وُلِدَ يُوسُفُ جِرْجِس كَسَّاب سَنَةَ 1808 في قَرْيَةِ حَرْدِين الواقِعَةِ في قَضَاءِ البَتْرُونِ مِنْ مُحَافَظَةِ لُبنانَ الشَمَاليّ. والِدَتُهُ مَرْيَم رَعْد مِنْ تَنُّورِين. بَدَأَ دُرُوسَهُ وَهُوَ فَتًى في مَدْرَسَةِ دَيْرِ مار أَنْطُونْيُوس-حُوب، التَابِعَةِ لِلرَّهْبَانِيَّةِ اللُبْنانِيَّةِ المارُونِيَّة، في بَلْدَةِ تَنُّورِين، مِنْ سَنَةِ 1816 حَتَّى سَنَةِ 1822. ثُمَّ عادَ إِلَى قَرْيَتِهِ لِلاهْتِمَامِ بِالأَرْزاقِ والمَواسِمِ والمَواشِي، مِثْلَ كُلِّ أَبْنَاءِ الجَبَلِ اللُبْنانيِّ في ذَلِكَ العَصْر. في العِشْرينَ مِنْ عُمْرِهِ، تَرَكَ يُوسُفُ كُلَّ شَيْءٍ وتَوَجَّهَ إِلَى الدَيْرِ فَدَخَلَ الابْتِداءَ في شَهْرِ تِشْرِينَ الثَاني سَنَةَ ١٨٢٨ في دَيْرِ مار أَنْطُونْيُوسَ قِزْحَيَّا. وهُنَاكَ تَخَلَّى عَنِ اسْمِهِ القَدِيم، واتَّخَذَ لَهُ اسْمَ "نِعمة الله"، دَلالَةً عَلَى مَوْتِهِ عَنْ حَيَاةٍ قَدِيمَة، وبِدايَةً لِحَيَاةٍ جَدِيدَة. في فَتْرَةِ الابْتِداءِ هَذِهِ، تَمَرَّسَ الأَخُ نِعمة الله بِمَبَادِئِ الحَيَاةِ الرُهْبَانِيَّة، مِنْ صَلاةٍ وعَمَلٍ وحَيَاةٍ مُشْتَرَكَة. كَمَا تَعَرَّفَ إِلَى تَقَالِيدِ الرَّهْبَانِيَّةِ اللُبْنانِيَّةِ وعاداتِ رُهْبَانِهَا وتَارِيخِ أَدْيارِهَا. وهُنَاكَ أَيضًا تَعَلَّمَ صِنَاعَةَ تَجْلِيدِ الكُتُب، وكانَ المَسْؤُولُونَ عَنْهُ قَدْ وَجَدُوا فِيهِ دَعْوَةً رُهْبانِيَّةً صَادِقَة، فَوَهَبَ حَياتَهُ عَبْرَ النُذُورِ الرُهبانِيَّة: الطَاعَةِ والعِفَّةِ والفَقْرِ والتَواضُعِ في 14 تِشْرِينَ الثاني سَنَةَ 1830، مُكَرِّسًا ذاتَهُ كُلِّيًّا لِلمَسِيح.

تابَعَ الأَخُ نِعمة الله دُرُوسَهُ الفَلْسَفِيَّةَ واللاهُوتِيَّةَ في مَدْرَسَةِ الرَهبانِيَّةِ في دَيْرِ مار قِبْرِيَانُوسَ ويُوسْتِينا – كْفِيفَان، حَيْثُ سِيمَ كَاهِنًا بِوَضْعِ يَدِ المِطرانِ سِمعان زْوَيْن في ٢٥ كانُونَ الأَوَّلِ سَنَةَ ١٨٣3 مَعَ ٢٢ مِنْ رِفَاقِهِ الَّذِينَ انْطَلَقُوا لِلعَمَلِ في أَدْيَارِ الرَهْبَانِيَّةِ وأَرْزاقِهَا ورَعَايَاهَا ومَدارِسِهَا. قامَ الأَبُ نِعمة الله في دَيْرِ كْفِيفَانَ بِتَعْلِيمِ الأَوْلاد، وسَاهَمَ في الخِدْمَةِ الرَعَائِيَّةِ في القُرَى المُحِيطَة. وفي سَنَةِ ١٨٣٨ عُيِّنَ مُدِيرًا لِلإِخْوَةِ الدارِسِينَ في دَيْرِ كْفِيفَان. وكانَ أُسْتَاذًا لِمَادَّةِ اللاهُوتِ الأَدَبيّ، إِضَافَةً لِمُزَاوَلَتِهِ مِهْنَةَ تَجْلِيدِ أَوْ عَرْمِ الكُتُبِ التي بَرَعَ فِيهَا.

