر بكركي لأسماء المرشحين بأربعة فقط، فهذا أمر غير صحيح، بل ما حصل أنه قُبيل الانتخابات النيابية عام 2016 دعوت الأسماء الأربعة، أي الرئيس أمين الجميل والرئيس ميشال عون والدكتور سمير جعجع والنائب سليمان فرنجية، الى جلسة مصالحة، وتكررت لقاءاتنا حتى وصلنا الى الاستحقاق الرئاسي، فقالوا لي أنهم هم الأربعة مرشحون.
– ما هو دور الجامعات في ظل الكارثة الاقتصادية وانخفاض عدد الطلاب والأساتذة، وغلاء الأقساط ؟
– “الجامعات هي ضرورة وثروة للبنان لأنه معروف بمستواه التعليمي وبالأدمغة التي يصدّرها في كل أنحاء العالم، أما الحلّ اذا لم يعُد لبنان الى حياة اقتصادية طبيعية وسليمة فهو بتخفيض الأقساط قدر المستطاع، وبأن تعمل الجامعات على ترشيد النفقات، ولكننا نأمل أن تتم اعادة كسب ثقة الدول والمجتمع الدولي كي يتعافى الاقتصاد. أما بكركي فهي لا تتدخل ولا تستطيع أن تفرض على الجامعات تخفيض الأقساط”.
· لبنان ينزف من الهجرة، فكيف يمكن وقف هذا الموت البطيء للبلد ؟
– “معنوياً يمكنني أن أعطيكم دروساً في الوطنية، ولكنكم ستسألون الى متى سنستطيع الصمود؟ وأنا أفهمكم، ولكن لا يمكننا أن نقول أن هذا البلد ليس لنا، بل هو لنا. كل البلدان دُمّرت وأُعيد إعمارها، أنا أقول إن هذا بلدي وسأصمد فيه ولن أسافر، وفي حال سافرت يجب أن أخطّط للعودة والاستثمار هنا، ولكن لا يمكننا وقف النزيف الاّ إذا وُجدت فرص عمل.”
· أين نجحت وأين فشلت ثورة 17 تشرين ؟
– ” نحن باركنا الثورة ونريدها أن تستمر وهي نجحت في انها خلقت تيارا عاما يسعى إلى الأفضل ولم تعد تقبل بالواقع والممارسة وهذا مهم، كما نحجت في انها جمعت مكونات المجتمع اللبناني بمسلميه ومسيحييه وأضاءت شعلة رجاء بالتغيير وبتعميق الانتماء الوطني للبنان الجامع، وبتوحيد الشباب تحت راية لبنان في مسيرة مستمرة. ولكنها فشلت بعدم تنظيم صفوفها وعدم تحديد أهدافها الاساسية لاجراء التغيير، فلا يكفي أن تقول “كلن يعني كلن”، البلد يحتاج الى تحضير نُخب، والثورة لا يمكنها أن تعاقب الناس بحرق الاطارات وقطع الطرقات والاعتداء على الأملاك العامة والخاصة، فهذا البلد بلدنا والثورة ستكمل بهدف استعادة لبنان الذي نطمح اليه”.
· اذا كان من الصعب إلغاء الطائفية السياسية فلماذا لا تُلغى الطائفية الاجتماعية ويُقرّ الزواج المدني ؟
– ” بالنسبة للطائفية السياسية، لا يُخيفنا إلغاؤها بل نطالب به، ولكن لا أحد يسمع أو يلبّي ندائي، أما فيما يتعلّق بالطائفية الاجتماعية، فنحن مع الزواج المدني شرط أن يكون على كلّ اللبنانيين، ومنذ أيام الرئيس الراحل الياس الهراوي قلنا هذا الكلام. ولكن هل يوجد في العالم قانون اختياري؟ فالقانون بطبيعته الزامي ويجب أن يُطبّق على الجميع، ولكن في لبنان المسلمون يرفضون الزواج المدني رفضاً قاطعاً. أنا دوري مع الموارنة أن أشرح لهم أن الزواج هو سرّ مقدس وتأسيس إلهي، وإذا كنت مؤمناً لا يمكنك أن تُنكر سرّ الزواج فهذا تمرّد على إرادة الله، أنا أُرشد المقبلين على الزواج، البعض يتجاوب والبعض لا يتجاوب.”
· ما مدى صعوبة أن تكون بطريركاً، وهل أصبحت زعيماً سياسياً بعد خطاب 27 شباط؟
– “البطريرك هو مسؤول عن الكنيسة وليس زعيماً سياسياً، أنا لا أسعى أبداً لأكون زعيماً سياسياً، فللبطريرك دور وطني وليس سياسي، هو يتعاطى بمبادىء العمل السياسي والثوابت الدستورية، وهذا يستوجب أن يتّخذ مواقف لتقييم الأداء السياسي وكم فيه من خير للوطن لأن الكنيسة مؤتمنة على الشريعة الأخلاقية، وبالتالي أنا مجبور أن أتعاطى عندما يتعلّق الأمر بخير الوطن، كما أن على البطريرك أن يتحلّى بالصبر والايمان”.
· ماذا سيكتب التاريخ عن البطريرك الراعي بعدما كتب عن البطريرك الحويك والبطريك صفير وغيرهم ؟
– في خطبة التنصيب عندما أصبحت بطريركاً، قلت أنني أتيت لأُكمل المسيرة التي بدأها أسلافي، فمع البطريرك المكرّم الياس الحويك كان عهد وجود دولة لبنان، وفي عهد البطريرك صفير أنجز لبنان استقلاله الثاني من الاحتلال الاسرائيلي والوصاية السورية، وأنا اليوم أعمل على حياد لبنان، وإذا أردتم تسمية لعهدي فلتكن “عهد استعادة هويّة لبنان وتعزيزها”.
· أين كنت يوم تفجير الرابع من آب وما كان شعورك؟ وأين أصبح التحقيق برأيكم؟
– “في الرابع من آب كنت في طريقي من بكركي الى الديمان، وسمعنا دويّ الانفجار ولدى وصولي الى الديمان عرفت أنه تفجير في مرفأ بيروت، وأدمت المشاهد قلبي، فقصدت في اليوم التالي مطرانية بيروت وزرت سيادة المطران بولس عبد الساتر، كما زرنا سيادة المطران عودة ومستشفى الجعيتاوي ومستشفى الوردية ، وبعض المدارس، وبعدها زرت فوج الإطفاء حيث كان الموقف المؤثر والأصعب على الاطلاق. أما في ما يتعلّق بالتحقيق فأنا قلتها منذ البداية، لا يمكن لقاض واحد أن يستلم هذه القضية، وأنا دعوت لتحقيق عدلي مساعد من الدول بما أنه كان هناك ضحايا غير لبنانيين، لكن دعوتي لم تلق آذان صاغية، وما زلت لا أفهم كيف أن الأقمار الاصطناعية لم تعطنا صور من موقع الانفجار، هناك علامة استفهام كبيرة على هذا الملفّ”.