تعتزّ الكنيسة المارونية بوفائها للكثلكة منذ انطلاقتها ودفاعها عن الإيمان بصيغته الخلقيدونية. من هنا، تتخطّى علاقتها بالكنيسة الرومانية، في إطار الكنيسة الكاثوليكية الجامعة، صفة العلاقة البشريّة العاديّة. إنها شركة في الإيمان والمحبّة والرجاء التزمت بها الكنيسة المارونية منذ بداياتها. ولئن أعاقت الأوضاع السياسيّة هذه العلاقة، ولاسيّما بين القرن السابع والقرن الثاني عشر، فهي قد استعادت زخمها منذ ذلك الوقت وحتى الآن. وهكذا وجّهت الدعوات إلى الكنيسة المارونيّة للمشاركة في المجامع، فشارك البطاركة شخصيّاً كلّما استطاعوا بدءاً بالبطريرك أرميا العمشيتي الذي حضر المجمع اللاتراني الرابع سنة 1215. وعندما تعذّرت مشاركتهم الشخصية، أرسلوا إليها من يمثّلهم.
توحّد العلاقة بين الكنيستين الأمانة للعقائد الكاثوليكيّة التي حدّدتها المجامع الكنسيّة، وثبَّتها التقليد الكنسي. وهما تلتقيان على مفهوم الكنيسة كجسد المسيح السرّي؛ ويؤكّد ذلك الاعتراف بأولويّة السدّة البطرسيّة، وبمسؤولية خليفة بطرس، رأس الرسل، الساهر على الوحدة المنظورة في كنيسة المسيح. تمسَّكت الكنيسة المارونيّة بهذه المبادىء، ودافعت عن ديمومة أرثوذوكسيتها، وعن اتحادها غير المنفصم بالكنيسة الكاثوليكيّة.
تعدّدت قنوات التواصل بين الكنيستين، وعيّنت روما قصّادا ووسطاء انتموا إلى مختلف الرهبانيات الغربيّة: الفرنسيسكان بحكم رعايتهم للأماكن المقدّسة(28) ؛ اليسوعيون وقد وجَّهوا رسالتهم نحو الشرق(29) ؛ الكبوشيون وقد نسجوا علاقات خاصّة مع العثمانيين؛ الكرمليون بسبب استقرارهم في الأراضي المقدَّسة. تنوّعت مهمّات قصادة هؤلاء الوسطاء طبقاً للقضايا والحاجات المطروحة عبر العصور. وحرصاً على توثيق العلاقات بين الكنيستين، اعتنت دوائر فاتيكانيّة خاصّة بقضايا الموارنة، ومنها الكاردينال الوكيل عن الكنيسة المارونيّة، ومجمع نشر الإيمان، والمجمع الشرقي، والقصادة الرسوليّة في لبنان وسوريا، ثمّ السفارة البابويّة منذ عهد الإستقلال.
ويشكّل تأسيس المدرسة المارونيّة في روما سنة 1584 أفضل مثال على الشركة في المحبّة. لقد تجاوبت هذه المدرسة مع اهتمامات روما المباشرة في نشر الإصلاح التريدنتيني في الشرق، وأدخلت الموارنة في عصر النهضة منذ انطلاقتها. وأدّت دوراً ثقافيّاً مميّزاً بين الشرق والغرب، حاكى ما قام به السريان عموماً والموارنة خصوصاً إبّان حركة النقل الأولى، وهيّأ للنهضة العربيّة الثانية التي انطلقت في منتصف القرن التاسع عشر.
قدّر الباباوات ثبات الموارنة على الايمان المستقيم وتعلّقهم بالكرسي الرسولي عبر العصور بالرغم من الاضطهادات والمضايقات حسبما يتبيّن من تواتر القصادات ووفرة البراءات. وتكثّفت الرعاية منذ منتصف القرن العشرين. فحطّ البابا بولس السادس رحاله في لبنان وهو في طريقه الى الهند.
واهتمّ البابا القديس بولس الثاني بالموارنة وبلبنان اهتماماً بارزاً طيلة عهده. فكرّس لكنيسة لبنان سينودساً خاصاً، وزار وطن الأرز بالرغم من حراجة الظروف بين العاشر والحادي عشر من أيّار 1997. وخصَّ أهله، إكليروساً ومؤمنين، بإرشاد رسولي رجاء جديد للبنان ضمّنه كل ما يكنّه له من محبة، فجاء أجمل وأعمق وأصدق ما يمكن أن يكتب عنه، ويحدِّد هويته ودعوته ومصيره.
وتعقبّه البابا بندكتوس السادس عشر، فعقد سينودوساً من اجل الكنيسة الكاثوليكية في الشرق الأوسط، وأصدر إرشاداً رسولياً حول الكنيسة في الشرق الأوسط شركة وشهادة حمله خلال زيارته الى لبنان بين الرابع عشر والسادس عشر من أيلول سنة 2012. وسلّمه أيضاً للإكليروس والمؤمنين في يوم عيد الصليب الواقع فيه 14 أيلول. وهو يشرح وجود الكنيسة الكاثوليكية ورسالتها في هذا الشرق، ويستشرف أيضاً صعوباتها الحالية على درب الجلجلة والقيامة.
ويرافق البابا الحالي فرنسيس هذه الكنيسة الممتحنة بوجودها ورسالتها بصلاته ورعايته
المراجع
28- الأب حليم نجيم، الدكتور بيار مكرزل، الفرنسيسكان والموارنة (1233- 1516)، بيروت 2009.
<br>
29- Sami Kuri, Monumenta Proximi-Orientis I (1523-1583), Rome 1989; III (1583-1623), Rome 1994.