يؤلّف الموارنة شعباً تعود جذوره إلى منظومة شعوب الشرق الأوسط القديم، وهو يتحدَّر من أصل آرامي قد اغتنى بما انضمّ إليه من مجموعات اثنيّة مختلفة بفعل الاجتماع والانتقال والاختلاط. وقد استوطن الآراميون في بلاد ما بين النهرين وسوريا، وصنعوا لهم فيها حضارة عريقة، وتمكّنوا من الحفاظ على هويّتهم الثقافيّة، لاسيّما اللّغة الأراميّة، التي انتشرت في المدن والأرياف وبقيت حيّة مستخدمة في العصور المسيحيّة الأولى(1) . اعتنق أجداد الموارنة النصرانيّة منذ فجر البشارة. أخذها بعضهم مباشرة عن يسوع عندما جال في أرض كنعان وجليل الأمم والساحل الفينيقي، مبشّراً برسالة الخلاص الكونيّة(2) . وتلقّاها بعضهم من الرسل الذين امتلأوا من حدث القيامة بعد أن فاض عليهم الروح القدس يوم العنصرة، وتنقّلوا بين المدن الفينيقيّة، وأسّسوا فيها الكنائس، وانطلقوا منها إلى أنطاكيا، العاصمة السياسيّة والإداريّة والثقافيّة للإقليم الشرقي للأمبراطوريّة الرومانيّة، والتي أضحت قاعدة البشارة الجديدة في الشرق، وتشرّفت فيها الجماعة المسيحيّة الأولى بحمل اسم المسيح(3) . وتعهّدت انطاكيا نشر البشارة فأوفدت كهنة قديسين ورهباناً زاهدين حملوا البشارة إلى معظم أصقاع الشرق وبقاعه، لاسيما في سورية وجبل لبنان، فتنصّر قسم من أجداد الموارنة على يدهم خلال القرون الخمسة الأولى(4)
المراجع
1- هنري لامنس، تسريح الابصار فيما يحتوي لبنان من الآثار، بيروت، دار الرائد اللبناني، 1982، الطبعة الثانية، "إنّ لبنان ما طرأ عليه من تقلّبات الاحوال وتعاقب الأمم في سكناه لم يزل مقاماً لشعب أصلي كان سامياً يغلب عليه العنصر الكنعاني والآرامي"، 93-95. ويعتبر لامنس استناداً الى مُمْسِن أنّ لبنان "بقي أرامياً جنساً ولغةً الى نحو القرن السابع عشر من تاريخ الميلاد"، ص 94. يحتلّ "الكلدانيون وهم السريانيون" المرتبة الثانية بين الأمم لدى المسعودي استناداً الى أرسطو. "وكانت بلاد الكلدانيين العراق وديار ربيعة والشام وبلاد العرب اليوم وبرّها ومدرها اليمن وتهامة والحجاز... وهذه جزيرة العرب كانت كلّها مملكة واحدة يملكها ملك واحد ولسانها واحد سرياني وهو اللسان الأوّل لسان آدم ونوح وابراهيم عليهم السلام"، راجع كتاب التنبيه والإشراف، بيروت، دار التراث، 1968، ص 68-69، 70.
2- متّى 15، 21-28 شفاء ابنة الكنعانية 21 " ثمّ خرج يسوع من هناك وذهب الى نواحي صور وصيدا". ومرقس 7، 24-30، 31 "وانصرف من اراضي صور ومرّ بصيدا قاصداً الى بحر الجليل، ومجتازاً أراضي المدن العَشْر".
3- أعمال الرسل 11، 26 "وفي انطاكيا سُمِّيَ التلاميذ أوّل مرّة مسيحيين".
4-راجع عن نشاط الرهبان الرسولي.
Canivet, Théodoret et le monachisme syrien avant le concile de Chalcédoine, Paris, Aubier 1961. Vööbus A., History of Asceticism in the Syrian Orient, t. II, Early Monasticism in Mesopotamia and Syria, CSCO CXCVII, subs., t. XVII, Louvain 1960.