قداس اثنين الفصح على نية فرنسا


نشاط البطريرك

 

ترأس غبطة البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الراعي قبل ظهر اليوم الإثنين 2 نيسان 2018، قداس اثنين الفصح على نية فرنسا في كنيسة الصرح البطريركي في بكركي، بحضور السفير الفرنسي برونو فوشيه واعضاء الهيئة الدبلوماسية واركان السفارة الفرنسية في لبنان.

والقى غبطته بعد نص الإنجيل عظة قال فيها: “لم يعد هنا… لقد قام”

1- هذه الكلمات التي قالها الملاكان للنسوة المندهشات، تنتشر في العالم حتى يومنا هذا، وسط ضبابية الحياة. انه الحي الذي قام من الموت:” لماذا تبحثن عن الحي بين الأموات “(لوقا25:5). ابن الله مخلصنا لم يعد في القبر لانه لا يمكنه ان يبقى سجين الموت كما يقول بطرس في كلمته يوم العنصرة ، والقبر لا يمكنه ان يحتجز الحي(اعمال الرسل1:18) الذي هو مصدر الحياة. اليه نوجه انظارنا لفهم معنى الحياة والتاريخ لكي ينيرنا وينير الإنسانية جمعاء بشخصه وبكلمته.

 

2- نحن سعداء جدا بالإحتفال معكم سعادة السفير ومع معاونيكم بهذا القداس الإلهي على نية فرنسا ورئيسها والشعب الفرنسي النبيل. نحن نصلي من أجل ازدهار واستقرار بلدكم ولكي يتمكن الرئيس ماكرون من تحقيق رؤيته الواسعة التي عبر عنها في كتابه الثورة، من اجل فرنسا التي يريدها الشعب، من أجل مستقبلها، وقدرتها على التحكم بمصيرها وتعليم اولادها. نصلي أيضا من أجل اوروبا التي وضعت فرنسا في قلبها. نحن نصلي على نية ضحايا الإرهاب وبخاصة الذين سقطوا اخيرا في كاركاسون مع الضابط الفرنسي ارمان بلترام. نعبر عن تعازينا الحارة لعائلاتهم ونتمنى الشفاء العاجل للجرحى”.

3-ان قيامة المسيح هي الحدث المؤثر والحاضر دائما في تاريخ الإنسانية. انها السر الاساسي للإيمان المسيحي. لأن المسيح حي بيننا. ومن الان وصاعدا اسمه هو الحي والموت لا يملك عليه اي سلطان كما كتب القديس بولس. يلجأ اليه كل من تعرض لتجارب الخيبة واليأس وعنده يجدون الأمل الذي لا يخيب ابدا.  أفكر تحديدا بكل المظلومين، المهجرين واللاجئين الذين هربوا من ويلات الحرب في العراق، سوريا، في الأرض المقدسة واليمن وبلدان أخرى. كما أفكر بالأشخاص المهددين بالظاهرة اللاإنسانية والمنتشرة بكل أسف وهي الإرهاب. نتضرع الى الله ان ينير قلوب البشر في التزامهم ضد تلك الآفة. ندعو الى ان تتوحد جهود المجتمع الدولي وجهود المسؤولين نحو الحل السياسي للصراعات، وقف الحروب وتأمين السلام العادل والشامل والدائم”.

3- لم يعد هنا. لا يمكنه ان يكون في القبر. لقد مشى على طرقات البشر، اكمل طريقه الى القبر كما كل البشر ولكنه غلب الموت وبفعل حب نقي فتح طريق السماء واسعا امام كل كائن بشري. انه بالنسبة لكل انسان الطريق والحق والحياة. وبفضل سر العماد فان قيامته تصبح قيامة لقلوبنا لحياة جديدة. انه العطية الكبرى لعيد الفصح. فلنشكر الآب والإبن والروح القدس آمين.”

بعد القداس، رحب البطريرك الراعي بالحضور على مائدة الغداء والقى كلمة بالمناسبة قال فيها:” سعادة السفير، باسم الأسرة البطريركية نتقدم منكم بأحر التعازي لما تعرضت له فرنسا من اعتداء ارهابي أصاب Carcassonne وTrebes في Aude، ومن خلالكم نوجه تعازينا للشعب الفرنسي وللرئيس ايمانويل ماكرون كذلك للعائلات ولاقارب ضحايا هذا العمل البغيض. نحن نحيي العمل البطولي الذي قام به الكولونيل Arnaud Beltrame  الذي سلم نفسه للخاطفين في مقابل اتمام عملية تحرير الرهائن.

ان الإرهاب الذي يمسكم في العمق ما هو الا جرح وقتنا الراهن، فنحن نمشي جنبا الى جنب معه في منطقة الشرق الأوسط بأكملها وهذا جرح من بين الجراح الكثيرة التي تستنزف الشعوب من حولنا.

