كلمة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الراعي في افتتاح معهد عصام فارس التكنولوجي – بينو، عكّار
نشاط البطريرك
أخي صاحب الغبطة البطريرك يوحنا العاشر،
سماحة مفتي الجمهوريّة اللبنانيّة الشّيخ الدّكتور عبد اللّطيف دريان،
دولة الرّئيس الدكتور عصام فارس وعقيلته السّيدة هلا ونجليه وابنته،
أصحاب المعالي والسّعادة،
رئيس جامعة سيّدة البلمند،
أيّها الإخوة والأخوات الأحبّاء.
1. يسعدني ان أشارككم في افتتاح معهد عصام فارس التكنولوجي التابع لجامعة سيّدة البلمند، التي شاءتها الكنيسة الاورثوذكسية الشقيقة مكانًا لتعزيز التّربية على المواطنة والنّهضة الثقافية والإنمائيّة والإقتصاديّة على ايدي أجيال يتخرّجون منها متفوّقين في العلوم ومتحلّين بالقيم الرّوحيّة والأخلاقيّة والوطنيّة. فرحتنا مزدوجة: الأولى بإقامة هذا المعهد الجامعي، في عكّار العزيزة. والثانية عودة دولة الرئيس الدكتور عصام فارس الى لبنان، وهو ابن عكّار، بعد ما يقارب اثني عشر عاماً، أمضاها في الخارج، وقلبه في عكّار ولبنان وعيناه على شعب لبنان ومصيره ومستقبل هذا الوطن.
2. نسأل الله ان يوفق المساعي إلى استكمال بناء الدولة الديموقراطيّة المدنيّة، ذات الإستقلاليّة في الإدارة والقضاء، المتحرّرة من التّدخّل السّياسي؛ وذات اللاّمركزيّة الموسّعة وغير الحصريّة الّتي تؤمّن الإنماء المتوازن، اقتصاديًا واجتماعيّيًا وثقافيّا وأمنيًا فلا تظل عكّار، وهي بأبنائها خزّان مؤسّسات الدّولة، منطقة محرومة، كما هي حالها الآن في أكثر من قطاع.
إنّ دولة الرّئيس عصام فارس، بإنشائه هذا المعهد التكنولوجي، إنّما أراد تعزيز الإنماء في منطقة عكّار العزيزة، وتحفيز قدرات شبابها وإبداعهم على أرضها والأرض اللبنانيّة كافّة.
3. ان يكون اختصاص المعهد لعلوم التكنولوجيا فهذا يعني انه يؤمّن اختصاصات عصرية تواكب أسواق العمل، وبخاصة داخل لبنان او في محيطه العربي، فتتراجع معدلات الهجرتين الداخلية والخارجية، وتصبح الشهادات الجامعية لشبابنا من أجل لبنان؛ كما يؤمّن التعليم الجامعي في المناطق البعيدة المسمّات بالأرياف أو الأطراف، أمّا أنا فأسمّيها سياجات الوطن. وهذا وجهٌ أساسي لإنمائها بحيث يترسّخ أهلها في أراضيهم وفق مقوماتٍ أربعة : المدرسة والجامعة وفرص العمل والمستشفى. بتأمين هذه العناصر الأربعة تتوفر شروط الحياة للثبات والاستمرار في هذه المناطق.
4. ان خطر افراغ الريف اللبناني من أهله كبير لانه يتصل بالمحافظة على هوية الأرض. فالارض اذا خلت من أصحابها استباحها الآخرون واستولوا عليها. ومتى تغيّرت هوية الارض تغيّرت هوية الوطن. صحيحٌ القول ان المحافظة على صيغة العيش اللبناني الواحد، بجناحيه المسيحي والمسلم، تبدأ بالمحافظة على هوية الارض. والتّمسّك بالصيغة الوطنية يوجب التّمسّك بهوية الارض الاصلية. إنّ توفير فرص العيش الكريم هنا فوق هذه الارض هو اسهام حقيقي في المحافظة على هويتها ببعدها الوطني.
5. بالإضافة إلى هذا الخطر الكبير لا يمكن إغفال الأخطار الاجتماعية والاقتصادية والصحية والنفسية الناجمة عن اكتظاظ مدننا بأبناء قرانا الريفية، حيث يتحوّل الناس أرقاماً، يعيشون في غربةٍ اجتماعية بعيداً عن منظومة قيمهم الموروثة، الّتي من شأنها أن تبني جسور التواصل والوحدة، وبغيابها تُقام جدران العزلة والانقسام. وهكذا نحمي لبنان الواحد، الذي يضمن مستقبل الجميع فوق أرضه، ويحافظ على رسالة لبنان الحضارية.
لذلك أدعو طلاّب هذا المعهد الجامعي ليؤسسوا، مع تحصيلهم العلمي، لمزيد من الالتزام برسالة القيم اللبنانية المذكورة، وليؤدوا دورهم الوطني المستقبلي المنشود على هذه القاعدة.
6. ولا يمكن إغفال الخطر المهدِّد للكيان اللبناني واقتصاده وثقافته وأمنه واستقراره، النّاتج عن وجود مليوني نازح ولاجىء على أرضه، منهم مليون ونصف من السّوريين، ونصف مليون من الفلسطينيين، فضلاً عن عشرات الألوف من العراقيين. فمع تضامننا الإنساني معهم ومع قضيّتهم الوطنيّة، نطالب الأسرة الدّوليّةالعمل الجدّي على إيقاف الحروب الدّائرة في سوريّا والعراق واليمن وفلسطين وسائر المنطقة الشّرق أوسطيّة، وإنهاء النّزاعات بالطّرق السّلميّة، وإرساء أسس سلام عادل وشامل ودائم، وعودة جميع اللاّجئين والنّازحين إلى أوطانهم وأراضيهم بحكم المواطنة، من أجل المحافظة على ثقافتهم وحضارتهم وتراثهم الوطني.
7. وفيما نجدد التهاني لأبناء عكار الأحبّاء بتأسيس هذا المعهد الجامعي، نتمنى ان يحقق، بسهرِ دولة الرئيس الدكتور عصام فارس، وبادارة جامعة سيّدة البلمند القادرة، أهدافه العلمية والأخلاقية والوطنية.
عشتم! عاش هذا المعهد الجامعي! عاشت عكّار! عاش لبنان!
* * *