شكّلت أنطاكيا النطاق الجغرافي الأول للموارنة. نشأت كنيستهم في كنف الكنيسة الأنطاكية، ونهلت من ثرائها اللاهوتي والفكري المسكوني، تماماً كما فعلت الكنائس السريانيّة وبعض الكنائس الشرقيّة. كوّنت، منذ انطلاقتها، كنيسة بطريركية أنطاكية سريانية تميّزت، منذ بداياتها، كما الكنيسة الأنطاكية الأم، "بعيش الوحدة في الإيمان والشركة، ضمن أطر التعدّدية التي وسمت شعوب هذه المنطقة من خلال تنوّع الحضارات والثقافات واللّغات"(13) .
في الوقائع، تتميّز الكنيسة المارونيّة بجذورها الرهبانية. كان بين غايات انتظام الرهبان السريان الأنطاكيين الآخذين بنهج مارون، الدفاع عن قانون الإيمان كما حدّده مجمع خلقيدونيا، ومفاده "أنّ المسيح هو شخصٌ واحد في طبيعتين كاملتين، إلهيّة وإنسانيّة، ومتّحدتين بشخص سيّدنا يسوع المسيح، وأنّ تمايز الطبيعتين يظلّ قائماً في وحدة الأقنوم". شهد هؤلاء الرهبان ومن تبعهم من الشعب بأمانة للمجمع الخلقيدوني؛ فقاسوا، في هذا السبيل، عذاب الاضطهاد والانفصال اللذين قامت بهما مجموعة كنائس شقيقة تعرف اليوم بالكنائس الأرثوذكسيّة الشرقيّة(14) . وقد تبلسمت الجراح بفعل اكتشاف غنى التراث السرياني المشترك، وإدراك أنّ الخلاف لا يمسّ الجوهر في مقاربة فهم سرّ الفداء بل أسلوب التعبير عنه، والتوق إلى إعادة بناء الوحدة في الإيمان، والاستفادة من ثمار الحركة المسكونيّة.
المراجع
13-المجمع البطريركي الماروني، الملف الأوّل، هويّة الكنيسة المارونيّة ودعوتها ورسالتها، النص الثاني هويّة الكنيسة المارونيّة ودعوتها ورسالتها، العدد 8.
<br>
14-Harald Suermann, « L’échange de Lettres entre les Maronites et les Sévériens », dans PdO 20 : 1995, 271-278.
<br>