2- لطالما جسد لقاؤنا معا تقليدا سنويا عريقًا، حيث نحتفل بذبيحة اثنين الفصح على نية فرنسا وشعبها العظيم الصديق والداعم لموارنة لبنان منذ مئات السنين. اود في هذه المناسبة شكر فخامة الرئيس ايمانويل ماكرون على كل ما يقوم به من اجل لبنان، وهو دائما على الخطى التاريخية المشرفة لاسلافه. نحن نقدم له تمنياتنا الحارة لكي تنجح مسيرته الشجاعة في ما يتعلق بالإصلاح العميق لفرنسا ورؤيته لاوروبا اكثر وحدة وحضورا، ونحن نرافقه في صلواتنا. ان تعزيز فرنسا هو مصلحة حيوية لشعبينا، وان تكون فرنسا قوية وملتزمة في العالم فهذا امر يفيد لبنان وينقذه.

3- عنف الحروب، التدخل المسلح للقوى الإقليمية والدولية، الحقد الطائفي والنزوح المكره للشعوب باتجاه البلدان المجاورة وباتجاه اوروبا، يذكرنا بخوف بمرحلة تداعي السلطنة العثمانية، التي امتدت من منتصف القرن الرابع عشر لغاية مؤتمر لوزان سنة 1923، هذه الحقبة الطويلة التي وصفها الديبلوماسي والمستكشف النروجي الشهير Nansen في كلمته لمناسبة افتتاح مؤتمر لوزان في كانون الثاني من العام 1922 ب”انفصال الشعوب”، وهي لم تتوقف في الشرق بل تكررت مع الشعب الفلسطيني في العام 1947، في قبرص في العام 1964، في لبنان منذ العام 1975 لغاية العام 1990 واليوم في العراق كما في سوريا.

اذكر هنا وبكل فخر وعلى الرغم من كل الصعوبات التي ظهرت من يومها، ان فرنسا والبطريركية المارونية اتخذتا موقفا مغايرا في العام 1920 تمثل بتطبيق العيش المشترك المتوازن والحر للجماعات وذلك بإنشاء دولة لبنان الكبير.  

سعادة السفير،

4-مرة جديدة نحن نتكل على دعم فرنسا للتنسيق معنا لتجنب ان يتحول لبنان مركزا للأزمة والمواجهة بين اسرائيل وايران، وان لا ينهار اقتصاده ونظامه السياسي تحت وطأة الأعباء المتراكمة  منذ سنة 1990 والتي تضخمت نتيجة للأزمات الإقليمية المتعددة، وتدفق النازحين الذين بلغ عددهم نحو مليون و700 الف نسمة. كل هذا اوجد لبنان على مفترق طرق قد يقودنا اما الى الخلاص اذا كنا نتمتع بدعم دولي وصحوة ضمير عميقة لقياديينا اما نتجه صوب ازمة اكثر صعوبة نتيجة نقص المسؤولية عند معظم السياسيين والقادة.

5- ان وضعنا الإقتصادي صعب جدا والوضع المالي مقلق. منذ عشرات السنين، ادى التنظيم المالي والضريبي الى دين مستشر لتمويل القطاع العام ، اضف الى ذلك عبء النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين الذي يفوق قدرة لبنان وتزيد من فقر شعبه.

6- نوجه تحية للجهود المتواصلة لفخامة رئيس الجمهورية اللبنانية لجهة تصويب الوضع الوطني والتقدم الملحوظ  في اطار احياء المؤسسات الحكومية. ونامل ان تكون الإنتخابات البرلمانية في 6 ايار المقبل رافعة اساسية لإخراج لبنان من ازمة حادة لا بل خطيرة لبقائه.

كما نحيي ايضا جهود فرنسا والدول الصديقة التي تنظم وتشارك في مؤتمرات روما، باريس وبروكسل لإنقاذ استقرار لبنان لكونه يشكل عنصر استقرار في المنطقة. ونحن نقدر مطلبهم الملح بان ينأى لبنان بنفسه عن الصراعات الإقليمية وان يطبق فورا الإصلاحات . ان التجربة منذ العام 1991 تظهر وللأسف ان الطبقة السياسية تفتقد في غالب الأحيان الى الإرادة او القدرة على تطبيق اصلاحات ضرورية وواضحة. ومن اجل انقاذ لبنان لا يجب ان تزيد المساعدات من دينه العام لذلك نحن بحاجة لمرافقة دولية للبدء باصلاح جدي ترافقه متابعة دقيقة وفعالة كما حصل في اليونان. ونريد ان تكون هذه المرافقة انقاذية على المدى الطويل تماما كتلك المتابعة الأوروبية في تركيا منذ التسعينيات وهذا ما ساهم بشكل كبير في النجاح الإقتصادي والصناعي والتجاري في هذه الدولة.

وبهذه الطريقة يمكن لأصدقاء لبنان وفي مقدمتهم فرنسا مساعدة وطننا ليسلك الطريق الصحيح انطلاقا من مفترق الطرق الذي هو موجود عليه.

7- اما بالنسبة لنا فنحن سنواكب جهود اصدقائنا الدوليين مستفيدين من الإنتخابات ومن الشرعية الشعبية للبرلمان الجديد لتذكير القياديين الجدد بضرورة معالجة الملف الإقتصادي وملف الدين العام سنشجعهم للإتفاق على قواعد جديدة وعلى اداء سياسي ضروري لإعادة بناء الدولة.

