تميّزت الكنيسة المارونيّة منذ قيامها بالانفتاح على الآخر، كونه خليقة على صورة الله، شريكاً في الإنسانيّة ومدعوّاً إلى الخلاص. لذلك تفاعلت الكنيسة المارونية مع الكنيسة السريانية والكنيسة الملكية وهنّ يستقين من انجيل واحد ويحتفلن بليتورجية متشابهة متقاربة، ويتكلمن لغة واحدة السريانية.
المراجع
وتعاون الموارنة لقرون طويلة مع السلالات العربية المتعاقبة، وأخلصوا للحكّام، وخضعوا للأحكام ، وتفانوا في خدمة الشعب والعوام، وعزّزوا الشأن العام.
مكّن هذا الانفتاح الموارنة من استيعاب الحضارة الهلينيّة والقيام بحوار بنّاء بين الحضارات فساهموا مع إخوانهم السريان في إنجاز حركة الترجمة ونقل الأدب والفلسفة والعلوم من اليونانيّة عبر السريانيّة إلى العربيّة. وبرز في هذا السياق اسمان من علماء الموارنة هما: قيس(16) وتيوفيل(17) المارونيّان. استفاد العرب والغرب من هذه الحركة الثقافيّة التي لا تزال نتائجها تتفاعل في التاريخ حتى يومنا هذا. وأتت كمقدمة للنهضة العربية التي تجلّت في القرن التاسع عشر، ولعب فيها الموارنة أيضاً دوراً طليعياً رائداً.
ولما تفكّكت أوصال الدولة العبّاسية، ونشأت الدويلات وتحكّمت، واحتدمت النزاعات في شمالي سوريا، واشتدت المضايقات، ترك الموارنة مواطنهم في سوريا وقصدوا جبل لبنان حيث انضموا الى أشقاء لهم كانوا قد استوطنوا فيه وتنصّروا منذ القرون المسيحية الأولى. ويشهد توما الكفرطابي، احد علماء اللاهوت، على نهايات هذا النزوح، إذ نزح هو بدوره الى لبنان في بداية القرن الحادي عشر(18) .
وفي الأزمنة المعاصرة، أطلق الموارنة نهضة عربية ثانية، بتجديدهم اللّغة والآداب والفكر عبر المطابع والمدارس والدوريات (المجلاّت والصحف) والمؤلّفات، انطلاقاً من ثلاثة مراكز هي: لبنان ومصر والأميركيتان. فكانوا روّاد الأفكار الجديدة والتحرّرية بدءاً بتعليم المرأة وإعطائها حقوقها، والمناداة بالحريّة والتغني بالقوميّة والمواطنيّة وبناء الدولة، وصياغة الدساتير، وتأليف الأحزاب، واحترام حقوق الإنسان وإزكاء التعدّدية الثقافيّة. وتعاطفوا مع قضايا العرب المحقّة، وساهموا في تأسيس الجامعة العربيّة، وساندوا القضيّة الفلسطينيّة، حتى إنّهم استضافوا اللاجئين في بيوتهم وأديرتهم.
وهكذا صنعوا مع جميع أجناس العرب الذين ضاقت بهم بلادهم، وأخيراً مع اللاجئين السوريين بالرغم من المحاذير والمخاطر.