تَسَلَّمَ مَسْؤُولِيَّةَ المُدَبِّريَّةِ العامَّةِ في الرَهْبانِيَّةِ ثَلاثَ مَرَّات: 1845-1848، 1850-1853، 1856-1858. بَقِيَ مُلازِمًا التَعْلِيمَ في دَيْرِ كْفِيفَان، وفَنَّ تَجْلِيدِ الكُتُب، حَتَّى وَهُوَ في وَظِيفَةِ المُدَبِّرِيَّة. ومِنْ تَلامِيذِهِ الأَخ شَرْبِل مَخْلُوف، الذي أَصْبَحَ "قِدِّيسَ لُبنان" (1977)، وذَلِكَ مِنْ سَنَةِ 1853 حَتَّى سَنَةِ 1858.

أَمَّا في الفَتَراتِ التي لَمْ يَكُنْ فِيهَا مُدَبِّرًا، فَقَدْ سَكَنَ الأَبُ نِعمة الله في دَيْرِ مار مارون – عَنَّايا، ودَيْرِ مار مِيخَائِيل - بْحِرْصَاف، وكانَ يَعُودُ إِلَى دَيْرِ كْفِيفَانَ لِيُعَلِّمَ الإِخْوَةَ و"يُجَلِّدَ الكُتُب". في ٤ كانُونَ الأَوَّلِ سَنَةَ ١٨٥٨ أُصِيبَ نِعمة الله بِمَرَضِ "ذاتِ الجَنْب" (Pleurésie)، لَمْ يُمْهِلْهُ أَكْثَرَ مِنْ عَشْرَةِ أَيَّام، فَتُوُفِّيَ في ١٤ كانُونَ الأَوَّلِ سَنَةَ ١٨٥٨، ودُفِنَ في دَيْرِ كْفِيفَان، ثُمَّ نُقِلَ جُثْمَانُهُ السَلِيمُ سَنَةَ 1862، إِلَى حُجْرَةٍ في شَرْقِيِّ الدَيْر، نَظَرًا لإِلْحَاحِ الزُوَّارِ الكَثِيرِين، وبِأَمْرٍ مِنْ غِبْطَةِ البَطْرِيَرْكِ بُولُس مَسْعَد (1854-1890). وبَعْدَ نَقْلِ الجُثْمَانِ وخَتْمِهِ بِالشَمْعِ الأَحْمَر، رُفِعَتْ دَعْوَاهُ إِلَى مَجْمَعِ دَعَاوَى القِدِّيسِينَ في الفَاتِيكان، في رُوما، مَعَ رَفِيقَيْهِ الأَب شَرْبِل مَخْلُوف، والأُخْت رَفْقَا الرَيِّس، في 4 أَيَّارَ سَنَةَ 1926. أُعْلِنَ مُكَرَّمًا في 7 أَيْلُولَ سَنَةَ 1989. وبِأَمْرٍ مِنْ غِبْطَةِ البَطْرِيَرْكِ مار نَصْرَالله بُطْرُس صْفَيْر (1986-2011)، تَمَّ الكَشْفُ عَنْ جُثْمَانِهِ، ونُقِلَ إِلَى نَعْشٍ جَدِيدٍ في 18 أَيَّارَ سَنَةَ 1996، ونُقِلَ نِهَائِيًّا إِلَى المَثْوَى الجَدِيدِ في 26 آذارَ سَنَةَ 1998. حَصَلَتْ بِشَفَاعَتِهِ شِفَاءاتٌ عَدِيدَةٌ ومِنْهَا شِفَاءُ الشَابِّ أَنْدْرِه نَجْم مِنْ داءِ السَرَطانِ في الدَّمِ عامَ 1987، وَهِيَ الأُعْجُوبَةُ التي اعْتُمِدَتْ في دَعْوَى التَطْوِيب. وفي ١۰ أَيَّارَ سَنَةَ ١٩٩٨ أَعْلَنَهُ قَداسَةُ البَابَا يُوحَنَّا بُولُسُ الثاني (1978-2005) طُوبَاوِيًّا، وفي ١٦ أَيَّارَ سَنَةَ 2004 أَعْلَنَهُ قِدِّيسًا.

يُعْتَبَرُ القِدِّيسُ نِعمة الله رائِدًا في تَأْسِيسِ مَدْرَسَةِ القَداسَةِ في الرَهْبَانِيَّة، ورائِدًا لِلعِلْم، بِحَيْثُ إِنَّهُ أَطْلَقَ رِسَالَةَ التَعْلِيمِ لِلنَاشِئَةِ الرُهْبَانِيَّة، لَدَى الآباءِ اليَسُوعِيِّينَ في غَزِير، ثُمَّ في بَيْرُوت. وهَكَذَا سَاهَمَ في الوُصُولِ إِلَى مُسْتَوَى التَعْلِيمِ العَالي في الرَهْبَانِيَّة. صَلاتُهُ مَعَنَا. آمين.