وُلِدَتْ كْرِيسْتِينَا في مَدِينَةِ صُورَ الفِينِيقِيَّةِ - اللُبْنَانِيَّةِ في أَواخِرِ القَرْنِ الثَالِثِ في عَائِلَةٍ وَثَنِيَّة. كانَ أَبُوهَا أُورْبَانُوسُ حَاكِمُ المَدِينَةِ شَدِيدَ التَعَصُّبِ لِوَثَنِيَّتِهِ، يَضْطَهِدُ المَسِيحِيِّينَ ويُنَكِّلُ بِهِمْ. فَلَمَّا رَأَتِ ابْنَتُهُ ما يَتَحَمَّلُهُ المَسِيحِيُّونَمِنَ العَذاباتِ المُرَّة، وهُمْ ثَابِتُونَ في إِيمانِهِم، تَأَثَّرَتْ جِدًّا ومَسَّتْهَا النِعْمَةُ الإِلَهِيَّة، فَنَبَذَتْ عِبَادَةَ الأَصْنَام، وآمَنَتْ بِالمَسِيحِ وشُغِفَتْ بِمَحَبَّتِهِ وتَعَالِيمِهِ، واعْتَمَدَتْ، خُفْيَةً عَنْ أَبِيهَا، وكانَ لَهَا مِنَ العُمْرِ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَة. وكانَ أَبُوها يَخْشَى عَلَيْهَا مِنْ مُخَالَطَةِ النَاس، فَجَعَلَهَا في حِصْن، وَوَفَّرَ لَهَا أَسْبَابَ الراحَة، وَوَضَعَ لَدَيْهَا أَصْنَامًا مِنْ فِضَّةٍ وذَهَب، لِكَيْ تَتَعَبَّدَ لَهَا. أَمَّا هِيَ فَحَطَّمَتْ تِلْكَ التَمَاثِيلَ حُبًّا لِلمَسِيح. فَغَضِبَ أَبُوها وَوَبَّخَهَا، فَأَجَابَتْ بِكُلِّ سَذاجَة: "إِنَّ الأَصْنَامَ لَيْسَتْ بِآلِهَةٍ ولا فائِدَةَ مِنْهَا". فَتَهَدَّدَهَا بِالعَذابِ والمَوْت، إِنْ لَمْ تَرْجِعْ عَنْ إِيمانِهَا وتَكْفُرْ بِالمَسِيح، فَقَالَتْ بِكُلِّ شَجَاعَة: "أَنْتَ قَادِر، يا أَبي، أَنْ تُعَذِّبَنِي وتُعْدِمَنِي الحَيَاة، لَكِنَّكَ لا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَفْصِلَني عَنْ إِيماني بِيَسُوعَالمَسِيحِ وعَنْ مَحَبَّتي لَهُ". حِينَئِذٍ أَمَرَ بِهَا فَضَرَبُوها بِالسِيَاط، ومَزَّقُوا جَسَدَها بِمَخَالِبَ مِنْ حَدِيد، حَتَّى سَالَتْ دِمَاؤُها، وأَلْقَاها في السِجْن. وفي الصَبَاحِ مَثُلَتْ أَمَامَ أَبِيهَا وقَدْ شَفَاهَا الله. فَأَمَرَ أَبُوها بِأَنْ يُعَلَّقَ في عُنُقِهَا حَجَرٌ وتُطْرَحَ في البَحْر. فَخَلَّصَهَا مَلاكُ الرَبِّ مِنَ الغَرَق. فَأَرْجَعَهَا أَبُوها إِلَى السِجْنِ ولِشِدَّةِ غَيْظِهِ وكَيْدِهِ، وُجِدَ، عِنْدَ الصَبَاح، مَيْتًا في سَرِيرِهِ. فَخَلَفَهُ والٍ اسْمُهُ دْيُون، كانَ شَرًّا مِنْهُ. فَاخْتَرَعَ لِتَعْذِيبِهَا سَرِيرًا مِنْ حَدِيد، تَحْتَهُ نارٌ تَضْطَرِم، فَأَتَتِ الشَهِيدَةُ مِنْ تِلْقَائِهَا وتَمَدَّدَتْ عَلَى ذَلِكَ السَرِيرِ النَارِيّ، فَلَمْ يَنَلْهَا سُوء، بَلْ كانَتْ مُتَهَلِّلَةً تُسَبِّحُ الله. قَادُوها إِلَى هَيْكَلِ الصَنَمِ أَبُولُّونَ لِتَسْجُدَ لَهُ، فَأَبَتْ. عِنْدَئِذٍ أَلْقَوْهَا في أَتُّونِ نَار، ثُمَّ في بِئْرٍ فِيهَا حَيَّاتٌ وعَقَارِب، فَصَانَهَا اللهُ مِنْ كُلِّ أَذًى. لِذَلِكَ آمَنَ الجَلَّادُون، وهَتَفُوا صَارِخِين: "لا إِلَهَ إِلَّا الذِي يَعْبُدُهُ المَسِيحِيُّون". ومَاتُوا شُهَداء. ودْيُونُ الوالي سَقَطَ صَرِيعًا بَيْنَ النَاس، فِيمَا كانَ يُحَاكِمُهَا. خَلَفَهُ الوالي يُولْيَانُوس، فَأَمَرَ بِقَطْعِ ثَدْيَي الشَهِيدَةِ ولِسَانِهَا، فَصَرَخَتْ: "إِنَّ إِلَهَنَا في السَمَاء، أَمَّا أَوْثَانُ الأُمَمِ فَمَا هِيَ سِوَى فِضَّةٍ وذَهَبٍ صُنْعُ البَشَر". وعَلَى أَثَرِ هَذِهِ الحَادِثَةِ عَمِي الوالي يُولْيَانُوس (285). أَخِيرًا عَلَّقُوها عَلَى خَشَبَة، ورَمَوْهَا بِالسِهَام، فَنَالَتْ إِكْلِيلَ الشَهَادَةِ سَنَةَ 300 لِلْمَسِيح. صَلاتُهَا مَعَنَا. آمين.