سعادة السفير،

8- نحن ندرك حجم تطلعاتنا وما نحتاجه من فرنسا الصديقة الحاضرة دائما من اجل لبنان في اي وقت مع معرفتنا جيدا ان لبنان هو البلد الوحيد الذي يتعايش فيه المسلمون والمسيحيون بسلام ويتشاركون الحكم والقيادة ، انه البلد الوحيد في الشرق الأوسط الذي كان ولا يزال منارة وحاملا للفرنكوفونية وللثقافة الفرنسية الرائعة التي يساهم في نشرها في منطقة الشرق الأوسط.

بدوره شكر السفير الفرنسي غبطة البطريرك والأسرة البطريركية على “حفاوة الإستقبال، ” معبرا عن سعادته “للمشاركة في هذا التقليد العريق وفي الصلوات التي رفعت على نية فرنسا”، وقال:” انه تقليد يؤكد على متانة العلاقة التي تربط فرنسا بالجماعة المارونية في لبنان. في هذا اليوم تتجه افكاري ناحية الشعوب المسيحية في الشرق الأوسط وتحديدا تجاه الشعوب والجماعات التي تواجه اليوم ومنذ وقت طويل مأساة دراماتيكية مخيفة ومتكررة من اضطهادات لأقليات وتطرف ديني وحروب اخوية او اقليمية ونزوح شعوب وعنف عشوائي. ندرك قلقكم يا صاحب الغبطة ، ونشارككم اياه، نحن من ضرب العنف ارضنا من جديد. واود ان اوجه تحية تكريم وتقدير للكولونيل Beltrame  الذي قدم حياته لإنقاذ حياة شخص آخر في الإعتداء الإرهابي الذي اصاب فرنسا في 23 آذار الماضي. تضحيته لم تكن تضحية عسكري اتم مهمته ببطولة وحسب وانما هي بذل للذات من اجل الآخر.”

اضاف:”اليوم تلتزم فرنسا على كل الجبهات للمساهمة في امكانية تثبيت مستقبل مسالم في المنطقة، لقد حاربت داعش في العراق وسوريا وهي  تعمل اليوم لإيجاد حلول سياسية موثوقة وقابلة للتطبيق. كما انها  تدعو ايضا لإحياء اتفاقية السلام وانشاء دولة فلسطين تعيش بسلام وامان الى جانب اسرائيل. وتعمل ايضا لكي يتمكن الجميع من التعايش بهدف الحفاظ على التعددية وتنوع المعتقدات والأفكار، والحياة المشتركة التي هي غنى لبلدان المنطقة وللبنان بشكل خاص.”

ثم شكر السفير  لبنان وشعبه على كرمهم في استضافة النازحين السوريين، لافتا الى “ادراك فرنسا للتحدي الكبير الناتج عن هذا الأمر ان لناحية التوازن السياسي الضعيف او لناحية الهيكلية الإقتصادية والإجتماعية للبنان الذي يرزح تحت ثقل هذا العدد من النازحين. “

واضاف:” غبطة البطريرك، على الرغم من الأزمات التي يواجهها لبنان فان الدينامية السياسية التي التزم بها لبنان تعطي المزيد من الآمال. نحن نثمن تنظيم الإنتخابات النيابية التي ستتم في ايار المقبل في لبنان وهي تشكل علامة ايجابية جديدة في عملية اعادة الأمور الى طبيعتها التي بدأت مع انتخاب الرئيس ميشال عون نتيجة اتفاق موسع للقوى السياسية في البلد تبعته عملية تعيين رئيس للوزراء وتشكيل حكومة جديدة ثم اقرار قانون انتخابي جديد. نحن نستمر في دعم لبنان في الهيئات الدولية، وعلى الصعيد الأمني نعزز تعاوننا مع الجيش اللبناني والقوى الأمنية، وفي مؤتمر روما التزمت فرنسا بفتح خط اعتماد بقيمة 400 مليون يورو للمساهمة في تجهيز القوى اللبنانية المسلحة.  في 6 نيسان سينعقد مؤتمر سيدر بدعوة من الرئيس ايمانويل ماكرون ومن اهدافه مرافقة الدولة اللبنانية للبدء باصلاحات جادة تهدف الى تشجيع الإستثمارات العامة والخاصة.”

وختم السفير الفرنسي:” يسرنا تعميق التعاون الفرنكوفوني على الصعيدين الثقافي واللغوي في الوقت الذي تلتزم فيه فرنسا باستراتيجية طموحة لنشر الفرنكوفونية في العالم اجمع. وفي لبنان كنيستكم وجماعتكم يمثلون المدافع الغيور في هذا الإطار فالآلاف من التلامذة التي تستقبلهم مدارسكم وجامعاتكم يتعلمون الفرنسية ونحن مصممون على متابعة هذا العمل المشترك معكم.”   

اضغط هنا لمشاهدة البوم الصور

PHOTOS: Patriarch Rai Mass_Easter Monday_Bkerki_2.4.2018